يؤكد الكاتب العراقي هنا على تجذر الروح الوطنية والعروبية في الشعب العراقي بكل مكوناته، ويربط بين انتفاضة الشعب العراقي في تشرين عام 1956 مناصرة لمصر إبان العدوان الثلاثي عليها، وانتفاضته الراهنة التي ستعصف بآثار الاحتلال الأمريكي والمحاصصات الطائفية والفساد، كي ينهض العراق من جديدا عربيا وشامخا.

توجه العراق الوطني والعروبي

وانتفاضتا تشرين 1956/2019

رمـيـز نظـمي

 

تقديم
تقترن العروبة الحقة بمضمون حضاري تقدمي وإنساني جامع، وليس بأي مفهوم استعلائي عنصري ضيق، .. ولا تقتصر الحضارة العربية على حضارة العرب، إنها بوتقة ساهم في صيرورتها جمع شامل من الأقوام المتآخية: عرب وفرس وأكراد وأمازيغ وغيرهم ... ومما لا شك فيه أن الإسلام الحنيف، بلغته العربية، هو الوعاء السؤددي الذي احتضن هذا الإبداع الحضاري، والذى أنار وميضه الكثير من أرجاء العالم على مدى قرون عدة، بينما كان الآخرون يعيشون في ظلام دامس، فلا ريب أن رسالة الإسلام السامية، التى انبثقت من شبه الجزيرة العربية، بلسان عربي، ساهمت بشكل أساسي بانبعاث حضارة ليس لها مثيل من قبل، حضارة سطعت من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً.

لمنع سموه من جديد ولاستمرار استغلاله، استهدفت وتستهدف القوى الاستعمارية الوطن العربي بهجوم مبرمج ودائم، يضمن هوانه وذلك بشرذمته واستنزاف طاقاته بفتن لعينة، وحروب مهلكة، وما زرع كيان عدواني مسرطن في قلب الوطن إلا جزء أساسي من هذا المخطط الخبيث ... ومن نوافل القول أن الوطن العربي يملك كل مقومات الازدهار والرفعة: موقع استراتيجي تلتقى حوله قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، وموارد طبيعية جمة، وثروة بشرية قادرة، وحضارة مشتركة عريقة .. لو استثمرت وتوحدت هذه القدرات لسحقت كل قوى الشر، ودمرت أطماعها الوغدة ومهدت الطريق لقيام أمة شامخة معززة.

عراق المجد والخير، لكونه يمثل الحصن المنيع لجبهة الوطن العربي الشرقية، أصبح تدميره هدفاً أصيلاً لقوى الشر الاستعمارية، فعملت على زجه في حروب عبثية مهلكة، وأخضعته لحصار قاتل، ولغزو غاشم، واحتلال ظالم؛ لتحويله إلى بلد فاشل وممزق ومستسلم ... لم تكتف واشنطن وتل أبيب، ومن تواطأ معهما، في سعيهم إلى إذلال الشعب العراقي الأبي، بل عملوا أيضاً على بتر انتمائه إلى أمته العربية، ولم يقر الاحتلال بوجود شعب عراقي بل بأقوام متنافرة: شيعة وأكراد وعرب سنة، وامتنع بخبث عن وصف الشيعة بأنهم عرب، وأسس لحكم العراق نظاما طائفيا تابعا محاصصيا، يعشعش فيه الفساد والبغي. نظام هبط بالعراق إلى الحضيض.

انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019
لكن رغم كل الظلم والبغي والقهر، الذي كان من الممكن أن يكسر أي قطر آخر، صمد شعب العراق صموداً مبجلاً، واستطاع بعزيمة أبنائه دحر خطط الأعداء لنشر الفتن والأحقاد واليأس بين صفوفه. وعندما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، هب شباب العراق في انتفاضة وحدوية ضد الفساد والتبعية والتعسف، وضد كل ما جلبه وخلفه الاحتلال من جور وطائفية ... نهض مئات الألوف من الشباب العزل في ملحمة عز وشهامة، حناجرهم تهدر : "لا سنة ولا شيعة، هذا العراق ما نبيعه"، ورغم سقوط آلاف الضحايا من شهيد وجريح، إلا أن لهيب انتفاضة المجد والكرامة دام متوقداً يغمر نوره القطر الجريح على مداه، ولسان حال ثوارها يردد: "فإمّا حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدى."

اندلعت الانتفاضة في بغداد، وانتشرت كالنار في الهشيم في الفرات الأوسط وبقية المحافظات الجنوبية، ودعمها كل الأبرار من زاخو الشماء إلى أم قصر المعطاء ... ومن عظيم الشأن أن غالبية سكان هذه المناطق هم من العرب الشيعة الذين بذل الاحتلال، وأذنابه، أقصى جهدهم من أجل تجريدهم من عروبتهم، وإفناء وطنيتهم باستغلال ماكر لانتمائهم المذهبي، ولكن هيهات، فقد جرت رياح الوطن بما لا تشتهي سفن الغدر، ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، وخاصة أن الأمر يخص شعباً له إرث تليد في انتمائه العروبي.

لا يحتاج عرب العراق الشيعة لأي قرائن تثبت انتماءهم الصميم إلى أمتهم العربية، فأصالة عروبتهم متجذرة في قيمهم وتقاليدهم ونخوتهم. وتاريخهم يبين دعمهم الجارف لحركات التحرر التي نشبت خلال النصف الأول من القرن الماضي ضد الاستعمار الغربي وأعوانه، في أي جزء من الوطن العربي: ليبيا، والمغرب، وسوريا، وفلسطين، والجزائر. وامتد دعمهم إلى أهالي الأحواز (عربستان)، فعندما احتل رضا خان بهلوي الإقليم واعتقل أميرها الشيخ خزعل الكعبي في سنة 1925، ساندت النجف الأحوازيين العرب ضد الحكومة الإيرانية. وتشكلت جمعية برئاسة هادي كاشف الغطاء لهذا الغرض. أدى نهج العراقيين الشيعة الوحدوي كذلك إلى تبنيهم عموماً أهداف الثورة العربية بقيادة أمير الحجاز، الشريف حسين، ولولا تأييدهم لما تولى ولده فيصل عرش العراق عام 1921.

ويجدر القول إن التمايز السياسي الطائفي هو ظاهرة جديدة نسبياُ استحدثتها القوى الظلامية والاستكبارية والشعوبية كجزء من سعيهم الخبيث لتشتيت العراق على أسس مذهبية واثنية. جميع الأحزاب السياسية، العلنية والسرية، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، كانت أحزاباً شاملة ذات قيادات وقواعد عابرة للطوائف. أهم تلك الأحزاب العلنية كانا حزبي الوطني الديموقراطي والاستقلال، أما السرية فكان الحزب الشيوعي العراقي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب. الأهداف السياسية وأساليب تحقيقها كانت تمثل التباين الوحيد بين هذه الأحزاب. مؤسسو وقادة وأعضاء هذه الأحزاب أتوا من أغلب أطياف الشعب العراقي، إلا أنهم كانوا يمثلون تيارات سياسية ذات تطلعات وطنية لا تمت للطائفية بأي صلة.

انتفاضة تشرين الأول / أكتوبر 1956
في مسيرة العراق النضالية من أجل قضايا أمته العربية، كان للشعب العراقي موقف تاريخي عام 1956 عند انتصاره لمصر عبد الناصر عند تعرضها للعدوان الثلاثي الغاشم: االبريطاني/ الفرنسي/ الصهيوني. موقف تجسدت فيه شهامة وبسالة العروبة بأسمى معانيها، موقف احتل فيه العراقيون الشيعة موقعاً مركزياً.

منذ مجئ جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر بعد ثورة 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي الفاسد، اتبع سياسة تحررية عروبية عابرة للطوائف، ومناهضة للقوى الاستعمارية وأنظمتها التابعة. وقد تجلت سياساته هذه في دعمه للحركات الاستقلالية المعادية للهيمنة الاستعمارية وأحلافها العسكرية، كحلف بغداد الذي أسسته بريطانيا سنة 1955 وضم العراق وإيران وباكستان وتركيا، جميعها دول كانت أنظمتها آنذاك مؤيدة للسياسات الغربية الداعمة للكيان الصهيوني الغاصب، والمناهضة لتطلعات الشعوب في التحرر والازدهار.

هدف عبد الناصر الرئيسي كان تنمية مصر وتحريرها من القيود الغربية التي كانت تلجم نهضتها. بناء السد العالي كان مشروعاً محورياً لهذا الهدف، لما سيوفره السد من فوائد جمة للاقتصاد المصري، من أهمها زيادة كبيرة في الأراضي الزراعية، والطاقة الكهربائية، ومنع الفياضانات، وتوفير المياه أثناء فترات الجفاف، وغيرها من المنافع المهمة. غير أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، منعت البنك الدولي من إقراض مصر لإنشاء هذا السد الاستراتيجي. وأدرك عبد الناصر، ومن ورائه جماهير الأُمة، أن سبب هذا المنع التعسفي إنما هو لإذلال مصر، وترويض قياداتها، وردعها عن اتباع سياسات تحررية تتصدى فيها للأطماع الغربية. رفض عبد الناصر بكل إباء هذا الحكم المجحف الذي اعتبره إهانة لكرامة مصر، وعزم على مواجهة التحدي برد الصاع صاعين.

في ليلة الجمعة المباركة 26 تموز/ يوليو1956، في خطاب جماهيري في مدينة الإسكندرية، أعلن قراره التاريخي المقدام بتأميم قناة السويس، وفرض كامل السيطرة المصرية عليها. قرار أهاج الغرب ضد عبد الناصر؛ إذ كانت القناة بالنسبة لهم بمثابة شريان حياتهم؛ لأن ثلثي النفط الذي كانت تستورده أوروبا يمر عبر قناة السويس .. كانت القناة مملوكة لبريطانيا وفرنسا رغم أنها حُفرت بالأراضي المصرية بسواعد مئات الاُلوف من العمال المصريين، قضى منهم 120,000 كادح لظروف العمل التعسة والمعاملة السيئة.

ألهب قرار التأميم موجة عارمة من التأييد والحماس المنقطع النظير على امتداد الأُمة العربية، واعتبرته الجماهير مؤشراً على انقضاء عهود الذل والتبعية، الأمر الذي أثار حفيظة القوى الاستعمارية فبدأت بالتآمر لحياكة خطط خبيثة للإطاحة بعبد الناصر ونظامه الثوري. وفعلاً اتفقت بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني على الاعتداء على مصر وغزوها. بدأ الغزو الصهيوني للأراضي المصرية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956 وتبعه بيومين الهجوم البريطاني/ الفرنسي. وما إن شُن العدوان الثلاثي حتى هب العراق في مظاهرات عارمة، ليس فقط انتصاراً لعبد الناصر، واستنكاراً للغزو الآثم، بل أيضاً تنديداً بحكومة نوري السعيد لتواطئها مع دول العدوان الغاشم. اندلعت المظاهرات من الموصل شمالاً إلى البصرة جنوباً، بما في ذلك المناطق الكردية. وفي حينها بعث مصطفى البرازاني من منفاه في الاتحاد السوفيتي ببرقية تأييد إلى عبد الناصر أبدى فيها استعداده للتطوع دفاعاً عن مصر.

مظاهرات النجف الأشرف ومدينة الحي
لعل من أكبر المظاهرات أهمية خارج العاصمة بغداد هي تلك التي اندلعت في النجف الأشرف، وفي مدينة الحي في محافظة واسط/ الكوت. حالماً بدأ العدوان على مصر حتى انتفضت النجف عن بكرة أبيها في مظاهرات توحد فيها رجال الدين والقوميون والشيوعيون والمستقلون. واشترك فيها الشيوخ والشباب، والرجال والنساء، وساهم فيها جميع أصحاب المهن والكسبة وطلاب المدارس والحوزة العلمية. وكان للمراجع الدينية دور مميز في مساندتها، من أمثال محسن الحكيم وعبد الكريم الجزائري وحسين الحمامي وعلي محمد رضا كاشف الغطاء. ولقمع هذه المظاهرات العارمة، التي التحقت بها جماهير من الكوفة وكربلاء والديوانية والحلة، اقترفت شرطة النظام الحاكم مجازر، أدت الى مقتل وإصابة العشرات، ومن ضمن الذين إستشهدوا: أحمد علي الدجيلي وعبد الأمير ناصر الصايغ ورؤوف صادق الدجيلي وأموري علي الفخراني وعبد الحسين محمد جواد الشيخ راضي حفيد المرجع حسين الحمامي. ورداً علي هذه الإجراءات الإجرامية، أضربت النجف إضراباً عاماً. اُغلقت المدينة تماماً، وامتنع خلاله رجال الدين عن أداء فريضة الصلاة الجماعي في الصحن الحيدري.

أما مدينة الحي، فهي كذلك شهدت انتفاضة شعبية هائلة تضامناً مع أشقائهم في العروبة الذين كانوا يخوضون معارك العزة والكرامة في مصر ضد الغزاة. أدت هذه الانتفاضة إلى مجابهات دامية مع شرطة النظام، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من أهالي المدينة، من ضمنهم الشهيدان كاظم الخويلدي الصايغ، وحميد فرحان الهنون، والشهيدة زكية إشويليه. ورغم القمع الشديد تمكن المتظاهرون من السيطرة شبه الكاملة على مدينتهم التي أضربت احتجاجاً على ممارسات السلطات الحكومية اللإنسانية. إلا أن قوات الشرطة، بعد أن دُعِمت بقوات إضافية، شنت هجوماً معاكساً استباحت فيه المدينة الباسلة، وتم إعتقال مئات المواطنين من جملتهم قيادي الانتفاضة عطا مهدي الدباس وعلي الشيخ حمود، وكلاهما يساريان، واُحيل هذان البطلان إلى محكمة عسكرية حكمت عليهما بالإعدام. وفعلاً تم تنفيذ هذا الحكم الجائر حيث شنقا علناً في 10 كانون الثاني/ يناير 1957 في وسط مدينتهم

وضع عنق الشهيد عطا في حبل المشنقة، وكان مفارقاً للحياة من شدة التعذيب، أما الشهيد علي الشيخ حمود فقد طلب من زوجته الحامل أن تطلق اسم رفيقه عطا على مولودها، وهتف بكل رجولة وشموخ "عاش شعبنا، عاشت العروبة" قبل أن يلفظ آخر أنفاسه الزكية. كما قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً".

لم تقتصر انتفاضة 1956 على المظاهرات والإضرابات وإصدار الفتاوي، بل شملت أيضاً حملات التطوع وجمع التبرعات وتنظيم وإلقاء القصائد. من جملة هذه القصائد ما كتبه محمد علي اليعقوبي:

"كفي مصر فخراً يا (جمال) وعزة، بأنك قد ألبستها العز والفخرا،

تقدم إلى العليا فخلفك أمة، تشاطرك السراء في الحرب والضرا،

وليس الفتى من يذخر المال إنما، فتى القوم من أمسى له شعبه ذخرا..

وكتب محمد جواد فضل الله:

إيه (جمال) الفاتحين وحسبنا، أن تجتلي في فجرك الأنوار،

يا باعثاً روح النضال صواعقاً، فيها تصدع للطغاة ديارا،

وأريت فيها للعروبة موطناً، تجني ثمار نبوغه الأدوار".

وكتب محمد صالح بحر العلوم :

"لبيك يا مصر فالدنيا بأجمعها، للسير في ركبك الجبار تبتدر،

هذي الشعوب وحب السلم رائدها، بشعبك العربي الحر تفتخر".

إن انتفاضة 1956 تمثل حلقة من سلسلة نضال الشعب العراقي ضد سياسات العهد الملكي، المتمثّلة بتوجهات نوري السعيد ومؤازريه، المؤيدة لمصالح الدول الاستعمارية على حساب تطلعات الشعب العراقي في التحرر من أي تبعية أجنبية، وكذلك في التنمية والعدالة الإجتماعية والتضامن العربي ومجابهة الخطر الصهيوني. كان للنجف الأشرف دور رائد في هذا النضال وقدمت نموذجاً رائعاً لالتحام الإيمان الديني النير بالتوجه التحرري والعروبي. إن امتزاج كل فئات الشعب العراقي الوطنية في هذه الانتفاضة، سرعان ما أدى في عام 1957 إلى تأسيس جبهة الاتحاد الوطني التي شاركت تنظيم الضباط الأحرار في الإطاحة بالنظام الملكي في تموز/ يوليو 1958، نظام كان يعتبره الاستعمار الغربي من أهم ركائزه في الشرق الأوسط.

الدروس والعبر
أهم الدروس المستخلصة من انتفاضتي تشرين/ أكتوبر 1956 و2019 هو أن الشعب العراقي بوحدته وبسالته ووعيه يستطيع مجابهة أصعب التحديات. وعيه جعله يدرك أنه بدون تطبيق مبدأ "اتحد تنتصر" لا يمكن دحر أسلوب "فرق تسد" الذي يتبعه الأعداء. الدرس الثاني هو أن الشعب العراقي يرفض بلا هوادة أي تبعية أو هيمنة أجنبية، ولا يسمح لمساومته على وطنيته وعزة نفسه، انتماؤه الوطني يسمو فوق أي انتساب آخر. واشنطن باحتلالها العراق، بتواطؤ الكثيرين، تآمرت على تمزيق شعبه بإيقاد نعرات طائفية واثنية، مؤامرة استغلت نتائجها بعض أنظمة دول الجوار، على رأسها نظام " دولة الفقيه". على رغم إتباع طهران المعلن للمنهج الحسيني المجاهد ضد الظلم والفساد، إلا أنها اختارت، حمايةً لمصالحها، أن تدعم وتحمي زمراً حاكمة في العراق ينطبق عليها وصف الحسين (عليه السلام) : "هؤلاء قوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتَرَكُوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفىء"، طغمة من المتسلطين والمتنفذين والطفيليين فاسدة حتى النخاع. قال الإمام علي (عليه السلام): "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به وإثم الرضى به". سرعان ما إن تتعظ طهران بهذا القول، وتصحح بوصلتها باتجاه التحالف البار الوحدوى العابر للطوائف مع الأحرار والشرفاء، سرعان ما تستعيد عفتها. الدرس الثالث هو استحالة اجتثاث الانتماء العروبي الصلد والمتجذر لعرب العراق. إن نضالهم من أجل بناء عراق مزدهر متحرر ومعزز هو جزء من كفاح أبرار الأمة العربية والإسلامية ضد التعسف والتبعية والفتن والتخلف والاستغلال والتشرذم والكيد الاستعماري والإجرام الصهيوني.

كاتب هذه السطور لا يزال يراوده حلمه بقراءة كتاب عنوانه "تاريخ بغداد 762-2062" يتم نشره في المستقبل، تنص مقدمته: "هذه قصة بغداد، إحدى أعظم عواصم الدنيا، تاريخها يجسد أسطورة طائر العنقاء، الطير الذي ينبعث من الرماد. تعاقب على احتلال بغداد ثلاثة أمواج من البرابرة الوحوش، عام 1258 بقيادة هولاكو، وعام 1393 بقيادة تيمورلنك، وعام 2003 بقيادة بوش وبلير، ومع ذلك عادت بعد كل دمار شامخة ممشوقة الطول، والفضل يعود إلى شكيمتها، وروح المجد التي لا تكل ولا تمل لدى أبنائها وبناتها". إن الأحلام الجيدة غالباً ما تتحقق.