رواية (ملك الهند) لجبور الدويهي تختلف عن رواياته السابقة، لكن كل رواية جديدة لجبور الدويهي كشف آخر وعمل مختلف. في رواية "ملك الهند" لا تمر مروراً عابراً قصة الكنز الذي دفنته الجدة العائدة من المهجر في مكان من البيت. قصة الكنز هذه التي تردنا الى الحكايا ليست دون أثر. إنها عنوان لرواية، هي رغم أنها لم تتجاوز مئتي صفحة، لا تزال تخرج من حكاية إلى حكاية وتطوي أقصوصة على أقصوصة، حتى أننا نشعر أن حكاية الكنز التي تقربنا من ألف ليلة وليلة ليست بعيدة عن الرواية التي تتعالق حكاياتها وتتفرع، كأنها وهي تخرج من قصة إلى قصة تكاد ترتد إلى ألف ليلة وليلة أو تكاد توازيها جزئياً.
يكتب جبور دويهي قصة سيالة بل هي عنقود قصص يتوزع بين الشرق والغرب، وبين أمريكا، ولبنان، والتاريخ ليس أقل سيولة، فنحن ننحدر من زمن الجدة وزمن الأبناء، وزمن الأحفاد الى أن نصطدم بالحرب الأهلية وإن كنا نزلنا اليها من 1860 الأهلية أيضاً، فهنا التاريخ يتخالط ويسيل.
ليست هكذا روايات جبور الدويهي، لكن أي رواية لجبور الدويهي تعيد غيرها! لكل رواية نسق خاص ووجهة خاصة، وكل رواية عمل بحد ذاتها ولا يعود إلى غيره.
ثم هناك هذا المرور السريع على ثلاثة أجيال، والمرور المتأني على رموز لم تكن إلا رموزاً ضاعت في أحشاء الرواية... رمز الكنز ورمز لوحة شاغال، ورمز المحمودية، ورمز الكتب العربية التي حملتها إميلي لزكريا.
الكنز يختفي ولا طائل له، لكنه الكنز وهو يبدأ الرواية ويبقى واحداً من أسرارها وأوتادها والقارئ يصادفه ويتعطّش ليعرف سره، لكنها ليست المرة الأولى التي نصادف فيها كنزاً في حكاية، ولعل الكنوز من أركان الحكايات، لكن رواية جبور الدويهي ليست حكاية، إنها بالتأكيد رواية ورواية حاشدة، حاشدة بالأخبار، والأزمنة والحكايات، ثم أنه يسعنا القول ونحن نرى رواية تنزلق من حكاية إلى حكاية ومن واقعة الى واقعة، إن جبور الدويهي في ملك الهند يختار لروايته هذه نمطاً خاصاً، لنقل أنه يصنع رواية، نعم رواية من حكايات.
حكايات أو مغامرات أو أسرار تفاجئ وتدهش قبل أن تختفي، لكن اختفاءها يبقيها حتى نهاية الرواية أسراراً، أو ينتهي بها الأمر الى أن تتمزق وتتسلخ فاقدة بذلك سرها، أو معرضة له لقدر من السخرية أو قدر من اليُتم.
الكنز لا نعرف إلا أن الجدة أوحت به وثمة من يقول إنها أوحت به ليبقى القصر على حاله. لوحة "شاغال" لماذا شاغال؟ لا نعرف ماذا وراءها الى أن يكون في الأمر هزلية شاغال وطيران أشيائه.
المحمودية الأرض الجرداء ازدهرت وعادت جرداء، زكريا الذي فقد ابنته يقتل وقد يكون انتحر، لكن شيئاً من هذا لم يتأكد ثم هناك مئة حكاية وحكاية، ابراهيم ويونس وما بين الشقيقين، غراميات زكريا وهو يخرج من قصة إلى قصة، حكاية المحمودية والطريق إليها، حكاية زكريا مع ماري.
نرجع إلى الحكايات فها هو ذا زكريا يقتل عقب عودته من أمريكا، تحذره أخته من العودة، ولا يدور على مجيئه زمن حتى يقتل. ثمة أسباب قد تكون وراء هذا القتل.. خلاف عائلي. لوحة شاغال محمودية. أسباب عديدة لكنها كلها تنحسر واحدة بعد الأخرى ليستقر الأمر على الانتحار، ولتمزق رحيل المعتوهة لوحة شاغال وليندفن الكنز إلى الأبد، هذا إذا كان حقيقياً ولتعود المحمودية جرداء كما كانت، أسرار تنكشف ضحلة وباطلة كأن سر الرواية، هو زوال الأسرار.