هل تتعرض إيران، لاعتداء عسكري من طرف الأمريكيين؟ هل تفعل إدارة ترامب حقا، ما يردده الإعلام ويروج له بهذا الخصوص، وتبادر طائرات القوات الأمريكية إلى قصف المفاعلات النووية الإيرانية وكذا صواريخها الباليسيتية؟ هل المسألة قضية وقت لاغير؟ أم أنه صراع لن يتجاوز حد الحرب الكلامية ومستوى العنف الرمزي، كما دأب عليه الحال منذ ثورة الخميني سنة 1979؟ إذا استحضرنا وعود الحملة الانتخابية لترامب، والمعطيات الجارية، فلاشك أن الملياردير الأمريكي، بصدد الشروع في استيفاء مضامين شعاراته: مرسوم الهجرة، الذي يقضي بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الأراضي الأمريكية، وضمنهم الإيرانيين. ثم المواجهة الحالية مع داعش في الموصل، حيث تحقق القوات العراقية انتصارات ميدانية، بدعم أمريكي.
كان الاحتفال يوم 10 فبراير الأخير، بالذكرى الثامنة والثلاثين للثورة الإسلامية، المتزامنة هذه السنة مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، مناسبة كي ينبعث من رقاده بحدة ذلك العداء، بين واشنطن وطهران، الذي خفت لهيبه خلال فترة أوباما، وبردت شراراته الإيديولوجية والإعلامية والمخابراتية. لكن حقيقة، رغم مايبدو من سكينة على الواجهة، فقد خاض الأمريكيون والإيرانيون بالوكالة كما يقال مواجهات ضارية: العراق، سوريا، أفغانستان، لبنان، اليمن، البحرين….
خلال كل ذلك، استطاعت طهران، بعد مفاوضات عسيرة وشاقة، قادها جواد ظريف بحنكة، انتزاع اتفاق تاريخي مع الدول الست الكبرى، خلصها من الحظر الاقتصادي، واستعادت معه أساسا حقوقها النووية .اتفاق، لم يعجب إسرائيل والخليجيين، مما أضفى فتورا على علاقتهما بأوباما وفريقه .ولعل إحدى التغريدات الأخيرة لترامب في خضم الحرب الكلامية المتأججة، التي تقول: «إيران تلعب بالنار… وأن الإيرانيين لا يقدّرون كم كان سلفه باراك أوباما طيبا معهم، مؤكدا أنه لن يكون مثله».
أقول، ربما هي جملة أبرزت علانية إلى السطح طبيعة الإحساس الذي بقي معكرا لصفو بنيامين نتنياهو وحكام الخليج منذ لحظة التوقيع النهائي. إذن، هل يقلب ترامب الطاولة على طريقة الكاوبوي، ويتجاوز الاتفاق، معيدا الأشياء إلى نصابها الأصلي؟ عموما، حدة التصريحات عند الطرفين، التي أشعلتها أعياد الثورة في إيران وإطلاق الأخيرة لصاروخ باليستي جديد بإمكانه حمل رأس نووي، تنزع نحو هذا الأفق.
لقد أكد ترامب بأن مختلف الخيارات مطروحة مع إيران، بما في ذلك الردع العسكري، بقوله: «لاشيء مستبعدا»، ناعتا الأخيرة بكونها: «الدولة الإرهابية في العالم»، الوصف الذي رفضته موسكو. إشارات، استفزت الإيرانيين، بالتالي تراوحت مستويات ردود الفعل، كما استمر التقليد هناك، حسب الانتماء إلى فريق المتشددين أو الإصلاحيين. هكذا، دعا المرشد العام آية الله خامنئي، شعبه كي يرد على تهديدات ترامب، جازما بهذا الخصوص: «لا يمكن لأي عدو شل الأمة الإيرانية»، منددا بتهديدات الرئيس الأمريكي، التي لا تخيف إيران حسب قوله، بل تقدم له ساخرا بالشكر لأنه: «أظهر الوجه الخفي لأمريكا، وأنه فضح ما كانت إيران تتحدث عنه لعقود من فساد سياسي واقتصادي فيه». فانطلقت التظاهرات المنادية بـ"الموت لأمريكا'' مع تمزيق صور ترامب ودهسها بالأقدام، وقد شوهد في طليعة المتظاهرين قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية للحرس الثوري.
في الإطار نفسه، لكن بنبرة أقل من التي للمرشد، أعلن روحاني عن نية إيران كي ترفع شكوى إلى محكمة لاهاي، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب سنوات الحظر الذي اعتبره ظالما، مضيفا بأن بلاده على استعداد لمواجهة التهديدات بالصمود والحكمة، وسيستمر برنامجها النووي الذي يخطو خطوات جيدة. بدوره، وزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين محمد جواد ظريف، لم يفوت الفرصة، معلنا عن وجهة نظر أخرى: «لن نستخدم القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس، ودعونا نرى إذا بإمكان أي من الجهات التي تشتكي أن تقوم بذات الشيء». لكن بغض النظر، عن الصواريخ الكلامية العابرة للقارات، بين الفاعلين في واشنطن وطهران، يلزم التذكير، أن الإصلاحيين الإيرانيين، الذين تطلعوا إلى فوز هيلاري كلينتون، حذروا باستمرار من الحرب. بينما أفراد جماعة المتشددين، فلا يهمهم بتاتا، اسم حزب الرئيس الأمريكي، سواء كان جمهوريا أم ديمقراطيا؟ ودعوا إلى تمزيق وثيقة الاتفاق النووي.
في خضم هذا المواجهة القائمة على جميع الممكنات، يطرح حتما ولزوما التساؤل بخصوص طبيعة الموقف، الذي يفترض من باب الواقعية السياسية والذكاء الاستراتجي البعيد المدى، أن تتخذه الجارة السعودية وبجانبها دول الخليج، على ضوء عبرة، بل عبر ذات الوضع الذي عاشه العراق سنوات التسعينات، حينما تحمس الخليجيون أكثر من "السي أي أي"، وجهلوا جهلا فوق جهل البروباغندا الأمريكية. طبعا،العراق كبلد وشعب وقوة عسكرية وعلمية وحضارية وتراث وفن وأدب وشعر وجمال وعلم وغناء وقومية و ..و ..و يقف جانبا وتقف الفاشية العسكرتارية عند الجانب الثاني. خلط بدائي وفطري، آل منذئذ بالمنطقة والعالم العربي صوب الاندثار الانتحاري الذي نحصي أنفاسه كل يوم.
للأسف، المؤشرات والإرهاصات الأولية، تستشرف استقرائيا بأن الأمر لن يكون سوى كذلك. عندما أسرع مسؤولو الخليج علانية أو تلميحا إلى تأييد قرار ترامب بمنع سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، دون الحديث عن التسخين الإعلامي الموجه. إذن، يتجلى بكل بداهة، استمرار ذات المنظور الضيق جدا، مع أن الوقائع أكدت خطأه القاتل، بحيث يعتقد قادة الخليج، لا أعرف وهما أو توهما؟ أن أي إضعاف لطهران جراء ضربة أمريكية-إسرائلية، سيمثل على النقيض تقوية لهم ولحظوتهم لدى دوائر واشنطن. لكن، أولى فقرات العلاقات الدولية، ولا يحتاج في هذا التلقين لمفاهيم وتدقيقات ''خبراء ورؤساء مراكز البحث العربية''، التي أضحت مجرد موضة، أو لاستدرار الأموال، من هذه الجهات أو تلك، دون أن تمارس أصلا أدنى ثقل يذكر على توجهات سياسات المنطقة، تشير بالواضح الفاقع، إلى مايلي:
*لاسند ولاقوة لدول الخليج، بوجود إيران أو بدونها، سوى الانكباب داخليا على مشروعها الذاتي الديمقراطي والاقتصادي والفكري والعلمي والعسكري، وهزم أساسا منظومتها البائدة قصد معانقة العصر الحديث. ثم، تتوقف عن تقديم يد العون للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتحسس الرؤوس التي أينعت.
*أن ساسة أمريكا لايعرفون بالمطلق معنى للصديق أو العدو، بالمفهوم الوجودي للكلمتين، وصديقهم الوحيد يتمثل كما ظل دائما، في التآلف أو التعارض، مع مصلحة شركاتهم الكبرى.بمعنى مباشر: البترول وحارسته إسرائيل.