أسال العصفور الذي ينقر فتات الخبز في كفّي عن العشرة بعـدما قطعـوا الشجرة ؟
ألعن الأجنحة و الحرّية... تدندن القضبان التي تفصلنا، في هذه البلاد كليكما مسجونا.
يجرجر عبر الرّواق رجل جديد بساق شبه مهشّمة.
لا أحد هنا من بين الوجـوه المتبلّدة و العيـون الشاخصة يجيبه عن مستقبله، رموه معي، تحجّجت بتنظيف دورة المياه هروبا من الأسى في ملامحه و ذكرى اليوم الأول لي.
اكتشف لاحقا أن خالد يتبول لاإراديا جرّاء جلسات التعـذيب، الحارس يتبوّل علينا بملء إرادته.
كنت أرسم بطرف ملعـقـة وجه حبيبتي الذي بدا شاحبا أكثر مما ينبغي، سحب الملعقة من يدي دون أن ينبس ببنت شفة.
- عن مفردات كثيرة لحشرها في السنتيمترات المتبقية، على جدار الزّنزانة لغة حقيقية حية تتنفس، تنبض و لا إسرائيلي بكامل أسلحته استطاع استئصال التورّم فيها. كل النّصوص خارجها مصابة بالنّعاس و متخمة بالشعارت الفارغة.
ــ سألني خالد للمرة الأولى بعد اليوم الثالث، متى تخرج ياغسّان ؟ سمعتهم هكـذا ينـادونك، انفجر السؤال كلغـم و تحوّلـت شفاهه التي يبست إلى فوهة بركان.
(غسّـان أسير محكوم عليه بالمؤبـّد كان يخوض معاركه المعتـادة مع سلطة الإحتلال دون سلاح و بجسده فقط.)
ــ أنا روح حرة يا خالد جسدي وحده يذوب هنا.
ــ إسمع .. تزوّج.
ــ أتزوّج ؟
ــ مشيرا إلى الوجه المحفور على الحائط، على الرصيف المقابل امرأة مسنّة تدعى أم السعد، تشكو عمرها الطويل... كانت تعصر كل يوم زيتون شجرة مقابلة، ستساعدك.
بعد فترة من زواجه بغادة، قرّر أن يهرّب سائله المنوي بعدما أخبرها في آخر زيارة أنه مذ أمر الله نبيه بذبح ابنه و فداه و أنا أشتهي الحياة.
ــ من النطاف المهربة من السّجن، من أم عذراء وأب حرّ الدماء ولد علي، كنبي يحلم بطيّ الخراب بين أصابعه ، و يخيط تلابيب ليل السجون الطويل.
ــ من لحاء جذع شجرة الزيتون المجذومة يقطر زيت جديد...
يضاء قنديل بدل ساق أم السعد، الذي فقـدته في حفرة المحاولة...
بعد ميلاد علي، النطفة رقم مليون من مني الحياة، نسيت أم سعد أنها لم تحظ بقبر لإبنها البكر.
من بين القضبان تناول الحياة، بنكهة الزّيت و الزّعتر.
ــــ غسّان يغرّد كل صباح... بعدما تخلص من كوابيس المفاتيح الصدئة.
.علي بن دمي لا تحدّه الجدران... يزورني نبضا أوشرايينا
الجزائر 22 أوت 2017