صدر للباحث المغربي الدكتور علي العلوي كتاب جديد بعنوان "الاغتراب في الجسد، قراءة في شعر أبي العلاء المعري"(255 صفحة) ضمن سلسلة منشورات مؤسسة سلمى الثقافية بتطوان، عدد 130.
وقد جاء هذا الكتاب موزعا على مقدمة وخاتمة وأربعة فصول. خُصّ الفصل الأول بالحديث عن الحياة السياسية والحياة الاجتماعية والاقتصادية والحياة الثقافية والفكرية في عصر أبي العلاء المعري. أما الفصل الثاني الذي جاء بعنوان "الجسد سجن مدنس" فقد تطرق فيه الباحث إلى الكيفية التي يذكر بها أبو العلاء المعري بأصل الإنسان من أجل تحقير الجسد، ووصفه بصفات من قبيل النجاسة والخبث ونحو ذلك، كما وقف عند بعض الوقائع والأحداث التي مر بها أبو العلاء المعري، والتي قد تكون سببا في تشكيل هذه النظرة السلبية إلى الجسد. وأما الفصل الثالث الذي عنوانه "النفس شريرة مستلبة والروح علوية لطيفة" فتضمن مبحثين هما: "النفس شريرة مستلبة"، و"الروح علوية لطيفة"؛ وتم توزيع كل مبحث على محاور. وأما الفصل الأخير فخُصّ بالحديث عن الحل الذي رأى فيه أبو العلاء المعري خلاصا من الاغتراب في الجسد، والذي يتمثل في انفصال الروح عن الجسد؛ أي الموت. هكذا جاء هذا الفصل بعنوان "انفصال الروح عن الجسد هو الخلاص"، وتضمن مبحثين هما: "تمجيد الموت"، و"رأي المعري في التناسخ وفي البعث".
ويعرف الباحث "الاغتراب في الجسد" بأنه: "الهوة الفاصلة بين الجسد والروح على المستوى السيكولوجي، والمتمثلة في رفض الجسد باعتباره شيئا ماديا ذا طول وعرض وكتلة وعمق، وتبخيس دوره في تحديد علاقة الإنسان بالآخرين داخل المجتمع، والتنقيص من أهميته في تشكيل نظرة الناس إلى بعضهم بعضا، وكذا المساهمة في تحديد مختلف أنماط التفاعل فيما بينهم داخل المجتمع. وهذا الرفض تعكسه النظرة إلى الجسد باعتباره سفليا مدنسا، وإلى الروح باعتبارها علوية مقدسة. والروح من حيث كونها جوهر الإنسان قد أجبرت على الاستقرار في الجسد". وجدير بالذكر أن "الاغتراب في الجسد" مصطلح جديد في الدراسات الأدبية، ولباحثنا علي العلوي فضل السبق في وضعه وتخصيص كتاب بكامله للحديث عنه انطلاقا من شعر أبي العلاء المعري.
ولقد وظف الباحث المنهج النفسي في تسليط الضياء على بعض القضايا الموضوعية والذاتية التي طرحها أبو العلاء المعري في شعره؛ بمعنى آخر حاول الإفادة من بعض المفاهيم المنتمية إلى حقل علم النفس لتفسير بعض الآراء المطروحة في شعر الشاعر، ولفهم شخصيته ما أمكن، طالما أن الاغتراب هو أكثر التصاقا بالنفس البشرية من شيء آخر.
وفي كثير من الأحيان، كان الباحث علي العلوي يتعاطى مع المرجعيات التي يحفل بها بعض الشعر المدرج في هذا الكتاب سواء أكانت مرجعيات فلسفية أم دينية. والمعنى المراد بالمرجعية هو ثقافة الشاعر ومعرفته، التي اكتسبها من دراساته وقراءاته ومن خبراته أيضا، والتي ترد في شعره إما تصريحا وإما تلميحا. وما يحدد قيمة المرجعية وأشكال حضورها في النصوص الأدبية عموما، هي ثقافة القارئ واطلاعه.
من جانب آخر، عاد علي العلوي إلى بعض الكتب الفلسفية، وبخاصة الفلسفة اليونانية، وبعض الكتب الفقهية والدينية، لما وجد نفسه أمام تصورات وقضايا تستدعي سعة الاطلاع، وكثيرا من الصبر والمثابرة لاستيعابها، بهدف ربطها بما يزخر به شعر أبي العلاء المعري من معرفة واسعة عميقة. ويقر الباحث بأن قراءة شعر أبي العلاء المعري ليست بالأمر الهين، إذ لا بد من التزود بقدر لا بأس به من المعرفة الفلسفية والدينية ونحو ذلك.
ووظف أيضا المنهج التاريخي وغيره من المناهج التي استدعتها طبيعة بعض المقاطع الشعرية، كما شرح بعض الألفاظ كلما دعت الضرورة إلى ذلك، باعتبار الشرح أحيانا أولَ خطوة لتفسير النص أو تأويله.