يتحول السرد في قصة الكاتبة الجزائرية من تفصيل مكاني وحدث إلى نشيد هجاء لما فعلته السلطة بأبنائها من عوز وفاقه واهمال، فتخلط الرموز التاريخية بتفاصيل شخصيات القرية المنسية في دوار حباة فقر وجوع، وكأنها أي السلطة الجائرة أسقطت عموم الشعب في بئرٍ لا مخرج منه.

الـعــائــش

إيمان سبخاوي

 

فــقـــــد جســــده في حـفــرة المحــاولة... في منطقة أم الشمــل بقــرية الحــوامـد، الخرائب حوله و القفار، حيث ملمس الموت رخــوا كـأخطبوط... ضاقت به الأرض بما رحبت و اتسعت له بئر، بلا تخبّط.. بلا حراك.. واقـــفـا في الظلام، بلا فــراغات، بلا طــوق نجاة.. لم يستـنـد عــلى أي عكــاز... في الــعـتـمة كي لا يفــزع الضوء سبــاتكم أيها الـقـتـــلة... لا أحـد يمـوت واقـفـا في دولة أحنوا رأسها، ليــركبوا ظهــرها غير الجـــزائري، لأن لفظـــة الحرية لم تمــت في فمه... الذي ورثه عــن العــربي بن مهيدي.. الذي سيولد قـــريبا في أحد ما على شــكل إصبع واحدة... لتســـد مؤخـــرة النظـــام، الطافحة بالقـــذارة.

البئر لو تعلــمون... معــابر كثيــرة لحــلم واحـــد... دعــك جسده كمــارد لتخرج الحياة.. في هيئة عــروس معطرة بالطيب و مــزركشة بالحناء... بيت صغير لم يطلبه واسعــا؛ أوسع قليلا من ماسورة حــديدية لو تعلمون.. و مهنة تحفظ ماء الوجه و البئر.. أكثير هذا أيها اللصوص و الخونة و الجبناء... الكرامة أيتها السلطات، هي المسمار الوحــيد لقـلب ناتئ... كلما خرج من بيــن ضلوع الأمهات حرقة أعـــادته إلى رشــده بين الضلوع... نحن إخوتك يا عياشي و نحن من غرر بك.. و نحن من رمـاك في البئر... لا امرأة تقد قميصك من قبل و لا من دبر.. لا امرأة تلقي إليها بالقميص، فيرتدّ إليها بصرها و تراك.. كان متعطشا لكلمة حب، لم يمزق القميص.. لم يكسر زجاجة العطر.. لكنه واعـد به الأخرى جنية، يقال أنها كانت دوما في انتظاره ككلبة وفية، مرابضة على طرف الحزن.

عثرت البغـلة يا عمر، قبـرت البغلة حية، صرخت البغلة، جافت البغلة، ولدت البغلة غصة في عنق الشعب و ماتت و لم نجد لها مدفن لائق.. على جثمانك يا عياش يمتد عمر السلطة و تقبر أحلام الشعب حية لا ترزق في بئر بلا قرار. في بئر أخرى في مرجة دار الشيوخ البعيدة عن كاميرا توثيق الموت، بعيدا عن ضجيج وسائل التواصل الإجتماعي برصاصتين أطلق (بوزيد) على صوت ابنته المستغيث أبي... أبي أنقذني يا أبي... في اليوم الثالث من صوتها المتناقص كاكاسيت مخنوق... كان قد ترك مهنة الإنحناء للآخرين، من أجل التقاط أشيائهم الساقطة.. لأن سقوط ابنته و عجــزه عن التقاطها أصابه بقلب أحدب و مكسور مدى الحياة... كم من عياش سقط في بئر من نوع آخر و عجز أهله عن التقاطه... كم من ظهر سينحني من جـــرّاء التقاط أشيائه الضائعة؟ على شعرة الحكومة التي قصمت ظهــر الشعب، أن تقيم مصنعا لروبوتات آلية بها أعطاب تقنية لتقـــوم بدلنا بجمع أعمارنا الساقطة و أحجارنا الثمينة... التي سنرجم بها زناة الوطنية لأننا بلا ظهور و إن وجدت؛ فــقــــد كسرت و نحن نحاول الحياة... و أخبروا أمه أن لا تبكي بعد الآن، لأن الدمعة رخيصة جــــدا عندما يكون الخد هو البئر.

 

1 جانفي 2019