تحاول الكاتبة اليمنية في نصها القصير تصوير يوميات الحرب في بلدها منتخبة حدثاً في ذروته لحظة انفجار في مقهى متنقلة بين العالم الأول قبل الانفجار وخيال العالم الثاني الخيالي فترسمه بتفاصيل واقعية تشبه الحياة الجارية مبشعة فعل الحرب.

يوم لم ينتهِ

انتصار السـري

 

ها أنا أجلس على مقعدي أرتشف قهوتي، يا له من مقهى غريب عني! لكن للقهوة نفس مذاق مرارة قهوتي.

هناك بشر ليسوا كالبشر الذين عهدتهم، يقال إن ضيوف العالم الآخر يتردون ثيابا ناصعة البياض، ويشربون خمراً حرمت عليهم.

من يقمن بخدمتنا هنا نادلات لسن كفتيات عالمنا الأول، لا يحملن موصفات بنات عالمنا، وهنا عرفت سر إقبال شباب عالمنا السابق إلى...

هناك لا يوجد مسنون، فالكل يعودون إلى صباهم، يفصل بين السعداء والتعساء صراط مستقيم، بعض من عرفتهم من ساسة وتجار وشيوخ دين ينزلون في قسم التعساء، والكثير من الأشقياء ومتعبي العالم الأول يقطنون في قسم السعداء.

على الطاولة كانت هناك جريدة، طالعتها باحثاً عن أخبار العالم الآخر، تبدو حديثة الطباعة، أوراقها تمزقت بعض الشيء، آها.. هي لا تسرد أحداث العالم الذي أنا نزيل فيه بل العالم السابق، فتشت بفضول أستشعر أخبار من تركناهم، قلبت عناوينها، وتفرّست في سطورها، في إحدى صفحاتها وبالبند العريض عنوان يتوسط الصفحة لحوار النزيل الجديد، وفيه يسرد خبر موت الصحفي في أحد مقاهي العاصمة.

يقول ذلك الشاب في حواره مع محررة صفحة الأحداث:

  • غادرت منزلي في وقت متأخر فقصف الليل اصابني بالأرق، واستيقظت متوجساً من أحداث نهار لا نهاية له.

الطريق كانت مزدحمة، الكل في الحافلة يتحدثون عن الحرب، شعرت بغثيان فأنا لم أتناول فطوري، منيت نفسي بكوب القهوة الذي ينتظرني في المقهى.

في المقهى جلست على طاولتي المفضلة, فتحت جهازي المحمول، وشرعت بقراءة رسائل بريدي الإلكتروني، فتحت ملفاً وشرعت بكتابة هذه السطور.

على الطاولة المقابلة جلست صديقتي الكاتبة، كانت منهمكة بتنقيح روايتها الجديدة, يا لها من فتاة ساحرة الطلعة تشدني إليها رغم صدودها لي في أغلب حديثنا.

لمحت النادل وطلبت منه قهوتي، عيناه كانت تتفرس في ملامح وجهي فخمنت أنه يتساءل عن سبب عدم غسل وجهي في ذلك النهار، تبسمت له مخاطبا:

  • هل لي بقهوتي السادة يا فيصل فرأسي يؤلمني؟
  • حاضر يا أستاذ.
  • بكتابة مقال جديد، أفكر بنشره في إحدى الصحف العربية التي تتلهف إلى نشر مقالاتي، وكل ما هو جديد من تدويناتي لأخبار الحرب.

ببسمته المشرقة وضع النادل فنجان القهوة مع كوب ماء بارد, مشتتاً أفكاري، رددت له الابتسامة بأفضل منها.

رن هاتفي.. كان المتحدث صديق لي يحذرني من تداعيات مقالي في العدد الأخير, بعصبية قلت له:

  • ذلك هو فكري وتلك هي مبادئي، وكوني يسارياً فذلك لن يغير من توجهي ورأيي ابداً.

سممني حديثه، فتوقفت عن الكتابة. وركزت متلذذاً برشف قهوتي ونفث دخان سيجارتي في حلقات دائرية, من حين إلى آخر اختلس النظر إلى صديقتي المنهمكة في الكتابة دون شعورها بوجودي.

تخيلتها عارية فشعرت بشهوة مباغتة، وفيما كنت التهمها بنظراتي أخترق السماء دوي هزَّ الأرض فشعرتني أطير إلى الغيوم بصحبتها لأسقط في سكونٍ أبدي، ولم أعد أسمع أو أرى أو أحس.

 

29/1/2016م