وقد التأم هذا اللقاء بمشاركة الأساتذة: إدريس قصوري، والميلود عثماني، وعبد الرحمان غانمي، وبوشعيب الساوري، وقدم هؤلاء الأساتذة خبرة أكاديمية في الموضوع والمنهجية حول أربعة مشاريع للدكتوراه في المواضيع التالية:
ـ سرديات العشق في الثقافة العربية، للطالب عبد الجليل أنوار.
ـ المضمر في الرواية المغربية، للطالب رضوان متوكل
ـ المحكي الأخروي في الأدب العربي، للطالبة سارة الأحمر.
ـ سرديات الذات في الثقافة العربية، للطالب محمد فالح.
ونسق أشغال اللقاء وسيره الأستاذ الشرقي النصراوي؛ والذي أشاد في تقديمه بدور مختبر السرديات وغيرته على البحث العلمي، وأهمية مثل هذه الندوات التي تشتغل بالمنهج والمنهج في التوجيه المبكر للطلبة،وفي خلق جيل واعد من النقاد يملك القدرة على تحليل أي خطاب وتفكيكه وفهمه، مؤكدا على أن أساس البحث العلمي الرصين التدقيق في المفاهيم والمصطلحات، والتحليل الواعي للنصوص من خلال مبدأ المحايثة؛ أي معالجة النصوص من الداخل.قبل أن يعطي الكلمة للطلبة الباحثين لتلاوة التقارير التي تتناول مشاريع بحوثهم، والتي جاءت على النحو التالي:
ـ أولا:عبد الجليل أنوار: وتطرق لموضوع ''سرديات العشق في الثقافة العربية''، مؤكدا أن أطروحته ستتخذ من السرد العربي القديم موضوعا لها، منطلقة من الاشتغال على مفهوم العشق في الثقافة العربية بشكل موضوعاتي، وذلك من خلال النظر في الإنتاج الأدبي والصوفي والفلسفي في الموضوع، بغرض رصد التفاوتات الأجناسية، والشكلية، والخطابية، مع تحديد السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية الحاضنة، وكذا البحث في الأنساق الثقافية التاوية خلف هذه الكتابات السردية، مع البحث عن النسق الثقافي الحاضن لهاته النصوص.وذلك عبر مدخل منهجي يتخذ من التاريخانية الجديدة والسيميائيات مدخلا لتحليل ظاهرة العشق في الثقافة العربية، ومن النقد الثقافي مخرجا لتحديد الأنساق المتحكمة في إنتاج مثل هذه النصوص.
ـ ثانيا:ـ رضوان متوكل:وصرح الطالب أن إشكالية البحث في ''المضمر في الرواية المغربية''، سترتكز على إماطة اللثام عن مضمرات الخطاب الروائي المغربي من خلال نماذج عدة، والمقارنة بينها، وكذا المقارنة بين إنتاجات المبدع الواحد، من أجل اكتشاف الاختلافات والفوارق، واستنتاج التشابه القائم بينها. وعليه فسيرتكز البحث على رصد الأنساق المضمرة للرواية المغربية، بالإضافة إلى الوقوف عند مضمراتها الثقافية، وكذا عند الإيديولوجيا التي تشتغل في ثنايا هذا الخطاب، دون غض الطرف عن باقي المضمرات الأخرى الكامنة؛ سواء كانت لغوية، أو مرتبطة بمكونات السرد؛ من شخوص روائية وأحداث وموضوعات. أما المتن المقترح للدراسة فيشملكل من رواية "موت مختلف " لمحمد برادة، ورواية "دانتي" لمحمد الهرادي، و"ثورة المريدين" لسعيد بنسعيد العلوي، و" المغاربة " لعبد الكريم الجويطي.
ـ ثالثا: ـ سارة الأحمر: وترصد إشكالية البحث "المحكي الأخروي في السرد العربي"تجليات المحكي الأخروي في السرديات العربية؛ انطلاقا من تيمة الحلم في شقه المتعلق بأهل الموتى والقبور وأهوال يوم القيامة. وعلى هذا الأساس؛ ستقف الإشكالية عند رصد تشكل الحلم وسيرورته والأسباب التي تحدده والدلالات التي يكتسيها، باعتباره تمثيلا للرغبة المتحققة؛ فالإنسان عندما يحلم بأنه في نعيم الجنة، فهو يتوق إلى الجنة، وعندما يحلم بأنه يتعذب أو أنهبين الأفاعي، فإن هاجس العذاب وقلقه يسيطران على نفسه، فيتحول خوفه إلى كوابيس وأحلام مزعجة.
رابعا: ـ محمد فالح، وبين الطالب أن المقصود بـ "سرديات الذات في الثقافة العربية''، هي أنماط مختلفة من الكتابةتعيش في مجموعة من الأجناس التعبيرية من قبيل الخطب والوصايا والشعر والتاريخ وكتب الطب...، ووعيا بهذا اللبس المفهومي؛ فإن الانطلاق في عملية البحث لابد أن تبدأ من هذه النقطة أساسا؛ حصر المقولات التي تتخندق ضمن سرديات الذات ثم تحديد ماهية المتون التي سيتم العمل عليها، والتي لن تخرج عن خانة السير والتراجم.ثم عرض لإشكالية البحث تقوم أساسا على رصد تنامي وتطور ثلاثة مسارات تتفاعل فيما بينها، هي أولا الذات؛ التي يتقاطع فيها الفردي بالجماعي، وثانيا التاريخ في بعده الهامشي؛ حيث أن الكتابة عن الذات تبني تاريخا آخر غير التاريخ الرسمي، وثالثا نمو الجنس الأدبي باعتباره شكلا ثقافيا يعيش صيرورة داروين. كما خلص إلىإلا أن فرضيات البحث وطبيعته تنسجم ومبادئ التحليل وفق التاريخانية الجديدة.
وبعد الاستماع للطلبة ومشاريع تصميم بحوثهم، قدم السادة الأساتذة المناقشون خبراتهم وآرائهم بخصوصها، وقد كان أول متدخل هو إدريس قصوري، وأكد على ضرورة استثمار الحضور في الندوات والمناقشات الرسائل والأطاريح، وعدم تكرار ما ينبه له الأساتذة، وركز قصوري في مداخلته على المشروع البحثي لعبد الجليل أنوار، منبها هذا الأخير لجملة من الهفوات؛ من أهمها: ضرورة الاطلاع على كيفية إعداد تقرير حول مشروع البحث وفق نظام الفقرات، ولغة علمية سليمة خالية من الأخطاء، تعمد على علامات الترقيم المناسبة، ونظام الإحالات، مشددا على ضرورة تقيّد الباحث بمعايير الدقة والأمانة والمسؤولية والجدة والنظام والوضوع المنهجي والمفاهيمي، والابتعاد عن الهستيرية والعجلة؛ وغيرها من العناصر والمواصفات التي اعتبرها غائبة في تقرير الباحث أنوار الذي خيب أفق الانتظار.
وعبر المتدخل الثاني:الميلود عثماني في مداخلته عن وجهة نظره في لقاءات المنهجية التي اعتبرها ليست فقط تتتبعا لسلسلة الهفوات، لكون كل فكرة قابلة للرد من زوايا مختلفة، معتبرا مشاريع هذه البحوث عينات للتفكير، وتبعا لذلك قدم خبرته بخصوص تقريري سارة الأحمر ورضوان المتوكل. مشيدا بقدرتهما على هندسة البحوث وتصميمها، واستفادتهما من المحاضرات المناقشات. كما وجه جملة ملاحظات لمشروع البحث الذي تقدم به المتوكل لدراسة المضمر في الرواية المغربية محذرا إياه من السقوط في المقاربة التلفظية، ومواجهته للفراغ في الدراسات السابقة، وإلى أهمية العلاقة الحميمة التي ينبغي أن تكون بين الشقين النظري والتطبيقي في البحث، وضرورة تبرير الاختيارات، وضبط العدة المفاهمية؛ والإشكالية التي تستخرج من الملاحظة ومن المراجع المقروءة؛ والتمييز بين المضمر وبين النسق المضمر. كما نبه عثماني الباحثين إلى كون الإطار النظري بمثابة خريطة طريق تكشف تعامل الباحث مع بحوث الآخرين التي لا ينبغي أن تكون بانتهازية وبكرم حاتمي على حد تعبيره.
واعتبر المتدخل الثالث: عبد الرحمان غانمي، أن لقاءات المنهجية ليست عملا روتينيا؛ بل هي لما بعدها، لكون الخبرة المقدمة تعاقد لتمديد تسجيل الطالب في الدكتوراه من عدمه. وانصب تركيز المتدخل على المشروع الذي تقدم به محمد فالح لدراسة سرديات الذات في الثقافة العربية، حيث وسم مشروعه بالعمومية، وبغياب الخطة الواضحة والدقة المنهجية، وافتقاد النصوص المشتغل بها لصفة الشمولية، وارتباك الأفكار واللغة. كما نبه جل الباحثين لأهمية العناية بالتقارير التي تصف مشاريع بحوثهم لكونها بحوثا مصغرة إذا حدث فيها تناقض بين الأفكار والمنهج والمنهجية؛ فإنه سينعكس عن البحث كله.
وكان آخر متدخل هو بوشعيب الساوري، والذي قسم ورقته إلى ثلاثة محاور، الأول: عبارة عن ملاحظات عامة بخصوص كيفية كتابة تقارير مشروع البحث، والالتزام بخطة واضحة للعمل لإنجازه في الوقت المحدد. ونوه الساوري بالمواضيع الجديدة التي اختارها الطلبة قبل أن يعود ليحذر من طريقة طرحها من حيث دقة العناوين والمنطلقات النظرية وتبريرالاختيارات. وركز في المحور الثاني عن تقرير سارة الأحمر التي دعاها إلى الاستفادة من الدراسات السابقة ومحاورتها وتجاوزها؛ وإلى ضرورة تعميق القراءة المتنوعة لامتلاك القدرة لخوض غمار البحث في موضوع المحكي الأخروي الذي يعد موضوعا شائكا. وجاء المحور الثالث عبارة عن توجيهات تخص الأطروحة، وأهميتها، وأهدافها.