الملخص التنفيذي:
حاول الفكر العربي الإسلامي، طوال قرون، تناول أثر الاستبداد في منظومة الأخلاق الاجتماعية، وتنوعت المعالجات لهذه القضية من زوايا ووجهات نظر مختلفة. ومن هذه المحاولات، سعى بعض المفكرين للبحث في تراثنا، من أجل تحليل أسباب رسوخ "الملك العضوض"، والكشف عن جذور الاستبداد التي تكمن في منظومة الأخلاقيات التي ورثناها عن نظم الحكم الاستبدادية التي غطت تاريخنا. ويعد محمد عابد الجابري، من أبرز من قاموا بنقد الأخلاق المؤدية للاستبداد، في كتابه "العقل الأخلاقي العربي"، والذي ناقش فيه علاقة التراث بالاستبداد، وخرج بنتائج تباينت ردود الأفعال حولها ما بين مؤيد ورافض.
إشكالية الدراسة:
تحاول هذه الدراسة، تفسير أثر الاستبداد في منظومة الأخلاق الاجتماعية في تراثنا العربي الإسلامي، وهل المسئولية في حلول الاستبداد تعود للأخلاق، أم أن الوقوع في أسر الاستبداد هو وحده المسئول عن فساد المنظومة الأخلاقية، أم أن هناك أسباباً أخرى تفسر ذلك. وخلصت الدراسة: إلى أن نقد الجابري للعقل الأخلاقي العربي، يعطينا فرصة كبيرة للإجابة عن أثر الاستبداد في منظومة الأخلاق الاجتماعية، ويمكننا البناء عليه من تحقيق إسهام حقيقي في خلخلة الاستبداد المقيم في مجتمعاتنا، وتحقيق إسهام حقيقي في بلورة علم الأخلاق الاجتماعية الكونية المنافية للاستبداد، إن استطاع العقل العربي، فهم أوضاعه وأوضاع العالم من حوله كما هي، وانطلق منها لصياغة أجوبة تجيب على أسئلة الواقع الاستبدادي العربي والعالمي متخذاً من مقاصد الشريعة والعمل الصالح، قاعدة لإعادة الإنسان لموقعه المتميز في الكون، ونفي كل الرؤى المنافية لحريته ومسئوليته.
مصطلحات الدراسة:
السياسة: هي فن قيادة المجتمع وأساليب تدبير شؤونه، والقائمة على العدل والحرية والمساواة، بالشكل الذي يحقق الحياة الكريمة للمواطنين.
الأخلاق:لغة: هي، السجية والفطرة والطبع، والمروءة[1].وهي مجموعة من المفاهيم والمبادئ تتكون من قيم شخصية وقيم جماعية، تتعلق بالخير والشر، والواجب والحق، ترشدنا في تحديد أي السلوكيات نافع وأيها ضار.
منظومة الأخلاق الاجتماعية: هي جملة القيم الجماعية الشائعة في مجتمع ما والمترابطة معاً، والتي تشكل في جملتها وعبر تفاعلها نسقاً من التصرفات والسلوكيات والمعايير، التي تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، وتفسر كثيراً من أحواله، وأوضاعه السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
الاستبداد: لغةً، هو الانفراد بالأمر. يقال: استبد به، انفرد به[2].ويتجسد الاستبداد في شخص، أو مؤسسة، أو فئة أو خلق، ولا يقتصر على الاستئثار المطلق بالسلطة والتشبث العنيف بالحكم، لكن هناك أهمية لتوجيه النظر نحو نوعية "الاستبداد" الذي ينبع من اختراق منظومة الأخلاق الاجتماعية للمجال السياسي وهيمنتها عليه، كما يخترق الاستبداد المجتمع، ويهيمن عليه.
الفكر العربي الحديث: جملة تفكير النخب العربية "العالمة" في العلاقة بين الاستبداد والأخلاق.
مقدمة:
ندخل لموضوع الاستبداد وأثره في منظومة الأخلاق الاجتماعية، بعقل مثقل بالإشكاليات والتساؤلات التي حيرت أجيالاً متطاولة من العرب عن طبيعة هذه العلاقة، وكيفية التخلص من الاستبداد المؤدي لفساد العمران، والقضاء على أخلاق العبيد التي تولد جبابرة الاستبداد: شخوصاً كانوا أو جماعات أو مؤسسات.
فمن أبرز تجليات الاستبداد الظلامية -وهو كله ظلام- ما نراه من تردي أخلاق المجتمعات التي يحكمها المستبدون، وما حال أمتنا العربية إلا خير شاهد على آثار الاستبداد الوخيمة على المجتمعات وأخلاقها.
أسئلة الدراسة:
1. كيف رأي الفكر العربي العلاقة بين الاستبداد ومنظومة الأخلاق الاجتماعية؟
2. هل نجح نموذج الجابري في نقده للعقل الأخلاقي العربي، في تفسير العلاقة بين الاستبداد والأخلاق الاجتماعية ؟
3. هل الاستبداد فرد أو حزب أو جماعة، أم أنه فعل وشعور واستئثار وإذلال وعبودية؟
4. هل يمكن أن يسهم عرب اليوم في علم أخلاق اجتماعية كونية، يغني رؤى العالم في علاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية؟
منهج الدراسة: منهج تحليلي نقدي.
أهداف الدراسة:
تحاول الدراسة، تقديم تحليل لعلاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية، من خلال كتاب الجابري، وبيان مدى قدرته على تفسير العلاقة بينهما.
أهمية الدراسة:
يمكن أن تُفيد الدراسة، في تحقيق تراكم علمي في العلاقة بين الاستبداد ومنظومة الأخلاق الاجتماعية، بما يساعد العاملين على قضايا التغيير في مجتمعاتنا الاستبدادية، ويؤهلنا لإضافة حقيقية في بناء علم أخلاق اجتماعية كوني.
الدراسات السابقة:
لا توجد، في حدود علم الباحث، دراسات قامت بتحليل محتوى المادة المختارة في البحث، ودراستها من زاوية علاقة أثر الاستبداد في الأخلاق الاجتماعية.
المبحث الأول: الاستبداد والأخلاق الاجتماعية في الفكر العربي بين التراث والمعاصرة
ارتبطت الأخلاق والدين، ارتباطاً وثيقاً منذ بدء الخليقة، وشهدت هذه العلاقة، تفاعلات متباينة حتى اليوم. وليس اجتماعنا العربي الإسلامي بعيداً عن هذا الارتباط، منذ تعانقهما في بداية الإسلام، ثم انفصلاهما السريع بعد وقعة صفين، وبداية الملك العضوض مع معاوية، بحيث يمكننا القول، أن تفاعلات هذه العلاقة كانت جزءاً رئيسياً في الاستبداد المقيم في مجتمعاتنا حتى الآن.
زمن النص[3]:
أقام الإسلام، كيانه السياسي على منظومة دينية، اعتبرت الحاكم بشراً، وسلطته مقيدة بالقرآن الكريم وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم. وهناك عشرات الأدلة على وضوح هذه المنظومة في أذهان الجيل الأول من المسلمين. فقد كانت ثقافة وأخلاق المرحلة النبوية، ثقافة سياسية مناهضة ومناقضة تماماً للاستبداد، الذي تربع فيما بعد على عرش تاريخ المسلمين، عبر سلطة النص والسيف.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بحسب ما جاء في القرآن، جاء للناس "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"[4]، وحسب ما روي عنه أنه جاء "ليتمم مكارم الأخلاق"[5].فهناك ارتباط بين رفع الإصر والأغلال التي ترمز للعبودية والاستعباد، وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث الذي هو في أصل الأخلاق التي جاء الإسلام ليتمم مكارمها من جهة، ونفي الاستبداد باعتباره مناقضاً وهادماً للتوحيد ومساوياً للشرك والكفر الذي جاء الإسلام ليهدمه من ناحية أخرى. وقد جعل الإسلام مكافحة البغي والجور فريضة وعقيدة" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"[6]. وترك الرسول، مجتمعه الوليد في أقصى حالات معنوياته المرتفعة وقيمه الصاعدة، ملازماً ما بين الأخلاق والسياسة، مرسخاً ثقافة الحوار والحرية والشورى وأخلاق المسئولية الاجتماعية، محذراً من الارتداد عنها.
زمن التطبيق المثالي[7]
ورث مجتمع الراشدين، حمولة ثمينة من العلاقة المتينة بين الأخلاق والسياسة، وحاول تطبيقها بقدر ما أوتي من ايمان وقدرة وامكانات، مع تفاوت بينهم في مقدار النجاح. لكن يمكننا القول، بقدر كبير من الثقة، أن مجتمع الراشدين لم يعرف الاستبداد الذي نعرفه اليوم ولا في تاريخنا كله، بل عاش الإنسان الذي انضوى تحت سلطانه، في حرية واسعة في ظل التطبيق الأمين من جانب الخلفاء، المراقبين بقوة أفراد المجتمع الحارسة لأخلاقه الاجتماعية. مع ملاحظة، بداية ظهور اضطراب في فهم العلاقة بين الأخلاق والسياسة في النصف الثاني من عهد عثمان، أدت إلى ظهور فتنة الحكم، والتي بلغت ذروتها في عهد علي، وكانت وقعة صفين، هي بداية الافتراق بين الأخلاق الاجتماعية والحكم الصالح، واستخدام الدين ونصوصه؛ خاصة الأحاديث، في ترسيخ الاستبداد القبلي. ولتبدأ الثقافة "العالمة" في لعب أول دور سلبي في تمجيد الاستبداد عبر تسويغه وتحبيذ السكوت والرضا عنه، لتنحل مع الزمن عروة الأخلاق الاجتماعية الحامية للمجتمع من السقوط في هاوية الاستبداد.
زمن الملك العضوض[8]:
تعد، ولاية معاوية حتى سقوط آخر الخلافة العثمانية عام 750م، وهي زمن انقطاع السياسة عن محدداتها الأخلاقية، وبزوغ الاستبداد، إلا القليل النادر. حيث بدأت الثقافة "العالمة" المدعومة من السلطان الغشوم المتدثر بالقبيلة والغنيمة، في هذه المرحلة في التوسع في استخدام الحديث والموروث الفارسي بشكل خطير، لتأسيس شرعية الملك العضوض، وكذا فعلت معارضته أيضاً. ومع تطاول الزمن، وترسخ الاستبداد، عبر عنفه السلطوي المتدثر بالنص النبوي، والذي اختلط بالآداب السلطانية الفارسية والتصوف والزهد والانصراف للشئون الخاصة، ليشكل نوعاً من التشويه لثقافة النص الإسلامي المناهض للاستبداد. وعلى الرغم، من أن "المسلمين قد تعلموا من دينهم، أن طغيان الفرد في أمة ما جريمة غليظة، وأن الحاكم لا يستمد بقاءه المشروع، ولا يستحق ذرة من التأييد، إلا إذا كان معبراً عن روح الجماعة ومستقيماً مع أهدافها. ومن ثم فالأمة وحدها هي مصدر السلطة، والنزول على إرادتها فريضة والخروج على رأيها تمرد"[9]، إلا أن "فقهاء السلطة"، قد منحوا للخلفاء-القياصرة والسلاطين والمعارضين، شرعية دينية وصلاحيات دنيوية مستمدة منها، كانت هي أساس البلوى"[10]
فقد ساد بين فقهاء السلطة: سواء في جانب الحكام أو المعارضين، الاعتقاد بأن الحاكم- الذي هو رأس الدولة/ المعارضة- هو النموذج والقدوة، فإذا كان شخصاً "فاضلاً" استطاع أن يخلق "المواطن الفاضل"، الذي تتكون منه "المدينة الفاضلة". ومن هنا انصب الاهتمام في معظم الفلسفة السياسية القديمة على تربية "الحاكم الصالح" صاحب الخلق القويم، القادر على أن يغرس في الناس القيم والمبادئ والأخلاق. في حين كان الأمر في الواقع يسير بقوة في اتجاه تثبيت حكم المتغلب بقوة السيف رغماً عن الأمة، وتناسوا تماماً دور الأخلاق الاجتماعية المنتجة للإنسان المستخلف المؤتمن، والمؤسسات المجتمعية القادرة على اختيار الحاكم الصالح ومنع الاستبداد[11]. وعلى الرغم من أننا لا نعدم في كتابات التراث، الكثير من التنبيهات، للتأثير الذي يحدثه الظلم علي أخلاق الناس الاجتماعية، وما يؤدي إليه "الجور" من إفساد لضمائر الخلق[12]، إلا أن تركيزها على طاعة الحاكم أو قائد المعارضة، والجمع بين طاعتهما وطاعة الله من جهة، والخوف من الفتنة أو الظلم من جهة أخرى، أدى إلى استمرار الاستبداد والمستبدين وغياب المواطن وحرياته.
الفكر العربي المعاصر
انشغل الفكر العربي المعاصر، بالتفكير في سؤال العلاقة بين الاستبداد والأخلاق، منذ عصر النهضة حتى اليوم. فالكواكبي، ينوه لخطورة الاستبداد على الأخلاق، لأنه "يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها ... وأقل ما يؤثره الاستبداد في أخلاق الناس أنه يرغم حتى الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق". ويحمل حملة شديدة على ما شاع بين أسرى الاستبداد من "قواعد كثيرة باطلة، كقولهم: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وقولهم: البلاء موكول بالمنطق. وقد تغالى وعَّـاظهم في سد أفواههم حتى جعلوا لهم أمثال هذه الأقوال من الحكم النبوية؛ وكم هجوا لهم الهجو والغيبة بلا قيد، فهم يقرؤون "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول" ويغفلون بقية الآية وهي (إلا من ظلم)[13]. وهو يدعو، إلى ضرورة إعداد البديل، ورفع وعي الأجيال الجديدة قبل استبدال المستبد بغيره، حتى لا تقع الأمة فريسة للاستبداد من جديد[14].
ويرى مالك بن نبي، أن الأخلاق من الناحية الاجتماعية؛ هي التي تحدد قوَّة التماسك اللازمة للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية[15]".ويعتبر معركة صفين، بداية الانفصال بين الأخلاق والسياسة في حضارتنا. وأن “الحضارة الإسلامية لم تنشأ عن مبادئ الإسلام، ولكن المبادئ هي التي تكيفت مع سلطة زمنية قاهرة”[16]، تعود إلى "عهد معاوية، عهد تقهقر الروح الديموقراطي الإسلامي[17] ويؤكد بن نبي، أن "الأزمة السياسية الراهنة تعود في تعقدها إلى أننا نجهل أو نتجاهل القوانين الأساسية التي تقوم عليها الظاهرة السياسية، والتي تقتضينا أن ندخل في اعتبارنا دائماً صلة الحكومة بالوسط الاجتماعي، كآلة مسيرة له، وتتأثر به في وقت واحد[18]، فإشعاع الروح الديموقراطي الذي يبثه الإسلام، ينتهي في العالم الإسلامي عندما يفقد أساسه في نفسية الفرد، أي عندما يفقد الفرد شعوره بقيمته وبقيمة الآخرين، وأن الحضارة الإسلامية انتهت منذ الحين الذي فقدت في أساسها قيمة الإنسان[19].
ويؤكد جاسر عودة أن "أزماتنا الدينية والسياسية والسياساتية والاجتماعية والقضائية والفنية والصحية والبيئية وغيرها، إنما هي أعراض أمراض أخلاقية وفكرية وعقلية مزمنة على المستويين الفردي والجمعي، وأن الإشكالية الأعمق في عالمنا العربي والإسلامي، هي في ضعف الممارسة الأخلاقية وفي طريقة التفكير الاستبدادية العقيمة السائدة عند قطاعات واسعة في كل الاتجاهات الإسلامية وغير الإسلامية"[20].
وتشدد هبة رؤوف، على أن "الفضائل تدور مع الافراد لا مع السلطة التي وظيفتها الرعاية والأمن[21]، وأن "الخطر الأكبر ليس هيمنة الدولة على الناس ... لكن الخطر الأكبر أن تهيمن الدولة كفكرة على العقل السياسي للناس فلا نفكر ضدها .. إلا بها، ولا نتمنى ترويضها إلا لنكون نحن أشرس إذا صرنا في مكانها[22]. مشددة على أن "طبائع الاستبداد والاستملاك والاستهلاك اليوم، تحتم سؤالاً أخلاقياً جديداً وإجابات تواجه تحدياته المتجددة.[23]
ويؤكد النائيني في تنزيه الملة على أن "التفاوت في أحوال الأمم الخاضعة لسلطات الجور، يرجع بالدرجة الأولى، إلى ما يتمتع به كل من طرفي الدولة -السلطة والشعب- من ملكات نفسانية واستعدادات. فإذا وجد الجائر شعبه ظالماً لنفسه، جاهلاً بحقه، ملقياً حبله على غاربه استبد به، إما إذا كان الشعب متسلحاً بالوعي مستضيئاً بنور العلم فلا يقدر على الاستبداد. واستناداً إلى قاعدة (الناس على دين ملوكهم). فإن إخضاع أفراد الأمة إلى قهر السلطة واستسلامهم لإرادتها، سيعاد إنتاجه بين الطبقات المختلفة من الشعب. بحيث يمكن القول أن كل فرد يحاول تقليد السلطان في علاقته مع من هو أدنى منه. ولا نجد سبباً وراء نمو هذه الشجرة الخبيثة سوى جهل الأمة بحقوقها وواجباتها، وجهلها بوظيفة الدولة وحدودها، والحقوق الخاصة المشتركة بين الطرفين، وأخيراً تنزيه السلطة عن المسئولية عن الأخطاء، وغياب المحاسبة والمراقبة[24].
ويرى عزمي بشارة أن "الدولة الاستبدادية الحديثة (ملكية كانت أم جمهورية) تفوق الأنظمة التقليدية والسلطانية في العصور الإسلامية سطوة وقمعية. وليس مرد ذلك إلى طبيعة النظام السياسي فحسب، أو شمولية تنظيمات الدولة للفضاءات الاجتماعية المتنوعة واختراقها، واتساع فضاء سيطرتها، والمجالات الخاضعة لسلطاتها أيضا، أو توافر وسائل اتصال وأدوات قمع لم تكن قائمة في السابق. وإنما أيضاً تطوير المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي الحديث أدوات أخرى في السيطرة على الفرد ومنعه من ممارسة سيادته على نفسه وعقلنة إرادته، ومنها أدوات الإعلام وتعميم الثقافة والتضليل وحجب المعلومة التي ربما تجعله يقرر قراراً معيناً." فما عادت حرية الإنسان مهددة من نظام الحكم وحده. مؤكداً أن "التحرر من الطغيان من دون تأسيس للحريات ونظام يحمي هذه الحريات، ربما يؤسس لطغيان جديد، أو فوضى مؤقتة تقود إلى طغيان، أو إلى فوضى وحروب أهلية طويلة الأمد"[25]
ويؤكد مصطفى حجازي أن "إسقاط الحكام لا يكفي وحده لتغيير المصير وبناء مستقبل جديد، فوراء استبداد الحكام، هناك بنى استبداد ترسخت خلال عقود طويلة بل قرون في المجتمعات العربية على اختلافها، هي التي تسند استبداد الحكام[26]. ذلك أنه -حسب مصطفى صفوان- "لا تحرير فعلياً ممكن من دون تحرر الإنسان، ليس من بطش قوى الاستبداد الخارجية فقط، بل كذلك تحرره من قوى الاستبداد النفسي المتمثل في المكبوتات التي تمارس عليه قهرها وتحكمها في سلوكه وكيانه" [27]
وعلى الرغم من هذا الفهم المتطور لعلاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية على مستوى "الثقافة العالمة" في قطاع مهم من فكرنا العربي الحديث، إلا أن الثقافة الشعبية، في فهمها للعلاقة تعتمد على كتابات دينية وشعبوية، تتغذى من ثقافة العقلية القبائلية والأبوية الراسخة في الجبر والطاعة التي تشبع بها تراثنا، والتي تعمل على إطالة عهود المستبدين وتردي الأخلاق الاجتماعية، بما تنشره من قيم ترسخ لنظرية الاستبداد الشرقي التي تجعله قدراً لا فرار منه، وبالتالي واليأس من الإصلاح تماماً.
فما زال البعض، في السلطة والمعارضة على حد سواء، يؤكد أن السلطة مسئولة عن مساوئ الشعب كما أنها مسئولة عن محاسنه، ويفترض أن العلاقة بين الاستبداد ومنظومة الأخلاق الاجتماعية، تسير في اتجاه واحد، فالسلطة هي التي تؤثر في الشعب المتلقي لقيمها فقط[28]. واليوم، في زمن الردة على الثورات العربية، تتزايد تناقضات اجتماعنا السياسي العربي، فكلنا حائرون متخبطون، فعلا، في علاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية، ونحتاج أن نحسم هذا التخبط وتلك الحيرة، وهو الأمر الذي نحاول تلمس طريق له، عبر نموذج محمد عابد الجابري لفهم تلك العلاقة في كتابه "العقل الأخلاقي العربي"، بعد أن نلقي نظرة مختصرة على مجمل أعماله في نقد العقل العربي في المبحث التالي.
المبحث الثاني: أعمال محمد عابد الجابري: عرض وتقويم
يعد محمد عابد الجابري، من أهم مفكري العرب المعاصرين، الذين حصروا غالب مجهودهم العلمي في حقل التراث العربي الإسلامي، مقترحاً إعادة كتابة تاريخ هذا التراث[29]، من خلال إحداث قطيعة مع الفهم التراثي له[30]، لتحقيق حداثة عربية تتبنى: العقلانية والديموقراطية، والخروج من التسلطية[31] والاستبداد الذي هيمن على تاريخنا السياسي كله.
خطوات دراسة التراث[32]:
حدد الجابري ثلاث خطوات لدراسة التراث، انطلق على أساسها في نقد العقل العربي تمثلت في:
1. المعالجة البنيوية، أي التحرر من الفهم الذي تؤسسه المسبقات التراثية أو الرغبات الحاضرة. حيث، يجب وضع كل ذلك بين قوسين، والانصراف إلى مهمة واحدة هي استخلاص معنى النص من ذات النص نفسه، أي من خلال العلاقات القائمة بين أجزائه.
2. التحليل التاريخي، أي ربط فكر صاحب النص، الذي أعيد تنظيمه بمجاله التاريخي بكل أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية، لفهم تاريخيته، ولاختبار صحة المعالجة البنيوية في ما يمكن أن يقوله وما لا يمكن أن يقوله النص، وما يمكن أن يقوله ولكن سكت عنه.
3. الطرح الأيديولوجي، أي الكشف عن الوظيفة الاجتماعية السياسية التي أداها الفكر، أو كان يطمح إلى أدائها داخل الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه، لأن الكشف عن هذا المضمون الأيديولوجي، هو الوسيلة الوحيدة لجعله معاصراً لنفسه، لإعادة التاريخية إليه.
نقد العقل العربي:
من خلال هذه الخطوات، انطلق مشروع الجابري في "نقد العقل العربي" بداية في صورة كتاب واحد هو "تكوين العقل العربي"، غير أن الممارسة، شاءت أن تجعله له جزءاً ثانياً هو "بنية العقل العربي"، حيث قام فيهما بنقد الفكر النظري العربي المتمثل في: العلوم العربية من فقه ونحو وبلاغة وكلام، والعلوم الفلسفية. ثم توجه تالياً، لنقد "العقل السياسي العربي"، لينتهي به الأمر إلى ضرورة نقد العقل الأخلاقي العربي[33].
وقد سعى في مشروعه الكبير هذا، إلى تدشين "عصر تدوين جديد"، تكون نقطة البداية فيه نقد العقل العربي الذي تشكل داخل سياق الثقافة العربية الإسلامية"[34]. واستعان في سبيل ذلك بعدة مفاهيم مثل: "القطيعة الابيستيمولوجية، اللاشعور المعرفي، الاستقلال التاريخي، النقد الابيستيمولوجي، النظام المعرفي، نظم القيم[35]، وغيرها"، للاستفادة منها في نقد معرفي للعقل العربي الإسلامي، يخرجه من سباته ويؤهله لتحقيق حداثته المنشودة.
مفهوم العقل العربي وإطاره وبنيته:
يعرف الجابري، العقل العربي، بأنه "البنية الذهنية الثاوية في الثقافة العربية، أي مجموعة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية الإسلامية للمثقف العربي وتساعده في اكتساب المعرفة، أو لنقل تفرضها عليه كنظام معرفي"[36]. فهو الأداة المنتجة للأفكار، التي ورثناها من عصر التدوين باعتباره "الإطار المرجعي للعقل العربي"، الحاضر بكل معطياته وصراعاته وتناقضاته الايديولوجية، والذي تميزت "الحركة" داخله في إعادة إنتاج القديم، وأيضاً بكل مفاهيمه ورؤاه وأدواته المعرفية في واقعنا المعاصر[37]. وقد حدد الجابري، بنية هذا العقل، في نظم ثلاثة هي: البيان، العرفان، البرهان، معلياً من قيمة الأخير على سابقيه[38]، ومقترحاً قراءة العقل السياسي العربي بواسطة ثلاثة مفاهيم هي: القبيلة، الغنيمة، العقيدة، في ضوء تكوين هذا العقل وبنيته[39]. وأخيراً قام بنقد العقل الأخلاقي العربي عبر دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية.
نقد ثلاثية الجابري:
واجهت ثلاثية الجابري، انتقادات كثيرة، فالبعض عاب عليه أدواته ومنهجه، ومن ثم رفض نتائجه، فـ"الآليات التي استخدمها في تقويم التراث، تنبني على مبادئ ثلاثة تعارض المبادئ التراثية الأصلية"[40]. وأنه قد "استهلك آليات عقلانية وفكرانية غريبة عن التراث حملته على اتخاذ نظرة تجزيئية، خاصة أنه لم يحصل رسوخ في معرفة تقنياتها وضوابط استخدامها[41].ويعيب عليه البعض "هوسه بالمقاربة الشمولية للفكر السياسي الإسلامي، وإخضاع النصوص لما يبدو أنه المنطق الحاكم للعقل السياسي، من تسليم بوجود بنية قياسية ثابتة تحكمه وتتعالى على الزمن والتاريخ[42].
ويخلص كثيرون، إلى أن "نقد الجابري للعقل العربي لم يتمخض إلا عن مشروع يسد "المنافذ المعرفية"، وأنه وقع في خطأ التحقيب المغلوط لعصر التدوين، وعدم استيعاب الإشكالية الالاندية عن جدلية العقل، وتقسيمه البنيوي لأنظمة المعرفة إلى بيان وعرفان وبرهان، وانحيازاته الفلسفية للمغرب على حساب المشرق، بالإضافة إلى أن العشرات من الشواهد التي اعتمد عليها في صياغة إشكالياته كانت شواهد إما مزورة أو مقطوعة من سياقاتها، بالإضافة إلى أحكام القيمة القاسية التي أطلقها في حق العقل العربي"[43].
نقد العقل الأخلاقي العربي:
انتقد كثيرون، نقد الجابري للعقل الأخلاقي العربي، انتقادات عديدة تتخلص معظمها في: اقتصار الجابري على دراسة الثقافة العالمة، دون الأخلاق المعيشة، وأنه يبدأ بعصر التدوين والكتابة، ولم يثبت أثراً للحديث الشريف ولا للقرآن الكريم في العقل الأخلاقي العربي، اختياره التفسير بالأزمة. وتأكيده على أن الأخلاق إما أن تخضع لـ "العقل" أو لـ "الشرع"، وقصر الحديث على أدب الدواوين، الذي يكشف تحيزه لنوع واحد من القيم تروج في دوائر السلطان، وعمم ذلك كله على نطاق "العقل الأخلاقي عند العرب". وتسويته بين "العمل الصالح" وبين "المصلحة". واسقاطه المفاهيم الحديثة على النص التراثي، منتزعة من سياقها المعرفي، والتحيز والانتقاء في النصوص للوصول إلى نتائج محددة[44].
الجابري اليوم:
يمكننا القول، أنه على الرغم من أن كثيراً من النقد الموجه للجابري، قد أصاب كثيراً من وجوه الحقيقية، إلا أن مشروعه النقدي للعقل العربي، قد فتح طريقاً من أجل استئناف النظر في رؤيتنا لتراثنا بشكل نقدي، وخصوصاً في علاقته بالاستبداد وتردي أخلاقنا الاجتماعية الحافظة لعمراننا الحضاري، ذلك أن رؤية الجابري للتراث، تمتد آثارها بعيدا في مستقبلنا، وما زال فكره الذي قام على مناهضة الاستبداد، وغرس الديموقرطية فكرا وممارسة، من خلال تأصيلها في نظمنا التربوية أولا، عبر ربطها بـ"أصول" نظامنا نفسه، ثم نقلها إلى الواقع لتصبح جزءا من تيار الحياة في المجتمع[45]، صالحاً للبناء عليه لنفي الاستبداد من مجتمعاتنا، وبناء أخلاق جديدة لاجتماعنا العربي الإسلامي.
فقد دعا، من خلال مشروعه النقدي للعقل العربي، إلى حل أهم عقبة تواجه السياسة وترسخ الاستبداد في مجتمعاتنا، والمتمثلة في "القبيلة الواجب تحويلها إلى تنظيم سياسي مدني اجتماعي، والغنيمة التي آن أوان جعلها اقتصاد ضريبة، والعقيدة الواجب تحولها إلى مجرد رأي"[46]. ودعا، إلى التخلص من الموروث الفارسي الذي يحتل فيه أردشير موقع المرجعية والرمز[47]، والذي هيمن على نظام القيم في حضارتنا العربية الإسلامية، وشوه رؤية الإسلام الأخلاقية التحررية، مؤكداً أن "الإسلام ليس هو الذي كرس القول بالجبر والتجويز، بل التوظيف السياسي للدين من طرف حكام المسلمين هو الذي كرس ذلك تكريساً[48]. وهو ما نحاول بيانه في المبحث التالي.
المبحث الثالث: في تفسير العلاقة بين الاستبداد والأخلاق الاجتماعية
حاول الجابري في كتابه "العقل الأخلاقي العربي"، تفسير ظاهرة الاستبداد المقيم في مجتمعاتنا العربية المسلمة، عبر تتبع الآثار التي أحدثها افتراق الملك عن الأخلاق بعد وقعة صفين. فقام بدراسة نظم القيم الأخلاقية في تراثنا، من خلال تحليل تاريخي نقدي، كما كانت موضوعاً للتفكير وموضوعاً للتكريس على مستوى الخطاب (الثقافة العالمة)، والتي اتسمت بأنها كانت "قيماً سياسية أو ذات حمولة سياسية"[49]، محاولا الكشف عن "قلب" نظام هذه القيم في الثقافة العربية"، لأنها مازالت حاضرة ومؤثرة في حياتنا المعاصرة[50]. وقسم الجابري، نظم القيم هذه، إلى خمس نظم أخلاقية موروثة لكل منها ثقافة مستقلة، ولها سلمها الخاص للقيم، بوصفه عبارة عن قيم أخلاقية من أجل السياسة، معتمداً مفهوم "القيمة المركزية" لتحديد القيمة الأساس في كل واحدة منها كالتالي[51]:
- الموروث الفارسي، وتمثله أخلاق الطاعة.
- الموروث اليوناني، وتمثله أخلاق السعادة.
- الموروث الصوفي، وتمثله أخلاق الفناء.
- الموروث العربي، وتمثله أخلاق المروءة.
- الموروث الإسلامي، وتمثله أخلاقيات العمل الصالح.
وانطلق الجابري، من كون "نظام القيم هو بالدرجة الأولى معايير للسلوك الاجتماعي والتدبير السياسي ومحددات لرؤية العالم[52].وأن حضارتنا العربية الإسلامية عانت من "أزمة في القيم"، فسحت المجال لتسرب قيم "خارجية"، أو لاستيراد إرادي لنوع من القيم، للاستعانة بها في الصراع الذي أفرز أزمة القيم تلك[53]، والتي "جعلت الناس يعيشون في قلق فكري ووجداني في ذلك العصر[54]. وبحثاً عن حل فكري، صالح للتوظيف السياسي، يتجاوز أزمة هذه القيم، إلى قيم جديدة تركز على وحدة المجتمع والدولة وضرورة الانسجام بينهما، وتربط بين وحدة الدين والدولة وطاعة الله والخليفة. قام الأمويون، بتبني قيم الموروث الفارسي باسم الإسلام[55]، وكرسوا منذ معاوية، فكرة "الجبر" كأساس لأيديولوجيتهم السياسية[56]. وكان أول درسان تلقاهما الإنسان العربي المسلم هما: الجبر والطاعة، باعتبارهما عنصرين أساسيين في "أخلاق الهزيمة"[57]. وتم ذلك عبر خطاب الترسل الذي أذاع القيم التي تريد السلطة نشرها وتكريسها، من خلال خطاب يعج بالقيم الدينية والأخلاقية التي تتحول، بتكرار الألفاظ المعبرة عنها، إلى قيم نمطية تفرض نفسها على المجتمع كـ"عادات أخلاقية" في منأى عن النقد[58]
ويعتبر الجابري، عهد "أردشير"، والذي يحتل فيه السلطان، منزلة القيمة المركزية التي تتحلق حولها طبقات الدولة وفئات المجتمع في تراتب قيمي[59]، صاحب الدور الرئيسي في نشر وتكريس القيم الكسروية، في الثقافة العربية[60]. ويؤكد، أنه "لا يمكن فهم نظام القيم في الثقافة العربية ككل ما لم يستحضر المرء هذا النص المؤسس"[61] وليست القيم الكسروية، وحدها، هي التي انتقلت إلى المجتمع العربي الإسلامي مع الموروث الفارسي، بل لقد انتقلت معها كذلك مرادفاتها الدينية ومضاداتها السياسية، أي القيم التي كرسها رجال الدين الرسميون حلفاء الأكاسرة من جهة، وخصومهم رجال الدين الجدد الذي يحملون لواء المعارضة والثورة ضدهم من جهة أخرى[62]. ويشدد الجابري، على أن "المعارضة داخل النظام الذي تحكمه القيم الكسروية، لم تكن ممكنة إلا داخل هذا النظام نفسه وبتوظيف قيمه "المضادة" التي تجعل البديل "كسرى" آخر، فمدينة كسرى لا تترك للحلم مكاناً في هذا العالم[63].
فقد أنتجت الآداب السلطانية: طاعة السلطان، أخلاق السلطان، أخلاق الكاتب[64]. وظلت القيم الكسروية التي كانت تحكم "كتب الأدب"، ومازالت حاملة لهذه القيم ومروجة لها في الثقافة العربية[65]. والتي أدت إلى "غياب الإنسان كـ"فرد"، بل غياب مفهوم "الإنسان" نفسه. (ف) الفرد البشري ليس قيمة ولا له قيمة في هذا النظام الكسروي[66]، الذي كانت القيمة فيه ومازالت، هي الدولة وليس الفرد[67]. كما كانت، هذه الآداب، هي مدرسة تخريج كتاب السلطان[68]، الذين يتناسلون بنفس الكيفية مع اختلاف الأدوات حتى يومنا هذا.
وينفي الجابري، عن هذه الأخلاق أي صلة بالإسلام وقيمه، فهي قد أنتجت" سلطة" لا مبرر لها من الشرع أو العقل للحكام، وأسهمت بشكل كبير في تشكيل عقلية الفرد والمجتمع المسلم في اتجاه الاستبداد.ونتجت عنها قيم تعلي من أخلاق الطاعة، وتماهي بين طاعة السلطان وطاعة الله، وتجعل الدين والملك توأمان، حتى ألبس خطاب الطاعة لباساً إسلامياً. ويضيف الجابري، أن التصوف بما حمله من قيم سياسية كسروية، تعلي من أخلاق اللاعمل المتمثلة في: الطاعة والتوكل وترك التدبير، أدت إلى تخدير لنظام القيم في الحضارة الإسلامية[69].
وبدلاً من أن تسود القيمة المركزية في أخلاق القرآن، والتي هي "العمل الصالح"، التي تجعل المؤمن يتجه نحو الناس، وتسود في السياسة الشرعية التي قوامها صلاح الراعي والرعية: أخلاق المصلحة[70]، تم استبدالها بـ"أخلاق الطاعة والجبر"، والتي ظلت تتوالد عبر التاريخ العربي إلى اليوم.
معالم نموذج الجابري التفسيري لعلاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية:
يقوم نموذج الجابري التفسيري، للعلاقة بين الاستبداد ومنظومة الأخلاق الاجتماعية المهيمنة على المجال السياسي على فرضية تقول أنه: عندما عجزت مؤسسات المجتمع الإسلامي، عن صد موجات الاستبداد الأموي، وقع المجتمع في اللحظة النموذجية للاستبداد، وصار هو الطابع العام له. وتحولت الدولة، التي كانت جميع تقاليدها ومفاهيمها وسلوك أفرادها تنتمي الى المجتمع القبلي، وكان الواحد من الأعراب، ومن "أيها الناس" منها، يدخل على عمر بن الخطاب أو على معاوية، ويخاطبه كندّ له، إلى دولة صار كل شيء فيها بروتوكولاً، كل شيء فيها محسوباً! دولة تمارس السلطة من وراء حجاب، بعد أن لم يكن هناك حجاب[71].
وليتحكم أردشير، "الحاكم"، حامي الدين، وحامي البلاد والعباد، ومحرر الأرض والمدافع عن الوطن. والذي صار هو الرمز السائد بين الحكام والمعارضين لهم، في سلوك الحكام والعامة، بعد أن رسخه العلماء من خلال الثقافة التي سادت في المجتمع، والتي أرست منظومة الأخلاق الفارسية بين الناس. فالحاكم أو الخليفة، يقدم نفسه كأردشير المتحقق على الأرض وحامل اسم "الخليفة"، أردشير الجامع بين الدين والدولة. أما المعارضة الشيعية وغيرها، فقد جعلت من الإمام البديل الذي يشخص الرمز /الأصل[72]. ومع الرغبة في "اتقاء الفتنة"، التي بررت على الدوام قبول العيش "باستكانة" تحت حكم أي حاكم، حتى لو كانوا فاسداً، أو مغتصباً للسلطة، ومستبداً بالحكم[73]، وقعت المجتمعات العربية الإسلامية طوال هذه القرون في شرك استبداد الحكام وتردي منظومة الأخلاق الاجتماعية الأخلاق معاً.
وصار، شيخ الصوفية والمفتي والحاكم بأمره وشيخ القبيلة ورئيس الطائفة وزعيم الحزب، و"الزعيم الأوحد" و"الزعيم البطل"، ومن في معناهم هم الذين يدبرون مدينة العرب والمسلمين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. قد لا يدبرونها على صعيد الواقع، كما يعيشه الناس في هذه المدن –وإن كان هذا حاصلاً فعلاً في كثير من الأنحاء- ولكنهم وبكل تأكيد يدبرون مدينتنا في نفوسنا على مستوى الشعور واللاشعور[74] ولهذا لم يتخلص العرب المسلمين، من خرافة "المستبد العادل" بعد، ولم ينهوا التناقض الوجداني الذي ينشأ ضرورة من الجمع بين الاستبداد والعدل في شخص واحد، شخص "الأب". وبعبارة أخرى لم يعانوا بعد تجربة ما يدعوه بـ"الختان السياسي" الذي ينقل الشعوب من وضعية "الرعايا" إلى وضعية المواطنين، وضعية الرشد السياسي، تماما مثلما ينقل "الختان" "العادي" الطفل إلى الرشد … الجنسي[75].
كيف ننفي الاستبداد عن مدينتنا؟
يؤكد الجابري، أن "أردشير"، ليس شخصاً، ولا ظاهرة فردية أو ممارسات عشوائية، لكنه ظاهرة مركبة، وصناعة مارسها بنو أمية ومن بعدهم كل قبيلة وحزب وجماعة. وهو متتالية بدأت في التحقق في المجتمع بعد صفين، منشأوها تناقض الشعور الديموقراطي لدى الفرد المسلم، بسبب الآداب السلطانية الموروثة عن الفرس والتصوف التي أفسدت الأخلاق القرآنية واستبعدتها، فأصابت الجسد الاجتماعي في قيمه، مما انعكس على ساحته السياسية ، استبداداً أسوداً لا رحمة فيه. ويدعون إلى تعرية هذا الاستبداد د المتمثل في أردشير وخلفاؤه ومؤسساته وأخلاقه، ويدعو إلى دفنه، فما لم ندفن أردشير لن تكتب لنا نهضة ثانية[76].فالتخلص من هيمنة "أردشير، الأب الأصل" كرمز وكسلوك وكوجدان، يعد شرطاً وسبباً، لنمو منظومة الأخلاق الاجتماعية المنافية للاستبداد لدى الفرد والمجتمع[77].
كيف يفيدنا هذاالنموذج التفسيري في بناء أخلاق اجتماعنا السياسية، وتجعل لنا مساهمة حقيقية في علم أخلاق كوني اليوم؟
إن نموذج الجابري، في سعيه لهدم كل مقولات ومسلمات النموذج السائد في التراث عن نظام القيم، التي أسهمت في ترسيخه لا تقويض بنيانه، وأهمها: حتمية الاستبداد واعتباره قضاء وقدراً لا مفر منه، وعدم إمكان مقاومته والقضاء عليه تماماً وإلا وقعنا في الفتنة، يعيد الاستبداد والمستبدين إلى حقيقتهم الفعلية؛ كباطل يزهق عندما يدمغه الحق المتمثل في العمل الصالح، على يد كل أبناء الأمة المشاركين بقوة في المجال السياسي. ويجعلنا نعيد اكتشاف منظومة أخلاقنا اجتماعنا القائمة على العمل الصالح، الذي أنتج العربي الحر في المجتمع العربي الإسلامي الأول.
فهذا النموذج، يستعيد الأخلاق القرآنية، المتجذرة في التقوى التي تجعل الإنسان حساساً بشكل شديد لأي محاولة للاستبداد به، عبر تعريف الملك العضوض، التعريف الذي يعطيه مضموناً بغيضاً يبقى حياً في ضمير الأجيال المتعاقبة، بعد تعرية مبدأي: "طاعة السلطان من طاعة الله" و"الدين والملك توأمان" اللذان هيمنا هيمنة شبه مطلقة على الساحة الفكرية في الثقافة العربية. ومن خلال "أخلاق المصلحة"[78]، التي تربط البحث الأخلاقي، بالدعوة المحمدية، وتعيد للعمل الصالح مكانته، وترفع الحواجز التي وقفت به عند "الذين آمنوا" ليعيد كامل الاعتبار لـ"وعملوا الصالحات"، سينفتح باب التجديد الذي يقدم الإسلام على أنه: إيمان وعمل صالح، بعد أن بقي محصوراً أو يكاد ولمدى قرون في "الآداب السلطانية" و"رسوم الفقهاء"، و"أوهام العرفانيين" ... والتي مارست أقسى أنواع الاستبداد الروحي والمادي على مجتمعاتنا. مما يؤدي إلى "تحرير" الضمير الديني في الإسلام من "وزر الفتنة الكبرى" التي بررت على الدوام قبول العيش باستكانة، تحت الحكم الذي أصله فتنة، مما يمكن للعرب والمسلمين أن ينهضوا، بعد أن يدفنوا في أنفسهم"أباهم": أردشير، وينهي زمان "مدينة كسرى التي لا تترك للحلم مكاناً في هذا العالم"، فيختفي المستبد من مؤسسات إدارة شئونهم السياسية: أخلاقاً وأشخاصاً.
فنموذج الجابري لمكافحة الاستبداد، يبحث عن النموذج الإدراكي المسيطر على المجتمع بخصوصه، ويحاول اكتشافه وتحويله إلى نموذج تفسيري (واعٍ) وتفسير الاستبداد من خلاله، ومن ثم مكافحته بالأدوات والوسائل والمناهج والمداخل المناسبة. فمن خلال الحفر العميق لاكتشاف بذور وجذور الرؤية المعرفية السائدة في المجتمع، وفي نفوس أفراده. ووضع الإنسان العربي، أمام نفسه، وفتح منافذ عقله ووجدانه وخطاب قلبه ليسائل ويتساءل ويتفكر عن: رؤيته للسياسة ومدى صحتها، لأنها البداية لرؤية الاستبداد على حقيقته، والمستبدين على طبيعتهم، والمجتمع عارياً تمام من أي زخارف أو مظاهر، نبصر عيوب منظومة أخلاقنا الاجتماعية في تعاطيها مع السياسة.
ومن خلال هذا النموذج، يمكننا، قراءة علاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية اليوم، من خلال عملية بحثية عكسية لما قام به الجابري، تحفر في الممارسات السياسية اليومية في ضوء الثقافة العالمة/ العاملة السياسية المعاصرة، وكيفية تأثرها بالقيم الكسروية الموروثة، التي خلدت دولة الفتنة الكبرى بذريعة "اتقاء الفتنة"[79]، ولنكشف عن أصول "الملك العضوض"[80] في مدينة العرب الجبارين اليوم، ونتعرف على أسباب عدم ظهور حركة إصلاحية جذرية تعيد الترتيب في مجال القيم السياسية العربية، ولنخرج من تلك القيم التي تعيد إنتاج نفسها واستبدادنا باستمرار[81].
خلاصة تركيبية:
حاول الجابري، عبر نقده للعقل الأخلاقي العربي، الحفر في تراثنا العربي الإسلامي للبحث عن جذور اشكالية الاستبداد وأثره في منظومة الاخلاق الاجتماعية، حيث أكد، أن كل مجتمع هو نتيجة العلاقات المتبادلة بين أفراده ومؤسساته وأفكاره، وأن هذه الأفكار- متمثلة في الثقافة العالمة- تؤثر بشكل رئيسي على تصرفات الأفراد وأفعالهم عبر تزويدهم بالمعايير والنماذج التي تقود مجمل أفعالهم اليومية.
وأكد هذا البحث أنه:
1. كما أن لكل إنسان نقطة قوة أو ضعف، فلكل مجتمع أيضاً نقاط قوته وضعفه. وحضارتنا الإسلامية ليست بعيدة عن ذلك القانون التاريخي، فقد تأسست في عصر التدوين على مبدأ القسر والقهر الحتمية التي تمثل نقطة ضعفه، والتي شكلت أفكارنا عن السياسة، وأسست لمنظومة أخلاقياتنا الاجتماعية التي أنتجت الاستبداد.
2. الحمولة السياسية لمنظومة الأخلاق الاجتماعية التي سادت في تاريخنا بعد عصر التدوين هي: أخلاق الطاعة والاتباع الكسروية التي تماهي بين الدين والحكم، ومازالت سائدة في أزماننا الحاضرة، متمثلة في فتاوى الفقهاء التابعين للسلطان، وكتابات المثقفين المنظرين للاستبداد، المستخفين وراء مصلحة الأمة واستقرار الدولة.
3. الصراع بين معرفة متخصصة ومثقف محترف لسلطان غشوم من ناحية، ضد النص القاهر لهما والرافض لهما معاً، والممارسة التي امتدت زمن النص والخلافة الراشدة من ناحية، حسم لصالح المستبدين وأعوانهم، بعد أن قاموا بعملية سيطرة على المشاعر والغرائز، فلم يعد هناك متسع لحرية أو لاختيار، وفقد المجتمع القدرة على رؤية إمكانات أخرى ونظم أخرى حرية راشدة.
4. على الرغم من وجود محاولات مختلفة، أسست للأخلاق على أسس إسلامية إنسانية تمجد من قيم الحرية والمساواة. إلا أن الأخلاق الاجتماعية التي كرست لأخلاقيات الطاعة وقيم الكسروية والتي كانت محصلة لما ورثناه من مؤلفات تبنت وشرعنت الاستبداد، بجوار ما مارسته أجيال متطاولة من العرب المسلمين، متمثلة هذا التراث، في حياتها اليومية، هي التي هيمنت وأنتجت ما نراه اليوم من الاستبداد.
5. الاستبداد لا يزدهر فقط في أوقات الأزمات التي يتهافت فيها النظام القائم، وينال القيم والتقاليد الشك، وتشتد المنازعات، ولا في البلاد الفقيرة فقط، حيث يمتلك اليأس النفوس ويرضى الناس بالرجل القوي أو المؤسسة القوية، مضحين بالحريات، لأنه يعدهم بعودة الثقة والأمن. ولا هو وليد لأزمات يتعرض لها البنيان الاجتماعي فقط، لأن الجذور والأصول العميقة لمنظومة الأخلاق الاجتماعية الراسخة في الشعور والمؤسسات هي التي تنجبه.
6. من الخطر جداً، قبول استنتاجات عامة عن المعايير والقيم الخلقية للمجتمعات من خلال حالات محددة أو ظروف معينة، لنلبس المجتمعات صفات خلقية ونضفي على منظومة الأخلاق الاجتماعية أحكاماً قيمية متسرعة أو متعجلة أو ناقصة بربطها بظاهرة مؤقتة مهما طال عمرها دونما اقتراب من أسبابها الحقيقية.
7. الاستبداد، منظومة، ولا قضاء عليه سوى بتفكيك منظومته، وبناء منظومة القيم التي لديها قدرة الممانعة عليه وعدم القابلية له.
وليتبق لنا، أخيراً، الانتقال إلى رؤيتنا للطريق الجديد نحو نفي الاستبداد وبناء منظومة الأخلاق الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية اليوم التي نستفيدها من نموذج الجابري، في المبحث الأخير.
المبحث الخامس: الطريق الجديد نحو نفي الاستبداد وبناء منظومة الأخلاق الاجتماعية
على الرغم من أن الثورات العربية، قد انتزعت الشعوب العربية من الحدود الضيقة والسموات التي تحرسها الحكومات، إلى فضاء الحرية الواسع وحلمها الممكن بعد امتناع طويل. إلا أنها علمتنا -وهي تقف اليوم في منتصف طريقها- أن الاستبداد يقبع في عقول المواطنين وليس فقط في قصور المستبدين. وأن العبودية، التي يئن منها المواطن، يعاني الحاكم من شكلها ألوانا، فإذا كان الشارع يعيش في رعب، فالقصر، أيضاً، في خوف دائم، وأن فعل الإذلال واقع على الجميع. وأن النظام السياسي العربي المستبد، كما منظومة الأخلاق الاجتماعية، كلاهما قد فقد توازنه. وعلمتنا الثورات أيضاً، أن تجليات الاستبداد سواء باسم: الدين، أو الوطن، أو القومية أو حتى الاستقرار، لا تكون مؤثرة فقط في أوقات الأزمات وغياب البدائل، لكنها تشق طريقها واثقة كلما ترسخ الجهل وعم الظلام وانعدم الوعي بين طبقات المجتمع المختلفة، ووجدت الغنيمة التي يمكن أن يتقاسمها الحكام مع المحكومين.
وعلمتنا الثورات، أن دور الثقافة العالمة في تشكيل الوجدان الشعبي في تراجع، مع تراجع مهمة الكتب ومؤسسات الثقافة والسياسة والتعليم في زمن التويتة والبوست، وانتقلت السيطرة من الثقافة العالمة إلى الثقافة اليومية الجاهزة على الفضائيات وأمام شاشات الكمبيوتر في العالم الافتراضي. وعلمتنا الثورات، كيف ينمو المستبدين الصغار داخل أحزابنا ومؤسساتنا البعيدة عن السلطة بسبب الطامعين في مناصب أو منافع حول قيادات هذه الفئات التي أصيبت سريعاً بداء السلطة وانكشف مكنون ما بداخلها من عبيد مرضى، يطمحون في لعب دور المستبدين في أول بادرة استبداد لاحت لهم. فالاستبداد يولد في النفوس، بسبب التربية في البيت والمدرسة والمؤسسة قبل أن يستبيح المجال العام.
وعلمتنا الثورات، كم هو فقير البناء الأخلاقي والسياسي للإنسان والمواطن العربي، والذي تعوقه ظروفه الذاتية والموضوعية -التي هي من صنع المستبدين- عن تشكيل وعيه السياسي، وكيف يتخذه ذوو الثراء والسلطة بكافة أشكالها في الحكم والمعارضة، مطية لكل هدف مشروع أو غير مشروع لهم. ورأينا جميعاً، أنه عندما انتقل المعارضون إلى قصور الحكم، ورجع الحكام إلى مقاعد المعارضين، كيف ظهر قصور الجميع، ورسبوا في اختبار الحرية، وهو درس غني لأي سؤال أخلاقي يبحث عن علم أخلاق جديد ينقذنا من استبداد مقيم.
ففي مجتمعاتنا العربية المأزومة، لا توجد ثمة قيم وأخلاق اجتماعية سائدة ومتفق عليها، فقد تسبب الشرخين الاجتماعي والسياسي في إحداث شرخ أخلاقي كبير، أثمر استبداداً مقيماً في النفوس قبل القصور. فالاستبداد الذي تعاني منه مجتمعاتنا، يوجد في نوى الأخلاق الاجتماعية كما يوجد في جنبات قصور المستبدين، وهو يخضع المؤسسات كما يخضع الأفراد، ثم يخضع هو لهما في دائرية سوداء لا تنتهي. لقد انقسم اجتماعنا العربي الإسلامي اليوم، إلى قسمين في الحكم والمعارضة، كلاهما تسيطر عليه الدولنة وأخلاق الاستبداد/ عبودية، بما تنطوي عليه من إكراهات ولوازم أخلاقيّة اجتماعية تنتج في الأخير الاستبداد السياسي والتردي الأخلاقي.
إننا حائرون نعيش معركة تمتد إلى قرون، تبدو خارج التحكم، لأنها كانت معركة في الاتجاه الخاطىء. فالمشكلة ليست في الاستبداد في حد ذاته، وإنما في الأفكار والقيم التي تكرسه على أرض الواقع اليومي. فكما تدجن السلطات الأفراد، بواسطة الأساطير والأفكار والعنف. فالأفكار والأساطير تدجن هي، أيضا بدورها المجتمعات والأفراد والمؤسسات معاً.
أزمة شاملة:
هل منظومة الأخلاق الاجتماعية والاستبداد في أزمة اليوم؟ نعم، هل دخلنا عهد الثورة المفاهيمية على تصوراتنا الرائجة عنهما، أعتقد ذلك، لكن يلزمنا إصلاح متسلسل للفهم. فلا يمكن تصور سؤال الأخلاق الاجتماعية في علاقتها بالاستبداد، دون فكر قادر على الاعتراف بالتحاور والمراجعة وتعدد الأبعاد، حتى لا نسقط صرعى لإمبريالية المقولات المهيمنة التي نقبلها باعتبارها حقائق كلية نهائية ولا نخضعها للتمحيص مثل: طبيعة شعب، ونفسية مواطن، واستبداد سلطة. فنحن ما زلنا ندرك الاستبداد كما يشاء أهله أن ندركه، بل إننا ننظر لأنفسنا من خلال مقولات الاستبداد ونماذجه[82].
وقد آن الأوان، لنبتعد عن هذه النماذج الاختزالية، القابلة للتوظيف ببساطة في أي اتجاه، والتي يمكن فرض أي معنى عليها، وتمرير أي تحيزات من خلالها، واستخلاص أية نتائج منها، حتى يمكننا تبيان الكيفية التي يستطيع بها الإنسان العربي، اكتساب الأهلية للتصرف أخلاقياً في ممارسته السياسية، على الهيئة التي تنفي عنه وعن مجتمعه ومؤسساته، ثنائية العبد/ المستبد. فالمطلوب، خطاب أخلاقي جديد في السياسة، يمكننا من الانتقال إلى إعلاء الحرية ورفع الاستبداد، بدلاً من الاستمرار في وصف طبائع الاستبداد وأخلاقه الملازمة أو المنتجة له وآثارها، والتي هي السمة الطاغية على كثير من مقارباتنا اليوم.
نحو خطاب أخلاقي عربي جديد:
أي سؤال أخلاقي، يحاول الإجابة عن علاقة الاستبداد بمنظومة أخلاقنا الاجتماعية، في مدينة الجبارين العربية، لابد له أن ينطلق من مقاربة مقاصدية لمصالح الإنسان، وتوسعة دائرة البحث عن إجابات لهذه الإشكالية، تشمل الرؤية المشتركة مع أبناء آدم، بخصوص المصادر "الموضوعية" لبناء أخلاق كونية تنافي الاستبداد، وتنطلق من أن كل البشر خلفاء في الأرض، وليس المسلمون فقط، وأننا في العالم العربي الإسلامي واقعون في محنة الاستبداد، ونحتاج معونة إخوتنا في الإنسانية؛ لنتعلم منهم ونضيف إليهم.
مقاربة مقاصدية، تنطلق من مفاهيم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الفطرة، والبراءة الأصلية، والاستقامة السياسية، والتقوى، والعمل الصالح، يكون أول سلم أولوياتها، مخاطبة الشباب والناشئة، من الأجيال التي ولدت في خضم الثورات العربية وبعدها، ذلك الجيل الذي ثار على الاستبداد وأخلاقه.
أسئلة تحتاج إلى إجابات:
هل يمكن لمقاربة أخلاقية اجتماعية جديدة، تنطلق من المقاصد الشرعية، أن تجيب على أسئلة الشارع الملحة والقلقة المذعورة، و"مجتمعات لا تزال تعيش في ظل أنواع من الاستبداد والقمع السياسي للحريات والتضييق الاجتماعي عليها، فتخير بين الفوضى والاستبداد، أو بين استبداد علماني واستبداد بأيديولوجيا دينية"[83].
وهل يمكن أن تجيب على الأسئلة الخاصة بعلاقة الريع الاقتصادي بالاستبداد في دول النفط العربي وتأثيراتها على بلدان القحط، كما تتجلى اليوم في زمن الثورات والخيبات المؤقتة التي خلفتها وراءها؟
وهل يمكن لهذه المقاربة، في زمن التحول نحو القيم الفردية وعولمة الأفراد؛ بعد عولمة الثقافات، أن تنتج لنا أخلاقاً اجتماعية، تجذب هؤلاء الفرديون القابعون وراء شاشات الكمبيوتر، أو في منتجعات السياحة، أو في متاهات اليأس وكهوف الحاجة ليعودوا إلى ساحات السياسة.
وكيف نعالج جذور الثقافة السلبية التي غزت مجتمعاتنا، الداعية لقيم الاستهلاك والاستملاك والانكفاء على المصالح الضيقة والنجاة الفردية بمفهومها الديني والدنيوي والتي تترسخ يوماً بعد الآخر في نفوس أبناء مجتمعاتنا العربية، ليتركوا المجال العام وراء ظهورهم، والتي تكمن خطورتها في نفعيتها وآنيتها ووعودها المتحققة في التو واللحظة، فثمارها دانية ولا تحتاج سوى الانغماس في شئون النفس والأهل المقربين، واجتناب كل ما يؤدي للاجتماع بالآخرين، والضن بما تملك إلا على نفسك وأهلك، والبعد كل البعد المشاركة في هموم الأمة.
وهل يمكن لهذه المقاربة، أن تنتج خطاباً يقوض أركان خطاب الاستبداد الديني أو العلماني أو البيروقراطي والأمني، الذي يماهي بين المستبد والحاكم النموذج، والذي يؤكد، على أن الرعايا ليس لهم الحق في أن يحكموا على ما هو عادل وحق، لأن ذلك يقع في نطاق مسئولية الحاكم وحده، كما الله في الدين والمعتقد، والمثقف العالم في السياسة والاقتصاد والثقافة، والخبير التقني في إدارة مؤسسات الدولة، والجنرال حامي الحمى وفيلسوف الحكمة وراعي الاستقرار في المؤسسات كلها.
وهل يمكن لهذه المقاربة، أن تلهمنا أجوبة مقنعة للأجيال الجديدة، تجعل تجربة الحكم الإسلامي الأول، يتموضع داخل نطاق التاريخ لا خارجه، ويتحول من مثال مقدّس ينبغي استعادته، إلى نموذج قدوة يمكن استلهامه، فنخرج من إطار استغلال التجربة، من قبل كل المستبدين الطامعين في امتلاك السلطة، من خلال تحريك الجماهير كأدوات للاستبداد.
وهل يمكن لهذه المقاربة، أن تدرس العملية السياسية في علاقتها بمنظومة الأخلاق الاجتماعية، وتبين كيفية استبطان الأخلاق السياسية لدى مختلف طبقات المجتمع الإسلامي عبر التاريخ وإلى اليوم؟ وماهي المكانة التي ينبغي أن نوليها للعوامل الاجتماعية والتاريخية في تشكيل منظومة الأخلاق الاجتماعية، منذ لحظة ميلاد المجتمع المسلم- وليس من لحظة التدوين- إلى اليوم؟
وهل يمكن لهذه المقاربة، أن تنتج إجابات تنفي من شعور المواطن العربي اليوم بالحاجة إلى "المهدي المنتظر، و"القائد الضرورة"، و"الرجل الوحيد"، و"الحل الوحيد"، و"الجماعة الربانية"، و"المؤسسة العمود"، الذين يصلحون الكون، ويدعون لوعي أسطوري مريض يرسخ الاستبداد. ويلغي خطاب "الرعية" ليحل محله خطاب "المواطن المستخلف المؤتمن"، فتنحل عرى القدرية والجبرية المسيطرة على حياة الناس، والتي تحكم سلوكهم، وتقودهم إلى الرضا بالعبودية والتبعية والظلم، في سبيل الاستقرار ولقمة العيش، أو من أجل الشهادة والجنة والطاعة للقيادات الربانية المعصومة أو التاريخية المحلقة في أفق التاريخ.
وماذا عن: الانقلابات، أو غياب أدب الحوار والخلاف، أو الرشوة الانتخابية والزبائنية السائدة بين كل فصيل سياسي ومؤيديه، وحالة الاحتراب السياسي بين فرقاء العمل السياسي، وغيرها، هل هي سلوكيات دخيلة على المجتمع فعلاً، أم أنها صارت جزءاً من مرجعيته الكامنة منذ زمن بعيد، وهل الآليات الدستورية وموادها القانونية واجراءاتها السياسية بحالة مجتمعاتنا الراهنة ذات جدوى أم أننا بحاجة إلى أدوات جديدة تناسب ثقافتنا العربية، أو على الأقل تهيئة شروط نجاح هذه الوسائل والأدوات في مجتمعاتنا؟
وهل يمكن لهذه المقاربة الأخلاقية أن تغادر" النقاش الفلسفي عن الحرية والانطلاق إلى مسألة الحريات وشروط تحقيقها وحدودها والعوائق التي تعرقل تحقيقها في واقع المجتمعات والدول العربية"[84].
إن الإجابة على الأسئلة أعلاه، قادرة على تقويض أسس خطاب الاستبداد، لأنها لا تتوجه لشخوص المستبدين، ولكن لأنها تصوب مدفعيتها الثقيلة على بذور الاستبداد في نفوس أبناء المجتمع وفي مؤسساته، فتمنع عنها أسباب الحياة، ولأن هذه المقاربة في حالة نجاحها في توفير إجابات معاصرة، عبر خطاب يتصل بالشعور الجمعي بالمجتمع، تستطيع جذب كل القابعين في الظلام، وكل المتطلعين للنور، وكل المترددين الخائفين من المجهول، ليكسروا حاجز الصمت، ويلجوا ساحات السياسة حيث يصنعون التغيير، فيُزهق الاستبداد ويزول.
والإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما لم نطرحه، تمهد لدخولنا إلى ساحات التنافس مع المقاربة السلطانية الفاسدة المستبدة التي حكمت تاريخنا السياسي من صفين حتى اليوم من ناحية، وتمكننا من المشاركة في تأسيس "علم الأخلاق الاجتماعية"؛ الذي يدرس أسباب الاستبداد وطبيعة نظم القيم المهيمنة اليوم على عالمنا من ناحية أخرى.
هذا العلم، الذي يشكل بداية حقيقية لنفي منظومة أخلاق الاستبداد، المنتجة لشخوصه ومؤسساته في بلادنا العربية، بل يمكنه أن يتجاوز ما طرحه هانس كينج عن أخلاق كونية[85]، تقوم على القواسم المشتركة الدنيا من الأخلاق العالمية، والذي يهمل التحدي الأكبر المتمثل في نسيان التاريخ أو التراث الخاص بكل مجتمع أو الغرق فيهما، مما يضع أقدامنا على أول الطريق الموصل إلى خطاب الكونية والرحمة للعالمين وتتميم مكارم الأخلاق وتحقيق كرامة الإنسان. فهل يمكننا تطوير هذا الخطاب الأخلاقي الجديد؟
خاتمة
أصحبت مراجعة المفاهيم والأفكار والمعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية، في تجلياتها السياسية ضرورة ماسة في زمن الثورات العربية. وبات من الضروري أن نعيد النظر في جزء كبير من -إن لم يكن كل- الفكر السياسي العربي الحديث عامة، وفي علاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية خاصة. ويبدو انتخاب دونالد ترامب وصعود اليمين الشعبوي المتطرف قبله في أوروبا، وما نراه من تصرفات وأخلاقيات حكامنا وشعوبنا في الحكم والمعارضة خير شاهد على ذلك. وكتاب "العقل الأخلاقي العربي" بما يستثيره من أسئلة، وما فتحه من آفاق للحفر المعرفي في تراثنا وواقعنا، حول علاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية، بداية، مجرد بداية، يمكننا الاستهداء بها في حفرياتنا المعرفية وفي الممارسات اليومية، لنخرج من تيه الاستبداد الذي طال واستطال علينا.
فلم يعد هناك رجل واحد، يتمكن من إجبار ملايين من الرجال الآخرين على الرضوخ للطغيان الذي يقمعهم ويذلهم كما قال لابوسيه[86]. ولم يعد الاستبداد قادراً على الصمود كثيراً في ميادين الحرية المضاءة ليلاُ ونهاراً بنور الثورات ونارها. كما أن منظومة الأخلاق الاجتماعية في عالمنا العربي اليوم، بصدد إعادة البناء، وهي تبحث عن نفسها وتفتش عن هويتها، وتبحث عمن يجددها ويقدمها للأجيال الجديدة المتعطشة للحرية. فالتحدي، اليوم، هو: كيف نحول الكرامة إلى خطاب يتملك العقول والقلوب، ليتحول إلى سلوك ونظام قيم؟ وكيف نصل بهذا الخطاب إلى وجدان وعقول وممارسات شبابنا وناشئتنا؟ من خلال خطاب شعبي عقلاني بسيط، يخترق الفهم الديني والسياسي السائد والراسخ، ونشره وخروجه من الدوائر الأكاديمية الضيقة إلى الشارع السياسي الواسع، للأغلبية الساحقة من أبناء العرب الذين يتلقون تعليمهم في: المنزل والمسجد والكنيسة، وأحزاب السياسة، وجماعات التصوف والتسلف، والزعماء الدينيين والقبليين والعائليين ونجوم الإعلام والنخب الحديثة.
لو استطعنا إنجاز ذلك الخطاب وتعميمه، لتغير مجرى البحث والعمل فيما يتعلق بمنظومة الأخلاق الاجتماعية في علاقتها بالاستبداد المقيم في نفوسنا وساحات السياسة في مجتمعاتنا، ولانفتحت أبواب جديدة للفكر السياسي العربي الإسلامي، يستطيع أن يبدأ منها بناؤه الجديد بأخلاق فاضلة وحريات سابغة مودعاً عهد الاستبداد، كذكرى بغيضة من زمن مضى وفات يحكيها الآباء للأبناء وترويها كتب التاريخ وفنون الأداء.
إن انطلاقنا من نموذج الجابري، بعد تجنب هناته، يعطى مقاربتنا لعلاقة الاستبداد بمنظومة الأخلاق الاجتماعية، مضموناً إنسانياً، يمكننا من إكمال ما بدأه من نقد للعقل الأخلاقي العربي، ويصالحنا مع تاريخنا وتراثنا وبالتالي واقعنا، لنقتل الاستبداد في نفوسنا، وفي مؤسساتنا، وساحاتنا السياسية، ويجعلنا في قلب إجابات السؤال الأخلاقي العالمي مع باقي إخوتنا من أبناء آدم، لا أردشير.
مدير مؤسسة بذور الثقافية
مراجع الدراسة
أولا":القرآن الكريم
ثانياً: المصادر
- الجابري، محمدعابد.نحن والتراث، ط6، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993.
- الجابري، محمدعابد.التراث والحداثة، ط1، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1991.
- الجابري، محمدعابد.الخطاب العربي المعاصر، ط4، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 1992.
- الجابري، محمدعابد.تكوين العقل العربي، ط5، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991.
- الجابري، محمدعابد.بنية العقل العربي، ط4، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992.
- الجابري، محمدعابد.العقل السياسي العربي، ط3، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1995.
- الجابري، محمدعابد.العقل الأخلاقي العربي، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.
ثالثاً: المراجع
- أبوسليمان، عبدالحميد.إشكالية الاستبداد والفساد، ط1، القاهرة:دار السلام للنشر، 2011.
- الريس، ضياء الدين.النظريات السياسية الإسلامية، ط4، القاهرة:دار المعارف، 1967.
- الكواكبي، عبدالرحمن.الأعمال الكاملة، محمد جمال طحان(دراسة وتحقيق)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007.
- السيف، توفيق.ضد الاستبداد، ط1، الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي، 1999.
- الغزالي، محمد.الإسلام والاستبداد السياسي، ط3، القاهرة:دار الكتب الإسلامية، 1984.
- الليثي، مدحت ماهر.فقه الواقع في التراث السياسي الإسلامي، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث، 2015.
- المسيري، عبد الوهاب.موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ط1، القاهرة:دار الشروق، 1999.
- الوزير، زيد بن علي.الفردية، ط1، بوتومالك:مركز التراث والبحوث اليمني، 2000.
- إتين دي لابوسيه.مقال في العبودية المختارة، مصطفى صفوان (مترجم) القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992.
10-إمام، عبد الفتاح.الطاغية، سلسلة عالم المعرفة 183(الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مارس 1994).
11-إمام، عبد الفتاح.الأخلاق والسياسة ط1، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010.
12-بشارة، عزمي. مقالة في الحرية، ط1، الدوحة:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.
13-بلقزيز، عبدالإله (إعداد)، وآخرون. العقلانية والنهضة في مشروع محمد عابد الجابري، ط2، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2013.
14-بلقزيز، عبد الإله.الدولة والدين في الاجتماع العربي الإسلامي، ط1، بيروت:منتدى المعارف، 2015.
15-بن نبي، مالك.حديث في البناء الجديد، عمر كامل مسقاوي وآخر(مترجم)، القاهرة، 1961.
16-بن نبي، مالك.وجهة العالم الإسلامي، عبد الصبورشاهين(مترجم)، ط5، دمشق:دار الفكر، 1986.
17-بن نبي، مالك.ميلاد مجتمع، عبد الصبور شاهين(مترجم)، دمشق:دار الفكر ، 1989.
18- بن نبي، مالك.شروط النهضة، عمر كامل مسقاوي وآخر(مترجم)، الدوحة:وزارة الثقافة والفنون والتراث، 2011.
19- صفوان، مصطفى.لماذا العرب ليسوا أحراراً، مصطفى حجازي (مترجم)، ط1، بيروتكدار الساقي، 2012
20- طرابيشي، جورج.نظرية العقل، ط1، بيروت:دار الساقي، 1996.
21- طرابيشي، جورج.إشكاليات العقل العربي، ط1، بيروت:دار الساقي، 1998.
22- طرابيشي، جورج.وحدة العقل العربي الإسلامي، ط1، بيروت:دار الساقي، 2002.
23- طرابيشي، جورج.العقل المستقيل في الإسلام، ط1، بيروت:دار الساقي، 2004.
24- عبد الرحمن، طه.تجديد المنهج في تقويم التراث، ط2، الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي، 1993.
25- عبد اللطيف، كمال(إعداد)، وآخرون.محمد عابد الجابري: المواءمة بين التراث والحداثة، ط1، الدوحة:المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.
26- عزت، هبة رؤوف. نحو عمران جديد، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث، 2015.
27- عودة، جاسر. الدولة المدنية ، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.
28- فازيو، نبيل. دولة الفقهاء: بحث في الفكر السياسي الإسلامي، ط1، بيروت:منتدى المعارف، 2015.
29- كينج، هانس. لماذا مقاييس عالمية للأخلاق، ثابت عيد(مترجم)، ط1، القاهرة:المركز القومي للترجمة، 2015.
رابعاً:دوريات
- الجابري، محمد عابد."المسألة الثقافية في الوطن العربي"، المستقبل العربي، السنة الثلاثون (العدد346)، 2007.ص18-32
[1] http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82/
[2] http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF/
[3] راجع في ذلك بتوسع:
زيد بن علي الوزير.الفردية، ط1، بوتومالك:مركزالتراث والبحوث اليمني، 2000، ص47-110
الريس، محمد ضياء الدين.النظريات السياسية الإسلامية، ط4، القاهرة:دار المعارف، 1967ص13-21
[4] الأعراف:157
[5]رواه البخاري
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=52&ID=2082&idfrom=6349&idto=6629&bookid=52&startno=65
[6] الشورى:39
[7] راجع في ذلك بتوسع:
أبوسليمان، عبدالحميد.إشكالية الاستبداد والفساد، ط1، القاهرة:دار السلام للنشر، 2011، ص21-23
الوزير، ص113-227
الريس، ص23-34
إمام، عبد الفتاح.الطاغية، سلسلة عالم المعرفة 183(الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مارس 1994)، ص188-197
[8] راجع في ذلك:
بلقزيز، عبد الإله.الدولة والدين في الاجتماع العربي الإسلامي، ط1، بيروت:منتدى المعارف، 2015، ص118-123
الريس، ص109-117
إمام، ص199-232
الوزير، ص245-313
إمام، عبد الفتاح.الأخلاق والسياسة ط1، القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص181-231
[9] محمد الغزالي.الإسلام والاستبداد السياسي، ط3، القاهرة:دار الكتب الإسلامية، 1984، ص 54.
[10] الوزير، ص12-13.
[11] إمام، عبد الفتاح.الأخلاق والسياسة، ص11.
[12] راجع في ذلك بتوسع:
مدحت ماهر.فقه الواقع في التراث السياسي الإسلامي، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث، 2015، ص178-189
حامد عبد الماجد."تنظير السلطة السياسية: دراسة تحليلية في كتاب أبي الحسن الماوردي (تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك)، على الرباط التالي
http://almuslimalmuaser.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=527:tanzer-elsoulta
نبيل فازيو:السلطة ورهان الإصلاح في فكر الماوردي، على الرابط التالي
http://www.mominoun.com/articles
[13] عبدالرحمن الكواكبي.الأعمال الكاملة، محمدجمال طحان(دراسة وتحقيق)، ط3، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2007 ، ص486-487.
[14] الكواكبي، ص524-534
[15] مالك بن نبي.شروط النهضة، عمر كامل مسقاوي وآخر(مترجم)، الدوحة:وزارة الثقافة والفنون والتراث، 2011، ص129.
[16] بن نبي.شروط، ص87.
[17] بن نبي، مالك.حديث في البناء الجديد، عمر كامل مسقاوي وآخر(مترجم)، القاهرة، 1961، ص144
[18] بن نبي، حديث، ، ص59
[19] بن نبي، حديث، ص 115
[20] جاسر عودة.الدولة المدنية، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015، ص11-12.
[21] هبة رؤوف عزت.نحو عمران جديد، ط1، بيروت:الشبكة العربية للأبحاث، 2015، ص 249.
[22] عزت، ص114-115
[23] عزت، ص 180-184
[24] توفيق السيف.ضد الاستبداد، ط1، الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي، 1999، ص 250-252.
[25] عزمي بشارة.مقالة في الحرية، ط1، الدوحة:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.الصفحات 21، 22، 23 73، 113
[26] مصطفى صفوان.لماذا العرب ليسوا أحراراً، مصطفى حجازي(مترجم)، ط1، بيروتكدار الساقي، 2012، مقدمة مصطفى حجازي، ص 7
[27] صفوان، ص9.
[28] راجع ما يعج به الخطاب السياسي للحكم والمعارضة في مصر عبر الصحف والفضائيات في مصر على سبيل المثال
[29] محمدعابد الجابري.تكوين العقل العربي، ط5، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991، ص332
[30] الجابري، محمدعابد.نحن والتراث، ط6، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993، ص19.
[31] كمال عبد اللطيف، وآخرون.محمد عابد الجابري:المواءمة بين التراث والحداثة، ط1، الدوحة:المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016، ص 63.
[32] الجابري، محمدعابد.التراث والحداثة، ط1، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1991، ص32
[33] http://www.aljabriabed.net/n41_01jabri.htm
[34] الجابري، محمدعابد.الخطاب العربي المعاصر، ط4، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص207
[35] راجع مقدمات رباعية مشروع نقد العقل العربي
[36] الجابري.تكوين، ص15، ص71
[37] الجابري، تكوين، ص71
[38] محمدعابد الجابري.بنية العقل العربي، ط4، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص13-39
[39] الجابري.العقل السياسي، ص 48
[40] طه عبد الرحمن.تجديد المنهج في تقويم التراث، ط2، الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي، 1993، ص41
[41] عبدالرحمن، ص 69
[42] فازيو، دولة، ص533-534
[43] راجع انتقادات كثيرة في كلا من:
جورج طرابيشي.نظرية العقل، ط1، بيروت:دار الساقي، 1996.
جورج طرابيشي.إشكاليات العقل العربي، ط1، بيروت:دار الساقي، 1998.
جورج طرابيشي.وحدة العقل العربي الإسلامي، ط1، بيروت:دار الساقي، 2002.
جورج طرابيشي.العقل المستقيل في الإسلام، ط1، بيروت:دار الساقي، 2004.
بلقزيز، عبدالإله، وآخرون.العقلانية والنهضة في مشروع محمد عابد الجابري، ط2، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2013.
[44] راجع طارق البشري، قراءة في العقل الأخلاقي العربي على الرابط التالي:
http://www.alihyaa.ma/Article.aspx?C=5607
[45] محمد عابد الجابري. "المسألة الثقافية في الوطن العربي"، المستقبل العربي، السنة الثلاثون( العدد346)، 2007، ص19-20
[46] رضوان السيد.إشكالية التراث والحداثة في فكر الجابري، في كمال عبد اللطيف، مرجع سابق، ص25
[47] http://www.aljabriabed.net/n42_01jabri.htm
[48]الجابري.بنية العقل العربي، مرجع سابق، ص572
[49] محمد عابدالجابري.العقل الأخلاقي العربي، ط1، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص27
[50] الجابري، العقل الأخلاقي ص26 ، ص33
[51] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص25-28
[52] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص56
[53] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص60
[54] الجابري، العقل الأخلاقي، ص76
[55] الجابري، العقل الأخلاقي، ص78
[56] الجابري، العقل الأخلاقي، ص141
[57] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص149 العقل الأخلاقي
[58] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص136
[59] الجابري، العقل الأخلاقي، ص208
[60] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص154
[61] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص159
[62] الجابري، العقل الأخلاقي، ص170
[63] الجابري، العقل الأخلاقي، ص254
[64] الجابري، العقل الأخلاقي، ص174
[65] الجابري، العقل الأخلاقي، ص198
[66] الجابري، العقل الأخلاقي، ص249
[67] الجابري، العقل الأخلاقي، ص253
[68] الجابري، العقل الأخلاقي، ص224
[69] الجابري، العقل الأخلاقي، ص586 وما بعدها
[70] الجابري، العقل الأخلاقي، ص620
[71] http://www.aljabriabed.net/n42_01jabri.htm
[72]محمد عابد الجابري.لم يقتلوا بعد في أنفسهم أباهم أردشير..! على الربط التالي:
[73] http://www.aljabriabed.net/n54_14charoud.htm
[74] http://www.aljabriabed.net/n42_01jabri.htm
[75] http://www.aljabriabed.net/n42_01jabri.htm
[76] الجابري، العقل الأخلاقي، ص621
مصطفى النحال. "هوامش حول "العقل الأخلاقي العربي" حوار مع الجابري، على الرباط التالي:
http://www.aljabriabed.net/n41_01jabri.htm
[77] سعيد ابجطيط، مرجعية الأخــــلاق [Eethics] بين الجابري وطه عبد الرحمن، على الرابط التالي:
http://www.hespress.com/opinions/158931.html
[78] تركي علي الربيعو."العقل الأخلاقي العربي قراءة في فكر محمد عابد الجابري"، على الرابط التالي:
http://tasamoh.om/index.php/nums/view/8/146
[79] الجابري، العقل الأخلاقي، ص630
[80] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص630
[81] الجابري، العقل الأخلاقي ، ص628
[82] عبدالوهاب المسيري.موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ط1، القاهرة:دار الشروق، 1999، ج1ص119
[83] بشارة، ص8
[84]بشارة.، ص15
[85] هانس كينج.لماذا مقاييس عالمية للأخلاق، ط1، القاهرة:المركز القومي للترجمة، 2015.
[86]إتين دي لابوسيه.مقال في العبوديةالمختارة، مصطفى صفوان(مترجم)القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992، ص75