رسالة المغرب: رحيل المفكر عبدالكبير الخطيبي

وأزمة اتحاد كتاب المغرب واليوم العالمي للشعر

عبدالحق ميفراني

اتحاد كتاب المغرب: الأزمة ودروس المرحلة
يذكر تاريخ المغرب الثقافي، محطة أساسية في بدايات تأسيس بيت الشعر في المغرب. إذ انسحب الشاعر محمد بنطلحة في صمت، أذكر حينها وجهت سؤالا للشاعر حسن نجمي فكان رده بليغا مليئا بشحنة التقدير والاحترام لمكانة الشاعر بنطلحة في المنجز الشعري، مستعيرا مقولة الشعراء المتميزين حين يستشعرون أن إطارا ما غير قادر على ترجمة أفق الشاعر.. فينسحبون دون ضجة، تاركين لبلاغة الصمت شحنة التفكير.

هكذا هو الشاعر محمد بنطلحة في ألقه الوجودي والشعري.

الآن، التئم الكتاب المغاربة في مؤتمر اتحاد كتاب المغرب، تركوا بيانهم وورقتهم الثقافية معلقة الى حين، وانتخبوا مكتبا تنفيذيا. لا تهم اللوائح والصيغ الانتخابية ولا الدروس المستخلصة. لكنهم اختاروا مكتبا قديما/ جديدا ليواصل "برنامجه الثقافي الذي لم يكتمل". أسماء سقطت من اللوائح، وأخرى خارجها.. لكن في النهاية، كان الرهان أن يقوم المكتب التنفيذي ببلورة آليات العمل لتجاوز مرحلة أمست لصيقة بوضعية الكاتب اليوم. إذ جرت العادة، أن يشكل اتحاد كتاب المغرب صدى مباشر لما تروم به أسئلة المغرب الثقافي. لكن، يبدو أن مؤسسة الاتحاد "ترهلت" الى الحد الذي تحولت معه الى إطار مغلق "أشبه بالذاكرة الاسمية" وهنا تتحدد مسؤولية الجميع.. الجميع بدون استثناء. ولن تنتهي الأسئلة إذا ما رغبنا أن نحدد آليات قراءة هذا الوضع، فيكفي تأمل كتابات، وهي قليلة، لامست راهن اتحاد كتاب المغرب خلال مؤتمره الأخير. أحمد شراك، سعيد يقطين، صلاح بوسريف، عبدالرحيم المودن. لنتمثل الحاجة الماسة للنقد. لكن، في اتجاه ترسيخ مكانة اتحاد كتاب المغرب ضمن النسيج العام الذي يهم مستقبل وحاضر الثقافة المغربية. خصوصا أن هذا الإطار الثقافي يجر وراءه تاريخا حافلا من الانخراط الفعلي في ترسيخ مفهوم الثقافة الوطنية.

واليوم نكتشف حجم الأسئلة المعلقة، والتي يصدح منها سؤال مفزع "من يرغب في كتابة الشاهد على هذا الإطار التاريخي الثقافي الرمزي؟".

المؤتمر الأخير، رغم البرودة التي وسمت أشغاله وعملية انتخاب هياكله، إلآ أنه كان يشي بتجدر التناقضات الداخلية في مواقف تهم عقلية التسيير والتدبير لاتحاد كتاب المغرب. وقد ساهمت تراكمات سابقة في إعادة فتح هامش هذا التناقض بالشكل الذي أمست معه كل إرادة لبلورة مشاريع المستقبل. تصطدم بهذه العقلية التي تخفي في العمق، وهذا هو المغيب في النقاش، صياغة جواب أي اتحاد نريد؟ إذ نفترض، أن الأساس في التجاذبات التي تقع اليوم، ليس فقط في من يتحمل مسؤولية الرئيس، أو الكاتب العام، أو الأمين.. بقدر ما تنصهر داخل عملية الاختيار، رؤى متباينة لكيفية التسيير والتدبير الثقافي. وصدى للتيهان الفكري الذي أمسى اتحاد كتاب المغرب يجد نفسه يصطدم بالجدار كلما أراد التقدم الى الأمام.

لقد انبثقت دعوة لعقد مؤتمر استثنائي، عبر عنها رئيس الاتحاد الأستاذ عبدالحميد عقار في بلاغ وجهه لوسائل الإعلام، يقول الأستاذ عقار إن: "المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب يجتاز منذ انتهاء المؤتمر السابع عشر، صعوبات كبيرة وخلافات غير مبرَّرة، حالت دون الحضور المأمول والمرغوب فيه للاتحاد بالمشهد الثقافي. هناك جمود وانتظارية لم يعودا مشروعَيْن ولا مقبولَيْن مِن أحد." يلخص بيان رئيس الاتحاد مأزق هذه الانتظارية، معبرا عن شعوره "بالتضييق والاختناق" لذلك يدعو إلى "عقد مؤتمر استثنائي لاتحاد كتاب المغرب. مؤتمر يقام في يوم واحد، وبجدول أعمال محدَّد ومقصور فقط على انتخاب مكتب تنفيذي، ورئيس جديد للاتحاد، مع ما قد يقتضيه السياق من تعديلات قانونية جزئية طفيفة، وذلك في أجل أقصاه ثلاثة أشهر". رد باقي الأعضاء في المكتب التنفيذي لم يتأخر، وكان بميسم "قانوني" هذه المرة، لكنه في العمق قدم خطوة الى الأمام، وكأن بيان الرئيس جعله خارج "اللعبة"، خصوصا بعد الاستقالة المبكرة للشاعر جمال الموساوي من أمانة الاتحاد، ومن مسؤوليته داخل المكتب التنفيذي، وهي المحطة التي فتحت الجرح، لتتوالى الأحداث بسرعة. بلاغ وبلاغ مضاد.

إن الشكل الذي تسارعت به الأحداث كان مفاجئا من جهة، لبعض المتتبعين للشأن الثقافي، لكنه كان منتظرا بالنسبة لبعض من حضروا المؤتمر الأخير لاتحاد كتاب المغرب. فلا البلاغ الأول لرئيس الاتحاد ولا استقالة أمين المال قبله ولا حتى البلاغ الثاني لباقي أعضاء المكتب التنفيذي قدم صورة حقيقية لوضع اتحدا كتاب المغرب، إذ انحصر لب الإشكال في حصر نقطة الخلافات الضيقة في عدم قدرة المكتب التنفيذي على الشروع في إجراء تجديد مكاتب الفروع {والتي أمست جميعها اليوم غير قانونية ومجمدة بقوة القانون}، وإعلان برنامجه الثقافي السنوي وعقد اجتماع المجلس الإداري للمصادقة عليه.

والحال أن هذه الخلافات ظلت تجر ذيولها منذ المرحلة السابقة لكنها لم تظهر الى السطح، اللهم كتابات الباحث أحمد شراك والتي وجهت نقدها المباشر لرئيس الاتحاد حينها الأستاذ عبدالحميد عقار، هذا الأخير لم يفوت الفرصة خلال انعقاد المؤتمر الأخير كي يشير الى جزء من طروحاته، ولو في كلمة مبطنة في مداخلاته. فهل هي صيرورة لمرحلة التيهان الذي يمر منها اتحاد كتاب المغرب، والذي لم يستطع مع المؤتمر الأخير الخروج منها. أم أن الأمر يتجاوز هياكل الاتحاد ليصبح الأمر أعمق من مسألة منهجية العمل. فهذا الإطار الجمعوي والذي ظل بمنأى عن التدجين، وناضل على استقلاليته اتجاه الدولة. أمسى تائها اليوم في خضم، التحولات السياسية والمجتمعية والثقافية المتسارعة، والأسئلة الكبرى. وقد لمس البعض جزءا من هذا التوصيف حين طالبوا بمراجعة الاتحاد لورقته الثقافية ولبرنامجه الثقافي (وقد نشرت مجلة الكلمة في عدد الشهر الماضي مداخلة الأستاذ بلكبير وهو عضو في اللجنة التي انتخبها المؤتمر).

في خضم هذا الحراك الداخلي، ارتفعت أصوات تنادي بضرورة عقد ندوة وطنية لمناقشة راهن اتحاد كتاب المغرب ومستقبله في خضم هذه التحولات المتلاحقة وهو ما يزكي تلك الإرادة القوية في أن تجمع الكتاب والمثقفين يجب أن يقدم نموذجا حيا للمغرب اليوم. في قدرته على تدبير اختلافاته الجوهرية بالنقد المباشر وحتى بالنقد الذاتي. وتلكم أقوى خطاب يرسخه إطار معيارا للقيم النبيلة التي يؤمن بها كتابه ومبدعيه. لا يمكن أن ينجر اتحاد كتاب المغرب الى دعوة التحول من التفكير والتدبير الثقافي الى التدبير "السياسوي/ النقابي"، ففي هذا الأمر شرك النهاية، وهي دعوة لا تخفي في خلفايتها مبدأ "ترويض" هذا الإطار التاريخي كي ينذغم في مسار بلقنة، وهو ما يعني موت الاتحاد. كما لا يمكن القبول بأن يظل اتحاد كتاب المغرب جمعية ل"أنشطة التوقيعات" والحس التقليدي في التفكير، في آليات التدبير الثقافي بالمغرب. إذ أمسى ملزما أن يثور على نفسه، والانخراط بشكل "راديكالي" في أسئلة المغرب الثقافي. المغرب العميق بكتاباته وبمختلف طرائق التعبير، الانخراط أيضا في إشكاليات القراءة والكتاب، والأهم التفكير في سياسات المغرب الثقافية والتي أثبتت الوقائع، أن الأمية الثقافية بدأت تنخر المجتمع الى الحد الذي أمسى فيه المغرب بدون هوية تحمي كيانه مستقبلا. كما لا يمكن أن يظل الاتحاد بمعزل عن هموم وانشغالات الكاتب وحاجاته المجتمعية والتي تعيد الوضع الاعتباري لهذا الكيان الرمزي بمستوى أكثر إلحاحية اليوم.

نفترض أن هذه هي أسئلة المكتب التنفيذي واتحاد كتاب المغرب التي يجب الاختلاف حول تدبيرها والتفكير فيها. إن ما يقع اليوم داخل خيمة الكتاب لا يعني جهازا بعينه بل يعني جميع الكتاب المغاربة. وإلا علينا أن نستقيل جميعا.. 

رحيل المفكر عبدالكبير الخطيبي: "الاسم العربي الجريح" "ذاكرة موشومة" الى الأبد
"الذاكرة الموشومة"، "النقد المزدوج"، "المناضل الطبقي على الطريقة الثاوية" وأكثر من 25 مؤلفا في الفلسفة والشعر والرواية والخط والدراسات الأدبية. هذا ما تركه الراحل المفكر عبدالكبير الخطيبي أحد العلامات الفارقة اليوم في المشهد المغربي، العربي والإنساني. وبرحيله يفقد المغرب الثقافي أحد "فرسان الكلمة" وأحد الذين أدركوا بالتزامهم الفكري والأدبي والمعرفي قوة مقولات الهوية والتغيير والتحول والتفكير العقلاني كي يؤسس لنفسه مسارا فكريا متفردا، جعل أعماله تترجم الى عدة لغات. كما يشكل رحيل المفكر عبدالكبير الخطيبي، نهاية مرحلة أساسية من تاريخ المغرب الثقافي والمعرفي، إذ برحيله يفقد هذا المشهد صورة نموذجية خلاقة لمثقف أصيل خاض مجال الأدب والمعرفة بالتزام صارم وبانفتاح عقلاني. هو الذي جايل أسماء كبيرة من طينة دريدا وبارث.. وترك إرثا معرفيا، سوسيولوجيا وفلسفيا وإبداعيا.. مهما، يؤسس لتاريخ مهم من تشكل "فكر مختلف".

يرحل الخطيبي قبل أيام من الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، هو الذي قارب أعمال "جان جينيه" أحد الذين تعاطفوا مع القضية الفلسطينية بعد رحيله جينيه سنة 1986، إذ عمل الخطيبي على قراءة ونقد والتعمق في النظام الشعري لهذا الكاتب الاسثتنائي. وبرغم تكوينه كفيلسوف وعالم اجتماع، فقد نظر في السياسة والنقد الأدبي وكتب في الشعر، قصائده الصارمة تنبني على رؤية التسامح. وساهم إتقانه الكتابة باللغتين الفرنسية والعربية بانفتاح نصوصه ودراساته على معالم معرفية متعددة. ويبقى كتابه "المناضل الطبقي على الطريقة الثاوية" انحيازا جديدا لاكتشاف جغرافيات ثقافية ومعرفية جديدة جعلت من عبدالكبير الخطيبي مفكرا استثنائيا، فمعه اكتشفنا "الوشم، والخط، والرمز،.." وأمكننا مع كتابيه "النقد المزدوج" و "الاسم العربي الجريح" أن نلج مرحلة تأسيسية "لنقد فلسفي فكري وجمالي غير مسبوق في العالم العربي".

يوم الإثنين 16 مارس 2009، غيب الموت عبد الكبير الخطيبي عن عمر يناهز 71 عاما، بعد معاناة مع المرض. في أحد المستشفيات بالرباط حيث كان يتلقى العلاج. ولد عبد الكبير الخطيبي بمدينة الجديدة، ودرس علم الإجتماع بجامعة السوربون (فرنسا)، حيث حصل على الدكتوراه في السوسيولوجيا حول أطروحة "الرواية المغاربية" عام 1969. وتقلد عدة مناصب أكاديمية، حيث شغل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأستاذا مساعدا، ثم مديرا لمعهد السوسيولوجيا السابق بالرباط ، فمديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي. انضم عبد الكبير الخطيبي إلى اتحاد كتاب المغرب عام 1976. وعمل رئيسا لتحرير "المجلة الإقتصادية والإجتماعية للمغرب"'، كما كان يدير مجلة (علامات الحاضر). ومن أعماله، الذاكرة الموشومة (1971)، فن الخط العربي (1976)، الرواية المغاربية (1979)، المغرب أفقا للتفكير (1993)، صيف في ستوكهولم (1990)، صور الأجنبي في الأدب الفرنسي (1987)، كتاب الدم (1979)، المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية (1976)، الليلة الثالثة والألف (1980)، إهداء للسنة الآتية (1986)، الاسم العربي الجريح (1974)، كُتّاب مغاربة من الحماية إلى 1945 (1974)، وفاة الفنانين (1964)، المغرب بصيغة الجمع (1981)، النبي المقنع (1979)، الفن المعاصر بالمغرب (1989)، الكتاب نفسه (1985)... وقد توج المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي، بجوائز عالمية تقديرا لمساره الفكري والإبداعي. إذ سبق له أن توج بجائزة الأدب لمهرجان "لازيو بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط" في ايطاليا، عن مجمل أعماله الأدبية وتجربته وذلك لمساهمته في خلق لغة أدبية وطنية ومستقلة في مجال العلوم الاجتماعية، والتزامه بقضايا المساواة الثقافية والتنوع الفكري بالمغرب. كما حصل الخطيبي على جائزة "الربيع الكبرى" التي تمنحها جمعية "أهل الأدب"، وهي جمعية ثقافية فرنسية عريقة يعود تأسيسها إلى عام 1838 من طرف أهم كتاب الأدب الكلاسيكي بفرنسا وأكثرهم شهرة في الوقت الحاضر، أمثال الروائي الفرنسي أونوريه دو بالزاك والشاعر فيكتور هيغو والروائي أليكسندر دوما. ويعد الخطيبي أول عربي ومغربي يتوج بهذه الجائزة العريقة التي منحت له عن مجمل أعماله الشعرية التي صدر بعضها مؤخراً في ثلاثة مجلدات عن دار "الاختلاف" الباريسية، التي تعد من أرفع دور النشر الفرنسية. وعرفانا بمكانته في الوسط الفرنسي، خصصت جامعة ليون الثانية للخطيبي صفحة بعنوان "عبد الكبير الخطيبي"، تتضمن قائمة بكتبه ومقالات ونصوصا قصيرة له ولائحة بالكتب والأطروحات التي تحدثت عنه. كما ترجمت أعماله المؤلفة أساسا باللغة الفرنسية إلى اللغات العربية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية واليابانية، كما طالت أعماله مجالات معرفية عدة من ضمنها الأدب والعلوم الإجتماعية وخاصة ما يتعلق منها بالفضاءات المغاربية والعربية..

قال عنه رولان بارث يوما: "إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار، الحروف، العلامات. وفي الوقت نفسه، يعلمني الخطيبي جديداً، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال، كما أراها، يأخذني بعيداً عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين، أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي". 

شهادات
المفكر محمد سبيلا: " رحيل عبد الكبير الخطيبي حدث مؤلم وفاجعة وطنية باعتبار المكانة الثقافية والفكرية والرمزية التي احتلها الفقيد على مدى عقود.. يحق للمغرب أن يفخر بعطاءات هذا الرجل وإنتاجاته في ثلاثة ميادين، هي الفكر والفلسفة، والسوسيولوجيا، والإبداع الأدبي. فعلى المستوى الفكري والفلسفي، ارتقى الراحل بالفكر المغربي إلى مستوى كوني بمساءلة كبار الفلاسفة في الغرب وعلى رأسهم هايدغر ودريدا. وعلى المستوى السوسيولوجي، تعد مساهمات الراحل ركنا أساسيا في السوسيولوجيا الحديثة إذ ساهم في ارتقاء وعي المجتمع المغربي بذاته، من الوعي التقليدي التلقائي إلى وعي عصري مؤسس على مقولات علمية حديثة ونظريات كونية في مجال الأنثربولوجيا والسوسيولوجيا.

إن إسهامات الفقيد الإبداعية والأدبية تميزت بقدرته الخاصة على الكتابة باللغة الفرنسية في مستوى كبار الكتاب الفرنسيين، ورغم أنه ركز في أواخر حياته على هذا النوع من العطاء الفكري، فإن الجوانب الأخرى لم تغب من مجموعة إنتاجه الفكري."

الأديب أحمد المديني: "رحيل عبد الكبير الخطيبي، خسارة كبيرة للثقافة المغربية والعربية عموما بل للثقافة الإنسانية بحكم أن الراحل كان مثقفا ومبدعا موسوعيا منفتحا على جميع ثقافات العالم وكتاباته منذ البداية سواء السردية أو الفلسفية التأملية أو شطحاته الشذرية كلها اتجهت وعملت في أفق متعدد مركب بدأت من لحظة المثاقفة وامتدت في سياق التعدد اللغوي والفكري والأدبي الذي يطرح أسئلة الإنسان القلقة في الذات والحياة والوجود. أما على مستوى الثقافة المغربية، فإن عبد الكبير الخطيبي كان من الرواد الذين عملوا على خلخلة ثوابت التقليدية وفي الذهنية الثقافية المغربية واستطاع أن يعيد النظر في النص الأدبي، ومبكرا بالنقد الثقافي قبل أن يصبح هذا النقد اليوم ظاهرة سائدة، ويحرج القوالب الجاهزة في الصياغة والمفاهيم والنماذج.. إن الخطيبي مثل بالأمس واليوم وغدا برحيله علامة بارزة في بناء صرح ثقافتنا، ورحيله يحتاج أن يكون تنبيها للأهمية التي ينبغي أن نوليها للإنتاج الثقافي والقيمة الاعتبارية الضرورية للمبدعين والمفكرين وللقيم والخيرات الرمزية بصفة عامة في مجتمع بات نهبا للاستهلاك والربح العاجل والقيم العارضة." 

اليوم العالمي للشعر: "الشعر خبز يومي"
"الشعر خبزي اليومي"
هي كلمة الشاعر سعدي يوسف والتي خص بها نداء اليوم العالمي الشعر، بطلب من بيت الشعر في المغرب. فكعادة كل سنة، نظم بيت الشعر، في إطار الاحتفال ب 21 مارس اليوم العالمي للشعر، عدة لقاءات وأنشطة شعرية بالتعاون مع بعض المؤسسات الثقافية و التربوية والجمعوية. تميز برنامج هذه الدورة بعقد أمسيتين شعريتين مركزيتين يوم 21 مارس. الأولى بمدينة السمارة بالتعاون مع جمعية التقدم للتنمية، والثانية بالمكتبة الوطنية بالرباط مع مركز طارق بن زياد، و هي الأمسية التي شارك فيها الشاعر العربي سعدي يوسف و نخبة من الشعراء المغاربة، إلى جانب الشاعر الفائز بجائزة الديوان الشعري الأول محمد أنوار التي يمنحها بيت الشعر سنويا بدعم من وزارة الثقافة. وقد نظمت ندوة "جدوى الشعر راهنا" قاربت برؤاها المتعددة جدوى الشعر اليوم، الى جانب مشاركة فاعلة للشعراء: إدريس الملياني، محمد امبارك يارا، أمينة المريني، محمد الوكيرة، صلاح الوديع، نجيب خداري، خطاري المجاهدى، مراد القادري، النوف البلال، محجوبة الداودي، علال الحجام، عبد المجيد بنجلون، عائشة البصري، عبد السلام الموساوي، لحسن العسيبي، وداد بنموسى، مخلص الصغير، محمد الراشق، رجاء الطالبي، محمد بلمو، محمد بنعيسى.. مع قراءات شعرية للشاعر العربي الكبير سعدي يوسف الذي خص بيت الشعر في المغرب بهذه الكلمة بمناسبة اليوم العالمي للشعر 21 مارس 2009.

فهذه المبادرة الكونية/ الرمزية التي جاءت استجابة لنداء بيت الشعر في المغرب، هذا الإطار الذي تم الإعلان عن فكرة إنشائه في 8 أبريل 1996، من طرف الشعراء، محمد بنطلحة، محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي. وفي 21 دجنبر من السنة ذاتها كان جمعه التأسيسي. ويعتبر الشاعر محمد بنيس أن بيت الشعر في المغرب، قد "أعاد الاعتبار للشعر والشعراء بكل كرامة ونبل، وهذا شيء كنا نفتقده لفترة طويلة. وقد حاول البيت الجمع بين أصوات مختلفة وأصوات غير معروفة في ما بينها وأصوات لها مواقف كتابية متعارضة، والى جانب ذلك جمع بين الشعراء والفنانين والرسامين والمسرحيين والموسيقيين. كما انفتح على العالم وأقام أول مهرجان عالمي للشعر على أرض عربية وهو سفر نحو البعيد".

الشعر خبزي اليومي: سعدي يوسف
لي أكثر من نصف قرن مع هذا الرفيق الذي لم يخذلني يوما، وإن خذلته كثيرا، في محاولتي التعرف عليه أكثر، ومعرفة خِصاله طِباعه، وأدب مرافقته ومجالسته.

والحق أقول إنني أبذلُ ما أستطيع بذله، وأستمتع بما أبذل. رحلتي دائمة، وهو، أعني الشعر، قريب، ناءٍ. واضح، غامض.

كأن الحياةَ بأسرها ساحة للشعر وملعب. وكأنني مكلف بأن أذرع هذه الساحة في محاولة بلوغ الفن، بلوغ الشعر.

هل الشعر قراءة للحياة فقط؟
أعتقد أن الأمر أوسع أعمق.
للبشر، طرائق عدة في قراءة حياتهم، طرائق بينها العلم والسياسة.
لكن شأن الشعر مختلف.
إن كان العلم والمسعى السياسي يَعِدان، و يُعِدّان زمنا ما، فإن الشعر راهنُ، مباشر، و فوري.
أعني أن قدرةَ الشعر على القراءةِ و المشاركة والتغيير هي أكثر فاعلية، وأعمق في مجرى العروق.
الشعر مغير.
الشعر مغير في اللحظة الحميمة التي تجمع، بين الراهن والأبدي، في عناق عجيب.
الأداة التي يستعملها، هي الأكثر تداولا، وعادية، ويومية، في حياة الناس. إنها في الأسواق، وعلى شفتي الطفل، قبل أن تكون بين دفتي كتاب. إنها أداة متاحة، بسيطة وديموقراطية. هي اللغة المستعملة.
إذا، من أين تأتّى للشعر أن يأتي بمعجزته؟
أحسب أن ثمّت جذرين غائرين لهذه المعجزة:
أولهما، أن الشعر يعود باللغة إلى بداءتها، أن الكلمة مرهفة كالوتر الحساس.
ومن هنا علاقته.
وثانيهما، أن الشعرَ يقدم الخطوة َالأولى في السلم الذي يحمل البشر إلى السماء.
ومن هنا إغراؤه.
وأقول عن نفسي: ليس لي من حياةٍ فعليةْْْْ، خارج الشعر.
الشعر خبزي اليومي.
وأريد له أن يكونَ خبز الناس جميعا. 

Alkalimah_maroc@yahoo.com