تقرير من المغرب
«العراقية إنعام كجه جي تفوز بجائز البوكر»
توقعت ـ مثل كثيرين ـ أن يفوز صاحب الـ "أسوار" و "جوع" و "دق الطبول" بجائزة البوكر في نسختها العربية، ودون أدنى تحيز لأصدقائنا المصريين، لكن فوز مواطنه الباحث يوسف زيدان أربك كل شيء. على الأقل بالنسبة لي. قبل إعلان النتيجة النهائية، وصلني إميل من صديق، كان يعلم مدى توتري ولهفتي، ومثل هذا القلق نجده لدى جماهير كرة القدم ومتابعي الفضائيات الرياضية. لكن البوكر لا يصاحبها أي صخب في المقاهي أو على الفضائيات، فهذا لا يهم سوى ثلة من المعتوهين أمثالي، ولحسن الحظ لن تكون هناك أية أحداث شغب في الشوارع. صديقي العزيز أرسل إلي، ودون حتى (مساء الخير) رسالة إلكترونية فارغة، اكتفى فيها بكتابة العنوان فقط: "العراقية إنعام كجه جي تفوز بجائز البوكر"! بدا لي الخبر أقرب إلى مزحة سمجة، تعللت بأن ثمة التباس ما، فلذت بالعم جوجل الضليع في البحث، وبعد دقائق، جاءني الخبر اليقين من موقع البي بي سي، أشبه بصفعة على حين غرة! حتى هذه اللحظة، مازلت مصرّا على أن يوسف زيدان أسوأ المتواجدين في اللائحة القصيرة، وأن تصل "عزازيل" إلى الطبعة الرابعة في وقت قياسي ليس دليلا على أنها رواية جيدة، فهناك روايات تافهة كثيرة، حققت أرقاما خيالية في التوزيع، لكن حين تقرأها تحس بالتقزز، وتلعن كاتبها وطابعها وموزعها وناشرها وقارئها... لا سيما وأنه في عالمنا العربي كتاب ونقاد مستعدون لتمجيد أية تفاهة مقابل لقاء فراشي أو علبة مالبورو. المهم أني أرسلت إلى ذلك الصديق رسالة قصيرة (sms) لأصحح له المعلومة، مدججا بانفعال طازج: " يوسف زيدان من فاز... (كلمة يجب أن تحذف حتى لا نجرح مشاعر القراء، رغم أنها ليست بالغة البذاءة)". مساء يوم السبت، كتبت إلى الصديق عزت القمحاوي أسأله عن توقعاته، فكتب إلي: "ادع معي للبساطي"، وكان جوابي:"نتمنى أن يفوز البساطي ـ لأنه قيمة وقامة، (...)، أرجو أن تكون اللجنة نزيهة، وألا يتم التعامل مع الرواية الفائزة، من باب التعاطف مع بلد عربي محتل... ولا تنحاز إلى/ تتعاطف مع القضية الفلسطينية (خيول نصر الله) أو المحنة العراقية (رواية الحفيدة الأمريكية)، فتجامل الكاتب، مثلما هي حال الجوائز التي تنتصر للسياسة، وتنسى الإبداع". حين اتصلت بالأستاذ و الصديق يوسف القعيد، لأبلغه النبأ "السعيد"، بعد أن اعتذرت له عن أي إزعاج محتمل، بسبب فارق التوقيت، سألني إن كنت متأكدا من الخبر، فمثل هذه الأخبار لا تحتمل المزاح.. تماما، مثلما ينتظر المرء هلال العيد في اليوم التاسع والعشرين من رمضان، والمزاح في مثل هذه الأخبار قد تكافأ عليه بلكمة من أعز أصدقائك... أكدت له بأن الخبر نشر في الموقع الرسمي للبي بي سي وبعض الجرائد، ولم يستغرب صاحب "يحدث في مصر الآن"، لأن كل شيء في عالمنا العربي مقلوب، ولم ينس أن ينوه برواية "المترجم الخائن"، كأنما كان ينتظر أن تفوز في حالة إقصاء (جوع) البساطي. لقد سبق أن كتبت عن الرواية، لكن كل الجرائد رفضت نشر تلك الخربشات، ربما اعتقادا منهم أني متحامل على خبير المخطوطات، مع أني لم أهتم بما أثارته من نعرات دينية، لأنها لا تهمني... اكتفيت بالإشارة إلى أن كاتب الرواية لو تأمل شعر الجاهلية فقط لعرف أن اللغة التي كتب بها لا علاقة لها بالقرن الخامس الميلادي، وأنه يكتب كلمة بذور (بزور)، مثلما يفعل الكثير من شبه الأميين من المشارقة، فيجعلون الرذيلة (رزيلة) والباذخ (بازخا)، والرواية ليست فلسفية كما يصفها صاحبها، واستشهدت بروايتي "الطريق" و "السمان والخريف" لنجيب محفوظ، والذي لم يسقط في التباهي بمعارفه. ربما يكون الوحيد الذي انتقد عزازيل زيدان هو الصحافي والروائي إبراهيم فرغلي في مقاله "حمى الرواية"، المنشور في "النهار" اللبنانية في 11 نوفمبر 2008، تحدث فيه عن الدخلاء والمتطفلين على فن الرواية، الذين يستبلدون القراء بما يصفونه بالرواية، مستشهدا ببعض الروايات/ الحالات والأسماء، وخلص إلى أن: ""عزازيل"، نموذج لانتهاز الفن الروائي، من أجل إثارة الجدال، والضجيج الإعلامي، من دون إضافة أي جديد إلى النص الروائي". ترى ما رأيك ـ الآن ـ يا إبراهيم في هذا التتويج ـ الكارثة؟!. أما عن فوز إنعام كجه جي، فهو تصريح/ مهزلة خاص بأحد المواقع، من مصدر مسؤول في جائز ـ عفوا طارت تاء الثأنيث من بين نقرات صاحبنا أمام ذهوله بهذا السبق الصحافي/ السيليكوني ـ ولم يقم بإعادة تحرير الخبر، بعد ظهور النتيجة النهائية، على الأقل يضع ما تبخر من همزات، ويبدو أنه نسي أن مثل هذه الأجواء تكون سرية للغاية. ... مرحى للبلادة!! «عزازيل» ليوسف زيدان: رواية الترهل السردي بامتياز اتهمت الكنيسة يوسف زيدان مؤلف رواية "عزازيل" بالإساءة إلى المسيحية، ومحاولة تدمير العقيدة المسيحية، لأنها "تتعرض لشؤون داخلية"، حسب بيان الكنيسة القبطية. ونتمنى ألا تكون هذه الضجة هي ما جعل دار الشروق ترشحها لجائزة البوكر في نسختها العربية، لكن الرهان على الرواية خاسر، لا سيما وأن الروايات المرشحة للبوكر لكتّاب وازنين، لا يستهان بإبداعاتهم، في حين "عزازيل" (الشيطان) هي التجربة الثانية في الكتابة الروائية للباحث المصري المتخصص في المخطوطات والتراث، والعديد من الأقلام تناولوا الرواية بالكثير من الإطراء المجاني، في حين تهمل نصوص روائية متميزة، وهنا لا يخفى على القارئ اللبيب الدور الخطر للإعلام. الرواية ـ حسب مؤلفها ـ فلسفية، لكنه يتخفى خلف أقنعة الشخوص لإسقاط أفكار عن التوحيد والتثليث، وهي تنحاز إلى النسطوريين أو من تسميهم الكنيسة الهراطقة، (لكن المؤلف لم يكن محايدا، بل ينتصر لدينه ومعتقده، الذي لا يتفق مع ثوابت الإيمان المسيحي)، سردها رتيب سكوني (380 من الحجم المتوسط)، يفتقد عنصر المفاجأة والحبكة، و كذلك تكنيك البناء الفني الروائي.. فأسلوبها إخباري، حيث يكشف السارد ـ أحيانا ـ عن أحداث ستقع بعد فصول، مما يدل على تطفله على عالم الرواية، الذي يعتقد البعض أنها مجرد حكايات، وتغرق في مشاهد الحب والجنس، لدرجة وصفها بالإباحية والابتذال من طرف رجال الكنيسة القبطية، وتسطّح الأفكار، فضلا عن كون ثيمة سقوط الراهب/ المتدين في حبائل امرأة/ غانية/ مستهلكة صارت متجاوزة، وحتى فكرة المخطوط القديم تجووزت في"اسم الوردة" و "شيفرة دافنشي"، وإن كانت "عزازيل" تشترك معهما في التطرق إلى المسكوت عنه في تاريخ الكنيسة، وهدم اليقينيات المتداولة عن المسيح والمسيحية. إنها رواية الترهل السردي بامتياز. لكن ما أتعجب له هو وصف كاتبها لها بأنها رواية فلسفية، ورفضه مقارنتها بـ"شيفرة دافنشي". لكن هل قارن يوسف زيدان روايته بـ" الطريق" أو "السمان والخريف" وغيرهما من الروايات الفلسفية لنجيب محفوظ؟! لو قرأ روايتي محفوظ لوجد أنهما تتأملان الوجود والموت والزمن وأشياء أخرى دون التباهي بالمعارف كيفما كانت، و ربما اعتقد يوسف زيدان أن في حديثه عن موت هيباتيا، (والذي يرمز فيه إلى قتل العقل وصراع المثقف مع السلطة)، واستعراض معلومات عن التوحيد والشيطان، واللاهوت والناسوت.. على لسان شخصياته يمكن أن يجعل روايته فلسفية!. تدور أحداث الرواية ما بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين، واللغة التي كتبت بها لغة هذا العصر، ولا تمت إلى ذلك العصر بصلة، وكمثال بسيط على صدق زعمنا، فليقارن اللغة العربية في العصر الجاهلي من خلال شعر المعلقات لا غير، كما أن الكاتب يكتب (بذورا) حسب النطق العامي: "بزورا"، مثلما يكتب الكثير من المشارقة باذخ:( بازخ)!! ما أغضب الكنيسة أن الرواية فضحت التاريخ القبطي والمعاملة الوحشية للكنيسة لغير النصارى، فمدينة الإسكندرية التي هرب منها الراهب هيبا، مدينة إرهاب ديني، تضطهد الوثنيين، وتطرد اليهود خارج أسوارها، ومنها اندلعت نيران الفتنة لتعم الحرائق العالم.. أوكثافيا، تتحول ـ فجأة ـ من امرأة محبّة لهيبا إلى امرأة تكرهه وتحتقره، وتطرده من بيت سيدها، واصفة إياه بالحقير حين علمت أنه من أتباع الكنيسة. هيبا ـ المشتق اسمه من هيباتيا العالمة الإسكندرية ـ شخصية انهزامية، لم يفعل شيئا سوى الاختباء والفرار المتكرر، عندما وشت أمه المسيحية بأبيه الوثني المتعاطف مع كهان المعبد، وتزوجت أحد أقاربها/ قتلة أبيه المتوحشين، ولم يفعل شيئا حين مدت له هيباتيا يدها، وهي تعذب على أيدي رجال الكنيسة، وقد عرفته وهو بزيّ الراهب. إن الشخصيات السلبية لا تشد القارئ غالبا، وتجعله لا يتابع مسارها باهتمام. هـيباتيا لم تجد من يساندها غير أوكثافيا، فكان مصيرها الموت تحت الأقدام، وحتى صديقه وأستاذه نسطور تخلى عنه هيبا في محنته كالآخرين، وغرق في حب مرتا وسلام الدير السوري، وكأن التجربة الوجدانية الخلاص من الصراع الداخلي بين الراهب والشيطان، ودون أن يشعر ولو لحظة واحدة بأنه وقع في خطية الزنى المحرمة في جميع الأديان، سيتخلى عنها في ما بعد، رافضا الزواج منها مفضلا حياة الرهبنة والبتولية، لتحترف الغناء والرقص في خمارات حلب، وحسب القمص عبد المسيح البسيط، يبدو أن يوسف استمد شخصية مرتا من "فيلم شفيقة القبطية الراقصة الشهيرة قبل الثورة، وراهبة الفيلم الذي يتحفنا به التليفزيون في الأعياد المسيحية، والتي ظهرت في الغالبية العظمى من مشاهد الفيلم كراقصة وغانية لعوب في أحد كباريهات بيروت تسلي المشاهدين برقصاتها وعلاقاتها مع الرجال، والتي لم تصل أبدا إلى مستوى الابتذال والإباحية الجنسية الموجودة في رواية عزازيل!! ثم تابت وتحولت للرهبنة في المشاهد الأخيرة من الفيلم بعد أن عاش المشاهدون حوالي ساعتين يشاهدونها رقصها وفتنتها وغوايتها!! ولكن هذه الرواية على العكس، فالغانية تتوب، والراهب يترك الرهبنة ويذهب إلى حياة الدعارة وراء مرتا في خمارات حلب"!.
توقعت ـ مثل كثيرين ـ أن يفوز صاحب الـ "أسوار" و "جوع" و "دق الطبول" بجائزة البوكر في نسختها العربية، ودون أدنى تحيز لأصدقائنا المصريين، لكن فوز مواطنه الباحث يوسف زيدان أربك كل شيء. على الأقل بالنسبة لي. قبل إعلان النتيجة النهائية، وصلني إميل من صديق، كان يعلم مدى توتري ولهفتي، ومثل هذا القلق نجده لدى جماهير كرة القدم ومتابعي الفضائيات الرياضية. لكن البوكر لا يصاحبها أي صخب في المقاهي أو على الفضائيات، فهذا لا يهم سوى ثلة من المعتوهين أمثالي، ولحسن الحظ لن تكون هناك أية أحداث شغب في الشوارع.
صديقي العزيز أرسل إلي، ودون حتى (مساء الخير) رسالة إلكترونية فارغة، اكتفى فيها بكتابة العنوان فقط: "العراقية إنعام كجه جي تفوز بجائز البوكر"! بدا لي الخبر أقرب إلى مزحة سمجة، تعللت بأن ثمة التباس ما، فلذت بالعم جوجل الضليع في البحث، وبعد دقائق، جاءني الخبر اليقين من موقع البي بي سي، أشبه بصفعة على حين غرة! حتى هذه اللحظة، مازلت مصرّا على أن يوسف زيدان أسوأ المتواجدين في اللائحة القصيرة، وأن تصل "عزازيل" إلى الطبعة الرابعة في وقت قياسي ليس دليلا على أنها رواية جيدة، فهناك روايات تافهة كثيرة، حققت أرقاما خيالية في التوزيع، لكن حين تقرأها تحس بالتقزز، وتلعن كاتبها وطابعها وموزعها وناشرها وقارئها... لا سيما وأنه في عالمنا العربي كتاب ونقاد مستعدون لتمجيد أية تفاهة مقابل لقاء فراشي أو علبة مالبورو.
المهم أني أرسلت إلى ذلك الصديق رسالة قصيرة (sms) لأصحح له المعلومة، مدججا بانفعال طازج: " يوسف زيدان من فاز... (كلمة يجب أن تحذف حتى لا نجرح مشاعر القراء، رغم أنها ليست بالغة البذاءة)".
مساء يوم السبت، كتبت إلى الصديق عزت القمحاوي أسأله عن توقعاته، فكتب إلي: "ادع معي للبساطي"، وكان جوابي:"نتمنى أن يفوز البساطي ـ لأنه قيمة وقامة، (...)، أرجو أن تكون اللجنة نزيهة، وألا يتم التعامل مع الرواية الفائزة، من باب التعاطف مع بلد عربي محتل... ولا تنحاز إلى/ تتعاطف مع القضية الفلسطينية (خيول نصر الله) أو المحنة العراقية (رواية الحفيدة الأمريكية)، فتجامل الكاتب، مثلما هي حال الجوائز التي تنتصر للسياسة، وتنسى الإبداع".
حين اتصلت بالأستاذ و الصديق يوسف القعيد، لأبلغه النبأ "السعيد"، بعد أن اعتذرت له عن أي إزعاج محتمل، بسبب فارق التوقيت، سألني إن كنت متأكدا من الخبر، فمثل هذه الأخبار لا تحتمل المزاح.. تماما، مثلما ينتظر المرء هلال العيد في اليوم التاسع والعشرين من رمضان، والمزاح في مثل هذه الأخبار قد تكافأ عليه بلكمة من أعز أصدقائك... أكدت له بأن الخبر نشر في الموقع الرسمي للبي بي سي وبعض الجرائد، ولم يستغرب صاحب "يحدث في مصر الآن"، لأن كل شيء في عالمنا العربي مقلوب، ولم ينس أن ينوه برواية "المترجم الخائن"، كأنما كان ينتظر أن تفوز في حالة إقصاء (جوع) البساطي.
لقد سبق أن كتبت عن الرواية، لكن كل الجرائد رفضت نشر تلك الخربشات، ربما اعتقادا منهم أني متحامل على خبير المخطوطات، مع أني لم أهتم بما أثارته من نعرات دينية، لأنها لا تهمني... اكتفيت بالإشارة إلى أن كاتب الرواية لو تأمل شعر الجاهلية فقط لعرف أن اللغة التي كتب بها لا علاقة لها بالقرن الخامس الميلادي، وأنه يكتب كلمة بذور (بزور)، مثلما يفعل الكثير من شبه الأميين من المشارقة، فيجعلون الرذيلة (رزيلة) والباذخ (بازخا)، والرواية ليست فلسفية كما يصفها صاحبها، واستشهدت بروايتي "الطريق" و "السمان والخريف" لنجيب محفوظ، والذي لم يسقط في التباهي بمعارفه. ربما يكون الوحيد الذي انتقد عزازيل زيدان هو الصحافي والروائي إبراهيم فرغلي في مقاله "حمى الرواية"، المنشور في "النهار" اللبنانية في 11 نوفمبر 2008، تحدث فيه عن الدخلاء والمتطفلين على فن الرواية، الذين يستبلدون القراء بما يصفونه بالرواية، مستشهدا ببعض الروايات/ الحالات والأسماء، وخلص إلى أن: ""عزازيل"، نموذج لانتهاز الفن الروائي، من أجل إثارة الجدال، والضجيج الإعلامي، من دون إضافة أي جديد إلى النص الروائي". ترى ما رأيك ـ الآن ـ يا إبراهيم في هذا التتويج ـ الكارثة؟!.
أما عن فوز إنعام كجه جي، فهو تصريح/ مهزلة خاص بأحد المواقع، من مصدر مسؤول في جائز ـ عفوا طارت تاء الثأنيث من بين نقرات صاحبنا أمام ذهوله بهذا السبق الصحافي/ السيليكوني ـ ولم يقم بإعادة تحرير الخبر، بعد ظهور النتيجة النهائية، على الأقل يضع ما تبخر من همزات، ويبدو أنه نسي أن مثل هذه الأجواء تكون سرية للغاية.
... مرحى للبلادة!!
«عزازيل» ليوسف زيدان: رواية الترهل السردي بامتياز اتهمت الكنيسة يوسف زيدان مؤلف رواية "عزازيل" بالإساءة إلى المسيحية، ومحاولة تدمير العقيدة المسيحية، لأنها "تتعرض لشؤون داخلية"، حسب بيان الكنيسة القبطية. ونتمنى ألا تكون هذه الضجة هي ما جعل دار الشروق ترشحها لجائزة البوكر في نسختها العربية، لكن الرهان على الرواية خاسر، لا سيما وأن الروايات المرشحة للبوكر لكتّاب وازنين، لا يستهان بإبداعاتهم، في حين "عزازيل" (الشيطان) هي التجربة الثانية في الكتابة الروائية للباحث المصري المتخصص في المخطوطات والتراث، والعديد من الأقلام تناولوا الرواية بالكثير من الإطراء المجاني، في حين تهمل نصوص روائية متميزة، وهنا لا يخفى على القارئ اللبيب الدور الخطر للإعلام.
الرواية ـ حسب مؤلفها ـ فلسفية، لكنه يتخفى خلف أقنعة الشخوص لإسقاط أفكار عن التوحيد والتثليث، وهي تنحاز إلى النسطوريين أو من تسميهم الكنيسة الهراطقة، (لكن المؤلف لم يكن محايدا، بل ينتصر لدينه ومعتقده، الذي لا يتفق مع ثوابت الإيمان المسيحي)، سردها رتيب سكوني (380 من الحجم المتوسط)، يفتقد عنصر المفاجأة والحبكة، و كذلك تكنيك البناء الفني الروائي.. فأسلوبها إخباري، حيث يكشف السارد ـ أحيانا ـ عن أحداث ستقع بعد فصول، مما يدل على تطفله على عالم الرواية، الذي يعتقد البعض أنها مجرد حكايات، وتغرق في مشاهد الحب والجنس، لدرجة وصفها بالإباحية والابتذال من طرف رجال الكنيسة القبطية، وتسطّح الأفكار، فضلا عن كون ثيمة سقوط الراهب/ المتدين في حبائل امرأة/ غانية/ مستهلكة صارت متجاوزة، وحتى فكرة المخطوط القديم تجووزت في"اسم الوردة" و "شيفرة دافنشي"، وإن كانت "عزازيل" تشترك معهما في التطرق إلى المسكوت عنه في تاريخ الكنيسة، وهدم اليقينيات المتداولة عن المسيح والمسيحية.
إنها رواية الترهل السردي بامتياز.
لكن ما أتعجب له هو وصف كاتبها لها بأنها رواية فلسفية، ورفضه مقارنتها بـ"شيفرة دافنشي". لكن هل قارن يوسف زيدان روايته بـ" الطريق" أو "السمان والخريف" وغيرهما من الروايات الفلسفية لنجيب محفوظ؟! لو قرأ روايتي محفوظ لوجد أنهما تتأملان الوجود والموت والزمن وأشياء أخرى دون التباهي بالمعارف كيفما كانت، و ربما اعتقد يوسف زيدان أن في حديثه عن موت هيباتيا، (والذي يرمز فيه إلى قتل العقل وصراع المثقف مع السلطة)، واستعراض معلومات عن التوحيد والشيطان، واللاهوت والناسوت.. على لسان شخصياته يمكن أن يجعل روايته فلسفية!.
تدور أحداث الرواية ما بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين، واللغة التي كتبت بها لغة هذا العصر، ولا تمت إلى ذلك العصر بصلة، وكمثال بسيط على صدق زعمنا، فليقارن اللغة العربية في العصر الجاهلي من خلال شعر المعلقات لا غير، كما أن الكاتب يكتب (بذورا) حسب النطق العامي: "بزورا"، مثلما يكتب الكثير من المشارقة باذخ:( بازخ)!!
ما أغضب الكنيسة أن الرواية فضحت التاريخ القبطي والمعاملة الوحشية للكنيسة لغير النصارى، فمدينة الإسكندرية التي هرب منها الراهب هيبا، مدينة إرهاب ديني، تضطهد الوثنيين، وتطرد اليهود خارج أسوارها، ومنها اندلعت نيران الفتنة لتعم الحرائق العالم.. أوكثافيا، تتحول ـ فجأة ـ من امرأة محبّة لهيبا إلى امرأة تكرهه وتحتقره، وتطرده من بيت سيدها، واصفة إياه بالحقير حين علمت أنه من أتباع الكنيسة.
هيبا ـ المشتق اسمه من هيباتيا العالمة الإسكندرية ـ شخصية انهزامية، لم يفعل شيئا سوى الاختباء والفرار المتكرر، عندما وشت أمه المسيحية بأبيه الوثني المتعاطف مع كهان المعبد، وتزوجت أحد أقاربها/ قتلة أبيه المتوحشين، ولم يفعل شيئا حين مدت له هيباتيا يدها، وهي تعذب على أيدي رجال الكنيسة، وقد عرفته وهو بزيّ الراهب. إن الشخصيات السلبية لا تشد القارئ غالبا، وتجعله لا يتابع مسارها باهتمام. هـيباتيا لم تجد من يساندها غير أوكثافيا، فكان مصيرها الموت تحت الأقدام، وحتى صديقه وأستاذه نسطور تخلى عنه هيبا في محنته كالآخرين، وغرق في حب مرتا وسلام الدير السوري، وكأن التجربة الوجدانية الخلاص من الصراع الداخلي بين الراهب والشيطان، ودون أن يشعر ولو لحظة واحدة بأنه وقع في خطية الزنى المحرمة في جميع الأديان، سيتخلى عنها في ما بعد، رافضا الزواج منها مفضلا حياة الرهبنة والبتولية، لتحترف الغناء والرقص في خمارات حلب، وحسب القمص عبد المسيح البسيط، يبدو أن يوسف استمد شخصية مرتا من "فيلم شفيقة القبطية الراقصة الشهيرة قبل الثورة، وراهبة الفيلم الذي يتحفنا به التليفزيون في الأعياد المسيحية، والتي ظهرت في الغالبية العظمى من مشاهد الفيلم كراقصة وغانية لعوب في أحد كباريهات بيروت تسلي المشاهدين برقصاتها وعلاقاتها مع الرجال، والتي لم تصل أبدا إلى مستوى الابتذال والإباحية الجنسية الموجودة في رواية عزازيل!! ثم تابت وتحولت للرهبنة في المشاهد الأخيرة من الفيلم بعد أن عاش المشاهدون حوالي ساعتين يشاهدونها رقصها وفتنتها وغوايتها!! ولكن هذه الرواية على العكس، فالغانية تتوب، والراهب يترك الرهبنة ويذهب إلى حياة الدعارة وراء مرتا في خمارات حلب"!.