يستعد مختبر السرديات والدراسات الثقافية أن يتخذ أعمال هذا الكاتب المرموق أرضية ليوم دراسي يناقش مشروعه النقدي المتميز، من خلال بحوث مركزة تستجلي مقاصده الفكرية وأهدافه المعرفية والمنهجية وممارساته النقدية ونتائجه وأطروحاته. بالفضاء الجامعي بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، هنا ورقة تعريفية عن اللقاء.

السرديات المُوَسَّعة قراءات في مشروع د. سعيد جبّار

 

يندرج مشروع الباحث الناقد سعيد جبار في إطار "السرديات"؛ فهو يدرس السرد العربي وتجلياته النصية وتمظهراته الخطابية في اتجاهين: اتجاه نظري يرمي إلى إبراز المقولات السردية وتنويعاتها وتجلياتها المختلفة، واتجاه نقدي يروم تحليل النصوص وإبراز خاصياتها الدلالية والفنية والجمالية. وقد تفرع هذا المشروع في مبحثين منفصلين: يتعلق الأول بالسردية العربية التراثية، المتمثلة في النصوص الحكائية العربية القديمة، بينما يتعلق الثاني بالسردية العربية الحديثة، المتمثلة في الرواية المغربية.

في مجال التراث السردي العربي، اقترح سعيد جبار نسقا نظريا ومنهجيا، مشفوعا بممارسة نقدية وتحليلات نصية، انطلق فيها من مفهوم الخبر بصفته شكلا سرديا بسيطا ونواة مركزية للخطاب سردي، تتفرع عنها التجليات السردية المركبة الأخرى عن طريق التوسيع والتركيب (2004). وانطلاقا من تصوره هذا للخبر، بحثَ في خطوة ثانية أشكالَ التوالد السردي، على المستوى الأفقي الذي يسمح بالانتقال من بنية الخبر البسيطة إلى بنية الحكاية أو القصة المركبة، ثم على المستوى العمودي الذي يسمح بإدماج أحداث وحكايات وأخبار متفرقة في متوالية سردية لها نسقها الخاص ومقروئيتها الخاصة (2006). وفي خطوة ثالثة، انتقل إلى دراسة البنية الدلالية للخطاب السردي، في أبعاده الواقعية والتخييلية؛ حيث بحثَ طرقَ اشتغال التخييل ودوره في بناء النص السردي العربي، في تعالقه مع المعطيات الواقعية (2013). وفي خطوة رابعة، درس خطاب الرحلة بصفتها نصا ثقافيا يتجاوز الجانب الإخباري ليؤسس معرفة قائمة على إعادة إنتاج الفعل الرحلي، وفق تمثّلات الكاتب، وضمن سياق تواصلي يفرض شروطه المقامية واستلزاماته الحوارية (2017). ثم في خطوة خامسة، يدرس الأمثولة (أدب الأمثال)، باحث في مكوناتها السردية وخصائصها الدلالية والتداولية، في إطار مقاربة سردية موسعة، انفتح فيها على التداولية وعلى العلوم المعرفية (2019).

هكذا انتقل سعيد جبّار، في دراساته للتراث السردي العربي، من الاهتمام بالبنية السردية البسيطة إلى دراسة أشكال التركيب السردي، ثم من البنيات المركبة إلى اشتغال الدلالة والمعنى، ثم من البنيات الدلالية إلى الأبعاد التداولية والمعرفية للخطاب السردي. وفي كل مرحلة من مراحل مشروعه المتنامي والمتطور، استدعى ما يناسبه من أطر نظرية (معرفية ومنهجية)، منها نظريات السرد والنظريات التداولية والنظريات المعرفية؛ كما وأنه استحضر المدونة السردية العربية القديمة من خلال نماذج نصية دالة؛ حيث اشتغل على قصص القرآن والسيرة النبوية و"ألف ليلة وليلة" و"كليلة دمنة" و"الرحلة العياشية"، و"الرحلة الأوربية" و"النفحة المسكية" و"سيرة سيف بن ذي يزن" و"سيرة الظاهر بيبرس" و"سيرة عنترة بن شداد" و"سيرة الزير سالم"، بالإضافة إلى نصوص حكائية عديدة من كتاب "عرائس المجالس" ومن كتاب "الأذكياء" ومن كتاب "الاعتبار" ومن كتاب "النمر والثعلب" ومن كتاب "السلوانات"، وغير ذلك...

أما في مجال السرد العربي الحديث، فقد درس سعيد جبار نماذج دالة من الرواية المغربية (2004)، منطلقا من منظورين: منظور نصي يستكشف مظاهر التداخل بين المكون الواقعي والمكون التخييلي، ودورهما في البناء السردي للرواية؛ ومنظور تاريخي يبرز جانبا من التحولات التي عرفتها الرواية المغربية في أواخر القرن العشرين، على مستوى الارتباط بالذات، وعلى مستوى اعتماد مفهوم جديد للكتابة، وعلى مستوى تنويع القضايا والموضوعات، ثم على مستوى التوظيف الفني والجمالي للتراث السردي العربي.

وفي هذا الصدد، قدم مقاربات نقدية لثمانية نصوص روائية مغربية، هي: "دليل العنفوان" لعبد القادر الشاوي، و"لعبة النسيان" و"مثل صيف لن يتكرر" لمحمد برادة، و"وجوه" لمحمد شكري، و"خط الفزع" لإدريس بلمليح، و"نساء آل الرندي" للميلودي شغموم، و"شجيرة حناء وقمر" و"السيل" لأحمد التوفيق.

ورغم أن سعيد جبار لم يخصص للسرد الحديث إلا كتاب واحدا من كتبه الستة، هو كتاب "السيري والتخييلي في الرواية المغربية"، فإن مشروعه النظري والنقدي يتجه صوب رؤية منهجية شاملة للسرد، تلتقي عندها النصوص القديمة والحديثة، في إطار سرديات موسعة ذات منحى تداولي ومعرفي. ولعل الفقرة النهائية من كتابه الأخير "خطاب الأمثولة" (وهو قيد الطبع والنشر 2019)، تدل على ذلك بوضوح:

"قد نتخذ في المحطة اللاحقة متنا سرديا حديثا يقدم لنا مادة أدبية يتآلف فيها الوقائعي والتخييلي في صورة تفاعلية خاصة، تُنتَج عبرها معرفة أدبية جديدة ترتبط بالتحولات التي عرفها الفكر الإنساني عامة في ظل التحولات الثقافية والتكنولوجية الحديثة، وتتشكل في بنيات سردية مغايرة للبنيات السردية التقليدية التي توقفنا عندها فيالثقافة العربية الإسلامية القديمة. يكون هذا المتن إذن أرضية لتجريب أدواتنا المنهجية من جديد وتطويرها ومنحها مشروعيتها المعرفية" (ص201).

مؤلفات الدكتور سعيد جبار:

· الخبر في السرد العربي؛ التوابث والمتغيرات، منشورات المدارس، الدار البيضاء، 309ص.

· السيري والتخييلي في الرواية المغربية، منشورات جذور، الرباط، 2004، 135ص.

· التوالد السردي، قراءة في بعض أنساق النص التراثي، منشورات جذور، الرباط، 2006، 139ص.

· من السردية إلى التخييلية، بحث في بعض الأنساق الدلالية في السرد العربي، منشورات ضفاف، بيروت، 2013، 216 ص.

· خطاب الرحلة؛ الذاكرة وآليات إنتاج الدلالة، منشورات رؤية، القاهرة، 2017، 200ص.

· خطاب الأمثولة؛ حوار الفكر والسلطة؛ مقاربة تداولية معرفية، منشورات كنوز، عمّان، 2019، 208ص.

يسر مختبر السرديات والدراسات الثقافية أن يتخذ أعمال الدكتور سعيد جبار أرضية ليوم دراسي يناقش مشروعه النقدي المتميز، من خلال بحوث مركزة تستجلي مقاصده الفكرية وأهدافه المعرفية والمنهجية وممارساته النقدية ونتائجه وأطروحاته. وسيكون ذلك يوم الجمعة 2 نونبر 2018، ابتداء من الساعة التاسعة صباحا، بقاعة الندوات عبد الواحد خيري، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء بمشاركة جليمة وازيدي وأحمدجيلالي وبوشعيب الساوري وعبد الجليل زهران وإبراهيم العذراوي ونور الدين بلكودري وأحمد بلاطي .