تجربة شعرية تشكيلية للعراقية رنا جعفر ياسين

 

(المدهون بما لا نعرف) هو عنوان الإصدار الرابع للشاعرة والإعلامية والتشكيلية العراقية رنا جعفر ياسين والذي صدر مؤخرا عن دار سنابل للكتاب في القاهرة. وقدم الكتاب الذي صنفته الشاعرة على اعتباره نصوصا جمعت فيها بين الايجاز والسرد تكامل تجربة رنا جعفر ياسين الشعرية والتشكيلية.

ويعتبر كتاب (المدهون بما لا نعرف) نصا واحدا متصلا منفصلا الى تسعة عشر مشهدا مختوماً بالترقيمات دونما عناوين فرعية، ملاقحاً الشعر بالتشكيل في كل مشهد من خلال رسومات داخلية بالحبر الاسود للفنانة رنا جعفر ياسين.

وقالت الشاعرة عن نصوص (المدهون بما لا نعرف) إنها محاولة لخلق حالة بحث عن اللامسموع واللامرئي، اللامسمى واللاممسك الأكثر غموضا من المجهول، من خلال توظيف لغة مركبة وفضفاضة ورؤى تنفتح على دلالات مختلفة قابلة لأكثر من تأويل.

وجاءت النصوص فيه بموازاة اللوحات للبحث عن الغامض المغمض مؤكدة رؤى الشاعرة المغايرة للمألوف والحتمي اذ لا يمكن الخروج بنتيجة واحدة خلال قراءة النصوص بل يحتاج الى اكثر من قراءة وفي كل قراءة تنرسم صورة مختلفة وتنبلج دلالة جديدة.

وتمكنت الشاعرة من فرض حالة الغموض ابتداء من العنوان (المدهون بما لا نعرف) مرورا بالإهداء الذي كتبت فيه (اليه فقط.. والى كل ما حوله من غموض وبالونات وأسئلة معلقة) وقوفا وانتهاء بالنصوص والتخطيطات الداخلية.

يقع الكتاب في 94 صفحة من القطع المتوسط وضم غلاف (المدهون بما لا نعرف) لوحة من الكولاج للشاعرة، وتضمن غلافه الخلفي مقطعا من احد النصوص الداخلية جاء فيه:

قمْ, وامش ِ إلى دائرتكَ اللاعنةِ القرف, انظرْ أنيقا ً إلى العالم ِالمتكوِّر ِفي راحتكَ.. تبصرْ الخبزَ الجالسَ بمحاذاةِ اللذة, وقد تبصرْ أيضا ًالماءَ المنسابَ من رغوةِ الجرائم.

لن تفكرَ:

(اليومُ القادمُ ينحني للمقدام ِالقاهرِ للصمت)

ستلوي النهارَ حتى ينكسرَ, وتخرجَ منهُ بملءِ بياضكَ.

ويذكر أن الشاعرة رنا جعفر ياسين ولدت في بغداد عام 1980 ودرست الهندسة المعمارية فيها. وهي مقيمة في القاهرة منذ اكثر من عامين وكان قد صدر لها من قبل ثلاث مجموعات شعرية هي (طفولة تبكي على حجر) الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 2006 و (مسامير في ذاكرة) الصادرة في القاهرة عن دار المحروسة للنشر والتوزيع عام 2007 بينما صدرت مجموعتها الشعرية الثالثة (مقصلة بلون جدائلي) أواخر عام 2008 في القاهرة عن دار سنابل للكتاب أيضا.

ومن مشاهد (المدهون بما لا نعرف):

قشطَ الحكاية َبأنصافِ الأسرار، متماديا ً كنزَقٍ ملول. لم تغدرهُ المعاولُ ولم تتحايلْ عليهِ المياهُ المساهمةُ في عجنِ السماءِ بأديم ِالخواء.

كلُّ ما تناثرَ أرشدهُ للنهبِ.. فقط يدانِ تكفي لردمِ المخفيِّ من الانكسار.

لن تكفي الوجهاتُ لهجرةِ الدخان.

القدرُ الأقربُ بجوارِ استغاثةٍ لا يراها المُعمَّدونَ بفيضِ القمع، بل كلما اشتدَّ فحيحُ الهروب.. أُغمِضتْ خطواتُهم على السوادِ المقابل، فلا يدلُّهم الهشُّ من الريحِ على مداخلِ الوحلِ الرطب.

هكذا يخمشُ البصماتِ المحفورةَ على الكآبة:

(لا.. لستِ أنتِ المبللة َللنهاية
أنتِ فقط الهادرةُ باللهيب.
لن أكتفي من النارِ بآثارِ الندب
سأفتحُ اللهيبَ على مصراعيهِ لأبعثرَ نومَهُ
وأصعدُ حتى آخرِ الضوءِ علَّني أدفأ ُبالضباب.
أغامرُ بنكهةِ النعاسِ
لينكتبَ الكلامُ على أطرافِ الأوبئةِ التي عبرتُها بحذاءٍ مُحطِم).

المهربُ على ثقبٍ مُقتلَع, يتواطئُ مع المُفزعِ من التكوين، ويتهامسان ِللنيلِ من الأسئلةِ ذاتِ الايقاعاتِ الفوضوية. كلُّ ما ينقصُ الاكتمالَ يتماهى ليزجَّ نفسهُ في تلكَ الخلوةِ المتحوِّلة.. حيثُ الحكاية ُبعريٍّ يتخدَّرُ من شدةِ لزوجةِ هامشِ الموت.