يتتبع الباحث العراقي مسألة البحث الاجتماعي في مجال الدراسات السكانية، وكيف تطورت مفاهيمه، وتشكلت مجالات بحثه المتخصصة، وهي الدراسات السوسيوديموغرافية التي تجمع بين علمين يهتم الاول بالحياة الاجتماعية للسكان، والثاني يهتم بالسكان أنفسهم من حيث الحجم والتركيب والحركة.

السوسيو ديموغرافي

النشوء والتطور في المصطلح

فراس عباس فاضل البياتي

المقدمة
تأثرت مفاهيم علم السكان وتعاريفه بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي ألمت في نطاق المجتمعات البشرية، واختلفت باختلاف الفلسفات الاجتماعية والسياسية وتطورت بتطور المراحل التاريخية وتقدمت بتقد العلوم وتطبيقاتها العلمية، ولا يشذ موضوع السكان عن باقي الموضوعات العلمية الأخرى التي تتصل بالمجتمع من ناحية جذبه انتباه الكثير من الكتاب والفلاسفة منذ أقدم العصور، حتى أصبحت الدراسات السكانية منهجا رئيسيا في كثير من جامعات العالم وأدخلت الدراسات السكانية في كثير من الجامعات وخاصة بداية عام 1950، وأصبحت دراسة (علم السكان)، و (الجغرافية السكانية) من المناهج الرئيسية في أقسام (علم الاجتماع، والجغرافية) .

موضوع البحث من الموضوعات التي تتناول في طياتها اصل المفهوم وتطوره، اذ يعد مفهوم السوسيوديموغرافي من المفاهيم الحديثة التي تجمع علمين من العلوم التي نصنف بالحداثة في النشوء، وان توضيح والكشف عن أصل المفهوم هو موضوع البحث الذي يحاول في صفحاته تسليط الضوء على مفهوم السوسيوديموغرافي، تكمن أهمية البحث في انها محاولة لفهم المفهوم من خلال البحث في نشأته والكشف عن المعنى العلمي للسوسيوديموغرافي، وبما ان من أساسيات كل بحث ان تحدد أهدافه اذ يهدف بحثنا هذا الى السعي العلمي للكشف عن المفهوم من جانب وبيان أهمية هذا المفهوم والدراسات التي تنطوي تحت لواءه للمجتمعات .

يتألف البحث من مبحثين، المبحث الأول جاء تحت عنوان (السوسيو ديموغرافي المفهوم)، وهو يتناول مفهوم علم الاجتماع والديموغرافية، وجاء المبحث الثاني تحت عنوان: الديموغرافية والعلوم الاجتماعية، الذي تناول الديموغرافية وعلاقتها بالعلوم، وأهمية الدراسات السوسيوديموغرافية في المجتمع.

المبحث الأول : السوسيو ديموغرافي المفهوم:
علم الاجتماع (Sociology)
ثمة حقيقة نرى من الضروري طرحها في هذا المقام وهي انه قبل نشوء علم الاجتماع، كان الفلاسفة والكتاب والشعراء والقصاصون ينصب اهتمامهم على دراسة السلوك البشري من خلال مناهجهم الخاصة باختصاصاتهم، أي انهم يلاحظون نمطاً سلوكياً خاصة تحت ظروف معينة ثم يتاملون ويسجلون اسباب تصرف الناس ويستغربون من المظاهر السلوكية للافراد عندما ينحرفون عن النمط العام من السلوك السائد في المجتمع، محاولين صياغة مبادئ عامة للسلوك البشري، وكان ذلك الخطوة الأولى لتوظيف وتقسيم السلوك البشري([i])، وتعد طروحات الفيلسوف العربي العلامة «ابن خلدون» في وصف الطبيعة البشرية بانها تضامنيه وتنازعية بوقت واحد، ولايمكن الفصل بينهما وهما وجهان لحقيقة واحدة وعد ذلك اللبنة الاولى لنشوء علم الاجتماع .

إن أول من استخدم اصطلاح سوسيولوجي (علم الاجتماع) العالم الفرنسي «أوكست كونت»، وتبعه الفيلسوف الانكليزي «ستيوارت مل» استعمل هذا الاصطلاح في كتابه (علم المنطق) في عام 1843، وكان يعني هذان العالمان بهذا الاصطلاح الحقيقة والمنهاج الذي يجب ان يتبعه علم دراسة المجتمع ليكون مطابقاً للعلوم الطبيعية من ناحية طرقه المنهجية وحقائقه النظامية المترابطة وتحرره من العواطف والنزعات النفسية والاحكام القيمية([ii]).

هناك عدة تعاريف ومفاهيم علمية دقيقة لعلم الاجتماع اهمها تعريف «مورس كينزبيرك» الذي ينص على انه (العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية واسبابها ونتائجها وفق نهج ومستويات مختلفة كالعلاقات بين الافراد والجماعات والمجتمعات).

وعرفه العالم «ماكس فيبر» في كتابه (نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي) هو (العلم الذي يفهم ويفسر السلوك الاجتماعي - وهو يقصد بالسلوك الاجتماعي- أية حركة أو فعالية مقصودة يؤديها الفرد وتأخذ بعن الاعتبار وجود الأفراد الآخرين)، أما العالم «جورج زمل» فقد عرف المصطلح (علم الاجتماع) على انه (العلم الذي يهتم بدراسة شبكة العلاقات والتفاعلات والمؤسسات على اختلاف أنواعها وأغراضها - فعلم الاجتماع كما يراه زمل- ينبغي أن يدرس العلاقات والتفاعلات كما تقع وتتكرر خلال فترات تاريخية مختلفة وفي موضوعات حضارية متنوعة)

ولمفهوم علم الاجتماع (السوسيولوجيا) معنيين هما:

المعنى الضيق: في بداية القرن العشرين اقتصر مفهوم (Social Science) مدلول ضيق ليعني فرع الدراسة الذي اهتم بتدريب وتأهيل الاختصاصيين الاجتماعيين (Social Workers). .

المعنى الواسع: فيشير إلى الموضوعات الأكاديمية التي تتعلق بدراسة المجتمع الإنساني وطبيعة العلاقات الاجتماعية داخلها والمشكلات التي تعاني منها .... وغيرها.

هنا لابد من الإشارة ولفت الانتباه الى ان الفرق بين علم الاجتماع (Social Science) والسوسيولوجيا (Sociology)، هو أن علم الاجتماع (Social Science) يشير الى العلم الذي يدرب الاختصاصيين الاجتماعيين على فن الخدمات الاجتماعية، اما السوسيولوجيا (Sociology) فهو العلم الذي يختصص بدراسة نظريات المجتمع الإنساني المتعلقة بالمؤسسات الاجتماعية والتغير والطبقية والعائلة ومشكلات المجتمع([iii]).

  • الديموغرافية، السكان (Demographic Population)
    قد أطلق الباحثون الأوائل على دراسة السكان أسماء عديدة منها «الديموغرافيا، والمرفولوجيا الديموغرافية، والإحصاء الحيوي»، وقد استخدم بعض علماء الاجتماع، تحت تأثير الفلسفة الاجتماعية مفهوم الديموغرافيا للدلالة على دراسة السكان وأحوالهم من منظور اجتماعي، فقد أطلق (أميل دوركهايم) لفظ المرفولوجيا الاجتماعية أو علم التشكل الاجتماعي على الدراسات السكانية التي تتضمن دراسة اشكال المجتمعات وصيغها المادية، والعناصر التي تتألف منها، وتوزع السكان الجغرافي، وحركة السكان، وانماط المساكن([iv]) .

ويعتبر العالم الانكليزي (جون جرانت) أول من حاول القيام بأبحاث منتظمة في مجال علم الديموغرافية، في كتابه «ملاحظات طبيعية وسياسية قائمة على أساس وثائق الوفيات» عام 1662، حدد فيه أسباب الوفيات وتوصل إلى مجموعة من التعميمات المحددة والمتعلقة بالظواهر السكانية (الوفيات، والولادات، والزواج، والهجرة)، مشيراً إلى أن الوفيات لم تكن حادثا عفويا، وإنما تميزت بنوع من الانتظام وأدرك بان الولادات تتأثر ببعض العوامل الاجتماعية والوضع الاقتصادي العام إلى جانب إنها وقائع حيوية، ومن ثم جاء العلامة (أشيل غيار) هو أول من استخدم المصطلح عام (1855) وعرفه على انه «التاريخ الطبيعي والاجتماعي للأنواع الإنسانية، وهو بالمعنى الضيق الدراسة الرياضية للسكان من حيث تحركاتهم العامة وأحوالهم الفيزيقية، والحضارية، والفكرية، والأخلاقية»([v]).

وهو علم يتناول دراسة المجتمعات البشرية من حيث حجمها وبنائها، فعلم السكان يطلق على دراسة السكان وحركاتهم وتركيبهم وحجمهم وتوزيعهم في إقليم أو منطقة معية وإيجاد التفسيرات العلمية بهذه الأمور وذلك بإتباع الطرائق الإحصائية والرياضية ([vi]). ويكاد يتفق (دنس رونج) مع هذا التعريف في تعريفه للديموغرافية: «بأن الديموغرافية تتناول أعداد السكان وتوزيعهم في منطقة ما، والتغيرات التي تطرأ على أعدادهم وتوزيعهم على مر الأيام والعوامل الرئيسية التي تؤدي إلى هذه التغيرات، وما دام الناس يولدون ويموتون ويغيرون من أماكن إقامتهم باستمرار، فانه تظهر هناك عوامل ثلاثة هي : المواليد، والوفيات، والهجرة، تسهم أكثر من غيرها في تحديد حجم السكان ونموهم، وهي تمثل الموضوعات الأساسية في الديموغرافية»([vii]).

وقد استخدمه علماء الاجتماع لتحديد ما يعبرون عنه حين يقومون بدراسة أحوال السكان دراسة إحصائية، ويتكون مصطلح الديموغرافية (Demographic) من مقطعين من أصلين يونانيين هما:-

الأول: (Demos) ويعني الناس، الثاني: (Graphy) للدلالة على علم وصفي يهتم بوصف السكان وبدراستهم دراسة إحصائية([viii]). أما كلمة أو مصطلح السكان (Population) فهي كلمة لاتينية الأصل، وهي مشتقة من كلمة (Populous) أي بمعنى الشعب([ix]). مما تقدم نرى إن المصطلحين (الديموغرافية - السكان) يدلان على معنى واحد هو الكتابة عن البشر، ووصف السكان وأحوالهم وحركتهم.

ويعرف علم السكان بأنه الدراسة العلمية للمجتمعات البشرية من حيث حجمها وتركيبها وتطورها، وقد تفرعت شعب كثيرة ومتميزة من الدراسات السكانية، منها على سبيل المثال لا الحصر (الديموغرافية الوصفية) التي تبحث في وصف السكان من حيث العدد والتوزيع والخصائص المميزة لهم. و(الديموغرافية النظرية أو البحتة) وتتناول العلاقات الكمية بين الظواهر الديموغرافية فيما بينها دون النظر في علاقاتها بالظواهر الأخرى كـ(الظواهر الاقتصادية، والاجتماعية) مثل (الديموغرافية الاقتصادية) و(الديموغرافية الاجتماعية) وغيرها، وأخيرا فان هناك (التحليل السكاني أو التحليل الديموغرافي) ويشمل هذا الجزء من الديموغرافية النظرية الذي تستخدم فيه الطرق الرياضية وتستخدم عبارة (الديموغرافية الرياضية) بصفة اعم للمعالجة الرياضية للعلاقات الديموغرافية والتعبير عنها بدوال رياضية يمكن تعبيرها وتطبيقها على البيانات الاعتبارية.

وللديموغرافية معنيين هما:
المعنى الضيق: وتقتصر على دراسة حجم وتركيب السكان، والتغيرات التي تطرأ على السكان وتطلق عليها الديموغرافية الشكلية .

المعنى الواسع: الديموغرافية بمعناها الواسع تشمل خصائص إضافية للسكان كـ(الخصائص الحضارية للسكان وهي: اللغة، والدين، والقومية وغيرها، والخصائص الاجتماعية للسكان وهي: المكانة، والعائلة، والتحصيل العلمي والثقافي وغيرها، وأخيرا الخصائص الاقتصادية وهي: الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها السكان، المهنة، والصناعة، والدخل وغيرها، وأخيراً تدرس الديموغرافية الخصائص الصحية للسكان بكافة جوانبها)([x]).

المبحث الثاني: الديموغرافية والعلوم الاجتماعية
أظهرت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين العوامل الديموغرافية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية رغم ذلك فإنها لا تسمح أحيانا بالتوصل إلى استنتاجات تخص السببية وتوصلت بعض الدراسات إلى فرضيات مازالت بحاجة إلى الاختبار بخصوص العوامل المؤثرة على المتغيرات الديموغرافية والتأثير المتبادل بين السكان والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

1. الدراسات السوسيو ديموغرافية وعلم الإحصاء
يرجع اهتمام الإحصاء بدراسة السكان من حيث الحجم والتركيب وطبيعة العلاقات الاجتماعية بينهم قديماً إلى عصر الرومان، حيث كان الملك (سرفيس تاليوس) يطلب من شعبه أن يسهما في الاحتفالات السنوية التي يقيمها من خلال تقديم قطع من العملة، يقدم الرجال نوعا منها ويقدم النساء نوعا ثانيا، ويقدم الأطفال نوعا ثالثاً، وكان هذا الملك يتوصل إلى معرفة عدد السكان وتوزيعهم الجنسي والعمري عن طريق عد وحصر أو إحصاء هذه العملات([xi]). غير أن هذا الاهتمام الإحصائي القديم بالظواهر السكانية، لم يكن الهدف المباشر منه التوصل إلى قضية عامة أو نظرية عن السكان بقدر ما كان يهدف إلى استخدامها في أغراض إدارية وحربية حصرا، إلى أن ظهر العالم (جون جرانت)، في عام1662، ويعد ما نشره من ملاحظات على قوائم الوفيات في انكلترا أهم المحاولات الإحصائية في دراسة السكان، بل هي احد الدعائم التي استندت إليها الدراسة العلمية للسكان في نشأتها وتطورها إلى حد الذي اعتبره البعض ليس فقط مؤسسا لعلم الإحصاء وإنما مؤسسا للدراسة العلمية للسكان .

2. الدراسات السوسيو ديموغرافية وعلم الاقتصاد

اهتمت الدراسات السكانية بدراسة الجوانب الاقتصادية (Economical) للسكان مثل العلاقة بين عدد السكان وموارد الثروة ومستوى المعيشة، والمجاعات والأزمات، ومن ابرز تلك البحوث أبحاث (روبرت مالثوس، وادم سميث)، وكذا اهتمام الحكومات بتحقيق الرفاهية الاقتصادية عن طريق دراسة علاقة حجم السكان بالموارد الطبيعية والإنتاج القومي ومدى كفايته، وبصفة عامة فانه يندر وجود ظاهرة اقتصادية لا تتأثر بحالة السكان أو بحركتهم ولذا فان الدراسات السكانية تمثل قيمة حيوية بالنسبة للاقتصادي([xii])، ركزت نماذج النمو الاقتصادي التقليدية في تفسير التباين بين الدخول على أهمية تراكم رأس المال في زيادة الدخل، الذي بدوره يؤدي إلى المزيد من رأس المال فهناك اثر استرجاعي بين الدخل ورأس المال، أما السكان فهو يدخل هذه النماذج من خلال دوره في التقليل من حجم رأس المال المتوفر لكل عامل. فالنمو السكاني المتزايد يؤدي إلى انخفاض حصة العامل من رأس المال، ويؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، إلا أن دور الأدبيات التقليدية هذه والتي تختزل أهمية التغيرات الديموغرافي إلى مجرد علاقة خطية قد أصبح هامشيا في النقاشات الحالية الدائرة حول الموضوع، فالأدبيات الحديثة التي ظهرت في العقد الأخير من القرن الماضي ركزت على:

1- إن الأثر المتبادل لانخفاض الخصوبة والوفيات المقرون بزيادة تراكم رأس المال في عملية النمو الاقتصادي له إمكانية تفسير النتائج الايجابية في بلدان عديدة، حيث إن اثر التغذية الاسترجاعية الذي يظهر بين كل عامل من العوامل له إمكانية مضاعفة تأثير العوامل الخارجية المؤثرة عليه .

2- إن عدم تمكن النماذج القياسية والإحصائية التي من شانها قياس علاقة الارتباط بين نمو السكان والنمو الاقتصادي على صعيد الاقتصاد الكلي، وعدم توفر تفسير للفرو قات الهائلة في متوسط دخل الفرد بين البلدان النامية والمتقدمة لا يعني غياب هذه العلاقة على الصعيدين النظري و العملي، بل يعني أن الفرضيات الأساسية لهذه النماذج غير منسجمة مع الواقع الموضوعي الذي تتفاعل بموجبه المتغيرات أو مكونات عملية التنمية، وربما لو تمت الاستعانة بفرضيات أخرى فقد يوفر ذلك أدوات قياسية جديدة تستخدم في تمحيص وتحليل التشابك بين العوامل المختلفة.

3. سوسيولوجية السكان
علم السكان علم متشعب ومتعدد الجوانب، لان منطقة نفوذه هي «السكان» ذلك العنصر الاجتماعي الديناميكي ولقد سبق أن أوضحنا أن كافة العلوم تشترك في هدف وغاية واحدة هي دراسة الإنسان وتوفير فرص الحياة الملائمة له (صحيا، وثقافيا، واقتصاديا) لأنه العنصر الذي كرمه الله، أن الصلات وثيقة بين علم السكان وبين كافة العلوم الاجتماعية، فهو يخدم كافة العلوم ويقدم لها المادة الأساسية عن السكان وفي الوقت نفسه فان عالم السكان يستعين في كثير من الأحيان بأبحاث ودراسات باقي العلوم الإنسانية، فهناك من علماء السكان تناول النواحي التاريخية (Historical) للسكان في مختلف البلاد متتبعين الهجرات السكانية التاريخية والتطورات التي حدثت في البيئة الطبيعية وهذا الفرق يعينه أن يربط بين الصفات النوعية للسكان، وظروف البيئة الطبيعية التي يعيشون فيها، ومدى إمكانية استغلال السكان للبيئة وللموارد الطبيعية، فضلا عن اثر التغيرات البيئية في الحركات السكانية وفي هذا الصدد أمكن تقسيم السكان إلى جماعات سلبية وهي (الجماعات التي تقف موقفا سلبيا أمام استغلال إمكانيات وموارد البيئة الطبيعية) وجماعات ايجابية (فهي التي تتمكن من اختراع الوسائل والأساليب التي تعينها على الاستفادة من الموارد المتاحة في البيئة وتطويعها لخدمتهم)، كما يمزج علماء السكان في بعض دراساتهم السكانية بالنواحي الاثنولوجية (Ethnology) وتتضمن البحث في الاصول السلالية والثقافية لسكان العالم، أو سكان مجتمع معين، ولقد تمخض عن تلك الدراسات ما يعرف بتمييز العنصر والتفاوت في الخصائص النوعية لبعض السكان دون غيرهم، كما أن علم الانثربولوجية (Anthropology) يتصل إلى حد كبير بعلم السكان فالانثربولوجيا تبحث في الإنسان من حيث انه كائن اجتماعي يؤلف المحتوى الفاعل للإطار السكاني بما ينطوي عليه من وظائف اجتماعية وآثار حضارية ومعالم ثقافية ومظاهر فكرية، كما تخصص فريق من علماء الانثربولوجيا الاجتماعية في دراسة الأحوال المعيشية والحضارية والخلقية لسكان الجماعات وخاصة المختلفة منها ([xiii]).

فضلا عن اهتمام العلماء بدراسة الجوانب البيولوجية (Biological) الحيوية للسكان باختلاف الشعوب ومن طبقة، كما يعنى فريق آخر بدراسة الجوانب الصحية للسكان مثل (الإمراض والأوبئة، ونسب وفيات، ومتوسط العمر، والقوة الحيوية ) ويربط هذه الأمور وما إليها بالظروف البيئية الطبيعية ونظام التغذية.

  • علم اجتماع السكان
    ظهر علم اجتماع السكان في العهد القريب مابين عامي (1920- 1930)، الواقع أن العلاقة بين علم بين علم الاجتماع ودراسة السكان من طبيعة خاصة تتمايز وتختلف عن العلاقة آتيين أن نجد السكان وغيرها من العلوم كـ(الإحصاء، والجغرافية، والاقتصادية) فهي أكثر ارتباطا بعلم الاجتماع، أن ظهور علم اجتماع السكان جاء لحاجة المجتمع إليه، ولاختلاف هذا العلم في جوانب كثير عن العلوم السابقة الذكر، لأنه ينصب اهتمامه نحو موضوعات متميزة، مما أدى إلى تطوير ونمو هذا العلم وبلوغه مكانه لا بأس بها بين فروع علم الاجتماع، ظهر العلم استجابة للحاجة إلى تفسير الظواهر السكانية ذاتها، ودراستها باعتبارها ظواهر أساسية غير ثانوية، فضلا عن أن الدراسات السكانية الجغرافية والاقتصادية اهتمت بدراسة الظواهر السكانية بأسلوب لم تحقق الغاية المطلوبة للمجتمع ([xiv]).

عوامل نمو الدراسات السوسيو ديموغرافية.
في الواقع أن هناك عددا كبيرا من العوامل التي تضافرت وتفاعلت معا في إحداث التطور ونمو الدراسات السوسيو ديموغرافية، يمكن إيجازها على النحو التالي:

الكتل السكانية في العالم (الانفجار السكاني)
تعد الزيادة السكانية التي سبقت القرن العشرين في بقاع الأرض، وما ترتب على هذه الزيادة تدهور الأوضاع السكانية من النواحي الاجتماعية، والاقتصادية،الجغرافية، فانتشرت الأوبئة الاجتماعية كـ( الانحراف، والجريمة)، وظهرت (البطالة، ومشاكل العمال)، فضلا عن ظهور مشاكل السكن والمأوى.

التطور التكنولوجي في المجتمعات
أن التطور التكنولوجي في نواحي الحياة المتنوعة كان له تأثيرا مباشرا على حياة السكان مما زاد الوعي لدى العلماء بالاهتمام بالدراسات السكانية، لان التطور هذا لعب دورا مميزا في حركة السكان في سد واحتياجاتهم، جعلت من الحكومات تلفت النظر إلى أهمية الدراسات السكانية لرسم الحياة الرغيدة لسكانها ([xv])

تقدم مناهج البحث العلمي والإحصاء
ظهرت مؤخرا أساليب تحليلية أكثر تطورا في حقلي علم الاجتماع و الديموغرافية، ساعدت على نمو وتقدم البحث العلمي من حيث المناهج والأساليب وزيادة الإقبال عليها في الدراسات السوسيو ديموغرافية ساعد ذلك على بلورة فكرة الأساس أو المستوى الإقليمي باعتباره الأساس الذي يقربها من الواقع، كما حدثت تطورات منهجية أخرى وظهرت مناهج جديدة تفيد في تحليل اتجاهات الخصوبة، وتزايد استخدام المسوح الميدانية في تحديد العوامل العلمية المؤثرة في معدل المواليد وتوقيت الولادة وعلاقتها بالجوانب السوسيولوجية .

أهمية الدراسات السوسيو ديموغرافية في المجتمع
استهوت الدراسات السوسيو ديموغرافية الكثير من ذوي الاختصاص، وأصبح كل منهم يعالج موضوع السكان من زاوية تخصصه، وذلك لأن المسائل السكانية لها أهمية واضحة من كافة النواحي التي تهم المجتمع سواء أكانت هذه النواحي ذات صبغة (اجتماعية، واقتصادية، وسياسية) وغيرها من النواحي التي قد تؤثر في مصير المجتمع ككل،أن الشواهد التي وفرتها التجارب، الدولية والمحلية، انطوت على استراتيجية وفهم عميقين لأهمية الإنسان والمجتمع.

تتحدد أهمية الموضوع من خلال الأمور الأساسية الآتية :-
1. علاقة السكان بجوانب الحياة المختلفة، فهو يؤثر فيها ويتأثر بها، ولعل ابرز العلوم التي يرتبط بها السكان هي : (الاجتماع، والاقتصاد، والجغرافية، والتاريخ، والطب)، لقد أصبح علم السكان يمثل مفهوما واسعا هو بمثابة " مفترق الطرق " الذي تلتقي عنده هذه العلوم جميعها فالسكان المجرد أو الديموغرافيا الصرفة لا وجود لها في الواقع .

2. طبيعة الموضوع بوصفه موضوعا حياً يتغير إيجابا أو سلبا، ويشمل هذا التغير الجوانب المختلفة للسكان: الكمية والنوعية والهيكلية و التوزيعية، وبسبب هذا التغير فان الموضوع يكتسب أهمية متزايدة تبعا لطبيعة التغيير ومقداره بسبب ما يثيره من ردود أفعال متباينة ما بين متشائمة ومتفائلة ومحايدة، ولذلك فقد كثر الجدل وتعددت الآراء وتضاربت الأفكار بشان هذا الموضوع الذي لا يمكن أن يبقى ثابتا إلا في حالات نادرة واستثنائية وهي حالات غير مرغوب فيها لما تعكسه من اثأر لسبيه على المجتمع من جوانبه المختلفة ([xvi]).

3. شمولية موضوعه السكان الذي لم يعد يقتصر على مفهومه الضيق بوصفه " الدراسة الإحصائية للمجتمعات البشرية " كما عرفه (أشيل غيار) الذي استخدم لأول مرة مصطلح الديموغرافيا في كتابه الموسوم (مبادئ الإحصاء البشري أو الديموغرافيا المقارنة) عام 1855، بل أن مفهوم الديموغرافيا قد توسع وأصبح يشمل فضلا عما سبق أمورا عدة أخرى منها (علاقة علم السكان بالعلوم الأخرى كما اشرنا في الفقرة الأولى وتنصب هذه العلاقة على تحليل طبيعة تأثيرها المتبادل ولا سيما التأثير المتبادل بين السكان والاقتصاد وبينه وبين علم الاجتماع، ولذلك فقد جاءت هذه الدراسة مستندة إلى هذا المفهوم الواسع لعلم الديموغرافية)([xvii]).

4. دور السكان في التنمية بمفهومها الواسع: الاقتصادية والبشرية والاجتماعية، ومن خلال دور الموارد البشرية بمفهومها الواسع أيضا لا بوصفها تمثل عنصر الإنتاج (القوة العاملة) الأول بل بوصفها كذلك تمثل الاستهلاك وهو النشاط الاقتصادي المكمل للإنتاج.

5. التوزيع المتباين للسكان على الدول ومناطق العالم وهو تباين اخذ بالاتساع تبعا لاختلاف وتأثر النمو السكاني، الطبيعي منه أو الناجم عن الهجرة، وقد أصبح هذا الأمر يثير مخاوف حقيقية لدى بعض الأوساط الدولية التي تحاول التأكيد على أن مثل هذا التباين يعد من بين أهم الأسباب التي تخلق التوتر السياسي بين دول العالم، لذلك فهي تسعى إلى إعادة التوازن الجغرافي للسكان على مستوى المناطق والدول المختلفة .

6. وإذا كان السكان يتفاعل داخليا فانه يتفاعل خارجيا أيضا، وأهمية السكان لا تتأتى فقط من خلال خصائصه الذاتية وتركيباته الداخلية بل أن المصدر الحقيقي لهذه يكمن في طبيعة العلاقة التي تقوم بين السكان كما وكيفا وهيكلا من جهة وبين الأطراف والعوامل الأخرى المحيطة به والمتفاعلة معه بصورة متبادلة من جهة ثانية، وتزداد أهمية هذه العلاقة كلما ازدادت حركة السكان شدة وسرعة كما هو الأمر فيما يتعلق بالدول النامية في الوقت الذي تتسارع فيه حركة السكان فان حركة المجتمع اقتصاديا واجتماعيا هي في تباطؤ شديد([xviii])

الخاتمة
تعد الدراسات السوسيوديموغرافية من الدراسات الحديثة التي تجمع بين علمين يهتم الاول بالحياة الاجتماعية للسكان، والثاني يهتم بالسكان أنفسهم من حيث الحجم والتركيب والحركة، ومنذ الخليقة تلازمت الظروف الاجتماعية لحياة السكان وذلك حسب حاجاتهم ورغباتهم، اذ ان حاجات السكان المختلفة والمتنوعة كانت العامل الحاسم في خلق ثقافات جديدة تتناسب ومصالحهم وسهلة التكيف معها.

ان الحديث عن السوسيوديموغرافي لا يكتمل في صفحات محدودة إن ظهور المصطلح تعد الخطوة الأولى لبناء منهج علمي يدرس تلك الظواهر التي تجمع العلمين، ان تطور المفهوم جاء متوازيا والتطورات العلمية والتكنلوجية في في المعرفة العلمية وهذا بوادر ظهور مفاهيم جديدة تستحق الدراسة والتنظير العلمي منها (الديموانثروبولوجيا، والسوسيو انثروبولوجية... وغيرها).

 

كلية الاداب / جامعة الموصل

 

المصادر

  1. إحسان محمد الحسن، موسوعة علم الاجتماع، الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، 1999.
  2. بيرفرومون : السكان والاقتصاد : ترجمة د. منصور الراوي و د. عبد الجليل الطاهر، في مقدمة الكتاب، مطبعة النجوم، بغداد: 1968.
  3. دنس رونج، علم السكان، ترجمة : صبحي عبد الكريم، مكتبة مصر، 1963.
  4. دينكن ميشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة : إحسان محمد الحسن، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1980.
  5. صفوح الأخرس، علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1980.

عبد الحسين زيني، الإحصاء السكاني، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1975.

  1. عبد اللطيف عبد الحميد العاني، وآخران، مدخل إلى علم الاجتماع،مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، بدون سنة طبع.
  2. عبد اللطيف عبد الحميد العاني وآخرون، المدخل إلى علم الاجتماع، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، بدون تاريخ.
  3. عبد المنعم عبد الحي، علم السكان، المكتب الجامعي للنشر، مصر، 1985.
  4. علي عبد الرزاق الجلبي، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1999.
  5. محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، مصر،1989.
  6. منصور الراوي، سكان الوطن العربي بيت الحكمة، بغداد، 2002 .
  7. يونس حمادي علي، مبادئ علم الديموغرافية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 1985

Louis Henry، Population، Analysis and Models – Edward Arnold Publishers، Lid،1976.

 

[i])) عبد اللطيف عبد الحميد العاني وآخرون، المدخل إلى علم الاجتماع، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، بدون تاريخ، ص12.

([ii]) دينكن ميشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة : إحسان محمد الحسن، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1980، ص333.

([iii]) إحسان محمد الحسن، موسوعة علم الاجتماع، الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، 1999، ص418_419.

[iv])) صفوح الأخرس، علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1980، ص 15

[v])) محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، مصر،1989:ص 125.

[vi])) عبد اللطيف عبد الحميد العاني، وآخران، مدخل إلى علم الاجتماع،مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، بدون سنة طبع، ص 233.

[vii])) دنس رونج، علم السكان، ترجمة : صبحي عبد الكريم، مكتبة مصر، 1963: ص 5

([viii])Louis Henry, Population , Analysis and Models – Edward Arnold Publishers , Lid ,1976,P: 2

  1. )) عبد الحسين زيني، الإحصاء السكاني، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1975، ص 19 -20.

 

[x])) يونس حمادي علي، مبادئ علم الديموغرافية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 1985: ص 7.

[xi])) علي عبد الرزاق الجلبي، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1999: ص 83.

[xii])) عبد المنعم عبد الحي، علم السكان، المكتب الجامعي للنشر، مصر، 1985: ص 34

[xiii])) عبد المنعم عبد الحي، علم السكان،المصدر السابق، ص 36 .

([xiv]) علي عبد الرزاق، علم اجتماع السكان، المصدر السابق : ص99

[xv])) صفوح الاخرس، علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها، مصدر سابق، ص 20.

([xvi])منصور الراوي، سكان الوطن العربي بيت الحكمة، بغداد، 2002، ص 5.

([xvii]) بيرفرومون : السكان والاقتصاد : ترجمة د. منصور الراوي و د. عبد الجليل الطاهر، في مقدمة الكتاب، مطبعة النجوم، بغداد: 1968: ص 12.

[xviii])) منصور الراوي، سكان الوطن العربي، مصدر سابق : ص 5 .