يوم الاثنين 22 أكتوبر 2018، لم يكن يوما عاديا ومألوفا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان – بني ملال، حيث استضاف مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية، الروائي والناقد محمد برادة، بحضور جمهور كثيف ومائز ملأ كل الفضاء وأضفى عليه دفئا خاصا من أساتذة من مختلف الشعب وباحثين في الدكتوراه والماستر وعموم الطلبة والصحافة الوطنية والجهوية، حيث تحول اللقاء إلى حدث ثقافي وعلمي لافت، وهو ما أبرزه المتدخلون في هذا اللقاء الذي دامت مدته حوالي ثلاث ساعات برئاسة دة. فاطمة الزهراء صالح عضو المختبر ورئيسة شعبة اللغة الفرنسية. والجدير بالذكر، أن اللقاء عرف تدوينا له عبر تصميم فني للافتته، والملصق بذوق جمالي رفيع من قبل الفنان التشكيلي خلدون بوشعيب.
في البداية ، وباسم رئاسة الجامعة تناول الكلمة نائب الرئيس د. رشيد اللبيب ، إذ عبر عن تثمينه للفعل الثقافي واستعداد الجامعة لدعم الأنشطة العلمية ،منوها باستضافة الكاتب محمد برادة، وهو ما أكده السيد عميد الكلية بالنيابة د. يحيى الخالقي، مشيرا إلى قيمة محمد برادة في المشهد الثقافي والنقدي والروائي، وبدوره وقف د. عبد الرحمان غانمي مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية، عند دلالات هذا اللقاء بالنسبة للجامعة ، وأيضا الطلبة..، مؤكدا على الاستراتيجية العلمية للمختبر، مشيرا إلى أن المختبر صاغ برنامجه لهذه السنة، المفتتح باللقاء مع محمد برادة. بعده تحدث مغراوي الحبيب نيابة عن رئيس شعبة اللغة العربية، مثنيا على هذا النشاط الثقافي العلمي. مباشرة تقدم د. عز الدين نزهي (أستاذ اللغة الفرنسية بكلية الآداب – بني ملال) بمداخلته المعنونة:
« la toile blanche dans lumière fuyante » de MOHAMED BERRADA.
اعتبر فيها أن محمد برادة في روايته ‘'الضوء الهارب'' يحبك نسيجا سرديا يكشف فيها حياة الفنان العيشوني، باعتباره شخصية روائية رئيسة، الأمر يتعلق بصراع يواجه بياضات السرد المتحول، ووضع الشخصية ضمن إطار الأجساد واللوحات، بهذا المعنى فإن برادة يختبر الكتابة عبر الفن، وتأويل علاقة الاحتكاك بين فاطنة ونحت رودانRodin، وإبراز قيمة من حياة الإنسان وهو ينسحب على اختيار فضاء طنجة.
بعده تدخل د. نور الدين بوريما (رئيس شعبة الإنجليزية بكلية الآداب -بني ملال )في مقاربة ركزت على الاهتمامات العلمية لمحمد برادة، مع إبراز التقنيات السردية في التخييل السردي الروائي لأعماله.
مباشرة انبرى محمد برادة للحديث عن مسألة التخييل السردي الروائي عملية تتعلق بتوظيف المخيلة لتوسيع الأفق والمجال المادي الذي نعيش فيه، فنحن لا نستطيع العيش بدون مخيلة، ولكن أحيانا ما ننسى أنها موجودة وتؤثر في تلقينا للأشياء، ليربط وجود التخييل بالرواية باستعمال اللغة التي ستشكل المشكلة بالنسبة لكاتب الرواية، باعتبار أن اللغة ليست ملكا خاصا يستعمل في نوع من التعبير كالموسيقى أو الصورة، بل اللغة هي مشاعر أشياء نرثها أولا ونتعلمها ثم عندما نحاول أن نبدع بواسطتها نحاول أن نخصصها ،أن نعطيها طابعا يستمد من وجداننا وبالأخص من ذاكرتنا ، معتبرا أن التخييل يقودنا إلى العلاقة باللغة ، متسائلا عن علاقة التخييل باللغة، فهل أي لغة يمكن أن تزعم أو تقول بأنها ستقودنا للتخييل أم أن التخييل ينطلق أساسا من واقع الأشياء نجمعها ونختزنها في الواقع المعيش من تجاربنا الحياتية المختلفة؟ مؤكدا على أن اللغة نفسها التي جمعناها ما هي إلا لغة الوسط الذي نعيش فيه وليست لغتنا ؛ ليذكرنا بما جاء به ميخائيل باختين معتبرا بأن لغتنا هي لغة مستمدة من مجموع سجلات لغوية متعلقة بالمهن وحقب ، وقبل أن نخرج من البيت تبدأ لغة الآخرين تغزو لغتنا ونحن نستمع للأجهزة ونتحدث عبرها .هذه اللغة المتراكمة المختلطة تواجهنا عندما نحاول أن نكتب نصا سرديا، ليجيب د. محمد برادة عن سؤال مركزي يحدد فيه العلاقة بين الواقع والتخييل معتبرا أن الواقع مهما كان معبدا وفسيحا يبدو دائما ضيقا لا نقبل أن نعيش في هذا الواقع المقدر لنا أن نعيش فيه ، دائما نبحث عن نوافذ تقودنا إلى عالم فيه الكثير من المخيلة والتخييل يسعفنا على أن نتابع الحياة، ليذكرنا بما كتبه ''فوردي فيلد'' عندما قال ''أن وظيفة التخييل تقوم على عنصرين: عنصر كاشف وعنصر محول. العنصر الكاشف هو أن التخييل يتصف ويغترف من أشياء واقعية ولكن يكشف فيها أشياء لم ننتبه إليها عندما تضاف أبعاد التخييل يظهر لنا الشيء المحدود أكثر اتساعا ومشتملا على أكثر الاحتمالات .والوظيفة والعنصر الثاني التحويل مجرد أن نتحدث عن شيء من خلال التخييل مضاف إلى الواقع ، مجرد الحديث عن ذلك، يجعل هذا الشيء يتحول في نظرنا. هناك أشياء لا تنتمي إليها إذا تكون ملقاة في تفكيرنا ن ولكن عندما نسلط الضوء على هذا الواقع يمكن أن تكون هذه الشخصية لها أبعاد مختلفة، تتم الحادثة من طريقة مغايرة بمجرد أن ننقاد إلى عملية التحويل فإننا نحول هذا الشيء ومن معنا فعلاقتنا بالتخييل تصبح علاقة جد خاصة وجد مختلفة على علاقتنا ببقية الخطابات التي تؤطر المجتمع الذي نعيش فيه داخل كومة من الخطابات (سياسية اقتصادية دينية....) وقد تتخلل هذه الخطابات رسائل تلفونية أو غرامية، لكن مع ذلك هذا الكم من الخطابات الذي نعيشه يوميا يجعلنا في أشد التطلع للبحث عن خطاب ينفذ إلى العقل؛ إن هذه العلاقة بالتخييل تنقلنا إلى فسحة أكبر من الشعرية ولا تطالبنا بالمراقبة نحن ننغمر ونحقق نوعا من التفاعل لا نظل مقيدين بالمقاييس.
من خلال هذا استحضر د. محمد برادة نصا قرأه على الحضور يتعلق بالتخييل والواقع كيف يتحول من خلال تجربته الكتابية الخاصة، مستعينا بمشهد من ''لعبة النسيان'' ليحاول تذكر كيف عاشه قبل أن يكتبه وهو طفل في مدينة فاس عنوان هذا النص هو'' يوم لمست جسد عمتي العاري وهي على المغسل''
أعقب ذلك نقاش مفتوح بين الطلبة ومحمد برادة حول قضايا الكتابة وتجربته الروائية ونصوصه، بتفاعل سلس وشيق.
بعده، تقاسم عموم الطلبة وقتا غير وجيز مع الكاتب برادة في اقتناص للحظة وتوثيقها بالصور والتوقيعات.