يجمع الكاتب المصري في نصه المسرحي الطريف مي زيادة وجبران خليل في حوارية تبحر في الإنسان والحب والوجود والشيطان ثالث الرجل والمرأة في حوارات مسجوعة تذكرنا بسجع نثر أوائل القرن العشرين

الشيطان يقابل جبران خليل جبران ومى زيادة

أحمد إبراهيم الدسوقى

 

الشخصيات:

جبران خليل جبران

مى زياده

كورس الشيطان

الشيطان

المرض

رجال مشوهين

الجنون

رجال مشفى المجانين المهاويس

 

يرفع الستار .. يرى مشهد لمرج أخضر .. في زمن خرافى فنتازى .. المناخ ربيعاً .. الشمس حنون ساطعة .. ترى عدة صخور رمادية متناثرة .. فوق الكلأ الأخضر .. على هيئة كتب حجرية عملاقة .. العصافير زرافات .. تغرد في محتوى المكان .. ثمة عدة فراشات ملونة .. تجوب المرج طيراناً .. في خفة .. يميناً ويساراً .. يسمع صوت رقرقات مياة جدول صغير .. خلف المسرح لا يراه الجمهور .. يدخل رجل ممسكا كتاب .. هو (جبران خليل جبران) .. اللبنانى الأصل .. أديب المهجر الكبير .. الذى عاش غالبية عمره في أمريكا مهاجر .. ملابسه تشى بأربعينيات القرن العشرين .. وقور .. هادىء .. لم يلقِ جهد .. ليجد مقعداً مناسباً .. يجلس عليه .. يتخير مقعداً مواجهاً للجمهور .. يجلس في وقار .. بلا تكلف .. في البدء يمسح المكان .. بنظرة شاملة .. يبدو عليه التأثر .. بسبب الوحدة والهجرة .. بعدها ينخرط في قراءة كتابه .. وقد ساعده هدوء المكان .. تمر ربع دقيقة .. بعدها تدخل المرج .. إمراة شابة وقور .. هي (مى زيادة) .. إحدى الأديبات العربيات اللبنانيات الكبيرات .. المقيمة في مصر .. إبان القرن العشرين .. والتي كانت تربطها .. مراسلات أدبية .. وقصة عشق كبير .. مع جبران أديب المهجر مواطنها .. مع أنهما لم يتلاقيا نهائيا .. ومات جبران بمرض عضال .. فى منتصف عمره .. وإنتهت مى .. في مشفى للأمراض النفسية .. حتى وفاتها .. تظل مى تتلفت حولها .. لا تجد المقعد المناسب للجلوس .. تلاحظ جبران فتتحرج .. وبعد تجوال في المكان .. تضطر للذهاب نحوه .. وهى لا تعرف شخصيته .. للإستئذان للجلوس بجانبه .. تقترب منه .. لا يلاحظها .. منخرط هو في القراءة .. تناديه .. لايسمع .. تكرر في حرج .. حتى ينتبه إليها

مى : ( في أدب وخجل )

سيدى سيدى المُوقــــــــــــــــــر

سيدى ذو الكتاب المُعطـــــــــــــر

جبران : ................................................

مى : ( في خجل وإحراج )

سيدى سيدى الجليــــــــــــــــــــــل

الصامت في مرج عليــــــــــــــــــــل

جبران : ( في تنبه ودهشه)

من من .. أتحادثينى يا زائرة الحديقة

في عالم ضاعت فيه الحقيقــــــــــة

مى : ( خجلة )

هل تقتسم معى المقعـــــــــــــــــــد

المكان خاوى وأخشى العالم المُعقد

( تتلفت حولها وتشير )

المقاعد كلها غير مهيـــــــــــــــــــــأة

كعالم صخبه تلال معبـــــــــــــــــــأة

جبران : ( وقد أعجبته عباراتها )

تفضلى بالجلوس وإهنئــــــــــــــــــى

لا زال هناك أمل فإسعــــــــــــــــــدى

مى : ( تنظر إلى كتابه )

أرى انك قارىء لـــــــــــــــــــــــــــلأدب

أواه يتسلل إلينا من كل حــــــــــــــدب

جبران : ( ينخرط معها فى الحديث بعد جلوسها )

في طفولتى سحرتني القـــــــــــــراءة

وكصبى ولعت بالشعر بكل بـــــــــراءة

وكشاب إمتهنت الأدب وهاجرت إلى الشطآن البعيدة

وكأديب ورسام أصبحت جبران خليل جبــــــــــــــــــــــران

بلاد الأمريكان إحتوتنـــــــــــــــــــــــى

كاديب مهجر إحتضنتنــــــــــــــــــــــى

و و ...................

(تشهق مى .. بعدما علمت أنه حبيبها جبران .. وتسيل دمعاتها .. فيلاحظها جبران فيتأسى)

جبران : ( في دهشة وتأثر )

سيدتى هل آذاك حديثى العابـــــــــــر

معذرة هل تفوهت بقول جائــــــــــــــر

مى : ( وهى تمسح عيونها من الدموع )

كلا يا أديب المهجر الكريـــــــــــــــــــــــم

لكنى تذكرت رجلا سمحا عظيــــــــــــــم

لى مراسلات معه ككاتب ألمعـــــــــــــى

في عالم أدبى مُدعـــــــــــــــــــــــــــــى

رجلا عشقت فيه الفنان المثابـــــــــــــــر

ملء عليّ حياتى الغائب الحاضـــــــــــــر

لم ألقاه طوال مراسلات طويلـــــــــــــة

عشت من أجل لقاءه سنوات عسيـــرة

ويبدو أنى ولجت عالم خرافى فنتـــــــازى

بعيداً بعيداً عن الزمن الإفتراضى المجازى

( ينهض جبران ويشهق .. ثم يتجاوز اللحظة .. ويعود جالساً .. وقد سالت دمعة كسيرة .. على جبينه .. حاول منعها .. فلم يستطع )

جبران : ( وهو ينظر إلى عيونها )

أأنت مى زيادة الأديبة التى أراسلهـــــــــا

من ملكت قلبى وعقلى بمكنون أدبياتهـــا

يالسعادتى يالغبطتى ما أروع اللقـــــــاء

ما أجمل الحياة عندما تلقى على الضياء

فرحت ثلاثة مرات فى حياتى القاسيــــــــــــــــــــــــــة

الأولى عندما هاجرت طفلا إلى بلاد الحريات الراسيــة

والثانية عندما إمتهنت الأدب تلاطمنى الأمــــواج

والثالثة عندما راسلت مى ثم تلاقينا كأمواج

(ينخرط الإثنان في بكاء صامت .. ويتشابكان بالأيدى ثم يتعانقان .. وتمر دقيقة .. بعدها يستجمعان أنفسهما خجلاً)

جبران : ( في ألم وحزن )

والآن ماذا سنفعــــــــــــــــــــــــــــــــل

مى : ( تتنهد )

قل ماذا بنا سيُفعـــــــــــــــــــــــــــــــــل

جبران : ( في دهشة )

عزيزتى لا أفهمك أعلمينـــــــــــــــــــى

حبيبتى ما الأمر أوجستينـــــــــــــــــى

مى : ( وهى ترتعد )

لى أعداء في حياتـــــــــــــــــــــــــــــــى

أقاربى وعائلتى يريدون مماتـــــــــــــــى

جبران : ( في دهشة )

إشرحى لى عزيزتـــــــــــــــــــــــــى

إفتحى لى صدرك محبوبتــــــــــــــى

مى : ( تتلفت حولها في ذعر )

أنا إمراة وحيدة وثرية حولى ثعابيــــــن

يطمع في ثروتى الأقارب المقربيــــــن

وأخيرا يلمحون إما العطايا الشهريــــــــــــة

أو ركن قصى في مشفى الأمراض العقلية

لقد ذقت منهم الأمريــــــــــــــــــــــــن

إمراة عزباء في القرن أوائل العشريـن

تجالس الرجال في صالون أدبى مشرق

تحاورهم و تناطحهم كجان دارك الشرق

يدعون أنى أبيح الرذائـــــــــــــــــــــــل

وصالونى مدعاة للتحلـــــــــــــــــــــــل

وأن ما تفعله نتيجة لخلل نفســــــــــى

فالوحدة والعنوسة أحدثت خلل عقلــى

فهى إما مسترجلة أو مهوســـــــــــــة

وللرجال الأدباء الفحول متعطشــــــــة

آخرها أنها تراسل جبران المهاجر الشهيــــــر

إمراة كل علاقاتها أدباء شططهم كبيــــــــــر

لابد أنها إما كافرة أو سفيهـــــــــــــــــة

أو أن الوحدة جعلتها مختلة كريهـــــــــة

لذا وجب الحجر عليها بقوة القانــــــون

حتى لا تضيع ثروتها في فنون المجون

( تظل ترتعد وترتعد .. وقد إنخرطت في البكاء .. فيحتويها جبران .. ويسيجها بساعديه .. ويربت عليها في حنو .. إلى أن تهدأ )

جبران : ( يتسائل ويحلل الأمر )

هل جاهر أقاربك بأمر الجنون هــــــــذا

مى : ( تتذكر في سعادة )

كلا لكن العم مُلهم أعلمنى بالأمر هكـــذا

جبران : ( مأخوذا )

من العم مُلهم أهو الإلهـــــــــــــــــــــام

لا تقولى أنه شيطان الشعر المُـــــــلام

مى : ( تشير بيديها )

نعم إنه هو يظهر لى ليلا حتى أبــــــــــــــــوح

أحاوره أناطحه أجالسه حتى النهار الصبـــــوح

إنه يعرف الماضى والحاضر والمستقبـل

إنه يعرف كل العلوم الإنسانية بعد وقبل

يتقن كل اللغات الحية والميتة وعلوم الرياضيـــــات

يتشكل في كل صور المخلوقـــــــــــــــــــــــــــــات

ساهم قديما في تكوين علم السيميـاء

وحديثا أسس علوم الفضاء والكيميــــاء

( ينهض جبران مأخوذا .. ويتلفت حوله .. ويرسم الصليب على صدره .. ثم يجلس )

مى : ( في اندهاش )

فيم إنزعاجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك

فيم جزعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك

جبران : ( و هو ينظر حوله في كل مكان )

عزيزتى هل يظهر لك هذا المخلوق المزعــــــــــــوم

هل تحاورينه أمام الجميع في العلــــــــــــــــــــــــوم

مى : ( في سعادة )

نعم لقد قال أنه سيدى وسيد العالـــــــم

جبران : ( وقد جزع )

وسيد البشرية في الزللِ والألـــــــــم

مى : ( فى سعادة )

نعم نعم هو قال أنه الزلال الأعظـــــــــــــــــــــــــم

من يدفع بالبشرية إلى التحرر إلى التطور إن لــزم

إنه إنه

( تصمت هنيهه .. ثم تشهق .. وتنهض بعدها شبه صارخة .. ثم تتهاوى على المقعد .. تنظر إلى جبران .. فتجده يهز رأسه .. ويرسم قرنين فوقها .. فتدرك أنه يعنى الشيطان .. إبليس الرجيم )

مى : ( فى ذهول )

لا لا تقل .. أنه الشيطان سيد المَــــــــلام

نديمى فى الليالى كأس المتعــــة والآلام

لكن كيف كيف .. كان لطيفا معـــــــــــــــــى

لا تقل أنه كان كاذباً مدعــــــــــــــــــــــــــى

كان مستشارى الخــــــــــــــــــــــــــــاص

وكأنه قاضِ فى محاكم الإختصــــــــــاص

(تتذكر وتصمت .. وعلى وجهها إبتسامة فاترة)

الآن تذكرت .. كان يلعب معى لعبة الممنوع والمرغـــــــــــوب

يحذرنى من الرجال من الإختلاء بهم في الــــــــــــــــــــــــــــدروب

لكنه كان يجمعنى بهم مصادفـــــــــــــــــــــــــــــــــة

وقتها كنت أجد قوة غامضة تدفعنى لهم يالوسوسة

كنت أخجل من نفسى من خيالاتـــــــــــــــــــــــــــى

من تطلعاتى للدفء الجسدى مرحى بالآتــــــــــــــى

أذكر عندما تزين لى عقل طه حسيــــــــــــــــــــــــــــــن

شعرت للحظة أن الشيطان له يداً فى الصاد والسيـــن

أما عندما إحتوتنى رحابة إدراك عباس العقــــــــــــــاد

قرأت فى عيني إبليس الشماتة للشر هو منقــــــــاد

يا لك من أفاق يا سيد إبليــــــــــــــــــس

تغرر بالصبايا ثالثهم أنت الجليــــــــــــس

ساعدتنى لأصبح أديبة عذراء مصــــــــــــــون

وتوسوس لى وللرجال فى الجلسة يالغبون

تثير على نوازع أقاربـــــــــــــــــــــــــــى

تريد أن تغرق قواربـــــــــــــــــــــــــــــى

نهمهم للمال شديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

ومشفى المجانين مكائده لها عمر مديـــــــــــــد

لكن رغم كل شىء آنست وحدتــــــــــــــــــــى

أعطيتنى فرصة للصمود أمام زلتـــــــــــــــــــى

تعلمت من سوآتك معى معنى كلمة كـــــــــلا

سر الوجود علاء البشرية كلمة إياك والزلل وإلا

( تنخرط فى بكاء شديد .. فيربت عليها جبران .. وتدريجيا يحتضنها .. يحتويها ويهدهدها .. وتمر ثوان .. بعدها تتحرج مى من العناق .. وعلى غرة تتراجع .. وتشير له بيديها .. رافضة العناق فى جزع )

مى : ( فى خجل وقد إحمرت وجنتاها )

كلا كلا .. لا داعى للعنــــــــــــــــــــــــــاق

حتى لا تشتعل لوعة الإشتيــــــــــــــــاق

ألم تقل أنه فى حضرتنــــــــــــــــــــــــــا

يتربص بنا فى خلوتنــــــــــــــــــــــــــــــا

جبران : ( فى حرج )

معذرة معذرة لم اتعمد أن أتعدى حدود اللياقــــة

والله لم يخطر فى مخيلتى فعل الصفاقـــــــــــة

( فجاة ترعد السماء من حولهم .. ويسود المكان زوابع وعواصف .. الرياح تعوى .. أوراق الأشجار تتحول لعصف مهشم .. يسمع صوت نساء نادبات لاطمات .. تتخللها أصوات لرجال ونساء .. متأوهين نشوانين .. الغربان تتجمع .. تتكاثر .. تنعق بصورة مفزعة .. تتخللها أصوات لموسيقى جنائزية .. مختلطة بترانيم بعدة لغات ميتة مهجورة .. يسمع كورس لرجال مبحوحي الصوت .. كأنهم ثعابين متكلمة .. جبران ومى جزعين .. منزويان فى ركن من المقعد .. يرتعدان .. متشبثان كل منهم فى الأخر .. لازالت العواصف تعوى وتزوم .. الظلام فشا وساد .. وكأنه يوم الدينونة .. يتجسد مخلوقات الكورس لهما .. يشكلون حلقة حولهما .. يرتدوا وشاحات حمراء قانية .. وعلى رؤسهم غطاء متدلى حتى الأنف .. يخفى ملامحهم كأهل المغاربة .. هم مخلوقات طويلة عملاقة .. يرددون كلمة واحدة .. وفى الخلفية .. يسمع صوت قرع طبول .. قبلى خافت )

كورس الشيطان : (فى شبه تعبد مع خفوت قرع الطبول)

سيدنا .. سيدنــــــــــــــــــــــــا

سيدنا .. سيدنــــــــــــــــــــــــا

سيدنا المُعظــــــــــــــــــــــــم

فى الكوكب المظلــــــــــــــــم

طاوس الملائكــــــــــــــــــــة

قصته مع بنى آدم متشابكـة

سيد الزلل والألـــــــــــــــــم

ملك متوج للوسوسة والكَلم

سيدنا المبارى النـــــــــــــــــــــــارى

يسير فى البشرية كالنهر الجــــارى

موقعه كان فى جنة الجنــان

معزز مُكرم يتعبد فى أمـــان

يبكى من خشية اللــــــــــه

مخلوق مطيع للإلـــــــــــــه

لكن آدم خُلق من طيـــــــــــــــن

والطين وحل على وحل له طنين

وسجدت جميع الملائكة لآدم صاغريـــــــــن

لكن كيف يسجد له سيدنا وهو أسد العرين

لقد تعاظمت فيه تعاظماً ناريتـــــــــه

بسبب أفضلية عرقه وأعاظم قدرتــه

رفض سيدنا السجــــــود لآدم

كيف تسجد النار للطين كخادم

وكان يعلم عواقب فعلتـــــــــه

غضب الله عليه هو سر قصتـه

طرد سيدنا من الجنه شر طــــــــــــــــردة

غير ماسوف عليه مع أشباهه من المـردة

وصار شغله الشاغل فى النهار والليل

كيف ينتقم من بنى آدم بكل غلٍ غليل

وآدم ذو الطين يمرح فى الجنة قرير العيـن

بل أن الله خلق له حواءه زوجه لهذا اللعين

سيدنا يهيم حول الجنة ليزرع شر الفسيلة

ليطرد آدم وحواءه من الجنة بأى وسيلــــة

سيدنا له نظرة فى المخلوقــــــــــــــــــــــــــــــــات

الحية الرقطاء إحدى الثعابين الشريرات المخلصات

سيدنا يدخل فى فمها ويختبىء إنه أول الدروس

وهى تدخله الجنة المحرمة عليه ليوســــــــوس

وبعد خروجه من فم الحية يغضب الله عل بنى جنسها

تكره البشر ويكرهوهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

تقتل من تراه من المخلوقــــــات

ويقتلها من يراها من الموجودات

سيدنا يبحث عن آدم وزوجه فى جنة الخالق

ها هما بجانب شجرة الخلد إشهدوا يا خلائق

سيدنا يجرى منهم مجرى الــدم

يهمس فى أذنهم كأنه إبن العم

ياعزيزى آدم كل من شجرة الحنطة تتحــــــــــــرر

يا حواء آدم كلى من شجرة الخبز فرصة لن تتكرر

من .. من بحق الله يحادثنـــــــــــــــــــا

من .. من صاحب الصوت الذى يجالسنا

أنا صوتكم الداخلــــــــــــــــــــى

أنا نفسكم التى تشتهــــــــــــى

لكن الله حرم علينا شجرة الخلد بالتحديد

نخشى غضب الله وعقابه الشديـــــــــد

قضمة واحدة صغيرة تكفـــــــــــــى

سركما معى يخفــــــــــــــــــــــى

وبعد أن أكل أدم وزوجه من الشجرة غير مدركان

ظهرت سوآتهما وطفقا بورق الموز يخصفـــــــان

وإنتصر سيدنا فى أولى معاركه القاسيـــــــــة

طرد آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض الراسية

فيها يشقى ويعرق ويكون أولى لبنات البشريــــــــــــــــــة

وسيدنا معه يوسوس حتى يثأر منه ومن جنس الانسانية

(فترة صمت يعلو خلالها تدريجيا صوت قرع الطبول)

وكل ما سبق كان مقدمة تلخيصية لكـــــــــــــــــــــــم

عن سيدنا الذى سيشرفكم بالتجسد والظهور عليكم

ليركع الجميع سواء بشرٌ أم جان أم مردة أم جيفة

سيدنا إبليس المعظم يلج الأرض الغير عفيفـــــــة

( تهتز الأرض .. وجبران ومى يرتعدان .. ويتكاثف ضباب كثيف .. وتسمع أصوات مشروخة .. لمخلوقات غير أرضية .. وكورس الشيطان .. ينحنى إجلالا وتعظيما .. ويتطاير كل شىء فى الهواء .. يسمع مع دق الطبول صوت موسيقى مهشمة .. تدريجيا يركع كورس الشيطان .. يجثون على الأرض .. وكأنهم كومة من القماش الأحمر .. الأرض والمكان يهتز يميناً ويساراً .. تدريجيا يصمت كل شىء .. الضباب خفته تقل تدريجياً .. الصمت يحل بالمكان .. صوت الموسيقى وقرع الطبول .. يخفت يخفت .. لكنه يظل هامساً مسموعاً .. يعتدل جبران ومى .. يتنفسان الصعداء .. لا يلاحظان .. مخلوق عملاق فى رداء أحمر .. يقف منتصباً خلف مقعدهما .. وخلفه كورس ابليس .. وجهه وجه إنسان وحيوان فى ذات الوقت .. له قرنان أحمران كبيران نسبياً .. أعلى رأسه .. يضحك فى مكر ودهاء .. ذكاء الشياطين والمردة فى عيونه .. يظن جبران ومى .. أن الأمر إنتهى على ذلك .. يرسم جبران الصليب على صدره .. تتلوه مى فى رسم الصليب)

جبران : ( يلهث ويمسح عرقه )

لا تخافى يا مى لقد إنتهى الأمــــــــــــر

لعلنا كنا نهلوس كالقابضين على الجمر

الشيطان : ( يخاطبهما )

كلا لا تهلوسان ولا ترسما الصليــــب فى حضرتـــــــــــى

لا أريد أى شعائر دينية فما بالكم بغضبتـــــــــــــــــــــــــى

جبران : ( مرتعشاً )

من من تحدث حولنــــــــــــــــــــــــــــــــا

مى : ( ترتعد )

من من تفوه تجاهنــــــــــــــــــــــــــــــا

الشيطان : ( ضاحكاً )

إنه أنا الواقف المنتصب خلفكمـــــا

من أولاكم شرف لقائه معكمــــــــا

( ينتفض كل من جبران ومى .. ويتراجعا الى الوراء .. والذعر يملئهما )

جبران : ( فى حذر )

أأنت هو الشيطان إبليــــــــــــــــــــس

مى : ( فى جزع )

نعم إنه هو ملهمى الجليـــــــــــــــس

الشيطان : ( يلوح بيده )

أنا سيدكم إبليس سيد البشريــــــة

ولاعبها الأمهر الأول فى البريــــــــة

أنا الملعون حتى يوم الدينونــــــــــــــــــــــــة

نديم البشر الأول .. الحب والخير فى مكنونة

جبران : ( فى جزع )

وماذا تريد منا بمعسول الكلام المريــــح

نحن لسنا من أتباعك نحن نتبع المسيح

مى : ( وقد إنطلى عليها خداعه )

إتركه يتحدث يا جبـــــــــــــــــــــــــــــــران

لعله يود بنا خيراً

جبران : ( فى حدة )

لا تصدقيه إنه لايمشى فى خيرٍ أبـــــداً

إنه سوأة البشرية الأولى والأخيرة

الشيطان : ( فى تصنع للأسى )

لماذا تقسو على عزيـــــــــــــــــــزى

لم أطلب منك أن تكون مريــــــــــدى

جبران : ( فى خوف )

وهل تجرؤ .. أنا من مريدى المسيـــــح

إنه الرب فى الكون الفسيــــــــــــــــح

الشيطان : ( يمسح دموعه )

سامحتك السماء .. فقط أود مجالستكم

وهل قلت لك إكفر .. أنا اريد مؤانستكم

جبران : ( فى حدة )

عليك اللعنة إغرب عن وجوهنـــــــــــــا

أنت شقاء الإنسانية وسبب همومنـــــا

الشيطان : ( ضاحكاً فى ألم )

عزيزى أنا برىء منكــــــــــــــــــــــــم

براءة الذئب منكم ولكــــــــــــــــــــــم

جبران : ( مندهشا )

لا أفهم إلام ترمــــــــــــــــــــــــــــــــــــى

أفصح هل تفاحة البشرية جرمــــــــــــى

(يلوح الشيطان بيده .. ويتحرك من موقعه .. ويسير لينتصب أمامهما .. وسط عواء الرياح البسيط)

الشيطان : ( يقهقه )

لا تفتح أمر التفاحـــــــــــــــــــــــــــــة

لا تتهمنى فى صفاقــــــــــــــــــــــــة

مى : ( مرتعدة )

لا تثيره يا جبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــران

حتى لا تحرقنا مردة الجــــــــــــــــــــــــــان

الشيطان : ( يصيح فى ألم )

يا إبن آدم لا تبارينى فى الحُجـــــــــج

وإلا فتحت لك تاريخ البشر الفـــــــــــج

شر على شر على شـــــــــــــــــــــــر

إنه للسوء يجتـــــــــــــــــــــــــــــــــــر

جبران : ( مناطحاً إياه )

أنت سبب كل هذا الشــــــــــــــــــــــــر

أنت حرب سيئة .. بها كر وفـــــــــــــــــر

الشيطان : ( وقد مسه الغضب )

حسنا لنفتح دفتر أحوال البشريــــــــــــــــــــــــــة

لنبدأ بمن (بقابيل وهابيل) وجريمة سر الإنسانية

ولا تقاطعنى أرجوك عزيزى الواهـــم

كن ديمقراطيا المهجر مثل حكوماتهم

هل أنا من قتل أخاه ظلمــــــــــــــــــاً

من أجل الفوز بإمراة جـــــــــــــــــوراً

على جبل قاسييـــــــــــــــــــــــــــــن

أيها الأديب الرصيــــــــــــــــــــــــــــن

هل أنا من إدعيت الألوهيـــــــــــــــــــة

كفرعون موسى فى القصة السماوية

هل أنا بروتس قاتل أباه قيصر فى المجلــــــــس

حتى أنت يا بروتس قالتها دماءه فى شهر مارس

هل أنا دموية جنكيز خان فى حروبه

هل محوت دول مثله فى هبوبــــــه

هل أنا من إبتدعت تجارة العبيـــــــد

دافعا الإنسانية فى إذلال رهيـــــب

أأشعلت الثورة الفرنسية بمقاصلهــا

حتى داعبت أعناق الضحايا بدمويتها

هل انا من إضطهد مؤمنى المسيــــــــــــــــح

أألقيت بلحومهم فى الحلبات للضوارى

هل أنا من أشعل الحروب العالمية

هل أمتلك مدافع وطائرات

رملت النساء ويتمت الأطفال

وصنعت عداوات ونزاعات

أألقيت أنا على المدن القنابل الذريــــــــــــة

أصنعت أنا المفاعلات والقنبلة الهيدروجينية

هل أنا معوج خلقيــــــــــــــــــــــــــاً

هل أنا من أحرق القديسة جان دارك حيـــــــــــــــة

هل أنا من صنع محاكم التفتيش

هل أنا من أظلم ضوء العصور الوسطى تطرفاً

هل أنا من لازال حتى يوم الدينونـــــــــــة

يشعل الحروب والمنازعات وينام القيلولة

إنه عزيزى جبران مواطنك الإنســــــــــان

سواء كان شرقيا كان غربيا لا يهم المكان

وآخر الأمر تتهمنى بالوسوسة يا همــــــــــــــام

لقد تقاعدت بعد هبوطى على الأرض بأيــــــــام

تاركا المهمة لنسل آدم تعلمه الأيام وحب السلطــــــان

كل من مسح مؤخرته فى جدار التاريخ يقول الشيطــان

هذى شهادتى .. دون يا سيد تاريـــــــــخ

أنا برىء من أفعال بنى آدم .. فى التأريخ

(يصمت الشيطان .. وهو يفتعل مسح دموعه .. ثم ينهض جبران غاضباً .. ومى تحاول منعه من الإصطدام بالشيطان)

جبران : ( وقد علا صوته )

أنت محرض البشرية الأول ومن يسوسُهــــــــــــــا

أنت من يوسوس لضعفاء السياسيين أنت حقدُها

أنت من يدس داعرات النساء على ضعفاء البشـــر

تشتعل بعدها الحروب بلا نـُــــــــــــــــــــــــــــــــذر

الشيطان : ( يضحك ويدور فى المكان )

عزيزى أنت آخر من يتحدث عن تلكم أصناف النســـــــــاء

لن أحرجك أمام معشوقتك فلا تحاول منى الاختبــــــــــاء

مى : ( وهى مندهشة ضاحكة )

عما تلمح سيدى الشيطان هنالك

جبران ليس كذلـــــــــــــــــــــــــك

تتحدث وكأنه زئر نســــــــــــــــــاء

وهو من هذه التهمة بـــــــــــــراء

إنه أفلاطونى العشق كفتاة عـــــــــذراء

ظل مخلصاً للأدب ولى فلا تحاول الهجاء

  • جبران على المقعد .. ويجفف عرقه .. وقد صمت صمتا كبيراً كأنه صمت القبور .. فتشهق مى وترتعد .. وتظل تنفى بكلتا يديها)

مى : ( غير مصدقة )

كلا كلا .. جبران للنساء اللاهيات زيــــــــــــــــــــراً

أهذه صورته الحقيقية .. منعكسة على مياة البئر

الشيطان : ( يقهقه )

إنه فى المهجر لا يضيع وقتـــــــــاً

عشرات العشيقات لهم هو جسداً

أأدركت لماذا لم يحاول طوال السنين لقاءك والعنـــاق

إنه متشبع بالعشيقات .. فلماذا يتكبد السفر والمشاق

مى : (تمسك بجبران وتهزه .. وقد أطرق فى الأرض)

جبران أيها الرمز الكبيــــــــــــــــــــــــــر

هل أنت عربيد سكيــــــــــــــــــــــــــــر

جبران : ( فى ألم وخزى وخجل )

إنها وجه الحياة الآخر

الشيطان : ( فى تصنع للتفكير )

والآن دعكما من تلكم العبـــــــــــــارات

لقد عريت الحياة أمامكما صفاقــــــات

يا جبران المرض إن آجلا أو عاجلا سينهشـــــــــــــــــــك

يا مى الأقارب كالعقارب ومشفى المجانين سيفترسك

لكن إن إستمعتما لعظتى الحنـــــــــون

قد يتغير الواقع لامرض لك ولك لا جنون

هيا المكان خاوى هم بها وإستسلمى لـــــــــه

لتكن الحديقة فراشكما هيا إستمتعا فى ولــه

وأنا أمنع عنكما القــــــــــــــــــــــــدر

إن لى أساليب فى منع النُــــــــــذر

(يصرخ جبران ومى فى ألم .. وهما يبتعدان عن جوارهما .. ثم ينخرط الاثنين فى بكاء حار)

الشيطان : ( فى دناءة )

سأترك لكما المكان .. وأغادر الأرض والقــــــــــــــــــرون

إن زللتما كسبت .. لن يصل إليكما لا المرض ولا الجنون

وإن تعففتما خسرت .. وخسرتما معى

والعبرة لمن علا .. وبالوسوسة إدعـى

( تعصف السماء .. بعدها يحدث إهتزاز عنيف .. ويختفى على أثرها إبليس .. وبعد نصف دقيقة .. تعود الحديقة إلى سابق عهدها .. فيتلفت جبران ومى .. حولهما فى إبتاس )

مى : ( لجبران وقد سالت دموعها )
ماذا سنفعل بتهديداته أنزل كمتدنيين سقوطاً

أم نرضخ لِمرضك ولجنونى قهـــــــــــــــــــــراً

جبران : ( فى تأسى وبكاء أليم)

نعم لنسقط على الورق .. نَزل شعراً ونثراً وأدباً يا لذاتـــــــــــــه

ويحتوينا التاريخ كأديبين عاشقين هزمهما العشق فى حولياتـه

(يتعانقان فى بكاء منهمر .. ثم يدخل الحديقة رجال مشوهون .. هم المرض العضال القدرى .. الذى سينهش جبران فى منتصف عمره .. فينهض وهو يتشبث بمى .. وتتشبث هى به .. ثم يقتاده رجال المرض المشوهين .. إلى خارج الحديقة .. بعدها بنصف دقيقة .. يدخل الجنون .. وقد حمل أوراق مكيدة الأقارب .. ومعه رجال مشفى المجانين المهاويس .. وتنهض معهم مى .. بعد أن توقع على الأوراق مستسلمة .. ويقتادوها الى خارج الحديقة .. ثم تطير العشرات من مجاميع العصافير .. باكية نائحة .. حول مقعد الحديقة .. الذى شهد لقاء جبران ومى .. فى عالم خرافى فنتازى .. ثم تتحول العصافير تدريجياً .. وهى تردد أهازيج أدبية هامسة .. إلى أوراق تتلاعب بها الرياح .. تتسربل فى التاريخ المدون .. إلى أدباً وشعراً ونثراً .. من نتاج بنات أفكار .. جبران ومى .. طوال حياتهما القصيرة .. صالت أو جالت .. طالت أو قصرت .. جُملت أو شوهت .. فصارت علامات فى تاريخ الأدب .. يسمع بعدها .. صوت بكاء الشيطان متقطعا .. نائحا على هزيمته .. يتهادى عبر الأصداء)