تكتب الكاتبة الجزائرية الشابة باحثة في العالم النفسي للمرأة العربية وما تواجهه في مجتمعات الكبت والقسر والخوف والحصار من مأزق نفسية تجعلها تعيش يومها متوجسة خائفة، وتعيش منامها عرضةً للكوابيس، هنا تحاول الكاتبة شد عزيمتها بالعثور على ذاتها ومعناها.

شِبه

رحيمة كروشي

 

السّاعة الثالثة فجرا، أنفاسي تكاد تنقطع ، دقـّات قلبي تتزايد و ذرات العرق تتسابق على منحنيات وجهي . يا إلهي نفس الكابوس الذي يكاد لا يفارقني منذ أربع سنين ، تلك المرأة لازالت تلاحقني مع ضحكاتها المتعالية ، عقلي سينفجر فقد جافاني النوم و أبى أن يداعب جفوني النّاعسة.

نهضت من سريري و اتجهت إلى الشرفة أنصت إلى سكون العالم لعلي أهرب من ضجيج عقلي المتراكم عبر السّنين وعيوني معانقة السّماء تائهة شاردة أفكر في الحل، أيعقل أن يكون هناك نهاية لعذابي ؟ . بعدما نفضت أفكاري الشائكة على طريق الحي عسى أن تدهسها إحدى السيارات المارّة و أتخلص منها إلى الأبد، وأخيرا بعد مد و جزر قررت بأن أذهب إلى طبيب نفسي ، فربّما أصابني الجنون بدون أن أعي، و هذا وارد فمن يراني الآن لن يرى إلّا نصف كيان ، عود ثقاب يتمايل مع رياح الحياة.

في الصّباح مع بزوغ أول خيط من خيوط الشّمس ، استعديت للذهاب إلى الطبيب النفسي، لعلّه يعرف كيف يلملم روحي التّائهة أو يشفي بعض جروحي.

هممتُ بفتح الباب لكنه لم ينفتح حاولتُ و حاولتُ لكن لا فائدة تذكر، ربّما القدر لا يريدني أن أذهب! آه لقد مللت، النوم جافاني حتى الباب صار غاضبا منّي ، بعد برهة تذكّرت أنّي لم أفتح القفل العلوي يا لغبائي صرت لا أعرف حتّى كيف أفتح الباب.

ذهبت و أنا مثقلة الفكر، بين أناملي ألمٌ و في جوفي أملٌ، أمل في أن تعود تلك السّنين التّي ضاعت مني.

وصلت مرساة نجاتي ، ابتسمت واعترتني مشاعر أوّل مرّة أعلم بوجودها، عبرت الباب ووضعت رجلي على أوّل درجة، فإذا بي أراها أمامي، نفس الضحكات المتعالية أسمع صداها يعلوا و يعلوا ويقترب.

صعدت إلى الأعلى بسرعة غير ملتفّة إلى الوراء، بدأت أطرق بابه بكلّ قوّة وأنا أصرخ:" افتح لي الباب ، افتح... إنّها آتية.... أرجوك افتح..."، فتح الباب و الدّمع في عينيّ وإنّها آتية معانقة شفتي، نظر إليّ و الذهول يعلو محياه ادخلني و هو يسألني: " من الآتية ؟ لا يوجد سواك ..."، قلت له:" تلك المرأة التّي في أحلامي صارت أمامي، أبت أن تتركني لحال سبيلي ، لقد تعبت منها....تعبت من ضحكاتها " ، قال: " منذ متى بدأت بالظهور..؟"، فأجبته منذ أربع سنين ...." فإذا بي أراها أمامي من جديد تضحك و تضحك لا تريد أن تتوقف... فبدأت بالصراخ و الهروب منها في كلّ الاتّجاهات و هو يقول لي :" ماذا هنالك ؟... ما الذّي ترينه ..؟ أجبينني..." فصرخت:

" لقد أتت ، لقد أتت و لا تكف عن الضّحك أسكتها من فضلك أسكتها.... "

أمسكني من ذراعي و نظر إلى عيني و قال لي : " يحب أن تواجهيها حتى تتخلّصي منها"

كانت في منتصف الغرفة، ترتدي فستانا أسودَ طويلا ، ينسدل شعرها التوتي بانسياب على كتفيها. نظرت إليها أوّل مرّة بتمعن وكان فيها منّي الشِّبه ، تقدمت نحوها وبدأت أخنقها و أخنقها و هي لازالت تضحك و تضحك... و أنا أختنق و إذا بأنفاسي تكاد تنقطع فأدركت بأنّي لم أكن أخنق إلّا نفسي ، و أنّ تلك المرأة لم تكن إلا نفسي المريضة التي أتلفت روحي بضحكاتها.