يقدم الباحث المغربي هنا تناول كل من عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم ونظيره الألماني ماكس فيبر، ومن منظورين مختلفين كلية: المجتمع والفرد، لظاهر الدين ودوره في الواقع. ويهتم بمدى صلاحية كل من التصورين للتعامل مع تعقيدات الظواهر الدينية في عالمنا المعاصر، ويخلص إلى ضرورة إعادة قراءة دوركايم.

مستقبل الدين بين «دوركهايم» و«فيبر»

مقاربة سسيولوجية-مقارنة

محمد أعراب

 

تقديم
تزعم هذه المقالة أن أفكار إميل دوركهايم
Emile Durkhein وماكس فيبرMax Weber تظل مناسبة وضرورية لفهم وجود الدين، وكذلك غيابه في المجتمع المعاصر. يقدم دوركهايم بعض المفاهيم لتفسير عودة الدين إلى الفضاء العمومي، والنمو السريع للأصولية، وسيكولوجية المقاومة لكل تغير اجتماعي، وظهور أشكال جديدة من النزعة الإقليمية والنزعة الوطنية، ووجود تيارات لمختلفة في جميع الأديان. ويوفر فيبر Weber مفاهيم لتفسير دور الفرد في الدين، ومدى تأثيره من موقعه الاجتماعي في الممارسة الدينية والعلمنة، على كتلة المجتمع المعاصر. بسبب الفردية النفعية غالبا ما يفترض في البحث الاجتماعي للدين. لهذا توصي المقالة بقراءة جديدة لنصوص دوركهايم التي تتعامل مع المجتمع كمنتج للوعي الشخصي.

احتفظت الأفكار المقترحة من قبل "أميل دوركايم" و"ماكس ووبير" حول العلاقة بين الدين والمجتمع، علاقتها وصلاحيتها بالسياق التاريخي الراهن. لا يمكننا تفسير وجود أو غياب الدين في مجتمعنا دون الرجوع إلى الأفكار التي طورها هذان المتخصصان في علم الاجتماع في أوائل القرن العشرين. من المعروف جيدا أن هذان المفكران لديهما تصورات متباينة عن دور الدين في المجتمع. لقد فسر كل واحد منهما حسب تصوره الخاص شخصية الإنسان وعلاقته بالمجتمع. ويبدو أن هذا الاختلاف في التصورات لا زال مستمرا وقائما في الصراع الحالي بين اثنين من التيارات الفلسفية وهما تيار "الجماعة" و تيار "الفرد".

العالم من وجهة نظر" دوركايم:
لقد كان الواقع الإنساني الأساسي هو "المجتمع" بالنسبة "لإميل دوركايم". وفقا لحدسه الذي أثبتته أبحاثه في المجتمعات البسيطة كالقبائل البدائية بأستراليا، كان المجتمع هو المصدر الأساسي للأفراد. لم يكن المجتمع يقدم لهم الطعام والحماية فحسب، ولكن أيضا وخاصة، ثقافة مشتركة، ومجموعة من القيم والأبعاد الروحية عن الحياة. لم يكن سوى البعد البيولوجي للشخص كان فرديا محضا. لكن البعد العقلي أي الوعي والخيال والذكاء، يتم الحصول عليهم من خلال المشاركة في المجتمع. اللغة هي مثال جيد: نحن نطور مهاراتنا (أو وعينا) اللغوية الشخصية من خلال استيعاب لغة المجتم

يقول "دوركايم" Durkheim مادام المجتمع هو الذي يحددنا، فإننا نبقى متجذرين فيه. نحن إذن كائنات أخلاقية (1970: 314-322). إن أفراد نفس المجتمع، يتقاسمون قيما مشتركة ولديهم هاجس داخلي يحثهم على تحقيق تلك القيم في حياتهم. يؤكد "دوركهايم" أن هذا الهاجس الباطني جد قوي عند الناس، لهذا فهم يرغبون لكي يكونوا دوما في خدمة مجتمعهم، بل إنهم قد يذهبون إلى حد التضحية بحياتهم عندما يداهم أي خطر أو تهديد هذا المجتمع.

وحسب دوركايم" Durkheimفالبشر لديهم ميل ديني ورغبة في الاستسلام لما هو مثالي، تبعا لأصلهم الاجتماعي. ويؤكد أيضا أن المجتمع ليس حقيقة موضوعية فقط، موجودة خارج أفراده، بل هو أيضا واقع ذاتي ’يوجد في صورة رمزية في حياتهم’ ويحدد كل إنسانيتهم. موجود بشكل رمزي في "الوعي الجماعي" حسب تعبير دوركايم ’فالمجتمع ينشئ أعضاءه ويدعمهم ويحدد هويتهم (1960: 633).

1-الدين:
لقد اندهش وتعجب "دوركايم" كثيرا من كون الدين ظاهرة كونية. ورغم انه كان ملحدا، فهو أراد أن يجد تفسيرا علميا للتجربة الدينية. من خلال أبحاثه التي أجراها في القبائل البدائية، توصل إلى استنتاج مفاده "أن تجربة "المقدس" ’كانت نتيجة لقاء واجتماع الناس، في أوقات معينة، مع المجتمع الموجود بشكل رمزي في وعيه الجماعي.

قال، دوركهايم إن الإله، هو المجتمع المنحوت بأحرف كبيرة في عقول أعضائه. الدين هو الشعور بالاحترام الممزوج بالخوف’ والتخلي عن القالب الاجتماعي الذي خلقهم’ والذي يساندهم، ويمنحهم مثالهم الأعلى، وهو من يعاقبهم على تجاوزاتهم لإعادة دمجهم. ويعتقد دوركاهيم أن كل مجتمع يخلق دينه الخاص به. بدون هذه القوة الرمزية، وبدون هذا الشعور المغروس في الوعي الجماعي، لا يمكن للمجتمع البقاء على قيد الحياة. الدين هو الروح التي توحد الرجال والنساء معا في نفس المشروع الاجتماعي.

كانت نظرية "دوركهايم" مساهمة مهمة من اجل تفسير الدور الاجتماعي للأديان التقليدية، ومن اجل فهم المعاني والدلالات التي تحفل بها طقوسهم المقدسة. لكن هذا العالم الاجتماعي الكبير لم يكن لديه الشيء الكثير فيما يخص الدين في المجتمع الحديث العلماني والتعددي. لقد رحب بالمجتمع الحديث باعتباره أكثر عقلانية وإنسانية من المجتمعات السابقة. كتب "دوركايم" أن الآلهة القديمة تشيخ وتموت،حتى الإله المذكور في الكتاب المقدس. ولكن الآلهة "الجديدة" لم تولد بعد (1970: 611). كان مقتنعاً بأن المجتمع الحديث قائم على أساس الذكاء وعلى العلاقات الإنسانية، مما سيؤدي على المدى الطويل إلى نشأة الدين المدني الخاص لتعزيز قيمها في قلوب المواطنين. أما في الوقت الراهن، لقد اشتكى "دوركهايم" من الدين المشترك الذي هو "عبادة الشخصية" (1970: 261-278). وبعبارة أخرى، مثل ماركس، كان "دوركهايم" ينظر إلى الفردية والأنانية لا كميل طبيعي، ولكن كنتاج ثقافي تم إنشاؤه من خلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

يقول دوركهايم إن هذه العبادة للشخص هي دين غير عادي مرضي، لأنه يهدد بإضعاف المجتمع، والاستعداد لانهياره. لكن عالم الاجتماع الفرنسي كان مقتنعا بأن المجتمع الحديث، والصناعي ’القائم على المساواة، سيخلق على المدى الطويل شكلا خاصا لدينه، قادرا على تأكيد هويته الاجتماعية وجعل المواطنين أوفياء لأسس المواطنة. دافع "دوركهايم" بقوة عن هذه الفكرة’ ضد الكاثوليك المحافظين الذين كانوا يمثلون في تلك الفترة الفريق الأقوى في فرنسا. حيث كانوا يتوقعون أن المجتمع الحديث من شأنه أن ينخر التضامن الاجتماعي. تبنى عدد من علماء الاجتماع المعاصر أفكار "دوركهايم" ’مصرين على أنه من أجل التطور والازدهار، يحتاج المجتمع إلى أسطورة قومية أو حسب تعبير روسو Rousseau إلى دين مدني (Bellah 1967: 1-21 فمن نقاط ضعف كندا مثلا هي عدم وجود أسطورة وطنية يحتذي بها جميع المواطنين. ومع ذلك، فإن "الكيبيك" الذي اعتنق الكاثوليكية في الماضي، تبنى بعد الثورة الهادئة الأسطورة الوطنية العلمانية.

2- الهوية الجماعية:
يسلط عالم الاجتماع "دوركهايم" الضوء على ظاهرة معاصرة مرتبطة بالبحث عن الهوية الجماعية. في أجزاء كثيرة من العالم، هناك شعوب تقاوم الليبرالية العالمية، والفردية الرأسمالية من خلال التأكيد القوي على هويتهم الجماعية، الموروثة من الماضي. التي تتخذ في بعض الحالات أشكالا متطرفة من القبلية والقومية العدوانية. الليبراليون والماركسيون يصابون بالدهشة من هذه الظواهر. النظرية الليبرالية تعتبر البشر كأفراد لكل واحد منهم توجهات شخصية نحو البقاء على قيد الحياة وتحسين ظروفهم المادية. لكن هذه النظرية لا تستطيع أن تشرح لماذا يختار الناس تأكيد هويتهم الجماعية، حتى ولو أضرت بمصالحهم المادية والشخصية. وفقا للنظرية الماركسيية، البشر موجهون، سواء كانوا يعرفون ذلك أم لا، إلى النضال لتحسين الحالة المادية لطبقتهم الاقتصادية. هذه النظرية غير قادرة على تفسير لماذا مجموعات معينة تختار تأكيد هويتها الدينية أو العرقية أو القومية حتى لو كانت تضر بمصالحتهم الطبقية.

إن وصف أو نعت القومية العرقية أو الحركة الدينية "بالوعي الزائف"، لا يمكن أن يفسر لماذا تمارس هذه التيارات مثل هذا الانطباع. وفقا "لدوركهايم"، فإن البشر مرتبطون كثيرا بالهوية الجماعية، وإذا كانت مهددة، فإنهم يقدمون تضحيات كبيرة لإنشاء مؤسسات اجتماعية وسياسية لحمايتها و لتعزيزها. الليبراليون والماركسيين يجهلون الأهمية الاجتماعية للهوية الجماعية، حيث لم يتمكنوا أبدا من فهم الحركات الفاشية مند 1930. في تلك الآونة كان هناك مفكرون ضد الفاشية فهموا بوضوح هذه التوجه. في كتاباته نعت "كارل بولاني" Karl Polanyi في الثلاثينيات الفاشية" بعودة المكبوت"، وهذا يعني، إعادة التأكيد، في شكل مشوه لكل ما هو اجتماعي منخور بالليبرالية والماركسية. وصور الفاشية على أنها شكل مشوه للهوية الاجتماعية’ لأنها تتطلب التضحية بالضمير الأخلاقي الشخصي، لصالح الطاعة العمياء للرئيس (باوم، 1996: 50).

في الوقت نفسه، اعترف بول تيليش Paul Tillich في كتاباته بأن ارتباط الشعوب بجذورها العرقية، أو المواطنة أو الدينية ظاهرة عالمية. حيث لا يمكن لأي نظرية اجتماعية، أن تكون مقنعة على المدى الطويل إذا كانت تتجاهل تأصيل شعب في تاريخه. في الوقت نفسه، أدرك "تيليش" بوضوح أن السياسية القائمة على أساس الهوية الجماعية لشعب ما، من شأنها أن تنتج العداء ضد أولئك الذين لا ينتمون إليها، مما يجعل الهياكل التقليدية أكثر صلابة نتيجة عدم المساواة الاجتماعية - اثنان من الاتجاهات الخطيرة التي تقود على التوالي إلى للحرب والقمع. دعا تيليش إلى النظرية السياسة، التي تحترم الرابطة الاجتماعية الموروثة من المجتمع، ولكن رهنا للمعيار العقلاني للعدالة الاجتماعية. قدم تفسيرا عقلانيا للقومية طالما تحترم المساواة بين أعضاء الأمة والمساواة بين الأمم نفسها (باوم، 1995: 92-95).

3- الانوميا L’anomieأو (الاختلال الاجتماعي) كقوة اجتماعية:
فسر "دوركهايم" في كتابه ’أن الأشخاص الذين تتعرض هويتهم الجماعية للخطر’ يعانون من قلق عميق. وصف هذه الحالة بالاضطراب والارتباك الاجتماعي أو الاختلال (1981: 272-311 Anomie يمكن أن تظهر في قلوب الناس بطريقتين مختلفتين: إما أن يكون الناس نزحوا من بيئة اجتماعية ثقافية إلى أخرى ’أو أن البيئة الثقافية التي ينتمون إليها تخضع لتحولات كبيرة. في كلتا الحالتين هم غير قادرين على التكيف مع الوضع الجديد، مما يسبب لهم الارتباك والقلق. هذه النظرية أنارت العديد من الظواهر اليوم، بما في ذلك الظواهر الدينية.

إذ تمر الثقافة السائدة في أمريكا الشمالية، بتحولات عميقة بسبب البطالة المزمنة وندرة الوظائف، وفك الارتباط لتوجيهات الدولة، وتنصل الدولة من مسؤولية تعددية الديانات الوافدة، نتيجة الهجرة من قارات أخرى غير أوروبا. وكذا الطلب المتزايد على المساواة بين النساء والرجال. إذا كان "دوركهايم" على حق، فمن المحتمل أن يؤدي مثل هذا الموقف إلى قلق عميق في العديد من أعضاء المجتمع. فالعداء تجاه المهاجرين والعنصرية وظاهرة المعاداة للنساء هي إلى حد كبير نتيجة لهذا القلق. و بدلا من اتهام الناس الذين يعانون من التغيير الاجتماعي كالأورو-الأمريكيين وغيرهم rednecks أو الرجعيين، من الأفضل أن تُحترم آلامهم ويُتبني خطاب يساعدهم. الناس الذين يفقدون هوياتهم لديهم الحق في الحداد على هذه الخسارة، بدل أن يتهموا بالمكر. فالحداد لوقت قصير يشفي الروح، بعدها يلجئون إلى التكيف مع الواقع الجديد ويسعون إلى إعادة تعريف هويتهم.

4- الدين المحافظ والطوائف:
الفكرة "الدوركاهمية" Durkheimian عن الاضطراب أوالاختلال الاجتماعي ( anomie) تسلط الضوء أيضا على الجاذبية التي تمارس من قبل الدين المحافظ، وبواسطة الطوائف والعبادات الحديثة. يتساءل المراقبون العلمانيون أحيانا كيف يمكن للناس الأذكياء أن يتقبلوا التعاليم الروحية والأساليب غير الحكيمة للحياة التي تتعارض مع الحس السليم؟ يذكر "دوركهايم" هؤلاء المراقبين أن الدين المحافظ ومذاهب الأصول الحديثة، علاجات للقلق العميق ينتجها مجتمع قلق يعجز الذكاء عن شفائه. وتوضح نظرية "دوركهايم "سبب وجود حركة محافظة قوية في الوقت الحالي في الكنائس المسيحية، وبشكل عام، في جميع الأديان. تيارات في بعض المواقف تولد شكلا من التشدد بعيدا عن أية مرونة أو تسامح. إذا كان "دوركهايم" على حق، فإن الحركات المحافظة في الأديان ’تؤكد على القلق الذي يعاني منه أشخاص متشددون دينيا، لأنهم يحسون أن هويتهم الجماعية مهددة بالتعددية الدينية وعلمنة ثقافتهم.

في "الكيبيك" حيث الثورة كانت هادئة خلقت ديناميكية اجتماعية تلمس عند جميع السكان تقريبا. والحركة المحافظة في الكنيسة هنا أضعف بكثير من فرنسا وكذا في دول أخرى، حيث يعارض جزء كبير من السكان التغييرات الاجتماعية والثقافية. في بعض الحالات، تحول التيارات المحافظة الأديان إلى حركات أصولية، تعبر عن رد فعل قوي ضد الثقافة التي تفرضها قوة مركزية، مهددة لإبادة الهوية الجماعية التقليدية. فالتشدد في الأوساط المسلمة، وحتى بين الهندوس والبوذيين - يمكن تفسيره على أنه مقاومة هائلة ضد غزو الثقافة العقلانية والتجارية للغرب، بدعم من قبل المركز الرأسمالي للعالم.

وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحية المحافظة في الولايات المتحدة التي تدافع عن الثقافة البروتستانتية التي حددت الهوية الأمريكية في الماضي، ضد العقلانية والعلمانية (تسمى "الإنسانية العلمانية" عند المحافظين) وضد التعددية الدينية والحركة النسوية والوجود المتزايد للمهاجرين غير الأوروبيين- جميع الاتجاهات التي تدعمها الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة.

الحركات الأصولية المتشددة، تتعرض لكثير من السخرية في المجتمع. على الرغم من معارضتهم للحداثة العلمانية والسبب النفعية كمبدأ عمل أول utilitarisme ou utilitariste، لان رغبتهم في أن يصبحوا قوة سياسية مهمة باستخدامهم الأساليب الحديثة للتنظيم والاتصالات، بما في ذلك تقنيات التلاعب، وبالتالي تعتمد على العقلانية. فالحركات الأصولية المتشددة تميل إلى التحديث بالرغم عنها.

5- الديانة الكونية:
إذا اتبعنا مبادئ "دوركهايم"، فإننا نتوقع خلق مجتمع عالمي، في مجال الأديان، ستكون له آثار أخرى غير حركات المقاومة. مجتمع عالمي شامل يتحقق لأول مرة في التاريخ. جميع دول العالم بدأت في الاعتماد على بعضها البعض سواء في أفضل أو أسوء الحالات. كلهم يعتمدون على نظام عالمي واحد للاقتصاد الرأسمالي، ويسعون إلى تحسين وتطوير التكنولوجيا للمساهمة في نفس المعرفة. معظمهم يساهمون ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ منظمة اﻷﻣ اﺘﺤة؛ وﻫ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌاد لقبول قيمها الاجتماعية، أي حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة. كما إن التداخل والترابط الهيكلي للبشرية أصبح حقيقة تاريخية، رغم كون هذه الهياكل التنظيمية هي التي تنتج الظلم واللامساواة.

إذا كانت سسيولوجيا"إميل دوركهايم" تتميز بالصلاحية، فانه من المتوقع، أن تعبر عولمة البنية التحتية عن نفسها بكيفية رمزية في "الوعي الجماعي" وبخلق حركة روحية تهدف إلى التضامن العالمي. ولذلك لا يكفي تفسير الحركة العالمية والحوار بين الأديان كاختراعات لأفكار جريئة. بل ينبغي علينا أن نفهم ذلك كتعبير روحي لواقع اجتماعي جديد. إن التضامن العالمي والكوني، بدءا من الفقراء، أصبح تجربة دينية في كل الكنائس المسيحية وجميع الأديان الرئيسية. إذا قرأنا النصوص المنشورة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، من قبل المجمع العالمي أو في الندوات العالمية للأديان من أجل السلام، نجد اعترافًا مزدوجًا: أن جميع التقاليد الدينية حاملة لعناصر روحية تبارك عدم المساواة الاجتماعية، وهيمنة الأقوياء والظلم الذي يلحق بالضعفاء.

كل التقاليد الدينية حاملة لعناصر روحية أخرى تدعم العدالة والرحمة والسلام. من خلال الحوار والتعاون والكنائس والديانات غير المسيحية اكتشفت الآن أنها تحمل "طوباوية utopie اجتماعية مماثلة، من خلال الإنسانية المسالمة في العدالة وفي الحب. مبادئ "دوركهايم" تجعلنا نفهم حاليا سبب وجودتيارين متناقضين في جميع الأديان: تيار محافظ، يسعى إلى تعزيز الهوية التقليدية، وتيار جريء، ينفتح على التضامن العالمي، بدءا من الفقراء، والفقراء الأكثر ضعفا. هذان التياران موجودان في الكاثوليكية "الكبيكية ".quebéquoise

هناك سببين ريئسسين لوجود تيار "الانفتاح والتضامن" وانتقاده للرأسمالية، والذي له تعبيرات قوية في كنيسة "كيبيك"، مدعومًا برسائل القسيسين والإيماءات العامة للأساقفة. أولا، كما قلت سابقا، الثورة الهادئة خلقت في الناس شعورا ديناميكا للثقافة؛ وثانيا فإن العلمانية السريعة لمجتمع "كيبيك" أجبرت الكنيسة على اعتبار نفسها كأقلية لم يعد لديها وظيفة إضفاء الشرعية على كل شيء، يمكن أن تصبح قوة نقد مستوحى من الرسالة النبوية للإنجيل.

6- العالم حسب ماكس "ويبيرMAX WEBER":
مع ماكس فيبر، ندخل عالمًا فكريًا مختلفًا للغاية. يبدأ فيه التفكير النظري في المجتمع والدين انطلاقا من الفرد. الأفراد هم الذين يخلقون المجتمع، والرجل "الذي يتمتع بجاذبية خاصة’ وبالهبة وأتباعه هم الذين يخلقون التقاليد الدينية. لم يكن "فيبر" يؤمن بالوعي الجماعي ’ولا بالأسطورة الجماعية في المجتمع. وعارض عالم الاجتماع الألماني بشدة الاتجاه الرومانسي في الفكر الألماني، الذي تمثله في فرنسا الأقلية الحالية التي ينتمي إليها "دوركهايم". حيث يرى هذا التيار الحالي، أن في المجتمعات التقليدية وحدة عضوية وصوفية. حسب "ويبير"، المجتمعات هي البناء الأساسي. تبقى المجتمعات موحدة لأن هناك حكومة تمسك بالعصي وتضرب رأس كل من لا يوافقها. بالنسبة له، يتم إنشاء الوحدات الاجتماعية من خلال قوة السلطة. ومع ذلك، فمن الضروري، في رأيه ان يحكم ويحاكم الأعضاء السلطة الشرعية.

عندما يتحدث فيبر عن الشرعية، فهو لا يفكر في أيديولوجية تبارك وتزكي النظام الاجتماعي أو تجعله يبدو عقلانيا. بل انه يفكر أكثر في قدرة النظام’ على الوفاء بوعوده وتلبية توقعات وانتظارات أعضائه. من الواضح،أن Weber لم ينكر بأي حال من الأحوال أن المجتمعات التقليدية قبل الحداثة كانت لها روابط اجتماعية وقيم مشتركة. ولكن، في نظره، لم تكن هذه العناصر المشتركة طبيعية، ولكن شيدت على أسس متينة. المجتمعات هي اذن منشآت ناجحة. وفاء لهذه المقاربة، إن "ويبير" يرى أيضًا إن العرقية هي كذلك بناء. الهوية العرقية ’ليست طبيعية’ ونشأت وفق تراث بيولوجي مشترك، بل العرق قد خلق من قبل أناس مقتنعين بأنهم يشتركون في نفس الأصل البيولوجي. ما يخلق المجتمع العرقي، ليست روابط الدم، ولكن الاعتقاد أن هذه الروابط موجودة، حتى لو كشف التاريخ عن أصل متعدد.

7- الدين عند فيبر:
يتقاسم "فيبر" مع "دوركهايم"، الفضول العلمي حول دور الدين في المجتمع. يرى "دوركهايم" أن الدين يخلق المجتمع الذي يعكس صورته في الوعي الجماعي. اعتقد فيبر بدلاً من ذلك أن الدين يبدأ بالفرد، الشخصية الكاريزمية تؤسس المجتمع الديني. وقد استخدم فيبر كلمة "الكاريزما" للإشارة إلى القوة الخارقة لدى بعض الناس ’والتي لا يمكن تفسيرها’ على التوصل إلى المعنى المقدس (1960: 159-166). لم يكن "المقدس" كما أراد "دوركهايم"، مظهرا روحيا للمجتمع. "المقدس" عند "ويبير"، يتجلى بالأحرى في شيء يتجاوز المجتمع، انه قوة نسبية متعالية عن الواقع الاجتماعي.

مؤسسو الدين، يمتلكون قوة كاريزمية كبيرة، ويخلقون جماعات من الأتباع والمريدين، قادرة على التواصل مع الأجيال اللاحقة في هيئة مؤسسة رمزية، أي من خلال رسالة روحية وطقوس مقدسة. هكذا بنيت التقاليد الدينية. رغم أن عالم الاجتماع ماكس فيبر قد أعطى الأسبقية للأفراد وتفاعلهم، فهو لم يكن ليبراليا، بالمعنى الأيديولوجي. لم يصدق، كما فعل التجريبيون والاقتصاديون البريطانيون الكلاسيكيون، انه يتم تعريف الفرد من خلال كفاحه من أجل البقاء و المنافسة. لم يقبل فيبر بأن البشر بطبيعتهم ماديون. يرى "ويبير"، أن الناس يتصرفون وينهجون سلوكات، غالبا ما تكون نتيجة لدوافع متعددة.

ميز "فيبر" بين أربعة أنواع من الدوافع: التصرف وفقا لعادات المجتمع، والعمل وفقا للعقلانية النفعية، والتصرف وفقا لقيم المرء، والتصرف وفق عواطف قوية Freund 1966: 84). بشكل عام، فأن الأسباب التي تحفز البشر متعددة. على سبيل المثال، كثير من الناس يحاولون تحسين دخلهم المادي، ولكن في نفس الوقت لا يريدون الابتعاد عن العادات المتعارف عليها أو التخلي عن المثل العليا. ثم يعملون في مزيج من الأنماط. هذا هو السبب في عدم موافقة "فيبر" على تحليل Durkheimien الذي يذهب إلى القول أن الأعضاء من نفس المجتمع متحدون بنفس القيم وبنفس التجارب الدينية. حين يرى"فيبر" أن الأمر في الدين، كما هو الحال في مجالات الحياة الأخرى، اغلب الناس يعيشون في إطار التوافق والتفاهم فيما بينهم. وان فئة قليلة من الناس هي التي تجسد بالكامل روح دينهم.

وحيث أطلق عليهم فيبر اسم "الموهوبون أو الفضلاء (1964: 137). ان الأغلبية تخلط مع قناعاتها الدينية ’اهتمامات أخرى هذه المقاربة سمحت لـ"فيبر" بتحليل اثنين من الظواهر الدينية والتي تحدث عنها "دوركهايم" ولكن بشكل مقتضب وهما: تنوع التيارات الدينية في نفس الدين والصيرورة الراهنة للعلمانية.

8- الدين والطبقة الاجتماعية
يدرك "فيبر" أن نفس الدين يتم استيعابه بشكل مختلف’ حسب الطبقة الاجتماعية للمؤمنين. في ثلاث مقالات شهيرة’ يفحص "فيبر" دين الارستقراطيين، والحرفيين، والتجار، والفلاحين، والفقراء. ثم يحلل الموقف تجاه دين البورجوازية والبروليتاريا (1960: 382-483). هذه الكتابات توضح وتبين أن الدين يدعم تطلعات اجتماعية وثقافية مختلفة جدا. يشهد التاريخ على وجود دين محافظ، ودين إصلاحي وأخر راديكالي. إن مقاربة "كهذه" قد مكنته من استيعاب المنظور الماركسي الذي له حساسية من الطابع الأيديولوجي للدين، من جهة، ومن تصحيح التعميم الخاطئ لماركس الذي يعتبر إن الدين هو دوما إيديولوجية تضفي الشرعية على الطبقة الحاكمة. وينبغي إن نضيف إلى ذلك إن بعض الكتاب والمفكرين الماركسسين انزعجوا ،قبل "فيبر"، قد انزعجوا من وجود الدين المتطرف في التاريخ الغربي.

"انجلز" Engels، نفسه، كان مفتونا بتوماس، Thomas Muenzer ،الذي قدم دعما روحيا خلال حرب الفلاحين في سنة 1525. ومعروف جيدا هذا التفسير "الفيبيري" Weberian للبروتستانتية الكالفينية باعتبارها "روحانية" ساعدت الصراع الاجتماعي للبرجوازية ضد النظام الإقطاعي (فيبر، 1964 أ). الأخلاق البروتستانتية ترتكز على الغايات الدنيوية والعمل اليومي والمبادرة الشخصية والمسؤولية الذاتية، لديها قرابة عميقة مع روح الرأسمالية الناشئة. أرادت الأخلاق البروتستانتية تصحيح البعد المادي للرأسمالية ’من خلال دعمها الروحي للكرم والمسؤولية الاجتماعية. وبالرغم من ذلك ينبغي القول، أن "فيبر" لم يرجع ولم يختزل قط البروتستانتية بوظيفتها الاجتماعية؛ كان دائما يعرف بعدها المتعالي. وكان بالضبط ، هذا التوجه نحو المقدس هو الذي منح هذه الأخلاق الجديدة سلطتها الثقافية.

حسب لوبير، فإن الطوائف الجديدة التي استمرت البروتستانتية في خلقها méthodistes les baptistes، les adventistes، etc الخ – ساعدت دائما طبقة الكادحين ’ ن أجل التقدم الاجتماعي والنجاح في المجتمع الرأسمالي. في الوقت الحاضر، العديد من الطوائف الإنجيلية مستمرة في أداء نفس الوظيفة الاجتماعية. بما أن هذه الحركات الدينية تنقل القيمة الروحية للانضباط والمسؤولية الشخصية، وتنتج المؤمنين الذين يكرسون أنفسهم للعمل، ويعتنون بعائلاتهم، لديهم حياة بسيطة، يقتصدون أموالهم للاستثمار أو لتقديم تبرعات سخية. علماء اجتماع الدين الذين يدرسون الحركات الدينية الجديدة ’تواجههم فرضيتين مختلفتين: أطروحة دوركهايم، التي تقول أن الناس المهددين بالتغيير الاجتماعي يسعون إلى هوية جماعية للهروب من المعاناة الشخصية، والأطروحة الفيبرية Weberian، التي تقول إن الفئات المهمشة تسعى للروحانية’ من اجل العيش الكريم وحياة أكثر عقلانية.

9- العلمانية La sécularisation:

عالم الاجتماع "ماكس فيبر"، معروف جدا بنظريته العلمانية. يعتقد "دوركهايم" أنه بسبب عدم عقلانية عقيدته، أن المسيحية سوف تختفي في العالم الحديث. وتوقع في الوقت نفسه’ ظهور دين مدني من شأنه أن يبرز ويعزز الأساس الأخلاقي لمجتمع التنوير. بالنسبة "لدوركهايم"، كان يوجد هناك شيء خالد في الدين (1960: 609). على خلاف "وبير".الذي كان مقتنعا بأن "الترشيد" المتنامي في المجتمع الحديث’ سوف يزيل من أذهان الناس كل القيم "غير النفعية" مثل الحقيقة، الخير، الجمال والتعالي. عن طريق "العقلنة"، يعني "فيبر" تطبيق السبب التكنولوجي لعمليات الحياة الشخصية والاجتماعية (1964 م: 61-107). في الماضي، فإن اتجاه "العقلنة"، التي تسيطر عليها قيم أخرى، سمحت للإنسانية بخلق حضارات عظيمة؛ ولكن اليوم أصبح هذا الاتجاه العقلاني قويا جدا، إلى حد انه الغي جميع الأسئلة للعلم والتكنولوجيا والإدارة العقلانية لا يمكن حلها. العقلانية الحديثة تهتم وتعنى بـ"الوسائل" وليس لديها أي اهتمام "بالغايات"، مثل الحقيقة والصالح. لقد نتج عن هذا التطور المعاصر، حسب "فيبر"، اختفاء المسألة الدينية من وعي الأغلبية. وأصبح الرجال والنساء علمانيين.كما كان "فيبر ذاته".

لكن حسب أطروحة "فيبر" التشاؤمية، إن علمنة الثقافة ’لن تؤدي فقط إلى موت الدين، ولكن أيضا إلى تراجع وانحطاط كل ثقافة إنسانية. إن التأمل الفلسفي والحب العاطفي والالتزام الأخلاقي للمثل العليا، وتقدير الجمال وتثمينه، كل هذا كان مطلوبا أن يختفي ويندثر. وفقا لتنبؤات فيبر، سيتم رسم المجتمع العقلاني في المستقبل باللون الرمادي، انه سيكون بمثابة "قفص من الحديد"، عالم حزين بدون لون، وبدون روح. (1964a: 246)

حسب Weber كما رأينا، يتجاوز الدين وظيفته الاجتماعية، ويلامس السمو. كما ان الدين يجيب عن الكثير من الأسئلة’ التي كان في الماضي لا يمكن لأحد الهروب منها. من أين نحن؟ ما هو معنى حياة الإنسان؟ ماذا سيكون مستقبلنا؟ ما هو أصل الشر والمعاناة؟ الدين، وفقا لـ"فيبر"، يتم إنشاؤه من قبل الأشخاص الذين يتمتعون بـ"الكاريزما" والقادرين على تقديم إجابات لهذه الأسئلة -الأسئلة التي، في الوقت الحاضر، هيمنت على العقل وأفرغته من المعنى. يرى "فيبر" أن الدين في المجتمع الحديث ’سيبقى فقط في دوائر صغيرة’ كمصلحة شخصية يتقاسمها الأصدقاء - الدين في pianissimo.ان علماء الاجتماع المعاصرون الذين يتبعون "ماكس فيبر" ينظرون إلى تعدد الطوائف وظهور حركات جديدة والصراع بين الاتجاهات والهويات العالمية في الأديان الكبرى ’كأعراض لتحلل وتفكك التقاليد الدينية، قبل الاختفاء الكامل لهذه الأخيرة.

خلاصة:
إن عالم الأجتماع "اميل دوركهايم" قادر على تفسير عودة الدين إلى المجال العمومي والامتداد او الاتساع الحالي لما يسميه "الأنكلوفونيون" identity politics "بتسييس أو سياسة الهويات" والتي تعني الحركات الاجتماعية المطالبة بهوية وطنية أو عرقية أو إقليمية. "دوركهايم هو المفسر والشارح الكبير للظواهر الجماعية. لقد أظهر لنا تلك المشاعر الشخصية التي لها معنى اجتماعي. ولكن إذا كنا مهتمين بمستقبل الدين، سيكون من الخطأ إهمال وإغفال عالم الاجتماع ماكس فيبر". فكما رأينا، فإن علم اجتماع "فيبر"، قادر على تفسير التوترات داخل دين، تنتجه مصالح مؤسسات الزعماء الدينيين أو من خلال المواقف الاجتماعية المختلفة لأعضائها. كان "فيبر" أيضا يملك معنى ودلالة قوية لعلمانية الثقافة ’تحت تأثير المجتمع التكنولوجي .. العلاقة بين الناس ومجتمعاتهم معقدة جدا،لا يمكن التنبؤ بها، حيث لا يمكن تفسير النظرية الاجتماعية فقط. النظريات تتناقض وتتكامل فيما بينها، وهي مفيدة، لأنها تسمح للباحث بالتحقق من كل واحدة منها. وهنا نلمس إلى أي مدى تسلط هذه النظريات الضوء على الظاهرة.

بسبب الروح الفردية والنفعية التي تميز الثقافة المعاصرة، حتى في الجامعة، نلاحظ بسهولة مظاهر دينية جديدة’ كتعبيرات غير منتظرة للجنون الإنساني. مثل هذا الإدراك موجود أيضا فيما يتعلق بمظاهر الهوية السياسة. يتساءل الناس كيف يمكن، في مجتمع يطمح ويرغب في أن يصبح أكثر عقلانية من أي وقت مضى بعض الجماعات تتحول إلى غايات غير عقلانية أبعد من امتيازاتها المادية. ومن اجل بلوغ وتحقيق فهم أحسن وأعمق للمجتمع المعاصر، نوصي بإعادة قراءة إميل "دوركهايم"، أو بعبارة أخرى نوصي بضرورة القيام بقراءة جديدة لدوركايم.

المراجع

•-1-BAUM، Gregory (1996). Karl Polanyi on Ethics and Economies، Montréal، McGiIl-Queen's University Press، 90 pages.

-2-BAUM، Gregory (1995). «Quelle sorte de nationalisme?»، Concilium، 262، 111-121.

-3-BELLAH، Robert (1967). «Civil Religion in America»، Doedalus، 96، 1-21.

-4-DURKHEIM، Emile (1981). Le suicide، Paris، Presses universitaires de France، 463 pages.

5-DURKHEIM، Emile (1970). La science sociale et l'action، Paris، Presses universitaires de France، 334 pages

-6-DURKHEIM، Emile (1960). Les formes élémentaires de la vie religieuse، Paris، Presses universitaires de France، 640 pages.

-7-FREUND، Julien (1966). Sociologie de Max Weber، Paris، Presses universitaires de France، 256 pages.

-8-TESSIER، Robert (1994). Déplacements du sacré dans la société moderne، Montréal، Bellarmin.

-9-WEBER، Max (1964a). L'éthique protestante et l'esprit du capitalisme، Paris، Pion، 340pages.

.-10-WEBER، Max (1964b). Le savant et le politique، Paris، Pion، 230 pages.