فجوة الوقت تخنق الرؤية
والوتر يتربّص النوافذ الضيقة
فكيف نراوغ هذا الدمس المرتبك
والليل المحموم يتلو فاتحة الموتى
فوق بيوت الأحياء
ألا يهدأ جموح الحياة جلجلة؟
عقيرة المدينة تغريني أدوّن موتي
لم يعد في الشجر العاري طيوراً لهذا
أبحث عن ظلال الطفولة وقلبها الشقي
عن حرّاس الفوانيس ومصائد الدروب
في الكف البعيد قبل رحيل الوقت
كان لي نهراً ولبادةً من عشب وشرفة مبتورة
إن نهض من ندى السحاب صوت المطر
انقسم الليف على ظلّه
وسقط مضرجاً بأحلامه
تتلوّى الدروب الظمأى
تدور كالرحى بين موتين
وما زلت أنا في ثوب الصغار
زهرة على السياج
ربما يكبر الحلم حفنة من ترانيم الابتهال
ويمتد ربما بساط التيه ربيعاً مؤجلاً
لأصطفي من أخضر البساتين صوت التراب
أرتدي قدماي وأخطو آخر غيبوبة للدروب
تتوارى خلف ظلّي المتعب مسافة العربة
تئن الأبواب الصدئة من قطافها
والصرير مثل حزن يتقلّب في دار الأيتام
أن تستل نوافذ الأرض الوجوه يحدث كثيراً
وكثيراً كثيراً يجثم بياض اليقظة
فوق رحم الشقاء نبتاً يتناسل
لا يتسع العشب لضفاف الساقية
والماء المصلوب مواكب جنائزية
تعرّي المدينة أصابعها وتتجرد من نكهتها
المواسم توشك أن تنفرط
تمر البيادر ممتدة في مروجها
وزهرة الشمس تحملها عصافير الرمان
قالوا هذه الهوة لا تكتم نفحاً فلا ترتحل
أعمق سريرة هذه لا يبصرها غافل
أن تأوي الصمت
ثمة حفّار للقبور يُسربِلك ثوباً من الحَصى
تمطر غابة المدافن أثواباً معلّقة في السماء
نصال بالضلوع ترتق الجهات الساجدة
أفتش في منفاي
عن شغف الصبح
وسفر العابرين
بعينين زاهدتين تتهافت الرحيل
ظمئي لمروجك يقشّر جوفي وقدماي لا تبارح
خذني من تعب الطريق طيراً أضناه الطواف
قبل أن يزف الغياب حقائب الغربة
في بساتين الموت
قلْ لي
كيف تمضي مواسم الإخفاق
بلا ملامح والسلال عاقرة
وأي سر في المآقي المولودة
من عتمة الجفاف
خلف تلة الخيبات
أنتظركَ شجرة توت بلا حقل
ننفطر نرجساً ويمامة
لنبارح غروب العمر أهزوجة
في تكايا الدراويش
أقبع مولودا متعثراً من رؤية
قد كنتَ حزني
وألمي وخَدِيني وغيومي المرتبكة
كَسوْسنة وحيدة في نهر جاف تنتظر عناقاً
ألملم مسافة الاحتضار
وصور القناديل وأتوسد موتك
مثل القَتامُ أتلاشى بأجنحة من سحاب
وأعود مطراً في وجع المحراب
كي أراك في الضوء المقبل..