ملخص
لم يكن مسار الموتات والتأبينات المتلاحقة إلا إعدادٌ تراجيديٌ ومأساويٌ لحدث أكبر هو موت الايديولوجيا ونهاية التاريخ، وبالتالي السيطرة النيوليبراليّة العولميّة على العالم، فما بعد مقولة الموت والنهاية ليس إلا أشباح كانت في صيغة المفرد في بيان 1848 وهي في تفكيكيّة جاك دريدا في صيغة الجمع، أطياف أرعبت أوروبا ورجال الدّين والكهنة في أيام ماركس وهي الآن أشباح في صيغة الجمع تطارد الأحياء من أدباء القيامة وتقلق السكّان الاصليين للإمبراطوريّة العولميّة. وهذا ما يجعل من ماركس مهاجرا لم يستقبل، ولم يكتشف بعدُ وفق تشخيص جاك دريدا فأن يكون مفكّرا ما وريثا لماركس، وريثا صادقا و"طفلا غير شرعيا" هو أن لا يعتبر أنّ موت ماركس علامة لاهوتيّة تنتهي بمجرد نقل وسرد روتيني لإرث الماركسيّة وإنّما مناقشته من الداخل مناقشة ابستيمولوجيّة لتطعيمه أو اصلاحه أو اغنائه بما تحقق من مكاسب نظريّة في جميع الميادين والحقول يكون عمل عبور القيامة أمرا راهنا بصيغة الكوني أو هو مشروع في طي التشكّل، تحمله المادّيّة التاريخيّة عبر مسارها الطويل. وقد تكون الأزمة التي أفرزتها الإمبراطوريّة المعولمة بخياراتها السياسيّة والاقتصاديّة الشروط المادّيّة التي ستنقلنا من حيز القيامة إلى حيز التقويم الايديولوجي الذي يمرُّ عبر استئناف ماركس ومادّيته والذهاب إلى ما أبعد منه.
ما يوفّره ماركس هو غذاء خارق للعادة يبعث في الحماسة والسعادة مثلما يحدث للنحل عندما يلامس الورود (...) وإن الطريق الذي يؤثّره هو الذهاب إلى ما وراء ماركس" (نيغري)
تمهيد:
في حديث القيامة
كان لفوكو الفضل في اثارته الفرق بين تاريخ الفلسفة وتاريخ أفكارها، حتى تكون نسابيّة تطوّر المفاهيم وتوالدها أمرا ممكنا، ومن بعده كان باشلار علامة في اشارته للدور الايجابي للخطأ وكيف أنّه حافز ومولّد لفعل تصحيح النظريّة العلميّة. أمّا ماركس فقد كان وبلا ريب أبُ التاريخ برجله الإنسان في سياقه التاريخي والاجتماعي وفق حركة لا تنتهي إلا بالتخّطي الإيجابي والرفيع لما يحول دون الاسترجاع الانساني لذاتها والآخر والعالم.
وفي ما بعده كان لنيتشه دور في فكّ هيروغلوفيّة نص الحداثة واستشرافه للعدميّة المعمّمة التي طالت كامل جوانب الحياة، هي عدميّة تبدأ من نيتشه معلنة موت الاله، وبالتالي موت قيمة القيم لتطال موضوعه بموت الانسان مع فوكو وبموت موضوعه يموت الفن مع هيغل والفلسفة مع داريدا وهيدغار وأدرنو، هده الموتات والتأبينات(1) لم تكن في حقيقة الأمر إلا إعدادا مأساويا لنهاية مؤلمة كنهاية الملك لير في مسرحية شكسبير(2)، فلم يكن مسلسل النهايات والتأبينات المتلاحقة من هيغل إلى نيتشه ومن فوكو إلى أدرنو في مدرسة فرانكفورت، من موت الفن والله إلى موت الانسان والفلسفة ومن فلسفة البؤس إلى بؤس الفلسفة إلا تشريعا لزمنيّة نهاية التاريخ(3) وأفول الايديولوجيا.
نحن، إذا، أمام حديث في التأبينات والموتات التي ما انفكّت تلاحق من في السماء والأرض، حديث في النهايات حوّل الكتابة ذاتها إلى كتابة تؤرّخ للموت الذي يلاحق موضوعاته لتتهاوى الواحدة تلوى الأخرى، فلئن كان هيغل بشّر بجدليّة الحياة والموت بين موت الفن وولادة الاستيتيقا فإنّ نيتشه عمّم العدميّة ونشّطها لتطال السياسة والأخلاق كما الدين والفن كما العلم والسياسة، هو موت عرف ذروته القصوى في موت الاله وترجم في شكل مأساويّة نهاية التاريخ وموت الايديولوجيا واليوتوبيا.
نحن، إذا، أمام حديث القيامة يلاحق فيه الموت الأحياء ويجبرهم على الخضوع للمسار الخطّي للتاريخ الغربي الذي استوى عند درجة الامبراطوريّة المعولمة وترجمت بالهيمنة الكليّة على العالم تشريعا وتسيسا.
ففي حديث القيامة والنهايات دعوة إلى تشييع جثمان الايديولوجيات إلى مثواها الأخير فبموت الله تتهاوى الايديولوجيا الدينيّة وبأفول الحواجز القطريّة والقوميّة واختلاط الأجناس تتبخّر الايديولوجيا القوميّة وبسقوط الاتحاد السوفياتي يشيّع جثمان كل من ماركس وانغلز ولينين إلى متحف برلين. هكذا تكلّم حديث القيامة.
حديث القيامة، إذا، هو حديث في الموت الذي يلاحق السرديات التي حكمت العالم وبشّرت بتاريخ تستردُ الذوات المصادرة في معبد حديث القيامة. فجّر داريدا في أطياف ماركس(4) تاريخ القيامة ومسلسل التأبينات والموتات عبر تفكيك الكتابة والمقولات والمقلات المشرّعة لأسطورة النهايات، فما التفلسف تحت لعبة الأشباح(5) إلا توقيعا مضادا لأدب النهايات، للكتابة عن الأشباح الرافضة لحديث القيامة والنهايات: نهاية الحداثة والتاريخ واليوتيوبيا والايديولوجيا والماركسيّة.
كيف لنا أن نخرج من عصر التأبينات والموتات والنهايات(6)، هل نقرّ بحديث القيامة ونقيم شعائره ونوقّع لجنازته وطقوس الموت لدفن الجثث بمفاهيمها وأحلامها في تغيير العالم أم أنّ الأمر يقتضي منّا تفكيك حديث القيامة ومواكبة امداداته النظريّة والعمليّة؟
سنسعى في هذا المقال إلى الردّ على أدب النهايات وحديثه بأدب الفعل والفاعليّة والقدرة والاقتدار فما بعد أسطورة النهايات نظريّة تتخطّى نفسها باستمرار ولا تستحم في نص واقعها مرّتين.
في تشريع عبور القيامة من ماركس إلى ما بعده:
يتقول التخطّي في لسان العرب بمعاني عدّة فيحمل على "التجاوز والتفوّق كما التغلّب على الصعوبات والعراقيل"(7). وكما يحيل هذا المفهوم في اللغة العربية المعاصرة على معنى التدريب والتعليم إذ يقول "تحاول الأم أن تخطي طفلها المشي"(8)، أمّا في المعجم الوسيط فيحمل على التعدّي والتجاوز.
تشترط جل هده التعريفات في اعتبار التخطّي تجاوزا وعبورا من جانب إلى جانب أخر، فنحن نقول في معجم اللغة العربيّة المعاصرة "تخطّى الشخص التُرعة عبرها إلى الجانب الآخر، تخطّته الأحداث صار قديما. تخطّى الحدود تجاوزها واجتازها. هذا هو شأن التخطّي إذا ما تعلّق الأمر بالماديتين الديالكتيكيّة والتاريخيّة وبالماركسيّة في جمعها. فالتخطّي، ها هنا، يفهم في سياق تجاوز النظريّة لذاتها وسط واقع يتجاوز نفسه باستمرار، فالماديّة الديالكتيكيّة هي في حقيقتها وجوهريتها تجاوز خلاق لذاتها وواقعها فتصريف التخطّي مادّيا ديالكتيكيا هو في عمقه ردٌ على حديث القيامة، على دعاة موت الايديولوجيا واليوتيوبيا، فالماديّة الديالكتيكيّة والتاريخيّة هما رفض وانكار مستمرين لكل ما هو كائن وفق تشخيص ماركيز وهما أيضا من مكّنا النظريّة الماركسيّة من مكر الاستمرار في التاريخ، أعني مكر تجاوز النظريّة لذاتها ولواقعها الذي تخطّاه الزمن.
فتجاوز النظريّة لذاتها وواقعها ليس عيبا أو نقصانا، ليس اعلانا لتهافتها ولعماء منهجها وإنّما هو استجابة لروح منهجها المفعم بالفاعليّة التي تمنحه حركة مستمرة لا تتوقّف أبدا، أعني حرب الأضداد وايقاع تناقضاتها، فالصراع والتنافر هو الذي يغذّي التاريخ ويعطيه دماء حركته، لذلك فلا مجال للحديث عن أدب النهايات فما بعد حديث القيامة ليس إلا بداية جديدة وانتقال من ضفّة إلى أخرى في موازين القوى، أعني العبور من حيّز القوّة إلى حيّز الضعف، ومن حيّز الضعف إلى حيّز القوّة، وبالتالي العبور من مكان إلى مكان، وذلك هو ما كان قد أعلنه سمير أمين لمّا باشر الماركسيّة بماركس بلا ضفاف، أعني الماديّة الديالكتيكيّة باعتبارها المنهج الكاشف ومفتاح توزيع الخرائط. فالتخطّي، ها هنا، هو تخطّي النظريّة لما تجاوزه الزمن، ولما بيّن الواقع تهافته، وهو بمعنى آخر تجاوز لأطروحات النهايات، أي لتلك الجدران والأسوار التي شيّدها دعاة نهاية التاريخ وموت الايديولوجيات واليوتوبيات.
لم يكن مسار الموتات والتأبينات المتلاحقة إلا اعداد تراجيدي ومأساوي لحدث أكبر هو موت الايديولوجيا ونهاية التاريخ، وبالتالي السيطرة النيوليبراليّة العولميّة على العالم. فما بعد مقولة الموت والنهايات ليس إلا أشباح كانت في صيغة المفرد في بيان 1848 وهي في تفكيكيّة جاك دريدا في صيغة الجمع، أطياف أرعبت أوروبا ورجال الدين والكهنة في أيام ماركس، وهي الآن أشباح في صيغة الجمع تطارد الأحياء من أدب القيامة وتقلق السكّان الاصليون للإمبراطوريّة العولميّة.
لما يقول ماركس ومن بعده لينين أن النظرية شرط امكان كل براكسيس/ ممارسة، وخريطة فلسفة الفعل في التاريخ وفق تعبير بليخانوف(9) فإن شرط نجاح النظرية هو في إلمامها بكل جوانب الواقع ومقدرتها على تخطي ذاتها باستمرار داخل واقع لا نستحم فيه بنفس النهر مرتين، فتجاوز النظرية لما شاخ فيها أو لما قد بين الواقع خطالته ليس عيبا أو نقصانا، فتاريخ العلم هو تاريخ اصلاح لأخطائه وفق تشخيص غاستون باشلار، والماديتان الديالكتيكية والتاريخية هما مفتاح النظرية وبوصلتها داخل واقع يتخطى نفسه باستمرار، وبالتالي بتخطى النظرية ذاتها.
فالمنهج هو الذي أعطى النظرية مكر الاستمرارية داخل التاريخ وهو الذي مكننا من محاكمة يسار جدار برلين وبيروسترويكا(10) غورباتشوف(11) وهو كذلك من مكننا من مواكبة أسباب فشل المد الشيوعي وانحصار الحركات العمالية، وهو أخيرا من زودنا بالفارق النظري والزماني الذي يفصل واقعنا عن واقعهم من ماركس وانغلز إلى لينين وستالين، ومن ماوتسي تونغ الى بريجنيف وخورتشوف وغورباتشوف(12)، ومن كاوتسكي الى بليخانوف والقائمة تطول من الماركسية الاورتوذكسية الى الماركسية الاصلاحية في مدرسة فرانكفورت، لم تكن هذه الحركة إلا حركة المنهج المادّي، حركة التخطي الدائم للنظرية لذاتها من أجل مساوقة واقعها وإلا تحوّلت الى يوتوبيا حالمة تبريريّة تستلهم اكثر ممّا تفعل.
لمّا تتخطّى النظريّة ذاتها وتواكب تهافت نبوءات يسار ما قبل وما بعد جدار برلين وغلاسنوست(13) الغورباتشوفيّة (14) فإنّها في حقيقة الأمر تفتح لنا السبيل لنطلّ على تناقضات الامبراطوريّة المعولمة وعلى التبدّلات في أنماط الانتاج وفي حركة رأس المال المنفلت من كل حسبان، أي في ما أبعد من فائض القيمة(15) ودوران رأس المال (المجلد الاول من رأس المال) هو رأس مال سابح أو عائم وفق تشخيص أوديب دي متري(16)، أو هو رأس مال وهمي، فأن تتخطّى النظريّة لذاتها هو أن تنفتح على الشروط المادّيّة التي خلّفتها الرأسماليّة كما هي كائنة بالفعل، أي أن تكون بلا ضفاف(17) (سمير أمين)، فهو "ليس نبيا استنتاجاته دائما صحيحة ونهائيّة، وعمله ليس نظريّة مقفلة، فـ"ماركس بلا ضفاف" لانّ الانتقاد الذي بدأه بلا ضفاف يحتاج دوما للاستكمال والانتقاد"(18). وبالتالي دفع النظرية كي تلامس قواها المادّيّة ببريق المنهج القادر وحده على بوصله الطريق وصناعة الخرائط.
يبقى مثل هكذا أمر مرتهن بتحيين النظريّة ودفعها إلى إيقاع التناقضات وحربها من مركز العالم إلى تخومه. ويبقى كل ما قيل معلق في مسافة بينيّة تفصل ما بين حقبة سقوط التجربة السوفياتية وما بعدها، فالأمر في ما أعتقد متوقّف على تحيين النظرية لتنفتح على تناقضات الاقتصاد المعولم حتى يكون تحديد الاستراتيجي والتكتيكي أمرا ناجعا. وما خالف ذلك فهو سقوط إلى حد الإمحاء والذوبان داخل عجلات المنظومة، ينتهي بالتبرجز السياسي والثقافي على النمط الليبرالي. لم يكن حديث القيامة إلا فاتحة لاستيقاظ الأشباح في صيغة الجمع والكثرة، فما بعد القيامة التي انتهت فيها الفلسفة وأمست بائسة(19) وغير متحقّقة وتهاوت معها القيم العلى والسفلى بعد موت الله مع نيتشه ونهاية التاريخ مع فوكوياما وتأزم الوضع الايديولوجي في الايديولوجيا واليوتوبيا لبول ريكور ليس إلا بحث عن أوفر السبل والممكنات لضخّ الحيويّة في تلك الأشباح التي أراد دعاة النهايات أي يشيّعوها ويحنّطوها.
لا توجد أرضيّة فيها شروط ذاتيّة وموضوعيّة إلا تلك التي شيّدتها حضارة رأس المال عبر تاريخها الطويل، فما بعد الفراغ الايديولوجي والقيمي والتاريخي وحتى الكياني الذي أمست فيه العدميّة شاملة ومعمّمة، ستتشكّل أرضيّة جديدة تطرح سبل عبور حديث القيامة وتخطّي عصر الفاجعة بجنائزيتها وتأبيناتها، فليست القيامة في ما أعتقد نهاية وموت نهائي بل صراع بين الموت والحياة، بين القديم والجديد الذي يجب خلقه سواء كان البشر الواقعيون والفعليون واعون به أم لا.
لا يمكن تجاوز وعبور القنطرة الهاوية التي تفصل القيامة عن ما بعدها إلا عبر تدبير ممكنات الاستئناف وسبله، أي كيفيات انقاذ أو إصلاح أو حتى تطعيم تلك الأفكار التي قادت التاريخ وتحكّمت في مجراه. فالإيديولوجيا بيوتيوبيتها وتاريخها لن تنتهي ولم تصل البشريّة إلى الحد الاقصى من الرفاه والاشباع، فنسب التفقير والتهميش تضاعفت والسيطرة لم تعد على متن الدبابات والمدافع ودوي الصواريخ الباليستية والابليسيّة، بل أمست "سيطرة صامتة"(20) رأس حربتها صندوق النّقد الدولي بوصفه وزارة عالميّة للتنمية المتخلّفة ومنظّمة التجارة العالميّة باعتبارها وزارة للأفكار المفخّخة والمدرّعة ومجلس الأمن كجناح قانوني لفرض السيطرة الصامتة على العالم والانسان والتاريخ.
ما بعد حديث القيامة ليل طويل وظلمة شاملة وحرب دائمة وفقر يتكاثر أضعاف تكاثر سكّان العالم، ما بعد القيامة عدميّة شاملة تحملها منظومة رأس المال لتزيد من حدّتها فهي لا تثمر وتزهر إلا بين مفاصل القيامة وجنازاتها، لا تضاعف رأس مالها إلا في المياه العكرة ومناطق الفوضى، فلّما ينتهي كل شيء، الإنسان بتاريخه وايديولوجيته وفلسفته، كما قيمه ومعتقداته وأحلامه تصبح شروط ولادة ذاتيات فاعلة ومقتدرة، ذاتيات محتجّة ورافضة لعنف المنظومة أمرا ملحا. لقد سبق لماركس أن صرخ "يجب أن يعاد النظام بأيّ طريقة كانت"(21)، هده الدعوة لإعادة البناء عبر التخطّي الرفيع والايجابي لم يكن محض خيال وإنّما هو استباق للكارثة التي حلت بعد حديث القيامة.
من هنا يستمدُّ عبور القيامة مشروعيته عبر استئناف المادّيّة باعتبارها مشروعا لم ينجز بعدُ أو هي لم تستقبل أصلا. لذلك فقط لم ير دعاة القيامة مكر استمرار الايديولوجيا، فهي تتساوق مع أدب النهايات وتتخطّاه في ما أبعد منه، لأنّ المادّيّة بإيقاع تناقضاتها وتنافر أضدادها تحاكي الإنسانيّة المتألّمة وتعبّر عن روح الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة لتكشف تهافت القيم والشعارات التي حملتها الليبراليّة السياسيّة والاقتصاديّة. فالتاريخ توقّف عند تقاطع نسب التفقير والتهميش، والايديولوجيا أغتيلت بتدمير الدول وتخريب بنيانها السياسي والاقتصادي، واليوتوبيا أفلت بأفول أحلام الانسانيّة بالاسترداد والانعتاق الانسانيين.
يكون عمل عبور القيامة أمرا راهنا بصيغة الكوني أو هو مشروع في طي التشكّل، تحمله المادّيّة التاريخيّة عبر مسارها الطويل. وقد تكون الأزمة التي أفرزتها الإمبراطوريّة المعولمة بخياراتها السياسيّة والاقتصاديّة الشروط المادّيّة التي ستنقلنا من حيز القيامة إلى حيز التقويم الايديولوجي الذي يمرُّ عبر استئناف ماركس ومادّيته والذهاب إلى ما أبعد منه. قد لا نميز اليوم بين شيوعي أو قومي أو ليبرالي ... هل هي نهاية للإيديولوجيا وبداية لمؤسسة الافكار وتقويمها للحدّ من خطورتها أم أن الامر نتيجة لإتبجاس وانحصار وتراجع الحركات التحرّريّة؟
عبور القيامة أو الماديّة والوضع الامبراطوري
لمّا يباشر نيغري وهردت الوضع الامبراطوري من جهة السيرورات والأطوار التاريخيّة، كما من جهة آليات العبور والتخطّي فإنهما قد اكتشفا أنّ "ماركس كان هنا"(22) بين مفاصل هذا النظام الامبراطوري بأسلوب انتاجه وقواه. وتفهم مقولة الهنا في مكر استمرار ماركس ومنهجه داخل التاريخ وهو ما يبيّن أنّ ماركس كان نموذجا وسبيلا لبيان كيفيات الوقوف فوق أرض صلبة خارج الرأسماليّة ومتى وأين وكيف يمكن أن نخضعها للنقد الاتيقي البنّاء.
فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وما تلاه من هيمنة غربيّة على العالم والشعوب لم يكن عالم ما بعد سور برلين عالم رفاه وسلم دائمة، بل عالم تغذّيه الصراعات والأزمات فالبؤس تعولم والحروب انتشرت والأمن والسلم الاجتماعيين انعدما وهو ما أدّى في شموليته إلى انهيار المناخ وانحدار الأسواق الماليّة.
عالم ما بعد سور برلين وما بعد الحادي عشر من سبتمبر هو عالم الحروب الدائمة التي اتخذت منحى نشر الديمقراطيّة عبر محاربة الارهاب وهو ما فرض اعادة هيكلة الدول إمّا بتفتيها وبث الفوضى فيها وتفخيخ مسارها من أجل اعادة انتاج نفس النظام، أي أنظمة راعية ووكيلة أو إعادة هيكلتها سياسيا واقتصاديا عبر القبول اللامشروط لاقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي. فلم يكن عالم ما بعد القيامة والنهايات عالم الوحدة والعيش معا بغض النظر عن الانتماءات السياسيّة والدينيّة، كما العرقيّة والايديولوجيّة وإنما هو عالم تصيّر متحفا للأديان والقوميات والعرقيات، كما القبائل والأجناس المتقاتلة، فبعد هذا المسار والسيرورات والأطوار التاريخيّة من الرأـسماليّة في تراكمها البدئي إلى المنيفكتوريّة إلى الامبرياليّة(23) إلى الامبراطوريّة المعولمة لم تكن هذه المنظومة إلا ليبراليّة مفرطة ومجحفة توزّع اللامساواة بين سكّان العالم وبالتالي اقتصاد سوق وتجارة غير متكافئة بالمرّة.
ما بعد الاعلان الختامي لحديث القيامة، أي ما بعد زمن طويل من الثورات التقنيّة والحروب والاضطرابات المجتمعيّة لا تزال مهمّة المادّيّة التاريخيّة ماثلة جاثمة شأنها شأن الأشباح تنتظر تشكّل أمرها القطعي الذي يقطع مع أشكال النظم السابقة، أي أمر التغيير الشامل والكلّي للعالم. فالمهمّة الأولى للمادّيّة على ضوء الوضع الامبراطوري يمكن تلخيصها في الشروط المادّيّة التي خلّفتها الرأسماليّة في أطوارها المختلفة وفي الافرازات التي ولّدتها وهي تشيّد العالم على صورتها، فالإنسان لم يخرج من قصوره ولم تنفكّ سلاسل عبوديته ولم ينعتق لذلك فقط لا تزال مهمّة المادّيّة التاريخيّة ماثلة أمام اليسار في العالم أي "تحطيم جميع الظّروف التي جعلت الانسان كائنا مهانا مستعبدا".
فخلف حديث القيامة ونهاية التاريخ لم يتغيّر جوهر العالم فحتى ولئن فشلت الماركسيّة بسقوط الاتحاد السوفياتي وما تلاه تاريخيا من فظاعات في الحقبة الستالينيّة(24) وبيروقراطيّة الحزب الشيوعي وتبرجز الطبقة العاملة واختلاف وضعها عمّا كانت عليه، فإنّ ذلك لا يمنع من القول بأنّ عالم ما بعد القيامة هو في أسوء اخراج له عبر تاريخ الانسانيّة، فأضعاف سكّان العالم لا يزالون يسعّرون أنفسهم لكسب معاشهم والاستغلال لم يعد متوقّف على استغلال العمّال في بضع ساعات لتحقيق فائض في الانتاج والربح بل أصبح شاملا يقاس باستغلال ثروات دول بأكملها، أي القطاع العام وقد صدر من قبل شركات ومؤسّسات النهب العالميّة، أي "الاستيلاء الخاص على جزء القيمة أو كلّها التي أنتجت كقيمة مشتركة عامّة"(25)، فالقارة السمراء والبلدان العربيّة أبرز مثال على ذلك فمقابل الشركات والمعامل المنتصبة جيش احتياطي عاطل من العمّال وعوض أن تؤدّي الرأسماليّة في تعولمها إلى القضاء على الاستغلال والفقر والجريمة، كما العبوديّة والاتجار بالبشر والسلاح والإرهاب(26) هي على العكس من ذلك فاقمتهم، فانتشرت الأعمال المؤقّتة والتوظيف الجزئي والتشغيل الهش والتسريح اليومي للعمّال لذلك فقط لا تمثّل الرأسماليّة نهاية التاريخ، بل بسقوطها سيبدأ التاريخي الحقيقي.
أن يكون ماركس حاضرا وجاثما في الوضع الامبراطوري هو أن تكون الماركسيّة في موضع مراجعة شاملة ومتواصلة لكي تتخطّى زمانها وتخرج من حيز الضعف والاتهام إلى حيز القوّة والفعل والاقتدار ومثل هكذا أمر يتطلّب عملا شاقا ومضنيا ودؤوبا يكون بدؤه بتحيين النظريّة ومنهجها لتطلّ على الرأسماليّة في درجة الامبراطوريّة وتناقضاتها نقدا وتحليلا واستشرافا لممكنات العبور والتخطّي. فلينين حلّل بلا كلل الرأسماليّة وهي في مرحلة الامبرياليّة(27) وعمل على فهم تناقضاتها وسيماتها ليقيم بذلك الفرق بين منطق هيغل ومنطق رأس المال، وفكّرت روزا لكسمبورغ ضد لينين وتروتسكي في نقدها لأرثوذكسية الحزب وضد ماركس نفسه في المرور من كيف تشكّل رأس المال إلى كيف تتشكّل الرأسماليّة، أمّا ألتوسير فقد فصل بين ماركس الايديولوجي وماركس العلمي عبر قراءة أركيولوجيّة تبدأ من رأس المال(28) وبالتالي التبشير بمادّيّة غير دائمة متقوّمة على نقد الطابع الغائي والأورتوذكسي للماركسيّة وبذلك يدافع ألتوسير عن الماركسيّة العلميّة ضدّ التأويل اللينيني والستاليني . وأكّد ماو تسي تونغ على تعزيز الدولة للحفاظ على التطوّر المتواصل لأسلوب الانتاج وفي ما بعده استحوذ كل من سارتر وماركيز على الارث النظري للماركسيّة ليناقشا النظريّة من داخلها محاولة لإنعاشها وضخ الحيويّة فيها عبر اقحام الوجوديّة في الماركسيّة أو تطعيمها بالفرويديّة كما فعل ماركيز واريك فروم، وفي ما أبعد من ذلك حاول هابرماس اعادة بناء الماديّة التاريخيّة عبر اقحام البنى المعياريّة وعلى ما تحقّق من مكاسب نظريّة وذلك بفتحها على علم النفس وخاصّة فرويد وبياجييه والانتروبولوجيا وخاصة ميد وفلسفة اللغة وخاصّة سورل وعلى الاتيقا آبل لأنّ " طاقتها التحفيزيّة لم تستنفذ بعد"(29).
اعتقدت الامبرياليات أنّها تعيش وتعاشر موت ماركس وارتضت للقيامة والنهايات والتأبينات مقاما مذموما ومنبوذا له عبر التواطؤ الخبيث بين المسرحي والسياسي والأدبي لكن بالرعم من هذه البهجة الانتصاريّة لا يزال الركح المسرحي الامبريالي مسكونا بأشباح ماركس، فلماركس ابناؤه في كل مكان فالمسيح ومن بعده محمّد وافتهم المنية فلا المسيحيّة ماتت ولا الاسلام مات فما بعد الموت ارث وموروث أغتيل عديد المرات(30) وظلّ يتأرجح بين الموت والحياة غربا وشرقا.
فأن يكون مفكّرا ما وريثا لماركس، وريثا صادقا وطفلا غير شرعيا وفق تشخيص جاك دريد هو أن لا يعتبر أنّ موت ماركس علامة لاهوتيّة تنتهي بمجرد نقل وسرد روتيني لإرث الماركسيّة وإنّما مناقشته من الداخل مناقشة ابستيمولوجيّة لتطعيمه أو اصلاحه أو اغنائه بما تحقق من مكاسب نظريّة في جميع الميادين والحقول فألتوسير استفاد من حقول أخرى كالبنيويّة والألسنيّة والتحليل النفسي ليوسّع في نظريّة رأس المال عبر مراجعة فائض القيمة، أمّا دريدا فقد فكّك هذا الارث لينتقل عمل التفكيك من تفكيكيّة النصوص والآثار الفنيّة إلى تفكيكيّة الأشباح وانتظار عودة المسيح، ومن العلامة اللسانيّة إلى جهاز الدولة، ومن التمركز العقلي والصوتي إلى التمركز داخل الأجهزة الايديولوجيّة للدولة، ومن النفط الأسود إلى الله.
ما بعد حديث القيامة هنالك أرواح لماركس جاثمة بين مفاصل الدول وأساليب انتاجها، هي روح الرفض والنّقد والعصيان والاحتجاج. فأن نكون أبناء غير شرعيين لماركس، وأن نكون أوفياء لتراثه هو أن نقف "ضدّ التدمير التاريخي للماركسيّة"(31) كما يقول ألان باديو وما يقترحه هو الخروج من هذه الموتات عبر التحرّر والانفكاك من ماركسيّة الأحزاب والدولة ورأس المال، أي التحرّر من "الحقبة الميتافيزيقيّة من الأنطولوجيا السياسيّة"(32) عبر مراجعة دقيقة لماهيّة السياسي انطلاقا من نقطة بدئيه والذي هو "الحدث"(33) باعتباره الموقع الفعلي للسياسي.
يباشر نيغري(34) ماركس على ضوء الامبراطوريّة بما فيها من تبدّلات في أنماط الانتاج ليقترح مفهوم الجمهور كبديل تاريخي عن المفاهيم الكلاسيكيّة، إنه لقاء تراجيدي بين البروليتاريا الماركسيّة والجموع السبينوزيّة والفارابيّة وفوضى الكسموس لدولوز وغاتاري، هو تنشيط لرسم آليات وسبل تخطّي وعبور الامبراطوريّة لأنّ عبورها هو في حقيقة الأمر عبور لحديث القيامة عبر التفكيّر في سبل مواجهة ومجابهة الامبراطوريّة بإمبراطوريّة مضادّة.
لم تكن هذه العودات إلى ماركس إما من جهة الاستحواذ النظري أو من جهة النّقد والاستئناف إلا عودة من أجل جعل ماركس أمرا ممكنا، والممكن هنا هو أن نجعل ماركس ضدّ القيامة وضدّ الامبراطوريّة في درجاتها، وبالتالي مفصلته بين الطابع الجذري للاضطهاد والطابع الجذري للتحرّر والانعتاق البشريين. وهذا هو ما ارتضاه سلافوي جيجاك للماركسيّة مقاما بديلا على ضوء اعادة صياغة مفهوم الطبقة على "قاعدة الانسان الملعون"(35) الذي تمّ طرده واقصاؤه من أسلوب الانتاج، هذا غربيا والقائمة تطول، أمّا عربيا فالأمر لم يحسم ولم تتوقّف عجلة الانتاج في التاريخ ولم يؤد حديث القيامة إلى انحصار وانبجاس الانتاج فحسين مروّة حاول جاهدا أن ينشّط الماركسيّة عبر قراءة ثوريّة وجذريّة للتراث ومهدي عامل التحق بالأشباح وهو يحاول أن يمهّد الطريق نحو يسار يجذّر خطابه وممارسته واساليب وصوله إلى قلوب الجماهير، أمّا الياس مرقص والياس شاهين فقد حاول كل منهما أن يجعل من ماركس حاملا لجواز سفر عربي عبر فعل الترجمة والانتاج الفكري الذي يلامس أزمة اليسار(36) عربيا وعالميا والموقف من الايديولوجيا(37) وممكنات تفعيلها.
(سلام زويدي باحث من تونس متخصص في الفلسفة الماركسية)
* * *
الهوامش
(1) انظر في هذا:جاكوبي (راسل)، نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة ترجمة فاروق عبد القادر، سلسلة كتب شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد269، ماي2001.
(2) شكسبير(وليم)، الملك لير، ترجمة، إبراهيم رمزي، هنداوي 2013.
(3) أنظر: فوكوياما (فرانسيس)، نهاية التاريخ وختام البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1993
(4) الكتاب هو عبارة عن مقالة في الأصل، أسهم بها دريدا في مؤتمر عقد في جامعة كالفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993، حول مصائر أفكار وفلسفة كارل ماركس، وهي المناقشات التي أشعل فتيلها تلك الكتابات التي أسست من جديد لأدب النهايات، «نهاية التاريخ، نهاية اليوتوبيا، نهاية الماركسية. أنظر: داريدا (جاك)، أطياف ماركس، ترجمة منير عيّاشي، دار الحاسوب للطباعة، الطبعة الأولى 2000.
(5) يقول داريد في هذا الموضع: أطياف ماركس.. فلماذا هذا الجمع؟ هل يوجد أكثر من واحد؟ إنها أطياف من غير أي تجمع ممكن»،
(6) يمكن إثارة الاختلاف والفرق بين نهاية التاريخ على الشاكلة الفوكويامية ونهاية التاريخ على الشاكلة الماركسية، فهما قرائين لهيغل: قراءة يسيطر عليها النازع الايديولوجي، أي أنّ هيغل طبقا لهذين القراءتين لم يقرأ هيغليا، يعني ذلك أنه أُوّل بما يتماشى مع أطروحة نهاية التاريخ سواء كان داخل الايديولوجيا الليبراليّة أو الايديولوجيا الماركسيّة، فنهاية التاريخ على الشاكلة الفوكوياميّة تشي القول بتوقّف التاريخ عند اللحظة الغربيّة، أي عند الديمقراطيّة الغربيّة من جهة سيطرة ديكتاتوريّة رأس المال على العالم بعد أفول نجم الإيديولوجيات (الماركسيّة والقوميّة) وسقوط الاتحاد السوفياتي، وبالتالي وصول الإنسانيّة عن طريق الليبراليّة الاقتصاديّة إلى الرفاهيّة والحريّة والمعقوليّة والتي لا تضاهيه في ذلك أي ايديولوجيا أخرى. وهذه هي نقطة النهاية لحركة التاريخ، أمّا نهاية التاريخ داخل الأدبيات الماركسيّة فهي توقيع مضاد لأطروحة فوكوياما فالإنسانيّة حسب ماركس لم تدخل التاريخ بعد، وبداية التاريخ مرتهنة بانتفاء الصراع الطبقي وبالتالي ينتهي التاريخ عند الشيوعية العليا كأعلى درجة يمكن أن يصل إليها المجتمع الشيوعي وعندها ينتهي التاريخ. ونهاية تاريخ فوكوياما هي في الآن ذاته استئناف لمُهمّة التاريخ التي حدّدها لها ماركس.
(7) معجم المعاني الجامع:
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%89/
(8) https://www.maajim.com/dictionary/%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%89
(9) بليخانوف، المفهوم المادي للتاريخ، ترجمة عامر عبد الله مطبعة الاداب، الطبعة الثانيّة 1971، ص49.
(10) البيريسترويكا (بالروسية: перестрoйка)، وتعني «إعادة الهيكلة» هي برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه رئيس للاتحاد السوفييتى، ميخائيل غورباتشوف وتشير إلى إعادة بناء اقتصاد الاتحاد السوفيتى. صاحبت البيريسترويكا سياسة غلاسنوست والتي تعني الشفافية. يطرح البعض أن تلك السياستين أدتا إلي انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه سنة 1991، بيريسترويكا، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%83%D8%A7
(11) يمكن العودة إلى: ماندال (أرنست)، ليغومايتان، جيري فولاي، البيروسترويكا رؤي نقديّة، ترجمة بشير السباعي، سينا للنشر، الطبعة الأولى 1989،، أنظر خاصّة: كتاب غورباتشوف: البيريسترويكا والتفكير الجديد، ص 12 وما بعدها.
(12) يعتبر غورباتشوف أنّ هدف البيروسترويكا هو التغلب على حالة الأزمة التي أنتهت إلىيه بلدان أروروبا الشرقية وما تلاه من بيروقراطيّة في الحزب الشيوعي لذلك فهي تمثّل بتعبيره ثورة فعليّة أو بمعنى أخر ثورة "من الفوق" و"من التحت" في آن واحد. والبيروسترويكا كما يقول حمه الهمامي بعد أن نستسمح القارئ "لاهي ثورة داخل ثورة، ولا هي "إصلاح ديمقراطي لصالح الشغيلة " وإنما هي ثورة مضادّة داخل الثورة المضادّة، انزلاق التحريفيّة الخورتشوفيّة التي فشلت فشلا ذريعا على جميع الأصعدة ووصلت في نهاية السبعينات وبداية الثمانيات إلى مأزق خطير ذو نمط اشتراكي ليبرالي على الشاكلة الغربيّة التقليديّة".
- الهمامي (حمه)، البيرسترويكا السفياتيّة: ثورة مضادة داخل الثورة المضادة، المطابع الموحّدة المنطقة الصناعيّة تونس، الطبعة الأولي1992.
(13) غلاسنوست (بالروسية: гла́сность) هي سياسه الدعايه القصوى والانفتاح والشفافيه في انشطه جميع المؤسسات الحكومية في الاتحاد السوفيتي سابقا بالإضافة إلى حريه الحصول على المعلومات. واطلقت هذه الدعوة بواسطه الرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف في النصف الثاني من الثمانينيات. كان أول استخدام لهذه الكلمة (غلاسنوست) في الاتحاد السوفيتي في نهايه عام 1850 وتعني باللغه العربية الشفافيه كان غورباتشوف يستخدم هذه الكلمة لتحديد السياسات التي يعتقد انها قد تساعد على التخفيف من الفساد في الطيقه العليا بالحزب الشيوعي والحكومه السوفياتية، وتخفيف التعسف في استخدام السلطة الإدارية في اللجنة المركزية السوفيتيه ونشطاء حقوق الإنسان السوفيتيين أوضحو"أن كلمه غلاسنوست كانت موجوده في الاستخدام منذ عده قرون وكان من الطبيعي إعطاء العملية كلمه لا توصف لانها عمليه تقوم بها الحكومة علنا".
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%B3%D8%AA
(14) عد في هذا السياق إلى المرجع السابق: البيروسترويكا رؤي نقديّة وخاصة: مرحلة جديدة من مراحل نزع الستالينيّة في الاتحاد السوفياتي: حدود وتناقضات الغلاسنوست، ص61 وما بعدها.
(15) Marx (k), Préface à la Contribution à la critique de l’économie politique, 1859 in Œuvre1, pp272,273.
(16) ديمتري( اوديب)، ديكتاتوريّة رأس المال، دار المدى للثقافة والنشر، الطبعة الأولى 2002، أنظر خاصة فصل: قوانين الغاب الرأسمالي، ص99. أنظر كذلك الكتاب الثاني عالم الذئاب من الصفحة 385 إلى الصفحة 561.
(17) عد إلى: أمين (سمير)، قانون القيمة المعولمة من أجل ماركس بلا ضفاف، ترجمة سعد الطويل، دار عين للنشر، الطبعة الأولى 2012.
(18) قانون القيمة المعولمة من أجل ماركس بلا ضفاف، مذكور سابقا، ص13.
(19) Marx (K), Misère de la philosophie1874, in oeuvre1 p 143.
(20) أعتى البلدان المتقّدمة " يوجد45 مليون أمريكي لا يتمتعون بالتأمين الصحي، ولا في لندن يترصّد الذين يغسلون زجاج السيارات، متأبطين مساحات وحاملين دلاء من المياه القذرة للسائقين عند إشارات المرور، أمّا في مانهاتن فيفتش أناس في الحاويات عن علب المشروبات المفرغة مقابل خمسة سنتات ثمن العلبة الفارغة الواحدة يحدث هذا في بلدان المراكز فما بالك ببلدان" الأطراف" التي تعاني من مخلفات الاستعمار الكلاسيكي والمعولم، ففي تونس إلى جانب الشركات العابرة للقارات ينتصب "حفاة العولمة" من شحاذين وبائعي الشاي، أمّا داخل الأحياء القصديريّة فينتصب طابور من الجنسين بحثا عن علب البلاستيك الفارغة أو فتات خبز. انظر في هذا السياق:
-الزواري (رضا) الثورة التونسيّة، ثورة الهامش على المراكز، مكتبة علاء الدّين، الطبعة الأولى جانفي 2012.
-هيرتس (نورينا)، السيطرة الصامتة، الرأسماليّة العالميّة وموت الديمقراطيّة، عالم المعرفة، الكويت، فيفري 2007،
(21) ماركس (كارل)، رأس المال، نقد الاقتصاد السياسي، الجزء الثاني، ترجمة محمّد عيتاني، دار المعارف، الطبعة الثانيّة 1981، ص519.
(21) نيغري (انطونيو)، هاردت (مايكل)، الجمهور الحرب الديمقراطيّة في عصر الإمبراطوريّة، ترجمة حيدر حاج اسماعيل، المنظّمة العربيّة للترجمة الطبعة الأولى يناير 2015، ص254.
(22) "رأسماليّة في مرحلة من تطوّرها، حيث تقوم سيطرة الاحتكارات ورأس المال المالي، وتكتسب تصدير رؤوس الأموال أهميّة فائقة، ويبدأ اقتسام العالم من قبل الاحتكارات والترسانات العالميّة وتنتهي بتقسيم أراضي العالم بين أكبر البلدان الرأسماليّة. إن الجوهر الاقتصادي والسمة الرئيسيّة للإمبريالية هو استبدال المزاحمة الحرّة بسيطرة الاحتكارات حيث أنّ الاحتكارات هي المسيطرة على اقتصاد وسياسة أكبر البلدان الرأسماليّة، أيّ سيطرة الاحتكارات الرأسمالية في الحياة الاقتصاديّة يتكامل لسلطتها المطلقة في السياسة فالاحتكارات تفضح الجهاز الحكومي وتستخدمه لزيادة ثرواتها.
انظر في هذا السياق:
- بنوماريوف (ب ن)، القاموس السياسي، ترجمة عز الدين الصافي، الطبعة الثالثة، بغداد 1978، ص61.
(23) اللنششتين (جان)، تاريخ الظاهرة الستالينيّة، ترجمة جوزيف سماحة، ابن رشد، 1975، ص99 وما بعدها. أنظر خاصة نحو زوال الظاهرة الستالينيّة، ص215.
(24) نيغري (انطونيو)، هاردت (مايكل)، الجمهور الحرب الديمقراطيّة في عصر الإمبراطوريّة، ترجمة حيدر حاج اسماعيل، المنظّمة العربيّة للترجمة الطبعة الأولى يناير 2015، ص266.
(25) أنظر: انظر في هذا السياق: هوبزباوم (اريك)، العولمة والديمقراطيّة والإرهاب، ترجمة أكرم حمدان ونزهت طيّب، الدار العربيّة للعلوم ناشرون- مركز الجزيرة للدراسات، الطبعة الأولى 2009
(26) عد في هذا الموضع إلى:
- لينين (فلاديمرير اينتش)، المختارات في عشرة مجلّدات، المجلّد الخامس 1912، 1916, الترجمة، إلى اللغّة العربيّة دار التقدّم 1976.
أنظر خاصّة: الامبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة من الصفحة 420 إلى الصفحة 566.
(27) ألتوسير (لويس)، دفاعا عن ماركس، باريس 1966، ص238.
(28) المرجع نفسه، ص21.
(29) ما انتهي هو مؤلّفات ماركس وماركسيّة الثورات والانتفاضات من الثورة البولشيفيّة إلى الستالينيّة إلى الأمميّة الثالثة وصولا إلى الثورة الصينيّة الماويّة والكوبيّة.
(30) Badiou (A), Pent- on penser la politique, Paris, Seuil 1985, p52.
(31) Ibid, p56.
(32) Ibid, p67.
(33) Negri (Antonio), Traversée de l’empire, traduit de l’italien par Judith revel, Editions de L’derne2011.
(34) جيجاك (سلافوي)، منطق الرأسماليّة يؤدّي إلى تقييد الحريات، حوار ضمن: نعوم تشمسكي وآخرون، ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار سوريا، 2009، ص174.
(35) يمكن العودة في هذا السياق إلى: بن شيخة المسكيني (أم الزين)، هل انهزم السيار العرب، ضمن الثورات العربيّة، سيرة غير ذاتيّة، بيروت جداول، ص19 وما بعدها.
(36) انظر في هذا الموضع : العروي (عبد الله)، مفهوم الايديولوجيا، المركز الثقافي العربي، المعرب، 1980، ص43. عد كذلك إلى: ريكور (بول)، من النص إلى الفعل أبحاث في الهيرمينوطيقا، لوي سوي1986، ص 489. يقدّم ريكور ثلاث تصنيفات للإيديولوجيا فهي بالمعنى الأوّل: "إخلال وتشويه للواقع"، وبالمعنى الثاني "تبرير لما هو كائن"، وثالثا "اندماجية".
* * *
قائمة المصادر والمراجع
- مصادر ومراجع ماركسيّة
(1) باللغة العربية
1- أمين (سمير)، قانون القيمة المعولمة من أجل ماركس بلا ضفاف، ترجمة سعد الطويل، دار عين للنشر، الطبعة الأولى 2012.
2- اللنششتين (جان)، تاريخ الظاهرة الستالينيّة، ترجمة جوزيف سماحة، ابن رشد،1975.
3- بليخانوف، المفهوم المادي للتاريخ، ترجمة عامر عبد الله مطبعة الاداب، الطبعة الثانيّة 1971.
4- جيجاك (سلافوي)، منطق الرأسماليّة يؤدّي إلى تقييد الحريات، حوار ضمن: نعوم تشمسكي وآخرون، ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار سوريا، 2009.
5- داريدا (جاك)، أطياف ماركس، ترجمة منير عيّاشي، دار الحاسوب للطباعة، الطبعة الأولى 2000.
6- ديمتري (أديب)، ديكتاتوريّة رأس المال، دار المدى للثقافة والنشر، الطبعة الأولى 2002
7- العروي (عبد الله)، مفهوم الايديولوجيا، المركز الثقافي العربي، المعرب، 1980
8- ماندال (أرنست)، ليغومايتان، جيري فولاي، البيروسترويكا رؤي نقديّة، ترجمة بشير السباعي، سينا للنشر، الطبعة الأولى 1989.
9- لينين (فلاديمرير اينتش)، المختارات في عشرة مجلّدات، المجلّد الخامس 1912، 1916, الترجمة، إلى اللغّة العربيّة دار التقدّم 1976.
10- ماركس (كارل)، رأس المال، نقد الاقتصاد السياسي، الجزء الثاني، ترجمة محمّد عيتاني، دار المعارف، الطبعة الثانيّة 1981، ص519.
11- نيغري (انطونيو)، هاردت (مايكل)، الجمهور الحرب الديمقراطيّة في عصر الإمبراطوريّة، ترجمة حيدر حاج اسماعيل، المنظّمة العربيّة للترجمة الطبعة الأولى يناير 2015، ص254.
12- الهمامي(حمه)، البيرسترويكا السفياتيّة: ثورة مضادة داخل الثورة المضادة، المطابع الموحّدة المنطقة الصناعيّة تونس، الطبعة الأولي1992.
13- هوبزباوم(اريك)، العولمة والديمقراطيّة والإرهاب، ترجمة أكرم حمدان ونزهت طيّب، الدار العربيّة للعلوم ناشرون- مركز الجزيرة للدراسات، الطبعة الأولى 2009.
* * *
(2) باللغة الفرنسيّة
1- Althusser (Louis), Pour Marx, Editions la découverte, paris, 1968.
2- Badou (A), Pent- on penser la politique, Paris, Seuil 1985.
3- Marx (k), Préface à la Contribution à la critique de l’économie politique, 1859 in Œuvre1, pp272,273.
4- Marx (K), Misère de la philosophie1874, in oeuvre1.
5- Negri (Antonio), Traversée de l’empire, traduit de l’italien par Judith revel, Editions de L’derne2011.
(3) مراجع أخرى
1- بنوماريوف (ب ن)، القاموس السياسي، ترجمة عز الدين الصافي، الطبعة الثالثة، بغداد 1978.
2- جاكوبي (راسل)، نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، ترجمة فاروق عبد القادر، سلسلة كتب شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد269، ماي2001.
3- شكسبير (وليم)، الملك لير، ترجمة، إبراهيم رمزي، هنداوي 2013.
4- فوكوياما (فرانسيس)، نهاية التاريخ وختام البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1993.
5- ميخائيل غورباتشوف، (ت ر)، عبد الجواد حمدي، البيروسترويكا تفكير جديد لبلادنا وللعالم، ط4، دار الشروق، القاهرة.
6- الزواري (رضا) الثورة التونسيّة، ثورة الهامش على المراكز، مكتبة علاء الدّين، الطبعة الأولى جانفي 2012.
7- هيرتس (نورينا)، السيطرة الصامتة، الرأسماليّة العالميّة وموت الديمقراطيّة، عالم المعرفة، الكويت، فيفري 2007،
8- ريكور (بول)، من النص إلى الفعل أبحاث في الهيرمينوطيقا، لوي سوي1986.
* * *
القواميس والمعاجم والمواقع الاليكترونيّة
- معجم المعاني الجامع
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-
- المعجم العربي المعاصر
https://www.maajim.com/dictionary/%D8%AA%D8%AE%D8%B7%9%89.
- بيريسترويكا ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%83%D8%A7