السّاعة الثالثة فجرا، أنفاسي تكاد تنقطع ، دقـّات قلبي تتزايد و ذرات العرق تتسابق على منحنيات وجهي . يا إلهي نفس الكابوس الذي يكاد لا يفارقني منذ أربع سنين ، تلك المرأة لازالت تلاحقني مع ضحكاتها المتعالية ، عقلي سينفجر فقد جافاني النوم و أبى أن يداعب جفوني النّاعسة.
نهضت من سريري و اتجهت إلى الشرفة أنصت إلى سكون العالم لعلي أهرب من ضجيج عقلي المتراكم عبر السّنين وعيوني معانقة السّماء تائهة شاردة أفكر في الحل، أيعقل أن يكون هناك نهاية لعذابي ؟ . بعدما نفضت أفكاري الشائكة على طريق الحي عسى أن تدهسها إحدى السيارات المارّة و أتخلص منها إلى الأبد، وأخيرا بعد مد و جزر قررت بأن أذهب إلى طبيب نفسي ، فربّما أصابني الجنون بدون أن أعي، و هذا وارد فمن يراني الآن لن يرى إلّا نصف كيان ، عود ثقاب يتمايل مع رياح الحياة.
في الصّباح مع بزوغ أول خيط من خيوط الشّمس ، استعديت للذهاب إلى الطبيب النفسي، لعلّه يعرف كيف يلملم روحي التّائهة أو يشفي بعض جروحي.
هممتُ بفتح الباب لكنه لم ينفتح حاولتُ و حاولتُ لكن لا فائدة تذكر، ربّما القدر لا يريدني أن أذهب! آه لقد مللت، النوم جافاني حتى الباب صار غاضبا منّي ، بعد برهة تذكّرت أنّي لم أفتح القفل العلوي يا لغبائي صرت لا أعرف حتّى كيف أفتح الباب.
ذهبت و أنا مثقلة الفكر، بين أناملي ألمٌ و في جوفي أملٌ، أمل في أن تعود تلك السّنين التّي ضاعت مني.
وصلت مرساة نجاتي ، ابتسمت واعترتني مشاعر أوّل مرّة أعلم بوجودها، عبرت الباب ووضعت رجلي على أوّل درجة، فإذا بي أراها أمامي، نفس الضحكات المتعالية أسمع صداها يعلوا و يعلوا ويقترب.
صعدت إلى الأعلى بسرعة غير ملتفّة إلى الوراء، بدأت أطرق بابه بكلّ قوّة وأنا أصرخ:" افتح لي الباب ، افتح... إنّها آتية.... أرجوك افتح..."، فتح الباب و الدّمع في عينيّ وإنّها آتية معانقة شفتي، نظر إليّ و الذهول يعلو محياه ادخلني و هو يسألني: " من الآتية ؟ لا يوجد سواك ..."، قلت له:" تلك المرأة التّي في أحلامي صارت أمامي، أبت أن تتركني لحال سبيلي ، لقد تعبت منها....تعبت من ضحكاتها " ، قال: " منذ متى بدأت بالظهور..؟"، فأجبته منذ أربع سنين ...." فإذا بي أراها أمامي من جديد تضحك و تضحك لا تريد أن تتوقف... فبدأت بالصراخ و الهروب منها في كلّ الاتّجاهات و هو يقول لي :" ماذا هنالك ؟... ما الذّي ترينه ..؟ أجبينني..." فصرخت:
" لقد أتت ، لقد أتت و لا تكف عن الضّحك أسكتها من فضلك أسكتها.... "
أمسكني من ذراعي و نظر إلى عيني و قال لي : " يحب أن تواجهيها حتى تتخلّصي منها"
كانت في منتصف الغرفة، ترتدي فستانا أسودَ طويلا ، ينسدل شعرها التوتي بانسياب على كتفيها. نظرت إليها أوّل مرّة بتمعن وكان فيها منّي الشِّبه ، تقدمت نحوها وبدأت أخنقها و أخنقها و هي لازالت تضحك و تضحك... و أنا أختنق و إذا بأنفاسي تكاد تنقطع فأدركت بأنّي لم أكن أخنق إلّا نفسي ، و أنّ تلك المرأة لم تكن إلا نفسي المريضة التي أتلفت روحي بضحكاتها.