تصور الكاتبة العراقية الشابة حياة تلميذات الثانوي في مجتمع الكبت الاجتماعي وعلاقتهن في عالم الأتصالات والنيت، وأوهامهن وأحلامهن وهواجسهن حول الرجل والحب، عالم كامل من الوهم يشكل مزاجهن ويرسم تصرفاتهن مع الأهل والمجتمع، ومن خلال هذه الثيمة تلقي الضوء على وضع المرأة والقيم والتقاليد العائلية وتحكم قيم أحتقار المرأة، الثأر والعشائر والعنف في مجتمع ينحدر نحو الهاوية.

يوميات تلميذة ثانوي

فاطـمة جلال

 

الى الذين لا يؤمنون بالصدفة، ولكنهم في يوما اعتنقوها لأجل شخص.
الى ذاك الشخص المنتظر على شرفات الامل
- كيف عرفتي "يامن" ؟!
- "يامن" الرجل الأول الذي دخل قلبي وبعثرني ..أبكاني ليالٍ ثم اضحكني.. كسرني ثم لملم شتاتي.. الرجل الذي رفعني للقمة، ثم اسقطني فجأة، إلى الآن لم اتداوَ من جروحه..

من الصعب أن أتحدث عن شخص ما بسوء في غيابه ولكنني اقول ما أشعر به تجاهه، فقد فاز بدخوله قلبي كأول رجل.. هل تعلم ما معنى أن تحب شخص لا تعلم تفاصيله ولا حقيقته ولا شكله ولا أخلاقه ولا عائلته ..لا شيء ولكنك تحبه. عند رؤيتي لصورته المستعارة واسمه وهو يذكرني في كلامه ليعرفني على اصدقائه .. وكأن قلبي يقفز من مكانه ويرجع ..لم تكن مجرد نبضات بل صفعات موقوتة، تحملتُ ألمها فيما بعد..
أصبحتُ أكلمهُ يومياً، وأحياناً ثلاث مرات في اليوم. نختلي بمشاركة خاصة ونثرثر. هو سوري وأنا عراقية لم تكن هنالك اختلافات كثيرة، ولكننا كنا نتكلم بالسياسة، وكلانا يعلم أنه لا فائدة من حديثنا.
عرف كيف يفتح معي جدالا بمحادثة وعرف كيف يدخل لقلبي بدون مقدمات.
مشكلتنا اننا في المدارس لا نتكلم عن الحب، ولا عن الأديان الأخرى ولا عن وجهات النظر ولا الرأي الشخصي، نحفظ بدون فهم، فقط لعبور المرحلة الدراسية، نحن فقط نَعْبر.. ولم نُعَبِر عن أرواحنا وآراؤنا يوما.
جهلت كيف أصفَ ما أشعر بهِ.. أو كيف أتخلص منه.. لهذا لجأت الى الكتابة "يامن" كان السر الحقيقي لي لمدة سنة تقريبا.
..لم اتجرأ على الأعتراف به لأحد حتى لـ "سراب" ..
- هل تذكرين أول لقاء ؟!
- انني ربما أنسى كل شيء إلا اللقاء الأول!.
- حين علق على أحد منشوراتي يُمَجِد رسمي ويُحَييني، قُمت بالردِ عليهِ كالعادةِ بعبارةٍ رسميةٍ، وأنهيتُ الحديث بأعجاب لتعليقه.

مضى اسبوعان على اللقاءِ الأولِ ليحين اللقاء الثاني فيبدأ هو بالحديث:
- مضى وقت طويل! ..
حينها كنت أجتاز أمتحانات الخامس الاعدادي.. ولم يكن لي الوقت الكافي لأدخل للعالم الأحمر.. أكتفي بالاطمئنان على خالتي وصديقتي "سراب" وأحيانا "سالي"، أخبرته عن أنشغالي بالأمتحانات، فسألني عن مستواي الدراسي وعن اوضاعي، أخبرته انني جيدة.
هكذا بدأت أفكر بهِ أكثر من كونه متابع لحسابي..
عرفتني "سراب" على أصدقائها وبالصدفة كان أحد اصدقائها يعرف "يامن" فأصبحت فرص لقائي به أكثر
وأكثر.
عند ثرثرتي معه في أحد منشوراته دخلت فتاة بيننا وطلبت مني الأبتعاد عنه لأنه رجل سيء، ولكنني لم افعل بل كذبتها، ووقفت مع "يامن"، بالرغم من جهلي بصحة كلامها او عدمه.
أحيانا يرسل الله لنا رسائله بشكل غير مباشر ولكننا جاهلون ..جاهلون عن الحقائق، ليس لأننا لا علم لدينا بصحتها بل لأننا لا نريد ان نعلم .
أصبح يومي لا يكمل من دون محادثته ولا أستطيع التفكير بأمر أخر غيره ..

"يامن" ذاكَ الرجل الذي لجأتُ إليه في مشاكلي مع والدتي ومع العالم الرقمي. كان حلاً لها لا شك. أخبره تفاصيل يومي و ما جرى معي في رحلتي الترفيهية للمدرسة، في ذكرياتي مع جدتي.. ولكني لم أكلمه عن والدي.. جعلت هذه القصة لا يعلمها أحدٌ سوى "سراب" .

 

2013
عدتُ من يومٍ دراسيٍ متعبٍ، لأصدم بخبرِ ترك إحدى صديقاتي المدرسة، وإجبارها على الزواج بسبب قضية فصل عشائري على لسان طالبات صفي.

كيف يمكن لبعص المصطلحات والتقاليد العتيقة أن تجعل من حياتنا جحيماً نتذوق مرارته كل يوم، تربيتنا ملوثة بالعادات والتقاليد بالرغم من أنها جزء استثنائي من حياتنا، ولكننا مجبرون على الخوض بها ..
نادتني أُمي لتناول الغداء فور دخولي المطبخ بإتجاه الإستقبال، لكن لم تكن لدي رغبةً في الأكلِ ولا أريد الدخول في مشاجرةٍ، وتمنيت أن يتركانني وشأني. خلعتُ حذائي ودخلتُ غرفةَ الجلوسِ فواجهني أبي مباشرةً، يجلس على الأريكة وكأنهُ أتخذ قراراً وعزم على تنفيذه، فقاطعته أنا بمجيئي.. لم يتكلم، نظر نحوي فقط. دخلتُ مسرعةً للغرفة واغلقتُ البابَ ورائي. ذاك المكان حيث أكون بهِ كما أنا، وكما أريد.
طرقتْ أمي البابَ متسائلةً؛ إذا ما كنتُ أريد أن أتناول الغداءَ ولكن لا أريد ..لا أريد شيئاً منهما سوى تركي وحدي فترةً لأستجمع قواي.. لم أجبها، ظلتْ تطرق الباب وتصرخ بصوتها إلى أن نادى والدي عليها لتصمت:
- تدرين كم صوتك مزعج.. كفى.. أصمتي!
- لا تتدخل بيني وبين أبنتي.
- لو كنت قد ربيتيها جيداً لما فَعلتْ معكَ هكذا.
- ألست والدها ..الإنسان الذي يخاف عليها أكثر من روحه، لِمَ لا تسألها، لمَ هي متشائمة!
- يبدو انها كوالدتها ..تتشاجر على كل شيء.. ومع اي شخص .. هذه تربيتك ؟!
- أنت من اجبرتها على فعل كل هذا
صرخت بغضب:

- متشائمة بسبب مشاجراتكم المتكررة، بسبب نكدكم على حياتي، متشائمة لأنني دائما اتسائل لماذا تنجبان إذا قررتما أن تجعلا أطفالكم يعيشون كالجحيم الذي أعيشه!
طرقَ والدي البابَ بقوةٍ وكأنه يود أن يكسرها.. لطالما ضربني دون داع، بأي شيءٍ أمامه وبشتى الطرق، وكان يتحاشى ضربي على وجهي ويدي كي لا يراها أحد فيكتشف أمره .. ولكنه عاد خائباً، إذ لم ينجح في خلعها، فغادر المنزل تاركاً والدتي مرميةً على الارضِ بعد أن ارادت أن توقفه، فصفعها بقوة فسقطت أرضاً.
أعتقد إنها المرة الأخيرة التي أرى فيها والدي!
اتجهت إليها واسيتها على المسرحية التي حصلت قبل دقائق.. شَتَمَتْ والدي وشتمتني. مهما بدت أمهاتنا قويات وقاسيات.. لابدَّ أن يأتي يوماً ويكسّرنَ أمامنا. أمي كانت تكسر أمامي من قبل والدي.. وبالرغم من هذا تقسو عليَّ.. أنني أفهمها، ولا زلتُ أُسامحها على كل شيءٍ.. لا يمكنني أن أتركها وحدها تعاني.. تَحَمَلَتْ حتى الآن أربع عشر سنة. تَحملتْ لأنني قد أتضرر من كوني أعيش بدون والدة إذا تطلقتْ. الرب ينعم علينا بنعم.. ويهدينا هدايا ربما تشكل على هيئة بشر!. كانت أمي الهدية الاولى وربما والدي ايضا!
2012 نوفمبر
"سراب" ..الملاك الذي تشكل على هيئة بشر لينتشل كل حزن داخلي، هكذا أكملتُ معها سنوات الأعدادية الثلاث، ولأنني لم أجد أحداً مثلها، فتحت لها قلبي وأمنتها على اسراري واسرار منزلي، فعلمتْ كل شيء حصل لوالدي.
الاصدقاء هم الهدية الثانية من الرب بعد الوالدين
لم يكن لي أخوات ولا أخوة كنت الوحيدة لفاتن وأحمد.. كانت واو العطف تجمعها والآن الف الاثنين ولكن في الحقيقة؛ والدي غادرنا فبتا نعيش وحدنا من دون رجل بالمنزل.. تدبرت أمي مصاريف حياتنا من شهادتها المشوهة ببعض الشبهات من الجيران والاقارب.. أمي تخرجت من معهد الفنون ..وبدأت تعمل مصففة شعر ومكياج في منزلها مع فتاة من دون رجل!.
"سراب" تقبلتني كما انا من دون ان تراني كما يراني الآخرون.. فتاة تركها والدها هي وامها من دون سبب.. لا احد يعلم لماذا رحل ومتى سيعود.
"سراب" يتيمة الأب منذ الولادة.. لها أمل لقاء والدها مع علمها بأنهُ متوفي، فكانت تزرع لدي أملاً بأن يعود والدي حاملا سببا وجيهاً لغيابه المفاجئ، فأخرجتني من عزلتي وشاركتني رحلتها في عالم التواصل الاجتماعي، وأدخلتني معها إلى العالم الاحمر، وبهذا يكون لها الفضل بلقائي مع "يامن".
لم تكن سراب من الفتيات اللواتي يشكلن العلاقات العابرة مع الشباب بحجة الصداقة، المنتدى متخصص للانمي والرسم.. وكنتُ أنشر ما أرسمه.. في لحظةٍ ما اكتشفتُ أنني كاتبةٌ وبالفطرةِ ..أستطعتُ أن أدخل عالم الكتب؛ العالم الذي لن أموت داخله.. ولا حساب بعد الموت فيه ولا نار.. العالم الذي أنتشل عقل مراهقةٍ طائشةٍ لتكون ما عليه الان.. وبهذا اصبحت أرسم وأكتب بنفس الوقت.. لم تصبح لي صديقات مثل "سراب" لأنني لم أكن أجامل وأستخدم العبارات التقليدية، كنتُ جديةً وغامضةً لدرجةٍ كبيرةٍ، للآن أجهل كيفَ كنتُ أتصرف ولماذا "يامن" كانَ يتابع كل تصرفاتي وكلامي؟!
ازاد حبي لهذا العالم ولسراب ويامن ..كنت اعود من المدرسة انجز فروضي
بسرعة على أمل أن أكون "ربا" الالكترونية ..وأتصرف بشخصية جديدة في عالمٍ جديدٍ أكون فيه كما أريد؛ أختار اسمي وعمري وبلدي ..وحتى اللهجة، يمكنني تعلم الأساسيات أو إتخاذ العربية الفصحى كلغة تواصل.. اسمي صريح.. لم أتخذ اسماً مستعاراً بدل اسمي، ولكن اكتشفت كم أنا محظوظة، لأن اسمي لم يكن فاطمة أو خديجة أو عائشة أو اسم لرمز لدين أو طائفة معينة. أعتقد أن السبب الوحيد لأن والدي هو الذي أختاره.. من الصعب ان اكمل حياتي تحت اسم لم احببه يوما.. بل كرهته كلما ناداني به أحدٌ.. الاسماء لا نستطيع أن نختارها عند ولادتنا كالدين تماما!

2013 نوفمبر
استيقظتُ على صوت المنبه. أنه أول يوم لي في معهد التقوية.. اقترحت والدتي التسجيل فيه كي أحصل على درجات عالية في الأمتحان الوزاري. تفقدت الهاتف، لاشيء من "يامن" لاشيء، ماذا حصل له؟.. هل هو بخير بعد هذه الاحداث في سوريا، هل هاجر مثل الآخرين أم أنه قرر البقاء وعدم الرحيل. تفكيري به أصبح مرضا مزمناً.
لم تحضر "سراب" الى المعهد، هل يعقل أنها لن تدخل.. هل سأكمل رحلتي بدونها. أكملت اليوم الاول وحيدة، تعرف بعض الاساتذة على شكلي لأنني أشبه قريبتي كثيرا.. وهنا بدأوا بتسميتي بأسمها، لم يكن الأمر يزعجني وحسب بل يغيظني وأكثر عندما يتعصب الشخص لعدم التفاتي له عند مناداتي بأسم قريبتي!
جلبت قطعة كيك من المجمع المجاور، وجلستُ آكل وحولي الاساتذة والطالبات والعاملين، لم أهتم فعندما أجوع لا يهمني شيء. الأهم أشبع!
لا اعلم ماذا يحصل لي تماما عندما أكتب له وكأنني اعرفه و عشت معه دهراً كاملاً .. برغم أني علمتُ مع الوقت أنه سيء، لكنني تقبلته رغم مساوئهه. قبل عدة أسابيع أخبرتني "سراب" أنه كتبَ لها على الدردشة ويود أن يتعرف عليها.. لم أتقبل هذه الفكرة ولم أحاول تصديقها، أنشأتُ حساب
اً جديداً وتأكدتُ من صحة كلامها، لكنني مجدداً أعود إليه مهزومةً بمحادثةٍ ونفس رعشاتِ قلبي وابتسامتي..
نحنُ نعلم مساوئ من نحبهم ولكننا نتقبلهم فيها.. وكأننا لا نراها!
ومر شهر على إختفائه من العالم الأحمر. مرت الثواني وأنا اشعر بها كنبضات قلبي عندما الهث. "يامن" رحل وأخذ تفكيري معهُ ومستقبلي. للحظة أكتشفتً أنني لم أعد أفكر بوالدي. ولم أتشاجر مع والدتي على الأدوية، ولم
أكلمها بموضوعٍ ما، مجرد كلام عادي عن الطعام والواجبات. لم أهتم بدراستي او هواياتي. يبدو أنني مع "يامن" أعتزلتُ كل شيء ونسيت حتى نفسي ومن أنا؟!.. أين "ربا" التي تحاول أن تكون عكس والدتها في اختياراتها .. لن تتزوج الرجل الذي يختاره أهلها، ولن تتوقف عند مرحلة معينة من التعليم، وأن تكون راضية عن حياتها العادية فيكون لا فائدة من وجودها في الحياة أو عدمها..

كنتُ أشغل نفسي بشيءٍ ما منهُ.. أتجول في صفحته.. أرى منشوراته والتعليقات مع فتيات أُخر يمجّدنَ بأسلوبه في الحديث، لم استغرب، فرجلٌ مثل هذا ذو أسلوب معسول، من غير المعقول أن لا يكون لديه حبيبة.. أو ربما العديد من العلاقات العابرة.
فتحت هاتفي لأتفقد سراب.. مضى يومان ولم أكلمها ..
- أنه "يامن".. أجل هو..
وجدت رسالة منه يقول فيها ..
- عزيزتي "ربا".. أود أخبارك أني ما زلتُ حياً.. لم أمُتْ.. اوووه انني امزح معك، ما زلت في سوريا .. أخبريني كيف حالك؟
شعرتُ أن الزهرة التي كانت تنبت بقلبي كلما فكرتُ به تفتحت الآن. الرسالة مضى على ارسالها اربعة دقائق قمت بالرد:
- لماذا أطلتَ فترة غيابك.. قلقت عليك كثيراً.. أخبرني لماذا لا تسافر خارج سوريا الوضع غير معروف لديكم .. ربما تقتل في أي لحظة..
وجاء الرد سريعا وكأنه كان ينتظر ردي:
- لماذا لا أبقى.. أنني بخير. أعيش حياتي بشكلٍ عادي!
- "يامن" لماذا تقلقني عليك بهذا الشكل ..
- أنتِ لست أمي أو زوجتي أو حبيبتي.. فلم تقلقين عليّ بشكلٍ مفرطٍ.. أنني أتعجب منكِ، كنتُ أسايرك حتى أعرف أكثر عنك.. أنك لستِ كالأخريات.. أنك ترفضين أن أناديك بلقب غير اسمك أو أن أسألك عن تفاصيل
جسدك او ما تحبين بالرجل.. ولكنك تبقين فتاة عابرة بالنسبة لي.. انسي أمري!
لم تكن مجرد ثوانٍ عادية مرت، فقد أنهمرت دموعي بغزارة على وجنتي حلما أتممتُ قراءة ما كتب.. نزلت هذه المرة بشكل مفرط.. المشكلة؛ كنتُ أظن أنني هي الحبيبة، ولم أفصح كي لا أخرب عليه جزء من حياته.. تناسيتُ للحظةٍ أن هنالك رسالة من الرب بعثها لي، لكنني تجاهلتها. كم كان رخيصاً بالنسبة لي بعد قراءة هذه الرسالة منه..

في اليوم التالي حضرت "سراب" الى المعهد، وجدتني كما تركني "يامن" بدون مشاعر، يبدو أنها كانت تشك في الموضوع، الآن تأكدتْ كلمتني حوله، أصرت أن تعرف التفاصيل. أخبرتها فعاتبتني على تجاهل نصيحتها. لم أكن بحالة تصلح أن يتكلم معي أحدٌ بهذه الطريقة. كنت أحتاج أحداً يفتح ذراعيه ليضم جسدي بحضنه، أتكور وأخبرهُ بكل شيء. ثم أبكي وأصرخ فلا أسمع منه سوى عبارة:
- ستكون الامور بخير ..
يداعب شعري ويمسح دموعي ويطمئنني على حالي، "سراب" لم تكن لي هذا الشخص، بل كانت الشخص الذي حذرني والآن يعاتبني، "سراب" هدية الرب الثانية بعد والدي. لهذا لم أرد أن أخسرها من أجل "يامن" ولا من أجل أي شخص أو سبب أخر. كنتُ أريدها بجانبي حتى مماتي. أي حب هذا الذي يتشكل بين الاصدقاء ..كيف يمكننا ان نخبرهم عن اي شيء وبدون خطوط حمراء قد لا نتجاوزها عند حديثنا مع والدينا او شخص
يكبرنا. الأصدقاء يفهموننا من أول نظرة.. يعرفون سبب الدمعة المعلقة في طرف عيوننا.
تركتُ المعهد وعدت للمنزل، تغيبتُ يومين، كنتُ أرى رسائلها ومكالماتها، اتجاهلها، لم أكن بحال جيدة لأكون الشخص الذي يعذر الجميع ويسامح. كنت بحاجة لجدتي، أجل جدتي المرأة التي ألجأ إليها عندما تتأزم الأوضاع بين والديّ أكثر من العادة، فأعود منها بكامل قواي لأواجه القادم. كانت جدتي حدث جميل بحياتي. ذاتَ يومٍ سمحتْ لي بتمشيط شعرها، وهي تكاد تقدس شعرها كالنصوص الدينية، تسمح لي بمساعدتها في لف الشيلة وأطعامها وأحيانا أحممها.

كانت تصر على بقائي عندها حينما تريد أن تذهب لزيارة المراقد المقدسة أيام الخميس فتأخذني معها الى جنتها الخاصة، نأخذ الدجاج المسلوق والخضروات والخبز والتمر المغطى بالسمسم، فنتعشى في صحن المرقد مع صديقاتها في الرحلة، كنَّ يتغزلون بجدتي وجمالها رغم أنها كبيرة بالسن، ولكنها جميلة بشكلها وبقلبها.
في ليلة العيد أذهب إليها لأغسل لها غسلة العيد. أجلب بعض الحلويات من المحلات المجاورة، والكليجة من صنع والدتي. أرتب المنزل لأستقبال أفراد العائلة الكبيرة. في الصباح الباكر نصلي صلاة العيد، وأقوم بقراءة القرآن وهي تردد خلفي، لم تكن تجيد القراءة لهذا أهدتني القرآن الذي جلبه لها جدي قبل ثلاثين عاما من الحج. بتُ أقرأ به يومياً كل صباح بعد صلاة الصبح ورقةً واحدةً فاتذكرها إذ رحلت جدتي بشكلٍ تدريجي كما لو أنها بدأت بتوديعي قليلا قليلا.
قررت أن تجعلني رفيقتها في فترة مرضها.. كان منزلها خالٍ بالرغم من وجود أولادها الخمسة وبنانها الثلاث واحفادها الأكبر مني. كانت تشعر بوحدة عارمة رغم عدد الاشخاص حولها، فَسرتها من خلال بكاءها ليلاً وأمام شباك الضريح ووضعها لقطعة قماش خضراء حول معصميها، قد تبكي أمهاتنا بعد أن ربينا
وكبّرنا وعلّمنا وزوجّنا و شاهدن الأحفاد يكبرون بهدوء امام أعينهن، تبكي لأنها تريد أبنها الذي حملته تسعة أشهر وكبر أما عينيها ثم أستقل بحياته، تريده أن يسألها عنها على الأقل مرة واحدة كل أسبوع، يسأل إذا كانت تحتاج مالاً لمصاريفها، هي غير محتاجة لكنها تحتاج السؤال أن يبدي لها حبه وحاجته إليها كظلٍ، لذا تبكي لأنشغالهم عنها، فالوحدة صعبة وموحشة ولكن لا أحد ..لا أحد منهم من سأل فمنهم هاجر خارج الوطن ومنهم من اهتم أنشغل بأطفاله المعاقين أو زوجته التي لا تستطيع الانجاب أو من انشغلت بزوجٍ كرهها بالعيش وجعلها تتمنى الموت كل يوم ، الكل منشغل بحياته الخاصة، يكاد لا يفرغ ليتمعن بشكله في المرآة، لكنها تبقى الأم واحدة من أكبر وأعظم وأولى هدايا الرب لنا.

2014
تذكرتك اليوم كثيرا.. هل فعلت ؟؟
حاولت جاهدة أن أعرف أخبارك وماذا حصل معك ولكن بائت محاولاتي بالفشل.. كل شيء مني نحوك فاشل !
كنت تخطر على بالي وما زلت فأحاول التواصل معك، أتردد خوفاً، لكن لو أنت بادرت سوف لا يهني العالم ومن حولي. كيف أُخبركَ بهذا الكلام وأنا لا اعرفك، لم أركَ أو أسمع صوتكَ، لم أتكلم معك وأرَ قسماتك وأنت تتحدث وكيف تحرك يديك في النقاش. تخيلتُ أني نسيتكَ ولكن وجدتُ نفسي أزدادت تعلقاً بك..

تفقدت الدردشة اليوم. لم أجد أي شيء منك.. كم تمنيتُ أن يكون بيتي بجوار بيتك وكلما أردت رؤيتي تطرق بابنا. أفتحها لك وتسأل عن أخي، حينها سأراك وتراني يومياً .. لكن لم يكن لي أخ وأنا لم أركَ!
أتعلم امرا؟! أتعلم أني أشعر بالخطيئة أحياناً.. وأنت السبب كونكَ شخص ما.. لم أره ولم أعرفه، شخص مجهول وبعثرني بهذه الطريقة!، ما ذنبي لأصبح ما أنا عليه الآن؟. لماذا لم تخبرني انك تكرهني ولا تود الحديث معي مرة اخرى ..حينها سأسمح لنفسي بأن أنساك.. ولكني لن أكرهك ..لأن الكره يحتاج طاقة كبيرة..أما
أنا فقد نفدت طاقتي بحبك بعد غياب والدي.. أخبرني بذلك.. ربما سأقتل تلك المشاعر الصادقة لك حتى لو كلفني ذلك أن لا أحب بعدك..
الرجال كاذبون والنساء حالمات
الرجال مبذرون والنساء مضحيات
فرحتُ لأنك في فترة ضعفي لم تكن موجوداً وإلا لعدتُ وعدنا كما كنا شبه أحبة.

 

ديسمبر 2013
استيقظتُ على صوت منبهي كالعادة ..الحمى تأكل جسدي شيء فشيء ولكنني اليوم لدي طاقة ليست كالماضي لكنها قادرة على حملي للذهاب الى المعهد.. البارحة حلمتُ بجدتي.. ربما لأنني هذه الفترة أفكر بها كثيراً.. قد تكون هي سبب طاقتي .. شغلتُ أغنية لأديل ليرتاح عقلي قليلا من الأفكار المشتتة.

تغيبتُ عدة أيام عن المعهد.. دخلت كانت "سراب" تنتظرني قرب الباب صارت أمامي. عبرتها. لم أسلم عليها
وكأنها غير موجودة، لا أعلم مالذي حصل لي ولماذا فعلت ذلك؟.. ربما هذا الموقف جعلها تبدأ بتجاهلني وكأنها لا تعرفني.
لكن سراب اختفت بعد أيام قليلة من بدء المدرسة. ذهبتُ لزيارتها في منزلها. كان يوم جمعة. الجو غائم، لم أكن
أحب هذا الجو منذ الطفولة فهو يشعرني بكـآبة عارمة. طرقتُ الباب مرة أخرى ولكن لا أحد.. يبدو أنهم غير موجودي، كان يجب أن أخبرها بقدومي، كي لا أتكبد عناء المجئ وهي غير موجودة، وأنا ملتفتة الى الطريق خائبة صادفت عيناي الذابلتان شخصاً حنطي البشرة، جميل القسمات بعينين نرجسيتين، طويل القامة، كأنه كان ينتظر أن التفت اليه ليعبر ويكمل مسيرته.. لم يعبر بجانبي فقط.. بل عبر خلالي وكأني أعرفهُ ورأيته في مكان ما. وربما كلمته أيضا ولكن لا أتذكر تماماً. إذن لِمَ يتطلع إلي بهذه الطريقة؟!، لا أعلم لماذا عدت للجرس مرة اخرى.. فأسمعني صوته الخشن المملوء بحس الفكاهة:

- أنتقلوا!
لا اعلم من ماذا أصدم ألِأنَ "سراب" رحلت دون أن تودعني أو من هذا الشخص المألوف الذي يكلمني حول سراب؟.

- منذ متى؟
أقترب أكثر، قَلَتْ المسافة بيننا. توضحتْ تفاصيل وجهه أكثر، قال بهدوء:
- منذ ثلاثة اسابيع ..يبدو أنك لا تعلمين ماذا حصل لهذه العائلة المسكينة!
كل الذي خطر ببالي أن تعاد قصة العادات والتقاليد التافهة والتي يتصور البعض انهم سيكونون اناس بدون قيمة ان لم يطبقوها.
قال بصوت خافت:
- الأفضل لك ان ترحلي من هنا والا لحقتي الضرر بعائلتك.. ثم أنك وحيدة هنا يسهل على أي شخص خطفك وفعل ما لا يخطر على بالك!
- ....
- هل أُوصلك لمنزلك؟.
حرك يديه أمام عيني ليعيدني من شرودي للحظات.. لفت أنتباهي أن هنالك وشمٌ على يديه اليمنى تحديداً بداية المعصم من السطح الراحي
- اااء
- هل انت بخير؟
- سأذهب.. آوه نسيت أن اسألك، إلى أين أنتقلوا؟
- ههه على حد علمي أن الذي في مكانهم لن يتكلم عن وجهته..
- اااه وداعاً
- إلى اللقاء بدلاً من وداعاً
مرت لحظات من حياتي لم أكن أعلم فيها أن النعمة التي أرسلها الرب لي تعاني، وربما لا زالت تعاني.. كيف حصل ذلك.. شخص مثل "يامن" يفسد بيني وبين سراب!، أتصلت بها مرات عديدة ولكن الخط مغلق.
نمر في فترة من حياتنا نتمنى فيها شيئاً واحداً.. واحداً فقط يتحقق ولكنه لا يتحقق!
2014
عدتُ إلى المنزل من المدرسة على أمل أن افرح والدتي باجتيازي لمرحلة قبول البكلوريا بدرجات جيدة، لكن صُدمتُ بقطعةٍ سوداء مخطوط عليها اسم والدي وجدي والقبيلة معلقة على الجهة اليمنى من جدار منزلنا. الهواء يحركها فلا تتوضح كلمة المرحوم. أيام عصيبة مضت عليّ، لماذا تتكوم الاحداث السيئة مرة واحدة ..إذا
كان القدر شجاع ويريد ان يتحداني لماذا لا يضع فاصلاً لكل حدث حتى استعيد قواي قليلا وأواجه الثاني. لماذا يرسلها دفعة واحدة ..حتى الرب خلق الكون بست أيام!.
عشت أيام العزاء المرة بقهر وكسران، كنت فقط أريد أن تنقضي الايام الثلاثة وأن أرقد بسلام في غرفتي وأحاول استعادة ذكرى جيدة عن والدي لأقول شيئا ما لأبنائي أو أحفادي عنه. تفاجئت بوجود "سراب" منتظرة حضوري في اليوم التالي وكأنها تعلم بالخبر. قضيت الأيام الثلاثة بحضها أبكي تارة على طريقة تركه لي، وتارة أخرى على ما فعلتُ إثر ما سبباه لي من نقصٍ في وضوحِ الاشياء والمشاعر.
لا أكرههما بل أعذر والدتي وأقدر شجاعتها في تحملِ رجل لا تتفق معه يعود لها يومياً شخصاً أخرَ، يشتمها فترد عليه فَيَهُمُ في ضربها فتسكت. والدتي تخاف عليّ منه، كل ليلة تتفقدني هل نمت، ثم تقفل باب الغرفة عليَّ. تحملتْ كل الاشياء السيئة لأجل أطفالها. كان يمكنها ترك حياة الذل لتعيش مع جدتي بسلام من دوننا، لكنها ضَحتْ.
انتهت الايام الثلاثة على خير.. اتخذت والدتي سريرها والادوية المهدئة ملجئاً لكي تتخلص من كل تلك الاحداث المرة.. جلسنا أنا و"سراب" نتحدث لساعاتٍ طويلةٍ في الليلِ .. انتقلت سراب إلى مدينة أخرى بسبب قضية ثأر قديمة أثيرت من جديد بعد ظهور العشائر وقوانينها بعد الأحتلال وسلطة الأحزاب الدينية. حصلت الكثير من الاحداث بغيابي عنها ..جلسنا ليال نثرثر ونأكل ونبكي على حياتنا المرة وعلى المستقبل المجهول بسبب المجتمع الحقير..
كانت دموعي تنزل بحرقة لسببٍ وأخر، ووجدت في حضن "سراب" حلاً كانت تحضنني وتداعب شعري بحنان فأكون على ما يرام.

العادات والتقاليد والعشائر وأعرافها أحد أسباب خراب هذا الوطن!.

سافرت سراب إلى مدينتها وتركتني في فراغ.
أمي تركت عملها وأتخذت من المراقد المقدسة مكاناً لها، قلما أرى والدتي ممددة على الاريكة تشاهد التلفاز. باتتْ محبةً لصلاتها ودعائها وقرأتها للأدعية والزيارات بدت أنها إهتدتْ إلى الطريق الذي طالما تمنته.. أصبحت أرملة وبدأت تأخذ مرتب يكفينا أود الشهر

لا أتذكر أن والدي ضربني يوما أو صرخ في وجهي ليخيفني، فترك بداخلي فراغاً لم يملأه أحدٌ أبداً. ها قد أنتهت شجاراته مع والدتي وأصبح اسمي اليتيمة.
لا احد يعلم معنى هذه الكلمة إلا نحن اليتامى!


2014
بدأ العد التنازلي للامتحانات "البكلوريا" اليوم امي لن تأتي على الغداء وربما تتأخر عن العشاء ..لديها عمل اضافي بالحضرة المقدسة بدات بدارسة الفيزياء المادة التي تكرهها "سراب" كانت اول مادة ادرسها. درست اربع ساعات متواصلة لم اشعر إلا عندما وصلت للورقة المحددة التي يجب أن اخذ عندها استراحة ..
فتحت هاتفي ودخلت للعالم الاحمر بفعلٍ لا ارادي.. تعودت الدخول كلما مسكت هاتفي. منذ رحيل "يامن" كرهت التواصل الاجتماعي كله.
وجدت رسالة هزّتْ قراراتي التي اتخذتها مؤخراً
(ربا العزيزة ..
اؤكد لك أسفي على أخر حديث جرى بيننا، لم أكن أعني ما قلت. أتمنى أن تسامحيني سأحاول أن أصلح ما فعلته بك ..انت لا تعوضين!.)
يامن هل عاد حقاً هل كان يحمل مشاعر حقيقية في داخله لي.. مهلا ماذا عن القرارات والوعود التي اتخذتها نفسي، لماذا في هذا الوقت يرسل لي هذا الكلام؟. لماذا لم يبعثه قبل وفاة والدي كي يكون بجانبي ويساندني، لماذا لم يتصل قبل انتقال سراب وابتعادها عني، كي يخفف وحشتها علي، لماذا قبل امتحانات البكلوريا؟ ألكي يبعثرني أكثر وأكثر!. أخذتُ نفساً عميقاً وتذكرت كلامه السابق معي لأعود بالرد عليه ثائرة، "يامن" الشخص الذي يعرف ما يريد لن تخدعني بالكلمات لست امرأة عادية ولن اكون.. أتعلم كنتُ على وشك أن أتحول إلى عادية، لكن الرب شاء أن يظهرك على حقيقتك، كان أشعر أنني يجب أن أكون مختلفة، ولأنك كنت الأول لم تكون عادياً فلا زال أثر ما بعثرتهُ بداخلي حاضراً. سأظل ألعن تلك اللحظة التي عرفتك بها، ألعنها وأمجدها لأنني بكل بساطة تعلمت منها.

- لماذا عدت؟!

كالعادة جاء الرد سريعاً بكلامه وتوسلاته والأعذار التي لا أدري هل هي حقيقية أم يختلقها.. كيف يمكنني تصديق حديثة. أنني لا أعرفهُ وأعرفهُ أيضا.. كل أفعاله تخبرنني أنه سيء ولكن زاوية صغيرة في قلبي تهمس سامحيه. ربما سنكون أصدقاء فقط.. أي علاقة سوى أن يكون الرجل الذي أحبه وأحلامي الوردية ستتحقق به، ليس لدي أحلام وردية كباقي البنات. أنا أحلم وأخطط وأسعى للتخطيط، أكون عازمة وأحمل طاقة تكفيني عندما يفشل. أبقيت رسالته معلقةً.. لم ارد عليه رغم انني قرأتها، راودتني رسالته كثيراً وأنا أدرس وأنا أكمل حلّ الأسئلة بلقاعة الأمتحان.

أكملت الامتحانات بسلام.. وبدأ وقت التفكير بأي تخصص جامعي سأدخل، لكني مجموعي سيكون له القرار الحاسم. أتذكر كلمات أبي كان يريدني طبيبة أو صيدلانية، لكنني أضحك وأهز يدي مستهزئة من الأقدار التي رزقتني بأبي وأخذته مني. الوحدة في المنزل تكاد تقتلني.

* *

اليوم الأول في الجامعة كان الجو ممطرا وغائم والشوارع مزدحمة بحيث تأخرت عن الدوام بساعة تقريبا، كان يوماً في الجامعة صعب وسيء بما فيه الكفاية لأكره الجامعة، أتذكر أنني دخلت من الممر الخطأ وجلست في
القاعة الخطأ وقلت عبارات لا تليق في التدريسين كأستاذ بدلا من دكتور أو ست بدلا من دكتورة .

* * *

- أعتقد أنك تعبت الآن، مضت ساعات على جلوسنا.. وأصابعك تستغيث اليس كذلك؟
- لا اشعر بأي ألم ، أكملي أرجوك فأنا أتشوق للنهاية، أنتظر عدة أحداث تروينها بصوتكِ وبعيونكِ لي..
- البقية أحداث غير المهمة. وكما تعلم لم أبقَ في الجامعة إلا سنة واحدة.
- دعينا نكمل رحلتك في الوطن ..
***
كيف يمكن لخللٍ بسيطٍ في عصبٍ واحدٍ أن يغير حياتي هكذا.. زاد من شقاء الحياة عليّ أكثر فأكثر، ها هنا أجلس وحدي في بيتٍ كبيرٍ وجميلٍ.. بعيداً عن الصراعات الدموية التي يتميز بها بلدي؛ نزاعات طائفية وأثنية وقومية وسياسية. أجلس على كرسي خشبي في حديقة منزلي، أمامي لاجئ شاب في العشرينات من عمره وافق على كتابة قصتي مقابل مبلغ من المال يسد به شيئاً من تكاليف حياته.
لولاه.. لولا وجوده لما كُتبَتْ القصة.

ولو لم أتمرض لما خرجتُ من الوطن وقابلتهُ. رزقني الربُ بصدفة اللقاء به، فبعد أن ساء وضعي لم أستطع مسك القلم للكتابة، إذ يختض كفي كلما ضغطتُ على القلم. عدم قدرتي الجسدية على تأدية هذه المهمة دعلتني أتطلع لمن يساعدني، فكان هو في يومٍ غائم حينما رقدت في المشفى إذ كان الممرض الذي يرعاني في فترة مرضي.
ماتت والدتي هناك، وتم دفنها في مقبرة السلام بالنجف بجوار جدتي كما أوصت.

أنا ايضا أوصي بدفني جوارهما

 

ديوانية – العراق – 2019