المقاطعة وتطور أشكال الاحتجاج

سالم الفائدة

في سياق ما يعرفه المجتمع المغربي من دينامية في الاحتجاج الاجتماعي الشعبي بأشكال مختلفة تبدع من أجل الدفاع عن العدالة الاجتماعية والكرامة والديمقراطية، نظم الفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء ندوة وطنية في موضوع: (تطور أشكال الاحتجاج بالمغرب (الإضرابات، الاعتصامات، المسيرات، المقاطعة...) وذلك يوم الجمعة 6 يوليوز 2018.

 

كلمة البداية عبد الرحمان رشيق (أستاذ جامعي باحث في علم الاجتماع الحضري) الذي افتتح اللقاء بالحديث أنماط الاحتجاجات في المغرب في العقدين الأخيرين  مبرزا كيف غادرت الاحتجاجات الأسوار إلى الفضاء العام ، وكيف تحولنا من احتجاجات ذات رهانات خارجية إلى أخرى ذات رهانات داخلية ، كما بسط في كلمته مجموعة من الأفكار  والتساؤلات المرتبطة بالاحتجاج والمقاطعة التي يعرفها المغرب في الآونة الأخيرة.

 

وقبل إعطاء الكلمة للمتدخلين، أشار إلى مداخلة مصطفى يحياوي(أستاذ جامعي في السوسيولوجيا السياسية والجغرافيا الاجتماعية) الذي تعذر عليه الحضور لارتباطات علمية، وورقته " الحركات الاحتجاجية ما بعد دستور 2011: الخصائص والاجتماعية والسياسية"، التي قدمت تحليلا عميقا ورؤية  للاحتجاج بالمغرب من خلال المعطيات والأفعال.

 

المداخلة الأولى قدمها زكريا غاني، أستاذ جامعي وباحث انثروبولوجي بالمعهد الجامعي للبحث العلمي ، حيث انطلق من مفهوم المقاطعة رابطا بينها وبين عدة أشكال احتجاجية تاريخية ، خاصة في مرحلة الثمانينيات فالمقاطعة ضد غلاء المعيشة في نظره ، تذكرنا بانتفاضة يونيو 1981 ، وقد أشار الباحث إلى أن ربط المقاطعة بالمطالب المادية فقط يفقدها محتواها الأخلاقي، كما تطرق الباحث إلى أسباب المقاطعة المتمثلة في الإحساس بالتهميش و"الحكرة" وعدم المشاركة في تدبير الشأن العام، ولعل استهداف المنتوجات الثلاثة يجسد الربط بين الاقتصادي والسياسي، وهو ما يذكر بشعارات 20فبراير التي دعت إلى عدم الجمع بين الثروة والسلطة. وفي ختام كلمته نبه الباحث إلى أن نجاح حملة المقاطعة يعود إلى طبيعة الحملة التي تتيح المشاركة دون المواجهة المباشرة مع السلطة .

 

المداخلة الثانية تقدمت بها حياة الزيراري(أستاذة جامعية وباحثة أنتروبولوجية) ، حيث تناولت حركات المقاطعة العالمية "بايكوت" التي ظهرت في أمريكا كوسيلة لتوجيه المستهلك نحو شراء منتوجات معينة وتشجيعها ومقاطعة أخرى، وقد أشارت المتدخلة إلى أن حملة المقاطعة اليوم تتجاوز البعد الاقتصادي إلى أبعاد أخرى، وهي شكل احتجاجي جديد في المغرب ظهر في سياق سياسي واقتصادي يتسم بضعف النخبة السياسية وعدم كفاءتها، كما توقفت الباحثة عند طبيعة القوى التي تقف خلف هذه الاحتجاجات مبرزة دور وسائط الاتصال وما تتيحه من فرص للتعبير عن الظلم والاستياء مما يجري في الساحة اقتصاديا وسياسيا وما تتمتع به بعض الفئات من ريع  وامتيازات، وقد ختمت كلمتها بالإشارة إلى الردة التي يعيشها المغرب مبرزة بعض أوجه التماثل بين مغرب اليوم ومغرب سنوات الرصاص .

 

أما المداخلة الثالثة فقد قدمها أحمد المتمسك( أستاذ جامعي بالمعهد العالي للتجارة، وباحث في علم الاجتماع المقاولاتي)، الذي اعتبر المقاطعة تقليد نابع من تجربة تاريخية مغربية منذ مراحل الصراع مع المستعمر في فجر الاستقلال ، حيث ذكر ببعض التجارب المقاطعة التي انخرط فيها المغاربة مثل (مقاطعة الصابون، مقاطعة السجائر، ... )، مبرزا الدور الذي كانت تؤديه بعض المؤسسات والفضاءات آنذاك في الدعاية لها (السوق بالبادية، والمسجد بالمدينة )، كما ذكر الباحث ببعض التجارب التي شهدتها الدول المغاربية ،معتبرا أن حملة المقاطعة لا تمثل خصوصية مغربية ، بل إنها نتاج تفاعل مع ما يجري حولنا في العالم. إضافة إلى ذلك توقف الباحث عند المقاطعة باعتبارها خطابا اجتماعيا يكشف عن المخبوء والصامت داخل الجسد الاجتماعي، وكذا باعتبارها سلطة مضادة للسلطة، وقد أشار الباحث في سياق مقاربته إلى ما رافق فعل المقاطعة من تعبيرات فنية وأدبية تنم عن الوعي الثقافي للشعب المغربي ، قبل أن يختتم كلمته بالتنبيه إلى أن أسباب نجاح المقاطعة في بيئتنا يعود إلى كونها شملت منتوجات  ذات صلة بالقيم الرمزية (الحليب/ الماء/ التنقل).

وقد اختتم اللقاء بنقاش عميق شارك فيه، المصطفى البراهمة الذي اعتبر المقاطعة المنتوجات  الثلاث تعبير على رفض التبعية والاحتكار والريع ، بينما أشار شعيب حليفي إلى أهمية انخراط المثقفين وإسهامهم في النقاشات الدائرة حول المقاطعة لتأطيرهذا الفعل ثقافيا وفكريا، مذكرا بتجربة التأطير الديني لأشكال الاحتجاج والمقاطعات التي عرفها المغرب عبر تاريخه .كما تحدث عبد الإله محرر عن الأثر الاجتماعي والسياسي لهذا الحراك في ارتباك بكل ما سبق .أما عبد المجيد الجهاد فقد توقف في تعقيبه عند أزمة التواصل خلال الأزمة وما رافقها من أخطاء وردود فعل كانت سببا في تأجيج المقاطعة.

وقد أغنت ردود الباحثين النقاش والتعقيبات بما يفيد المزيد من التفكير في المجتمع المغربي وتحولاته التي ترتبط بما هو تاريخي وثقافي ، وما هو خارجي.

 

كلمة الختام باسم الفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قدمها محمد عطيف الذي عبر عن شكره للمشاركين والحضور، وقد كانت فرصة للتساؤل عن الكيفيات التي يمكن من خلالها  استثمار هذه الطاقات الإيجابية التي برزت في سياق المقاطعة للمراكمة في أفق بناء مغرب الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية.