خلال ندوة على هامش اجتماع لجنة التراث العالمي 42 بالمنامة البحرينية، قدم المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي إضاءات شافية على التراث الثقافي في المناطق الرطبة، وتندرج هذه الندوة التي نقدم تقريرا حول توصياتها، ضمن الاهتمام المتزايد الذي يولى اليوم للتراث الثقافي المادي والغير المادي في العالم.

التراث الثقافي المادي وغير المادي

 

عقد المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) ندوة مساء اليوم الجمعة الموافق 29 يونيو 2018م في قرية اليونيسكو حول الممارسات التقليدية في المناطق الرطبة. وتأتي هذه الندوة على هامش اجتماع لجنة التراث العالمي الثاني والأربعين برئاسة واستضافة مملكة البحرين.

وخلال المحاضرة التي حملت عنوان "تراث المياه: الممارسات الثقافية في الأراضي الرطبة"، تم التطرق إلى التراث الثقافي المادي وغير المادي في المناطق المعتمدة على مصادر المياه، ومنها الأراضي القريبة من البحار والبحيرات والأنهاء، إضافة إلى توضيح كيفية تعايش أهل هذه المناطق مع بيئتهم التي تؤثر على عاداتهم وتقاليدهم وطرق عيشهم.

وفي البداية تحدث السيد دايف بريتشارد المستشار والخبير الدولي في شؤون التراث الثقافي والطبيعي، حيث تناول اتفاقية "رامسار" لعام 1971م لحماية الأراضي الرطبة. وقال السيد بريتشارد إن الاتفاقية التي وقعتها حوالي 170 دولة من حول العالم تهدف إلى صون هذه المناطق وترشيد استخدامها من قبل المجتمعات المحلية، إضافة إلى مراقبتها عن كثب ونشر التوعية بأهمية حفظها. وحول علاقة هذه الاتفاقية باتفاقية التراث العالمي لعام 1972م، أوضح السيد دايف بريتشارد أن مركز التراث العالمي يتبنى اتفاقية رامسار، مشيراً إلى أنها تضم أكثر من 2000 موقع مسجل فيها، ومنها ما هو مسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو. وأكد على أن الأراضي الرطبة تملك علاقة متبادلة وإيجابية مع المجتمعات المحلية، حيث يؤثر كلاهما على الآخر، موضحاً أن هذه الأراضي تدعم وجود المجتمعات التي تعيش فيها عبر توفير مقومات الحياة المختلفة. "الحكومات الموقعة على الاتفاقية عليها الحفاظ على المقومات الثقافية في الأراضي الرطبة"، هذا ما أكد عليه السيد دايف بريتشارد، مشيراً إلى أنه وعند وضع خطط إدارة هذه الأراضي يجب أن تؤخذ القيم الثقافية بعين الاعتبار.

وفي سياق متصل، قدّم السيد طارق أبو الهوى الخبير الإقليمي في مجال التراث العالمي ملخصاً حول التقرير الذي أعدته أمانة اتفاقية رامسار بالتعاون مع برنامج "طبيعة" (وهو برنامج الشراكة ما بين الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالمنامة)، إذ يضم التقرير جرداً لمجموعة من المناطق الرطبة في الوطن العربي. وأكد أبو الهوى على أهمية المياه كمصدر أساسي للحياة، مشيراً إلى تركز الحضارات منذ القدم وحتى اليوم حول هذه المصادر. ويضم التقرير معلومات مفصلة ومحدثة عن 18 موقعاً (منها ما هو مسجل على قائمة التراث العالمي) في 6 دول عربية كمصر، موريتانيا واليمن. ويهدف التقرير إلى توثيق هذه المواقع، ويوصي بضرورة تعاون جميع المؤسسات الدولية والاتفاقيات العالمية من أجل الحفاظ على التراث الثقافي في المناطق الرطبة في الوطن العربي.

وكنموذج لموقع عربي يصنف ضمن الأراضي الربطة، تحدث السيد مظّفر سالم خبير برنامج "طبيعة" الإقليمي في العراق حول موقع الأهوار العراقية المسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو كموقع ثقافي – طبيعي. وقال إن الأهوار العراقية تقع في منطقة شهدت صعود حضارات مختلفة، وأهمها حضارة السومريين، موضحاً أن نهري دجلة والفرات كان لهما الدور الكبير في نمو وازدهار هذه الحضارة. وقدّم السيد سالم مجموعة من الشواهد حول ارتباط الممارسات الثقافية في الأهوار بالحضارة السومرية، حيث قال إن قارب الكانو الذي استخدمه السومريون للتنقل ما زال يستخدم شبيهه حتى الآن في المنطقة. كما وأشار إلى أن جمع القصب واستخدامه في الصناعات المحلية كصنع الأرضيات، أغطية البيوت وغيرها ما زال يستخدم بنفس الطريقة التي وجدها علماء الآثار موثقة في النقوش السومرية، هذا إضافة إلى اعتماد أهل الأهوار على تربية الماشية، وأهمها الجواميس، كمصدر للطعام ووسيلة للتنقل، وهو ما اعتمد عليه سكان الحضارة السومرية قديماً.

وقدّمت المحاضرة ايضاً نموذجاً آخر على تعايش البشر مع بيئاتهم الرطبة، حيث قدّم السيد سوايبو فاريسو عالم الآثار ومدير الصندوق الأفريقي للتراث العالمي معلومات قيمة حول مدينة جانيف في جمهورية بنين بأفريقيا. وقال إن المدينة تطورت على مدى 4 قرون، ونشأت كملجأ للسكان المحليين أثناء فترة تجارة الرقيق في أفريقيا. أما الدكتور يوسف ديدهيو من السينيجال، فتطرق إلى سبل التنمية المستدامة في المناطق الرطبة، واتخذ من محمية ديجوج الوطنية نموذجاً لعرضه. وأكد على أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية في المناطق الرطبة كونها تشكل مصدراً للغذاء لكل من البشر والحيوانات التي تعيش فيها. وأشار إلى أن تطبيق أساليب الحفاظ على الموارد الطبيعية في حديقة ديجوج الوطنية يؤدى إلى الارتقاء بمستوى عيش السكان المحليين، وهو ما يعكس التعاون الكبير ما بين إدارة المحمية الوطنية والمجتمع المحلي.