لم يكن مني الا الانزواء علي اقصي يمين الطريق حين سمعت صافرة القطار، أدركت وقتها أنني إما أسير داخل الحلم أو أن القطار ضّل طريقه وقرر أن يتونس بالسيارات على الطرق السريعة
لم يكن هناك احتمالا أكثر منطقية من الآخر، تساوي الاحتمالان في رأسي ولم أهتم بقياس أوزانهم لأتأكد حتى هل أنا بصدد حلم أم حقيقة
فكرت فقط في آلية الفرار من هنا، الاختفاء، البقاء بعيدا بشكل آمن
لزمت أقصي اليمين واستأنفت طريقي بخطى ثقيلة هادئة ثم خالجني الرعب
انا لا أعرف الطرق المفضلة للقطارات، ربما يحب التهام الطرق بيده اليمني وفي هذه الحالة سأكون أنا أول قضمة يتناولها في طريقه.
إذا تناولني سيهضمني بلا شك، والفضلات الباقية مني التي سيتخلص منها عن طريق فتحة شرجه لن تتناسب والاحتفاظ بها
ستظل روحي تائهة بلا مكان بلا وطن بلا انتماء، لن يذكرني أحد
لن يهديني أحدهم باقة ورد ولو علي سبيل المجاملة، سيكممون حنينهم قائلين: لا نعرف لها طريق جرة، فعلنا كل ما بوسعنا "ولم يفعلوا اي شئ" ولكن ما باليد حيلة
لن يذكروني لأن أحدهم لم يستطع الحب إلى قلبه سبيلا، رغم أنهم أقسموا أمامي أنهم أحبوني بشكل جم.
ولكن الحقيقة التي أخفوها حتى عن أنفسهم، أن الحب كان في قالب وموجه لقالب ومصمم علي مقاس متطلباتهم.
لذا، كان علي دائما أن أحاسب علي فواتير تخيلاتهم وأحلامهم وطموحاتهم حتي ولو لم يكن معي حساب الماء الذي أتمني أن أتجرعه قبل الرحيل.
كل ما تمنته روحي في كل الأوقات حتى وقت التيه، هو محب واحد صادق وحقيقي بدلا من ثلة الكذابون الذين يرمقونني بحب.
ولأنه كان مجرد تمني مستحيل التحقق، رجوت الله أن أكون الآن في عمق الحلم وفي الحقيقة كل شئ علي ما يرام.
احتضنني العالم كعادته قبيل سحقي وأخبرتني مرآة السيارة أنها مجرد مقطورة وليس قطار ضّل الطريق ولكنها كانت تقلد صوته لسبب لا يعلمه سواها.