عن دار الحرف للنشر والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة، صدر للناقد المغربي عبدالفتاح الحجمري كتاب نقدي موسوم ب"الكحل والمرود:الوصف في الرواية العربية" في طبعة أولى السنة الماضية يقع الكتاب في 136 صفحة، ويضم فصلين مركزيين إضافة الى مدخل نظري لطرح الإشكال. ويسعى الكتاب الى الاقتراب من فهم أبرز القضايا الخاصة بتركيب واشتغال الوصف في الرواية كبنية دلالية ترتبط بثلاثة منظورات متكاملة: منظور الكلمة الوصفية، منظور الجملة الوصفية، ومنظور الصيغة الوصفية المرسلة
يعكس عنوان الدراسة أهم المفاهيم الدالة على إشكالها العام، إذ يرتكز تحليل الوصف في الرواية العربية على إمكانية مساءلة مختلف عناصر التأليف الروائي، والنظر الى كيفية تصريفها حسب الانتشار الذي يتناسب مع طبيعة الحكاية. لذلك سعى الناقد عبدالفتاح الحجمري الى الاقتراب من فهم أبرز القضايا الخاصة بتركيب واشتغال الوصف في الرواية "كتحقق" حكائي متصل بمعجم وصورة.
في الفصل الأول من الدراسة مساءلة لبعض الأشكال الخاصة بالتركيب الوصفي ووظائفه الحكائية، ويمكن الاهتمام بتحليل الوصف من تصور خطاطة سردية تمنحه علامات تحيل على أنماط خاصة في الاشتغال وإنجاز التماسك الدلالي. ولهذه الأنماط تنظيمات تجعل من الصعب إقامة وحدة مستقلة للوصف، لذلك يقترح الناقد عبدالفتاح الحجمري ما يصطلح عليه بالحيز الوصفي أي البحث في صيغ تحديد موضوع الوصف وكيفية تنظيم مساراته التعبيرية وإمكانية تسمية علاقاته الدلالية وفق ثلاثة منظورات متكاملة:
· منظور الكلمة الوصفية وإحالاتها على صعيد الجملة والمتتالية الجملية وكذا روابطها وأدوارها النصية والحكائية.
· منظور الجملة الوصفية وممكنات توزيعها وانتشارها السردي. وهذا ما سيبرر استخلاص العديد من الجمل الوصفية وبحث مواقعها على صعيد التطور والتقطيع والتوسيع الحكائي.
· منظور الصيغة الوصفية المرسلة، وهو منظور حسب الناقد الحجمري، يحلل بعض مستويات التركيب الخاصة بالفقرة والوحدة الوصفية. ويقترح خلاله على مستوى الفقرات الوصفية الاهتمام بعلاقة الفعل الوصفي وتقطيع النص حسب تنظيمات الإطار الدلالي الضابط للعلاقة الحكائية. مما سيمكن من تحديد أنواع معينة من الفقرات الوصفية.
أما على مستوى الوحدات الوصفية، فيقترح الناقد عبدالفتاح الحجمري النظر الى أدوار بنياتها الحدثية القائمة على تسمية الموضوع الوصفي، وأشكاله التركيبية التي تجعل الوحدة الوصفية مشهدا حكائيا. وداخل هذه الاعتبارات الخاصةب التركيب الوصفي، يستخلص الناقد ثلاث بنيات وصفية كبرى:
1. البنية الوصفية النووية
2. البنية الوصفية المشتقة
3. البنية الوصفية المعممة
في الفصل الثاني من هذا الكتاب نجد الناقد يقسمه الى مبحثين رئيسيين، الأول يعالج فيه المعجم الوصفي من زاوية اعتباره تركيبا حكائيا، وهو ما يجعل المعجم الوصفي حركة وصفية داخل البنية السردية ذاتها. يواصل الناقد في هذا المبحث تحليل البعد الفضائي للمعجم الوصفي مركزا على أبرز التمثيلات الحكائية لتصريف المعجم وفق بعدين مركزيين:
البعد الأفقي الدال على المسافة الوصفية، والبعد العمودي الخاص ب"المساحة الوصفية". في المبحث الثاني يعالج الناقد بعض القضايا المتصلة باشتغال الصورة الروائية كصيغة أخرى من صيغ التركيب السردي والوصفي للحدث الروائي، كما عالج الناقد بعض القضايا المتصلة باشتغال الصورة الروائية في صلتها بالتشخيصات الممكنة لعالم الحكاية.
طرح الإشكال: الوصف وتشخيص الحكاية
اهتمت الدراسة الأدبية السردية بتحليل السرد والوصف، إلا أن أغلبها اقتصر على بحث خصوصية السرد أكثر من الرهان على تقديم مفاهيم وتصورات مرتبطة بالوصف. كتاب الناقد عبدالفتاح الحجمري مساهمة نقدية تنضاف الى الدراسات التي ركزت على تناول إمكانات الوصف وتحديد وظائفها في ارتباط بالخصوصية النصية.
إن الانتقال من السرد الى الوصف لا يلغي نظرية تقضي بصعوبة فصلهما عن بعضهما البعض، وبحث اشتغال الوصف ينتج بناء الخطاب على إجراء ترهين التلفظ. وهكذا يصبح الترهين التلفظي، ضمن البرنامج السردي، متصلا من إمكانات تتنوع بتنوع مسارات الحكاية بين السرد والوصف والحوار والخطاب.
يستدعي بحث حدود السرد والوصف استحضار اعتبارات أساسية كتحليل كيفيات اشتغال الوصف بطريقة منعزلة عن البنية السردية الخالصة. التفكير في اعتبار الوصف شكلا ثانيا للسرد، واقتراح صيغة ممكنة للاقتراب من فهم بعض العلامات الدالة على تسريد الوصف وبيان دورها في تحقيق ترابط المسار الحكائي.
تناول كتاب الناقد عبدالفتاح الحجمري، الوصف في الرواية العربية تحليل الوصف الروائي واستخلاص ما يميزه في ضوء الصيغ المتعلقة بالحيز الوصفي والبنيات الوصفية والمعجم الوصفي والصورة الروائية. وهكذا قام الدارس باستقراء أهم القواعد التي تميز التوزيع الجملي للوصف، وقدم له بتحليل أنماط اشتغال الكلمة الوصفية على صعيد الجملة بحيث يكون مجالها الدلالي محليا وعلى صعيد المتتالية الجملية. الذي يظهر مجالا دلاليا سياقيا.
كما عمد الناقد الى استخلاص التنظيم الاشتمالي والترابطي والاحتوائي للوحدة الوصفية، وهو ما مكنه من تسمية ثلاث بنيات وصفية رئيسية {النووية والمشتقة والمعممة}. كما ركز التطبيق على بحث البعد الفضائي لتصريف المعجم الوصفي وما يتضمنه من مسافة وصفية وتبين خلاله ما يمتلكه المعجم الوصفي لتشخيصات مشهدية ذات صيغة تركيبية معرفة ومقيدة. كذا من تصريف المعجم الوصفي الى الاهتمام بصلة المعجم بالصورة وحصرها فمن صيغ تركيب الانتظام الدلالي الممكن للسياق الحكائي.
هذا الاشتغال المعرفي في النهائي، يهم أساسا إبراز القضايا الخاصة بتركيب واشتغال الوصف في الرواية، في أفق تعميق أسئلة البحث في الخطاب الروائي عموما.