يتناول الكاتب السكندري المرموق سحر الفن السابع، وقتما كان من أهم الفنون وأكثرها شعبية في الواقع المصري. وكيف أنه كان يدخل مشاهديه في عوالم سحرية مغوية. وعن علاقة رؤساء مصر من العسكر به، وما ترتب على تلك العلاقة من تواريخ ومفارقات شيقة.

رؤساء مصر والسينما

مصطفى نصر

 

سحرتنا السينما، وجعلتنا نغمض أعيننا قبل النوم ونشرد بعيدا، متخيلين أشياء لا يمكن أن تحدث في الحقيقة، فالسينما – وحدها – هي التي تستطيع تحقيقها، وفي حينا الشعبي عشنا في عالم السينما، وتغلغلت فينا، فلم نستطع الفكاك منها، فصديقنا الذي حصل على مجموع كبير في الثانوية العامة والتحق بكلية الهندسة؛ كان يزهو ويتفاخر لأنه سيصبح مهندسا، فكان أخوه يمازحه، ويذكره بفيلم (سيدة القصر) من إخراج كمال الشيخ، عندما ذهب استيفان روستي لفاتن حمامة وانتظرها في الشارع أمام مقر عملها، ليدعوها لكي تكون عشيقة لسيده – عمر الشريف- فسألته:

  • أنت بنشتغل إيه؟

فقال: مهندس.

وسحر السينما أثر في الكثيرين، فقد عرض شيخ الأزهر محمود شلتوت على الممثل حسين صدقي أن يقوم بدور أبو طالب - عم الرسول - في فيلمه الجديد خالد بن الوليد الذي كان حسين صدقي يعده للعرض، لكنه لم يوافق وتهرب منه.

جمال عبد الناصر والسينما:
وجمال عبد الناصر كان محبا للسينما ومدركا لاهميتها، مما دفعه لاقتناء أجهزة لعرض الأفلام فى منزله. وبعد نجاح ثورة يوليو 52، وإنشاء مجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبد الناصر، فكروا في طرق تربط الشعب بالجيش، وتجعله يحبه أكثر، فاختاروا نجم الكوميديا المحبوب – إسماعيل ياسين – لكي يمثل عددا من الأفلام عن الجيش وبدأوها بفيلم (اسماعيل ياسين في الجيش) بينوا فيه طريقة التجنيد والكشف الطبي ومعاملة الجنود، مع قصة طريفة يجملون بها صورة الجيش المصري في نظر الشعب، كتب قصتها الضابط الأديب عبد المنعم السباعي، ومن فرط اهتمام جمال عبد الناصر بهذه الفكرة، فقد حرص على حضور حفل الإفتتاح. ثم مثل إسماعيل ياسين أفلاما أخرى عن فرق الجيش الأخرى (الأسطول والطيران والبوليس الحربي).

وبعد انتهاء العدوان الثلاثى على مصر، وتحديدا في ديسمبر 1956، أجتمع كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات بفريد شوقى – أهم ممثل في ذلك الوقت - وطلبوا منه أن يصنع فيلما يخلد فيه معركة العدوان الثلاثي، فعرض فريد الفكرة على المخرج عز الدين ذو الفقار الذى كتب السيناريو لفيلم (بور سعيد) وأنتجه فريد شوقى.

ورئاسة عبد الناصر لمصر، حرمته من متعة دخول دور العرض السينمائي، ومشاركة الجماهير في مشاهدة الأفلام، ويحكون بأنه ليلة 26 يوليو 1952، بعد أن أمم قناة السويس في الإسكندرية، تسلل إلى سينما مترو بشارع صفية زغلول، وجلس في الظلام لمشاهدة الفيلم الأجنبي، هربا من مطاردة من سيلومونه ويحاسبونه على قراره الجرئ الذي لن يمر على خير، وسوف يغضب دولتين كبيرتين هما بريطانيا وفرنسا، اللتين قد تقومان بضرب مصر.

وهناك حكايات كثيرة تحكى عن موقف عبد الناصر من عرض الأفلام، ورأيي أنه لم يكن جافا وقاسيا في اتخاذه لكافة قراراته، فقد عارض - في بداية الثورة - شنق خميس والبقري بعد مظاهرات وأحداث كفر الدوار، بل عارض في شنق من حاولوا قتله في المنشية بالإسكندرية عام 1954. ولولا مواقفه هذه لتم منع عرض الكثير من الأفلام مثل: (شيء من الخوف) و(ميرامار) و(القضية 68) و(صراع الأبطال) و(يوميات نائب في الأرياف) وغيرها. وفي عصره أنتجت الدولة أعظم الأفلام السينمائية.

أنور السادات والسينما:
أما علاقة أنور السادات بالسينما فهي بعيدة جدا، فميوله منذ نشأته ميول سينمائية، فهو يقول في مقالة له بجريدة الجمهورية: منذ فجر شبابي وأنا أحس بميل شديد للفن والفنانين، ولي في هذا المجال قصص كثيرة. ثم يضيف أنور السادات في هذا المقال عبارة بالغة الدلالة، فيقول: - إنني لا أجد نفسي حقيقة إلا في صحبة الممثلين. ويقول محمد حسنين هيكل في كتابة (خريف الغضب): وفي منتصف الثلاثينات، وفي الأيام الأولى من حياة السينما المصرية، كانت هناك منتجة اسمها "عزيزة أمير"، قد نشرت إعلانا في إحدى المجلات تطلب وجوه جديدة تظهر في فيلم ستنتجه. وطلبت من الذين يستجيبون لاعلانها، إرسال صورة فوتغرافية لهم، وكان أنور السادات واحدا من الشبان الذين ردوا على هذا الإعلان وتقدموا للمسابقة، كتب في الخطاب الذي بعث به إليها: قوامي نحيل، وجسمي ممشوق، وتقاطيعي متناسقة، إنني لست أبيض اللون، كما أنني أيضا لست أسودا، إن وجهي أسمر، لكنها سمرة مشربة بالحمرة، ووقع بإمضائه "أنور الساداتي". المنتجة التي يقصدها هيكل، هي أمينة محمد (خالة أمينة رزق) وليست عزيزة أمير، والفيلم كان اسمه (تيتا ونج) أقدمت أمينة محمد على انتاجه وإخراجه.

وحاول السادات أن يمثل في السينما بعد ذلك، فقد كان صديقا للممثل حسين صدقي، فضابط الجيش علي شفيق – الذي كان مقربا من مجلس قيادة الثورة وشغل وظيفة مدير مكتب عبد الحكيم عامر، كان قريبا لحسين صدقي ومتزوجا من أخته (وطالبه حسين صدقي بعد ذلك بأن يطلق أخته، عندما علم إنه تزوج عليها المطربة والممثلة مها صبري). وكان أنور السادات وقت أن كان رئيسا لمجلس الأمة، يتقابل كثيرا مع حسين صدقي، الذي يستعد لبطولة وأنتاج فيلم عن خالد ابن الوليد، فطلب منه أنور السادات أن يمثل معه في الفيلم، ولكي يهرب حسين صدقي من الموقف الصعب، ضحك وقال للسادات:

  • موافق، بشرط أن نتبادل الأدوار، تمثل أنت في السينما، وأعمل أنا رئيسا لمجلس الأمة بدلا منك.

حسني مبارك والسينما:
لم يظهر جمال عبد الناصر المحب للثقافة والفنون في السينما، وأنور السادات الميال للمثقفين والفنانين، فشل في أن يكون ممثلا، ولم يظهر في أي فيلم سينمائي. والغريب أن حسني مبارك الذي لا تعنيه الثقافة ولا يشغله الفن ظهر في السينما. ففي حياتنا تحدث أشياء غير متوقعة، فقريب لي كان يعمل في الجمارك، وبالصدفة، وهو في وردية عمله، صوروا مشاهد من فيلم سينمائي، وفضل المخرج أن يظهر موظف الجمارك في الفيلم وهو يؤدي عمله، بدلا من الاستعانة بممثل يقوم بالدور، وقد يكلفهم كثيرا، وهذا ما حدث مع حسني مبارك. ففي عام 1956 صوروا فيلم (وداع في الفجر) لكمال الشناوي وشادية ومن إخراج حسن الإمام، الذي فضل الاعتماد على مدير مدرسة الطيران، ليوفر ما سيدفعه لممثل سيقوم بالدور، فظهر حسني مبارك في مشهدين، كقائد يوزع الطيارين على العمل.

وظهر حسني مبارك أيضا في فيلم اسمه (التلاقي) عام 1976 عندما كان نائبا للسادات رئيس الجمهورية. وكان حاضرا – بالصدفة – في أحد الأندية الذي يصورون الفيلم فيه، فطلب المخرج صبحي شفيق منه، الظهور في الفيلم. فوافق، وظهر في الفيلم الذي لم يعرض ولم يحقق اهتماما جماهيريا ولا فنيا.