يسرد القاص العراقي محنة الغريب الوحيد مع كلبه بنصٍ مكثف قصير يكشف عن عمق الأغتراب فيفضي للكلب كيف كان جباناً حينما تحرش بامرأة وأصطحبته إلى دارها في ذلك الوطن البعيد، فيبدو الكلب وكأنه فهم القصة أو خيل للراوي ذلك.

الغريب والكلب

رياض كاظم

 

فوكسي يجلس في البلكونة طيلة الوقت، فهو يحب الشمس والهواء الطلق، عكسي أنا.
أنا أحب جو الغرفة نصف المظلم المشبع بالبخار.
البخار يساعد رئتي العليلة ويجعلني أتنفس بشكل جيد.
أخذت حماماً وغيرت ملابسي وجلست في البلكونة.
قفز فوكسي بحضني وقبلني.
القمر هذه الليلة في أوج إكتماله، قرص مدور يحفز الرغائب والذكريات القديمة.
همست بأذن فوكسي
يا لها من رحلة؟
رفع فوكسي أذنيه الثعلبيتين وأنصت لي.
قلت-لن أعكر عليك صفو ليلتك الجميلة هذه وأروي لك حكاية حزينة.
سأروي لك سر اًصغيراً.
كنت شاباً جميلاً. تبسم فوكسي.
لا أفهم كثيراً سر ابتسامته فهو كما أظن يفهم معنى الجمال والنظافة ولا يقبلني الا أخذت حماماً وفرشت أسناني.
أكملت. كنت أتنقل كثيرا في مصلحة نقل الركاب، تلك متعتي الوحيدة في المدينة التي كنت أعيش بها وهي على أية حال أقصد المدينة خالية من المتع بالنسبة لشاب في مقتبل العمر مثلي.
أجلس في المقعد قرب النافذة وأخلع حذائي وأتطلع للشوارع التي أعرفها تماماً والى الوجوه المتعبة والفرحة والحزينة وأفسح مكاناً لفتاة جميلة لتجلس الى جانبي.
رمت فتاة غارقة بالسواد جسدها الفتي الى جانبي ونفخت هواءاً حاراً من فمها علامة على التذمر.
عرفت من ملابسها السوداء ومظاهر الحزن البادية عليها أنها زوجة شهيد قتل في الحرب.
خلعت حذائي ولمست ساقها بأصابعي.
أخذت تنفخ الهواء بقوة.
ثم استسلمت لمداعباتي.
أنزلت فوكسي من حضني ووضعته على الأرض ثم توجهت نحو الثلاجة وأخرجت علبة بيرة.
لاحقني فوكسي كأًنه يريد سماع تتمة الحكاية.
وصل الباص الى آخر نقطة وتوقف هناك.
نزلت البنت وأشارت لي بأن أتبعها.
مشيت خلفها لوقت طويل.
كنت خائفاً يا فوكسي.
هز فوكسي ذيله ونبح.
توقفت البنت عند بيت وطلبت مني أن أنتظر.
إختفت داخل البيت لوقت حسبته طويلاً جداً.
جاءت امرأة جميلة جداً، سمراء ونحيفة.
نظرت لي ثم ابتسمت.
ربما كانت تلك أجمل ابتسامة أراها بحياتي.
غمزت لي وقالت-تعال؟
دخلت للبيت. كانت باحة البيت واسعة وكان هناك أطفال يلعبون ورائحة طبيخ تملأ المكان.
إختفت المرأة الجميلة في إحدى الغرف ولم يهتم الأطفال كثيراً لوجودي.
بقيت إنتظر في الباحة وأدخن بعصبية.
شعرت بخوف شديد عندما خرج رجلان من إحدى الغرف ونظرا بشزر ناحيتي.
حينها قررت أن أغادر.
غادرت..
هل فعلت الصواب يا فوكسي؟
أم إني مجرد شخص جبان لم يستطع أن ينتظر لدقائق حتى تهيأ البنت نفسها وفراشها لحبيب جديد.
آه يا فوكسي..
هز فوكسي ذنبه ولعق قطرات البيرة العالقة على العلبة.