أحد المهرجانات الشعرية العربية، والذي يحافظ على اصالته وهويته الخاصة، في انتظام دورته بالسعودية. الدورة الحالية شهدت مشاركة عربية واسعة وتوزعت بين القراءات والمعارض والفرجات الشعرية والمسابقات، في محفل مفتوح للجمهور الذي واكب الفعاليات، كما توقفت الندوة المحورية عند اسباب تراجع القصيدة العربية المغناة في علاقة الشعر بالموسيقى، هنا تقرير عن الفعاليات التي شهدها المهرجان في دورته التي انعقدت أغسطس المنصرم.

مهرجان سوق عكاظ

 

مشاركة 11 دولة عربية في سوق عكاظ 13

استضاف مهرجان سوق عكاظ في نسخته الثالثة عشرة 11 بلدا عربيا شاركت بموروثها الثقافي والاجتماعي ضمن “حي العرب” الذي ضم أجنحة لدول أبرزها الإمارات، وجمهورية مصر العربية، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان، والمملكة الأردنية الهاشمية، ولبنان، وتونس، والمملكة المغربية.

ويُعَد “حي العرب” إحدى الزوايا المبتكرة هذا العام في سوق عكاظ الشهير، الذي ينطلق من خلال “موسم الطائف” مطلع أغسطس ، إضافة إلى العديد من الأجنحة والزوايا والفعاليات المميزة في سوق عكاظ، التي تُقدَّم بطابع يرسخ قيمة مصيف العرب مدينة الطائف تاريخيا، ويسلط الضوء على عمقها وتنوعها الثقافي والتاريخي.

وتشارك السعودية في المهرجان بأكبر الأجنحة مساحةً تصل إلى 6 آلاف متر مكعب، حيث يضم بين جنباته مجموعة كبيرة من المعروضات التي تعكس المخزون الثقافي والتاريخي الكبير المتنوع لمناطق المملكة المختلفة.

ويضم “حي العرب” منصة للعروض المباشرة، ومتاحف، ومعرضا للفنون التشكيلية والفوتوغرافية، ومكتبة، وساحة ثقافية مفتوحة، وقاعات ورش عمل، ومجموعة كبيرة من المحال التجارية والمطاعم والمقاهي الأدبية.

وينقل “حي العرب” زوار سوق عكاظ 13 إلى عواصم الدول العربية المشاركة في رحلة رائعة عبر أجنحتها التاريخية والثقافية، وأسواقها الشعبية الشهيرة ومنتوجاتها الفريدة، إضافة إلى عيش تجربة أجواء المطاعم والمقاهي في تلك الدول.

وسعت الدول العربية المشاركة بسوق عكاظ 13، لإبراز الجانب الثقافي والحضاري لكل دولة، من خلال الطابع المعماري لكل جناح، والمجسمات والأسواق والمحال التي تحاكي مثيالاتها في عواصم الدول العربية المشاركة.

وعرض في زوايا وشوارع كل جناح المنتوجات المميزة لكل دولة إضافة إلى أشهر المطاعم التي تحمل بصمتها الخاصة، والمقاهي الشهيرة وغيرها الكثير. وتحدث لأول مرة شعراء المعلقات السبع في سوق عكاظ للزوار وجهاً لوجه، إذ يرحبون بالجمهور فور دخولهم من البوابة الرئيسية للسوق ويستمع الجمهور إلى قصائدهم من خلال لوحات تفاعلية ناطقة ابتكرتها هيئة السياحة والتراث الوطني لأول مرة في النسخة الـ 13.

وفور دخول الزائر من البوابة الرئيسية يجد أمامه امرأ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى ولبيد بن ربيعة والنابغة الذبياني وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد مرحبين بالزوار وملقين إليهم القصائد في فلسفة جديدة استحدثها السوق هذا العام بعد أن كان المهرجان يكتفي في الدورات السابقة بنحت أشهر أبياتهم على قطع صخرية في أطراف الجادة.

يأتي ذلك في وقت تغيّر وجه السوق بنسبة 100% عن السابق باستحداث وتطوير شكل 11 محطة تفاعلية بدءاً من المسرح الرئيسي والجادة وحي العرب الذي يضم مشاركة 11 دولة عربية وساحات للفنون والموسيقى والخط العربي ومعرضاً للجاحظ وقرية المطاعم العالمية وساحة الشعراء وفتيان عكاظ ومحطة القوافل والأسواق وغيرها.

انطلاق موسم الطائف بـ 70 فعالية متنوعة
وانطلقت فعاليات موسم الطائف في اربعة مواقع، سوق عكاظ، قرية ورد بالردّف، فعاليات مهرجان ولي العهد للهجن بحديقة الملك فيصل، مسابقات التحدي الجبلي (سادة البيد) في مرتفعات الهدا والشفا، بأكثر من 70 فعالية رئيسيه متنوعه يندرج تحتها العديد من الفعاليات بعد انتهاء الاستعدادات في وجهاته الاربع. وتم تجهيزات اجنحة 11 دوله عربيه، تفوح بثقافات هذه الدول على حده وابرز مأكولاتها العربية المتوارثة الاصيلة والدول بالاضافة للسعودية الامارات ومصر والبحرين والكويت والعراق ولبنان والمغرب والاردن وعمان وتونس، اذ سيجد الزائر حدائق بابل والسوليدير ومصر القديمة وتفاصيلها وقهوة ام كلثوم والفيشاوي والكشري، وطاولات السّمر في ازقّة مصر وشوارعها المليئه بلطائف قصص المصريين ادبا وشعراً، كذلك الامر في البحرين والبحّاره وفي عمان شلالات صلاله والحلوى العمانيه، وفي الامارات الصالونه والبلاليط وفي الاردن المنسف والكنافه الاردنيه، وغيرها من الفنون والاكلات الشعبيه في الدول الأخرى.

كما شملت التجهيزات توسعة الجاده محاطه بمضامير للجلوس والمشاهده وفي السوق الشعبي القوافل تحمل القوافل فوق ظهورها تعبر دكاكين السيوف والتراثيات والفخاريات، كما انتهت الاعمال في قرية المطاعم العالميه والتي سيكون مقدمي الوجبات فيها من السعوديين والسعوديات، كما تم انجاز تغطية المسرح ومعرض الجاحظ وساحات الموسيقى والخط العربي وباقي الاجنحه الأخرى، كما تتهيأ صخرة الشعر لاستقبال منافسات مسابقات الشعر الفصيح بين 22 شاعراً، سيتوّج الفائز بجائزة البرده ومليون ريال سعودي وسيشهد المسرح عدد من الحفلات الغنائيه. قرية ورد: تكتسي حديقة الردّف هذه الايام بالورود الطائفية، اذ لارائحة ولا طعم فيها سوى الورد الطبيعي الذي اشتهرت به الطائف منذ القدم، وسيدخل في اعداد الوجبات أيضاً في اساليب تفاعلية، يتعرف من خلالها الزوار على مراحل قطف ورد الطائف وتقطيره وتصنيعه ضمن قالب تثقيفي وترفيهي، إذ تضم القرية: متحف الورد، وطريق الفن، ومختبر الورد، إلى جانب ورش عمل للتعريف بالحرف المرتبطة بورد الطائف، وكذلك الفعاليات الممتعة مع منافسات تتعلق بعطر الموسم، وعروض سيرك وأوركسترا الورد، إضافة إلى الملاهي وفعاليات «عيش الأدرينالين» والألعاب النارية، وهناك سوق متكامل يضم أشهر منتجات الطائف من الفواكه مثل الرمان، والتين، والعنب، والبرشومي، وهذا السوق مخصص لأبناء الطائف الذين تم تدريبهم على تغليف منتجاتهم وتقديمها بطريقة مغرية وجاذبة للسياح.

مهرجان الهجن:
وكان لزوار حديقة الملك فيصل التي احتضنت فعاليات مهرجان واي العهد للهجن موعدا مع العاب النار والرؤوس الفارغة والسيرك بالاضافة إلى أكثر من 20 فعالية متنوعه منها المتحف، ويستعرض اكبر مجسّم للهجن وسيعلن تسجيله في جينيس للأرقام القياسية خلال انطلاق الفعاليات بالاضافة للسوق الشعبي، ويضم 24 دكان متنوع مابين الحرف اليدوية والفخاريات والمأكولات الشعبية وغيرها، بالإضافة الى الخيمة المخصصة للسواليف والقصايد عن الهجن، وتاريخها كما سيجد الزائر الفنون التشكيليه من معارض ومنحوتات ومراسم للطفل يتخللها معزوفات كامله على الطبول والعرض الماسي، وعروض النار وعروض الرؤوس الفارغه والعروض المتجوّله والعزف على البيانو على ارتفاع 5 أمتار وعروض الليزر وفرقة المستحيل والعروض الفنيه، كما خصث مدينه للسيرك والعروض البهلوانيه والترفيهيه للاسر ومنطقة الترفيه والتحديات الرياضيه المتنوعه. سادة البيد: هي رياضة المشي الجبلي حيث المتعه والتحدي والاصرار لمتسابقي الهايكنج في مرتفعات جبال الهدا والشفا، وسيتخللها محطات للشواء الجبلي والعود وجلسات الطرب في اجواء طائفيه. واقتبست مواسم السعودية هذا الاسم من تجربة شاعر عكاظ الأول الشاعر محمد بن عواض الثبيتي رحمه الله الملقب بـ «سيد البيد»، وذلك تكريماً منها لتجربته الشعرية، ويعد الشاعر الثبيتي أحد أبرز شعراء الحداثة في المملكة والوطن العربي، واتّسمت أعماله الشعرية بالكثافة وعمق الطّرح وهاجس الذّات التي تحاور النفس، وتغوص في أسبار الكون
.

عكاظ يبحث أسباب تراجع القصيدة العربية المغناة
سوق عكاظ يفتح النقاش حول الشعر العربي وعلاقة القصيدة بالموسيقى من خلال ورقات نقدية لباحثين عرب.

عزا المتحدثون في ندوة “القصيدة العربية المُغناة”، تراجع القصيدة العربية المُغناة في الوقت الراهن إلى أسباب عدة، تمثلت في أوضاع الثقافة، والفن، وتدني اللغة العربية بصفة عامة. جاء ذلك خلال ندوة ثقافية أقيمت أخيرا في ساحة اللغة والثقافة، ضمن البرنامج الثقافي لجامعة الطائف في سوق عكاظ في دورته الـ13 هذا العام، وأدارها رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالطائف عطالله الجعيد.

وافتتح الندوة الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، الذي أكد أن الإحصاء أثبت قوة “القصيدة العربية المُغناة”، مشيرا إلى تصدر الأوزان التامة قائمة البحور الأكثر استعمالا في القصائد المغناة في كتب الأدب، إذ أن 29 في المئة من القصائد المغناة في الشعر لكتاب الأغاني هي من بحر الطويل.

وقال “أما بحر الكامل فاشتمل على 15 في المئة فقط من القصائد المٌغناة، ثم بحر الخفيف بنسبة 11 في المئة، وأخيرا ثمانية في المئة لبحر البسيط”.

وأفاد الدكتور أبوشوارب أن النسبة الإجمالية للبحور التامة والطويلة للقصائد العربية المغناة في كتاب الأغاني بلغت 87 في المئة في مقابل 13 في المئة فقط للبحور القصيرة، وبهذا تكون الموسيقى ركنا أصيلا من أركان النص الشعري.

من جانبه تناول المتحدث يحيى بن مفرح زريقان، تجربة بعض الفنانين العرب مستشهدا بغناء القصيدة العربية الفصحى “كم تذكرتُ سويعات الأصيل” في العام 1964 .

بدورها قدمت الدكتورة نانسي إبراهيم، ورقة بعنوان “الاتجاه الوجداني في القصيدة العربية المغناة”، مؤكدة أن القصيدة العربية المُغناة تتجاوز حدود اختلافات الثقافات والأماكن، فهي تتردد على ألسنة العمال والفلاحين والبسطاء بلغة فصحى سليمة، فهي تقوم بدور المعلم لتسمو بالارتقاء للذائقة لدى أجيال متعاقبة.

وأكدت إبراهيم أن القصيدة العربية المُغناة ما زالت تحتل مركز الصدارة في إشعال الحس الوجداني والتعبير عنه، عبر عامل إضافي لا يقل تأثيرا عن الكلمة ألا وهو الموسيقى.

بينما اعتبر الدكتور منصور الحارثي، أن شرف الشعر هو الوزن والغناء، وجميع القصائد هي أغنيات، وجميعها توزن على الغناء، وما يميزنا هو ارتباط الشعر العربي بالأوزان الغنائية، وأما شعر الثقافة الغربية “اليوناني”، فشعرهم يرتبط بالملاحم والقصص والأحداث لذلك “يُمثل”، أما الشعر العربي فـ”يُغنى”.

إلى ذلك أوضح الدكتور الحارثي أن النغمة الموسيقية تبدأ من الكلمة الشعرية وصياغتها، حيث إن أول ملحن للقصيدة هو الشاعر، فهو من يختار الحالة الموسيقية والجملة الموسيقية.

وقال “ما يحدد إيقاع القصيدة المُغناة هو الوزن وعلاقته بالإيقاع الموسيقي، ومراحل ضبط حركة وسكون”، مضيفا “ثلاثة أمور يجتمع فيها الشعر بالموسيقى، التأليف، والوزن، والمناسبة بين الحركة والسكون”.

وتساءل الحارثي عن غياب القصيدة الفصحى في الأغنية العربية، مجيبا عن تساؤله “هي لم تغِب ولكن خضعت للعرض والطلب، لأسباب تردي الفن، والثقافة، وأصبحت سلعة الشاعر الفصيح سلعة غير مطلوبة”.

وأكد أن فنانين كبارا على مستوى الوطن العربي لا يستطيعون أن يغنوا بالفصحى، والسبب يعود إلى تدني اللغة العربية عند هؤلاء خصوصا أنهم جزء من المجتمع، مما أبعد الفن والموسيقى عن الشعر الفصيح، رافضا في الوقت ذاته ربط البعض للشعر بالموسيقى.

وشدد الدكتور الحارثي في ختام الندوة على أن لغة الآلات الموسيقية لغة مختلفة تماما، وهي لغة إنسانية يفهمها الجميع، وإقبال الناس على الموسيقى وجمال اللحن جعلهم يبتعدون عن المحتوى أو النظر إليه.