الملخص
تناول هذا البحث: (البعد الحضاري في رسوم جماعة بغداد للفن الحديث)، في محاولة لتقديم قراءة حضارية لما أنتج من أعمال الرسم العراقي الحديث، من مرحلة الخمسينيات (جماعة بغداد للفن الحديث) التي تتلخص بكونها معرفية، تصب في إطار الرسم العراقي الحديث، من خلال مرجعياته التاريخية التي استند إليها عبر الحلقات الحضارية، أو الحقب الزمنية، وصولاً إلى سنوات الخمسينيات من عمر الحركة التشكيلية العراقية الحديثة، التي كانت معبرة وفارزة لصيغ من العمل الجماعي على تدعيم ما رسمته من خُطى راسخة نحو ما يحقق حضورها، مع ما ارتكزت عليه من عمق تاريخي–حضاري أصيل، فمن من شأنها أن تظهر توجهات تلك الحركة في وضع الخطوط المعرفية الواضحة لفهم آليات اشتغال تلك الأبعاد الحضارية، وبيان ماهية منظومة العلاقات التي تنظمها، وهي في الوقت نفسه، تؤشر بداية لتلك التحولات الفكرية في النتاج الفني، باتجاهات كثيرة ما تميل الى الحداثة، تبعاً لحركة المجتمع، وتأثيراته من جيل إلى جيل، فقد احتوى البحث على أربعة فصول: احتوى الفصل الأول الإطار المنهجي للبحث بدءاً بمشكلة البحث التي تتمحور حول مفهوم الحضارة وما مدى انعكاس الأبعاد الحضارية والفكرية والجمالية لأعمال الفن في العراق القديم على المنجز الفني في العراق الحديث لمرحلة الخمسينيات من الرسامين، كما احتوى على هدف البحث، وهو (تعرف البعد الحضاري لرسوم جماعة بغداد للفن الحديث). واقتصرت حدود البحث على دراسة (الأبعاد الحضارية في رسوم جماعة بغداد للفن الحديث).
فيما مثل الفصل الثاني الإطار النظري واحتوى على ثلاثة مباحث، تمركز الاهتمام في المبحث الأول حول مفهوم البعد الحضاري ومكوناته عبر الحضارات المختلفة (الرافدينية والإسلامية، الأوربية) محاولة لتعقب المرجعيات الفكرية (الثقافية) والمادية في ضوء المعرفة المعاصرة ومعرفة ماهيته، وانطوى المبحث الثاني على كيفية استلهام الفنان العراقي منجزه الفني والجمالي من مصادر إبداعية استقاها باتجاهات تميل إلى قيم المورث الحضاري في أحضان الروح الجماعية وتناول المراحل التأسيسية لـ(جماعة بغداد للفن الحديث). مع محاولة تقصي معطيات الفنان العراقي الفكرية والتطبيقية على السواء وبنظرة تحليلية نقدية، وصولا إلى تأسيس منطلقات الى نظرية أفادت منها الباحثة للكشف عن العلاقة بينها وبين طبيعة المنجز التشكيلي، وصولاً إلى مؤشرات البحث، والعمل في ضوئها عند تحليل العينات ومناقشة النتائج والانتهاء إلى طائفة من الاستنتاجات.
في حين تضمن الفصل الثالث إجراءات البحث من ناحية حصر مجتمع البحث واعتماد عينات منه منتخبة بطريقة قصدية على ضوء خبرة الخبراء بهدف التحقق من صلاحيتها وحصرها بحسب طبيعة الموضوع وهدف البحث فكانت أعدادها (35) لوحة وتم تحديد (5) لوحات غطت حدود البحث باعتماد المنهج الوصفي التحليلي لغرض تحليلها. وشمل الفصل الرابع النتائج والاستنتاجات التي تمخض عنها البحث في ضوء هدف البحث وصلتها بمعطيات ومؤشرات الإطار النظري.
وقد توصلت الباحثة الى عدد من النتائج الاستنتاجات ومن أهمها:
1- ان رسومات (جماعة بغداد للفن الحديث) قائمة على مرجعيات حضارية، سواء كانت ذات وجهة (رافدينية، إسلامية، أوروبية) تسير عناصرها البصرية بما يتلاءم والموضوع الذي كان قاسماً مشتركاً له وتباين مقارباته المفاهيمية والبنائية، مع وجود اختلافات في الصياغات الأسلوبية للشكل من فنان لآخر.
2- محاولة رسام جماعة بغداد للفن الحديث تكييف الاتجاهات الأسلوبية الأوربية الحديثة، والتي استوعبها نتيجة للتلاقح الثقافي والحضاري مع معطيات الرسم الأوربي، على وفق المرجعيات الفكرية والاجتماعية والحضارية لمجتمعنا، وانطلاقاً من مبدأ التجريب والتحرر من التماثلية التي هيمنت على الرسم العراقي المعاصر. إذ تأثر الرسم العراقي بالفن الغربي في الجانب التقني لكنه يختلف من حيث الجوهر.
4- تفاعلت جماعة بغداد للفن الحديث مع الموروث الحضاري فكانت تجربة تستند إلى أمرين، أولهما: الاعتزاز بالموروث في الحضارة العربية الإسلامية العريقة، وثانيهما: الانفتاح على طبيعة العصر مع الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية.
الإطار المنهجي للبحث
أولاً-مشكلة البحث: يهتم هذا البحث بتقديم قراءة حضارية لما أنتج من أعمال الرسم العراقي الحديث، في مرحلة الخمسينيات (جماعة بغداد للفن الحديث) من القرن العشرين "التي تتألف من رسّامين ونحّاتين لكل منهم أسلوبه الخاص، ولكنهم يتفقون على استلهام الموروث العراقي لتنمية هذا الأسلوب، فهم يريدون تصوير حياة الناس في شكل جديد يحدده إدراكهم وملاحظاتهم لحياة هذا البلد، الذي ازدهرت فيه حضارات كثيرة واندثرت ثم ازدهرت أخرى من جديد.
ولأهمية ما تؤديه الفنون من أغراض في حياة المجتمع، وعبر الحلقات الحضارية أو الحقب الزمنية، وإن كانت مختلفة بعضها عن بعض في كل حقبة، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، إلاّ أنها تبقى مترابطة، فيما نراه من خلال التأثيرات التي تظهر عبر تعاقب الأزمنة، الأمر الذي يوجد تقاليد فنية معينة، يرثها جيل عن آخر(1).
إن تحديد البعد الحضاري، إنما هو تحديد لموضوعات مهمة لها علاقة بحركة المجتمع، إذ يمكن أن يكون العمل الفني ذا قيمة تعبيرية مؤثرة فيه، وإن الفنان ليس إنساناً صانعاً، وإنما احتياج ينظر إليه على أنه غاية عليا، يمتلك كيفية حسية خاصة، من شأنها أن تُعين على تكوين الموضوع الجمالي(2).
لقد كانت سنوات الخمسينيات من عمر الحركة التشكيلية العراقية الحديثة، معبرة وفارزة صيغت من العمل الجماعي وبلورت ظهور ما عرف من حركات فنية، بشكل هيأ لها أرضية صلبة، ووعياً على أساس وحدة التفكير بالرؤية الحديثة في الفن، وفي نضوج الوعي الفني لدى الفنان العراقي، فكانت جماعة بغداد للفن الحديث التي ظهرت في عام 1950، وما تلاها من حركات فنية، شاخصة على تدعيم ما رسمته من خُطى راسخة نحو ما يحقق حضورها، مع ما ارتكزت عليه من عمق تاريخي حضاري أصيل، عكس عليها تميزها. وإن جذور هذه الحركات كانت معروفة في تاريخ الحركة التشكيلية العراقية الحديثة.
ان ذلك يستدعي ذلك، الدراسة والبحث والتقصي لغرض كشف تلك الأبعاد، ومن ثم انعكاساتها على فن الرسم في مرحلة الخمسينيات (جماعة بغداد للفن الحديث) العراقية وما أنجزته منذ تأسيسها، خاصة إنها –والحركات الفنية التي تلتها– شكلت حضوراً قوياً في تاريخ الحركة التشكيلية العراقية الحديثة، وسعت إلى خلق أشكال على وفق رؤيتها الفنية، معتمدة على تلك الأبعاد الحضارية والمفاهيم.
فمن خلال ما تقدم تتلخص مشكلة البحث الحالي بالتساؤل الآتي: ما مدى انعكاس الأبعاد الحضارية والفكرية والجمالية في أعمال الفن في العراق القديم على المنجز الفني في العراق الحديث، في مرحلة الخمسينيات من الرسامين؟ ومن هنا تتحدّد المشكلة التي ينطوي عليها البحث.
ثانياً-أهمّية البحث والحاجة إليه: يولي البحث أهمية التعرّف الى (جماعة بغداد للفن الحديث) بوصفها حركةً فنيةً، وهو إشارة إلى حقبة زمنية لها أبعادها الحضارية والتاريخية، في وضع الخطوط المعرفية الواضحة لفهم آليات اشتغال تلك الأبعاد الحضارية، وبيان ماهية منظومة العلاقات التي تنظمها، وفي الظروف المتغيرة المختلفة، وهذا ما يتصدى له هذا البحث فضلاً عن تسليط الضوء على بيان أهمية البعد الحضاري للمعالجات الفنية في ضمن حدها المكاني، تلك المعالجات التي اعتمدها الفنان العراقي المعاصر في توظيف خاماته، والتي يجسد بها تلك الأبعاد، بصياغتها ووضعها جمالياً في دائرة أحاسيسنا الإدراكية من خلال:
1- تسليط الضوء على منطقة مهمة وغنية في الفن العراقي المعاصر من خلال تقصي ظهور التحولات الأسطورية منها والفكرية في النتاج الفني العراقي.
2- تقصي حقيقة جمالية توظيف الموروث الحضاري.
3-اهتمام هذا البحث بإرساء أسس علمية لمعرفة آليات اشتغال تلك الأبعاد الحضارية وفهمها.
ثالثاً- هدف البحث: تعرف البعد الحضاري لرسوم جماعة بغداد للفن الحديث.
رابعاً- حدود البحث:
1- الحدود الزمانية: يتحدد البحث بالمدة الممتدة بين(1950-1959) لظهور جماعة بغداد للرسم الحديث.
2- الحدود المكانية: ما معروض في قاعات العرض التشكيلية والمقتنيات الخاصة في العراق والمصادر الفنية، والمصادر الخاصة التي تتناول نتاجات الفنانيين العراقيين، وما توفر من المصورات في شبكة المعلومات العالمية (الانترنيت) المحددة دراستها للمدة (1950-1959).
3- الحدود الموضوعية: دراسة البعد الحضاري في رسوم جماعة بغداد للفن الحديث، من خلال تحليل نماذج مختارة من الرسم العراقي المعاصر لفناني جماعة بغداد للفن الحديث.
خامساً- تحديد مصطلحات البحث وتعريفها:
2- الحضارة: وتعني"الإقامة في الحضر، التمدن، والحضر: القرى والأرياف والمنازل المسكونة فهي على خلاف البدو والبداوة والبادية ويقال هذا من كلام الحاضرة ولم أر البوادي لفظوا به ولاعرفوه"(3).
والحضارة "تقابل الهمجية والوحشية، وهي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني، تلخصها جملة من مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي التي تنتقل من جيل الى جيل في مجتمع أو مجتمعات متشابهة والحضارات متفاوته فيما بينها ولكل حضارة نظامها وطبقاتها ولغاتها(4).
أما العلامة ابن خلدون فقد عرف الحضارة أنها: "أحوال عادية زائدة على الضروري من احوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه وتفاوت الامم في القلة والكثرة تفاوتا غير منحصر ويقع فيها عند كثرة التفنن في أنواعها وأصنافها"(5).
أما ول ديورانت فقد نظر إلى الحضارة على انها اكبر من مجرد ملامح ترف ورفاهية وقال عنها أنها: "نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء(6).
- إجرائياً: الحضارة مفهوم شمولي يتضمن، الظواهر المعبر عن نشاطات البشر في المجتمع من الطوابع الغالبة التي تكسبها أصالتها، والحضارة في إطلاقها وعمومها قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور وتقلب ألازمنه، وما صورت به علائقه بالكون وما وراءه. إذ تتمثل بالمفاهيم الفكرية الجديدة والمختلفة من مجتمع لآخر. فيكون النتاج الفني مظهرا"ماديا"من مظاهر الحضارة عاكس للثقافة والأفكار الأصلية المتجذرة في موطنها. إذ تتحدد شخصية الفنان وتوجهه الفكري من خلال التأثر لتعميق الهوية والانتماء في فنه للحضارة.
الفصل الثاني/ الإطار النظري
مفهوم البعد الحضاري: ان البعد الحضاري بوصفه مرجعية فكرية في ضوء المعرفة المعاصرة ومعرفة ماهيته في الدراسات التخصصية تحدده بوصفه المادة (الأثر) المنقولة من السلف باشتراطاتها التراكمية الجمالية في الفن والأدب والأسطورة، بمعنى ما نقل إلينا من جهد إنساني متجاوزاً حدوده، وهو بالضرورة جهد إبداعي يرتقي إلى الأصالة(7). فالحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته، سواء كان المجهود المبذول للوصول إلى هذه الثمرة مادياً ام معنوياً، وهذا المفهوم مرتبط بالتاريخ، فالثمرات الحضارية تحتاج إلى زمن وهو جزء من التاريخ(8). إذْ يسعى الفنان ومنذ البدء إلى أن ((يوجد لنفسه أدوات هي نظم من الرموز ينظم بها معطيات الخبرة التراكمية التي امتلكها))(9) ليظهرها بشكلها النهائي، بنظام يعكس القدرة الإبداعية والتوليفية لديه، ليشكل وحدات نشاطه الواعي، بما تقتضيه ضرورة وخصوصية ذلك النشاط وطبيعته. ولأنّ الصورة الفنية بشتى أشكالها ومختلف معانيها تشكل محور نزاع فكري حضاري لأنها تقوم على محاولة الاستقطاب والتوجيه نحو خطابها الفكري والفلسفي المستمد من طبيعة العلاقات الإنسانية الواقعية فإنها تبعث على الحراك نحو خلق متغيرات فكرية وثقافية واجتماعية متعددة في نفس المشاهد أو المتلقي.
من هنا يتجلى الدور الكبير للعمل الفني في بناء الخطاب وإنضاجه الأمر الذي يحمله ويتجلى الدور الأصعب في طريقة توصيل الخطاب وبعث رسائله الموجهة، فالسعي لبناء النتاج الفني ضمن معطيات الحضارة والموروث واندماج الذاتي مع الكلي، الإنساني والعالمي، إنما سبقنا فيه الفنان السومري والآشوري والاكدي والحضري ثم الإسلامي، الذي كان الأقوى في تمثيله لبيئته والأكثر ديمومة عبر الزمن والتاريخ، ولم تمح القرون براعته وتأثيره على قمم الفن العالمي.الذي امتزج بالعطاء المعاصر الممتدة جذوره من الموروث الإنساني الخصب وعبرت عطاءآته عن الهوية العراقية العربية والإسلامية.فسعى الفنان لتأكيد عصريته وإنسانيته من خلال تلخيص جوهر الحضارة وأبعادها، واستيعاب الموروث وتقنية العصر، بالتمثيل الرمزي للأحداث وتحقيق التكامل والانسجام للنظرة الجمالية والقيمية إلى الواقع، لذا لا يمكن تصور دور عاملي الفكر والفن بمعزل عن العوامل السياسية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فهناك علاقة بين شبكة من العوامل المؤثرة في التكوين والتغيير البنيوي والوظيفي للواقع.
- البعد الحضاري ومكوناته: إن إظهار معنى البعد الحضاري عبر التسلسل الزمني للمراحل التي وضعت الموروث بالمفهوم المتعارف عليه، لا سيما إن احد عناصر البعد الحضاري تجسدت في الفن بوصفه نتاجاً إنسانياً، ويعد الفن ناقلاً أمينا للحضارة، ويتعذر فصل الفن والحضارة لاتصالهما بالإنسان والمجتمع وكما ان الفن يرتقي بالإنسان فوق كل التداعيات التي تحد من فعالية الحضارة وقيامها بدورها، فالفن جوهر الحضارة ومن ثم يعد أساس الموروث الحضاري، ومن دونه تفتقر المجتمعات لأسباب قيام حضارتها، ومثلما الفن تغيير في النمط الوجداني للإنسان الذي يضفي على الموروث قيمته المؤثرة كذلك الحضارة فهي ارتقاء في الفكر الإنساني بتكامل عناصرها، فيبرز البعد الحضاري على وفق التطورات الوجدانية تعبيراً رمزياً دلالياً، لأن أسباب التطور البشري كما يراها (هربرت ريد) تعود إلى الملكة الفنية، لذلك يكون الفن داعياً للحضارة وراعياً لها من خلال التدوين المنطقي الذي يتبناه على الرغم من ان مفهوم الحضارة أوسع واشمل من مفهوم الفن الذي يشكل جانباً مهماً من الموروث الحضاري(10).
وقد ارتبطت الحضارة بمفهوم الثقافة(*) من خلال مساندة كل منهما للأخرى، فالثقافة متى كانت جذورها سطحية أو هامشية وخالية من الإرث الحضاري تكون عقيمة، والثقافة تمثل الجانب الفكري من الحضارة، لأنها ترتبط بالمفاهيم.
ومن الركائز الأساس للبعد الحضاري، جمع الثقافة بين الماضي والحاضر.وعدّ الحاضر حلقة تالية للماضي ووليداً طبيعياً له وليس فصل الماضي عن الحاضر،فليس بالامكان أن تخطو الأمم بخطواتها إلى الأمام من فراغ منفصلة عن المراحل السابقة لها. إننا لا ننظر في الماضي إلا لننشد منه دعائم قوية تصلح لبناء مجتمعنا الجديد ولا نعتز بأمجادنا القديمة إلا في سبيل إصلاح حاضرنا وبناء مستقبلنا.وارتباطنا، وهذا هو الامتداد الزمني وليس اتصالاً تكرارياً وتشابهاً ، ولكنه تتمة المستقبل(11).
وتتحدد شخصية الفنان وتوجهه الفكري من خلال التأثر العميق بأصل الإشعاع، هدفاً وضرورة لتعميق الهوية والانتماء في فنه لحضارتنا وتراثنا الثر ،وكذلك للاسهام في صنع حضارة جديدة. وكما الفن يرتقي بالحضارة إلى جانب العلم كذلك الفن يعد احد أركان الثقافة ان لم يكن كل محتواها(12)، ويرى بعضهم أن الثقافة لصيقة بالمجتمعات كافة وتمثل جوانب حياتها كلها كالفن والموسيقى والرقص والأسطورة وغيرها من العناصر المميزة لثقافة المجتمعات البدائية(13).
البعد الحضاري في الفن العراقي القديم
شكلت الحضارة العراقية القديمة إحدى أروع الحضارات الأولى، لتسهم إسهاماً فاعلاً في إرساء معالمها فقد شكلت رافداً ومنهلاً انتهل منه كل من أعقبها، فالمتتبع للفن الرافديني القديم خلال مسيرته الطويلة، يلحظ ان أية مرحلة من تلك المراحل قد حملت روحاً ونمطاً مختلفاً، لأن أية مرحلة من تلك المراحل قد حظيت بأحداث ووقائع عن سابقتها، وشكلت فهمنا الحقيقي للعمل، فالتغيرات الحضارية في أرض العراقي القديم التي تركزت بشكل أساس في الصراع السياسي، الذي شمل أكثر المدن وأهم المراكز الحضارية في العراق في تلك المرحلة. لم تتوقف تغييرات هذا العامل على مشكلة الصراع الحضاري بين الأقاليم والشعوب، بل إلى تغييرات الوضع السياسي والفكري والديني أيضاً، وذلك لأن العامل السياسي من أهم القوى المحركة في التاريخ(14).
إن معتقدات الإنسان الأولى تمثلت في سعيه لترويض الطبيعة بالشعائر السحرية، فعندما بدأ الإنسان في تعرفه الحياة وتوجهه صوب قضية الطبيعة التي دعتهُ إلى شحذ تفكيره في الوصول إلى أسس قادرة على خلق التواصل والصمود أمام الأخطار والمخاوف من الأشياء المجهولة التي تحيطُ به، وكردة فعل إزاء الطبيعة ابتكر فعاليات من الخيال فتولدت نتيجة ذلك الممارسات السحرية(15)، وهذه المدلولات الرمزية؛هي بمثابة تكثيف للأفكار بخطاب التشكيل وبمضامين عقلية، فكانت تؤدي فعلها الميثولوجي بصفتها رؤى روحية ورموزاً، وطالما أن الرمز ليس مستقلا قائماً بذاته، فإنّ دلالة أي رمز؛هي في صميمها دلالة موضوعية، وترتبط بالكيفية التي يحل بها الروحي، فقد كان القدماء يرسمون (الطوطم) على أنواع الأشياء التي يمتلكونها، يرسمونه على مخيماتهم وجدران مساكنهم وكأنه شعار أو علامة فارقة، فصورة الكائن ألطوطمي أكثر قدسية من الكائن ألطوطمي نفسه، فالحيوان مثلاً يشغل في الاحتفالات التعبدية منزلة أدنى(16).
وتجد الباحثة أن الإنسان الأول في حضارة قبل الكتابة في العراق قد تمكن من تصنيف الأشياء والظواهر، وإدراك ما بينها من علاقات، فجعل لكل قوة رمزا وعلى هذا النحو تحولت الأشياء إلى رموز ومفاهيم، وسرعان وما وجدت لها مناخاً شاملاً وعمقاً ومضموناً انفتحت الجماعة على دور الفن لتحقيق ضرورة اجتماعية ملحة، بتحويلها من أفكار مجردة إلى حقائق محسوسة، تتجسد في العناصر الرمزية، موضوعاً في المشاهد التزينية، وفي التحولات بأساليب التشكيل من عصور قبل التأريخ نحو العصور التاريخية يُظهِر تطوراً في أساليب التشكيل بين هاتين المرحلتين الحضاريتين، فلم يكن الانتقال الحضاري عشوائياً تضطرب معه الأنساق، بل كان مرافقاً لوحدة المنظومة في تحول التمس التغيير وتوليد بنىً جديدة. والتحول في البنى الفنية التشكيلية في العصور التاريخية يقترن بالتغيرات الحاصلة في المنظور الثقافي والاجتماعي في تلك المراحل.
الحضارة السومرية: إن المنجزات الحضارية التي حققها الفنان في العراق القديم ترتبط بالأفكار والتقنيات والأساليب الفنية ويؤيد ذلك تاريخ الفن والدلائل المادية والأثرية في المزايا الفنية وبنية الحضارة(17)، ففي العراق القديم من الدلالات الفنية ما يؤكد أن فنان (سومر) كان بمثابة الأستاذ لمن خلفه، فكانت تماثيل الأشكال التي مثلها ذات تعبير وأفكار ذهنية بدت للعقول غربية، إذ كان اتجاه الأشكال الفنية في العراق القديم نحو الطبيعة ؛ "يعتمد على تجريدات تقع خارج نطاق تأملات السومريين وكانت الأساطير العلاج لهذا النقص إذ كانت تفيد بوصفها إطار ملموسا للأشكال التي تستعين تحديد استنتاجاتها المجردة وديمومة تجلي الأفكار والتجارب فيها، فالمعتقدات الفلسفية بكاملها تجسدها المثويولوجيا (السومرية) وهذا يوضح السبب في أن الإنجازات الصورية للأشكال إنما تمثل موضوع الكثير من الفنون السومرية"(18).
نجد أن الفنان السومري قد رسم ووظف مخيلة في إيجاد أشكال تجريدية هندسية مع استخدامه للأشكال الواقعية والمتخيلة ذات البعد الأسطوري، وهي أما متخيلة تماما، أي إنها لا تنتمي إلى الواقع أو الطبيعة، أو مركبة من حيوانات واقعية، فالتشابك في الأشكال البشرية والحيوانية الذي يعرف باسم شريط الأشكال؛ كان واحداً من إبداعات الرسم على الأختام الاسطوانية، وقد أدى التجريد التصويري إلى تقليصات في الشكل مثلما المخلوقات المركبة التي مثلت من عناصر طبيعية للدلالة الرمزية عن قوة خارقة للطبيعة(19)، إن الأسلوب الذي كان في بدايته تكعيباً هندسياً قد أصبح واقعياً، أي أن الفنان كان يجتهد أكثر لرسم واقع منظور ذي تفاصيل تحاكي الحياة ومميزات فردية، أي إنها انتقال من التجريد إلى التصويرية، إذْ كانت تماثيل الأشكال الحيوانية تكشف عن مدى القابلية للفنانين السومريين.
الحضارة الاكدية: وأما في عصر الانبعاث السومري الأكدي فقد تميز النحت المجسم بتنوع الأسلوب في الإعمال الفردية، فكان التطور الذي بدأ في لكش في حكم كوديا وازداد فيما بعد في مملكة سومر وأكَدْ تحت حكم ملوك سلالة أور الثالثة، أما في ماري وأشور فكانت التقاليد الأكدية أقوى من التقاليد السومرية وهذا ما نجده في تماثيل كوديا المعمولة من حجر الديورايت الأسود بوضعيات مختلفة كالوقوف أو الجلوس على كرسي أو التربع على سطح الأرض فتميزت بوجوه ذات قوة روحية وتعبيرية عالية تميل إلى سكون(20).
الحضارة البابلية: ازداد الاهتمام بالفنون المعمارية التي نحت عليها كائنات أسطورية وأشكال حيوانية طبيعية واقعية(21) فعلى جدران (شارع الموكب) تشاهد العديد من الأسود، المصورة بتأويل رمزي ودلالة على خضبها وقوتها، وقد بقيَ التأويل السائد بوجود أرواح شريرة وجب طردها من خلال بث الخوف والإعجاب فتأويل تلك الحيوانات رموز أسطورية للدلالة الرمزية التي تتصف بها فهي تمثل (القوة، الخصب، الموت). وفي رسوم الجدار المزججة في (مدينة بابل الحديثة) على (شارع الموكب) وعلى (بوابة عشتار) نلتقي بالرمزين نفسيهما: (للحياة والموت) هي (الأسد) و(المشخوش) و(الثور) وكانت الأشكال الفنية في مرحلة الحضارة البابلية خاضعة لأنظمة بنى خاصة بذلك العصر، اختزلت الاشكال في مقابل قوة تعبيراتها، فجاءت مفعمة بتشخيص تماثيل الآلهة، وكانت الآلهة المشخصة تمثل بالعظمة، في حين الملوك وغيرهم متواضعون في حركاتهم ووقفاتهم التعبدية.
الحضارة الآشورية: تأثرت بلاد (أشور) في مجال الفن بمن سبقها من الحضارة السومرية والأكدية إذْ كثر تمثيل الأشكال الحيوانية في مشاهد صيد الحيوانات والقتال والصراع في الأعمال الفنية(22). وانتاب الملوك الآشوريين الخوفُ من الموت بصفة دائمة، وهذا هو مدخل مهم للتأويل والتخييل الذي جعلهم يصنعون عند مداخل قصورهم ثيرانَ وأسوداً هائلة ذات رؤوس بشرية وظيفتها حراسة الملك دون انقطاع، فالحيوانات الحجرية التي وضعت في صفة أزواج عند مداخل المعابد والقصور، حراسةً للباب كانت دالة من مدلولات وتأويل طرد اي شر محتمل، اذ كشف الفنانون الآشوريون نحتهم لحيوانات هجينة.
الحضارة العربية الإسلامية: إن أوجه التباين بين الحضارات عديدة وهي في حقيقتها سمات مميزة لأية حضارة وأهمها (اللغة والدين والتاريخ والثقافة والتقاليد) ويعد الدين الأهم من بين هذه السمات وهو ما يكون المحور الرئيس للصراعات كما انه في حقيقته الصانع الفعلي للحضارات ذلك لأن الأديان أنظمة إنسانية فكرية وثقافية شمولية دائما ما تأتي بضوابط تنظم عمل المجتمعات وتنشر نوعا معينا من الثقافات بينها ومن ثم تعمل هذه المجتمعات على تشكيل الحضارة وتحديد ملامحها فنجد أن "أعظم الديانات هي الأسس التي تستند عليها الحضارات العظيمة(23) والثقافة الدينية تضع حرية الإنسان،عميقة في كيانه لكنها ليست حرية الفوضى التي تنتهي بتهديم الإنسان وتمزيق علائقة مع الوجود الخارجي من حوله ، فليس ثمة عبث وليس ثمة لامعقولية للحياة والوجود، وليس ثمة حرية أخلاقية مطلقة من كل قيد.فالإسلام يستمد تجاربه الباطنية من خلال الحقيقة ومن خلال الاستقامة لا الانحراف ومن المعرفة لا الضياع"(24).
فالإسلام قلب حال مجتمعات قبلية متفرقة لا يأتي على ذكرها التاريخ وجعل منها حضارة مميزة لها حضورها على مر الزمن فكانت (الحضارة العربية الإسلامية) التي هي خليط من الإرث الحضاري العربي والإسلامي إذ ليس هناك حضارة إسلامية مستقلة بل هي مرتبطة تماما بالحضارة العربية لأن الإسلام ولد ونشأ في البادية عكس الحضارة والمدنية ولكنه انتشر في البلاد العربية ذات الحضارات العريقة كما في العراق واليمن وبلاد الشام ثم بلاد المغرب العربي لتكون في مقدمة الحضارات الإنسانية في مراحل مختلفة من الزمن حتى أصبحت " الحضارة العربية الإسلامية أعظم حضارات العصور الوسطى دون منازع"(25).
لا يمكن ذكر الأبعاد الحضارية العربية من دون ذكر الإسلام والعكس صحيح إذ إنهما متداخلان فالدين الإسلامي يحول الجمال والإبداع الفني إلى مجال ثقافي وحضاري متنوع تربطه وتحدّه فكرة التوحيد والتعالي، لكنها لا تختزل دنيويته وتعبيريته، فنحن بإزاء ثلاثة مدلولات وهي الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية ثم التراث الإسلامي، ومن ثم تؤدي إلى اختلاف وجهات النظر والمستويات التي يستوعب فيها الإسلام إلى اختلاف الأحكام والقيم الجمالية، وان الفكر والحضارة او المعطى الإلهي الفكري للإسلام، وأثره الحضاري عبر التاريخ، وفي المعطيات الحضارية بالذات، يظلان في حوار مستمر، ولا يمكن الفصل بينهما حتى لو آمنا بالتفسير الإيديولوجي للحضارة، بوصفها تعبيراً عمّا رسمه لها الفكر، فالفكر الإسلامي (الهي) المصدر، ويمثل الرؤية العامة التي تستوعبها الحضارة الإسلامية (ومن ضمنها الفنون) أما الحضارة الإسلامية، فتمثلها مجموعة التقنيات والأساليب والمناهج (والرؤى الفنية الخاصة) التي تطورت خلال المناخ الفكري، فالملامح الثقافية للفنون الإسلامية تحددها طبيعة الطرح الحضاري(26). والثقافة تقتضي حرية الفكر وانطلاقه في الحركة والفهم والبحث عن الابتكار وهذا (يمنحه صفة التكامل الذي يجمع بين الروح والمادة والقلب والعقل، ومن ثم تحقيق الانسجام بين معطيات العقل ومعطيات العقيدة)(27). إذن لابد من التمييز بين عاملين رئيسين هما 1-عامل الحضور الفكري للإسلام في العمل الفني.
عامل التطور الحضاري: ذلك لأن الفكر الإسلامي هو غير الحضارة الإسلامية لأن الحضارة الإسلامية تتكون من مجموعة الطروح الإنسانية الثقافية والتقنية والأسلوبية التي رافقت ظهورها هذا الفكر بوصفه نقطة إشعاع جديدة استطاعت أن تحرر الوجود الإنساني وتحوله إلى الأفق الرحيب (الأفق الكوني للوجود)(28). وقد قامت الحضارات العربية والإسلامية بضخ العلوم الفقهية والثقافية والإنسانية من خلال بناء المساجد الكبيرة في المدن العربية والمدن التي ضمتها الدولة الإسلامية إليها عبر الفتوحات المستمرة "فاقترنت الجوامع الكبرى في سامراء (بلاد الرافدين) والقاهرة والقيروان (تونس) وسمرقند (اسيا الوسطى) بجامعات إسلامية وجرى في كل مكان درس تراث الحضارات الغابرة أو المجاورة"(29).
كما كان لبعض الحضارات الأجنبية تأثيرات خارجية على الحضارة الإسلامية عند الفتوحات التي قام بها المسلمون لدول غير عربية فاستلهموا شيئا من عمارة وفنون وعلوم حضارة بلاد فارس وبعضا من معارف وعلوم الهند والصين ولاسيما في الرياضيات، ولعل الحضارة الإسلامية تختلف عن بقية الحضارات بميزة مهمة وهي اعتمادها التقليل من المظاهر المادية وطرح مفردات القيم الروحية على رأس الأولويات في بناء المجتمعات الإنسانية هذه المفردات قادتها إلى وضع مقياس مهم في سلوكيات الفرد والمجتمع وهو (رضا الله تعالى فليس كل ماتفرضه المصلحة الشخصية هو جائز وكل مايؤدي إلى خسارة شخصية فهو محرم وغير مستساغ بل الهدف الذي رسمه الإسلام للإنسان في حياته هو الرضا الإلهي والمقياس الخلقي الذي توزن به جميع الأعمال(30).
يتجلى الفن الإسلامي في صورة فن له أصل الحضارات، على الرغم من تجديداته الكثيرة في موضوعاته وفي تركيب هذه الموضوعات، ومع أن هذا الفن قام على أشكال محايدة وتميز بالاعتدال فإنه كان في المقام الأول مرتبطاً بالإنسان، ولم يقتصر على ذلك، بل كانت له أيضاً وظيفة ورسالة محددتين وإن لم تكن هذه الرسالة رسالة لفظية، والشيء الذي يعطي ذلك الفن مزيداً من العظمة، هو أنه يعلو على تعقيدات الحياة البشرية وإحباطاتها ومظاهر التعاسة فيها بطريقة يمكن أن توصف بأنها وقورة ومفرحة في آن معاً.فالفن الإسلامي وحدة قوية متماسكة، تتطبع بمظاهر واحدة، وتستمد روحها من إلهام واحد، مهما تباينت عناصرها، وتنوعت أشكالها، واختلفت صناعاتها وبعدت الشقة بين مواطنها(31).
فجذور الزخرفة العربية الإسلامية قديمة، ظهرت في حضارات وادي الرافدين والنيل وكل المشرق العربي، وهي بمثابة الجذور القديمة للفكر العربي القديم المتطور في المنطقة نفسها ونجد أنّ الفنان العربي المسلم قد اتخذ مصادر أولية استخدمها لزخرفته هي:
1- النباتات، إذْ أوحى بزخرفته عن السيقان والأغصان المنفردة والمزدوجة والمتشابكة وذات الحوالق والأوراق الكاملة أو الممتلئة وسعف النخيل وثمار الفاكهة.
2- الأشكال الهندسية، استخدمها بغزارة وتنوع لم يسبق لها مثيل حتى أصبحت خاصية من خصائص الزخرفة العربية الإسلامية.
3- الكتابات العربية، إذْ أدرك الفنانون العرب المسلمون ما يتصف به الخط العربي من خصائص تجعل منه عنصراً زخرفياً طبيعياً محققين بذلك أهدافاً فنية من خلال استخدامه استخداماً زخرفياً بحتاً.
4- الأشكال الآدمية والحيوانية، لم يكن استخدامها بشكل واسع لالتزام الفنان العربي المسلم بتعاليم الدين وكراهية الدين للتصوير وما خلقه الله(32).
أما منمنمات (الواسطي) التي ذاعت شهرتها بسبب ارتباطها الوثيق بتأريخ الفن العربي الإسلامي المتمثل بأحد فروعه المهمة وهو فن تزويق الكتب، فمنمنماته تمتاز بوحدة عناصرها الفنية وجمالها من جهة وبتنظيمها وتوزيعها كمساحات مرسومة في المخطوطة من جهة ثانية، فضلاً عن أنها تنقل لنا صوراً عن الحياة والعصر الذي رسمت فيه بصدق وأمانة وأصالة إلى جانب أنها عبرت عن أفكار الحريري بوصفه مؤلفاً، وكما هو معروف فـ(الواسطي) نفسه نسخ المخطوطة وزوقها أيضاً وهذا أعطاه حرية اختيار مقاطع خاصة معينة من كل مقامة لتكون مصدراً وموضوعاً لمنمنماته كذلك اختيار موقع كل منمنمة على حدة وحسب قربها من النص المكتوب حتى أنه في أكثر ألأحيان يختار أكثر من مقطع من كل مقامة ليرسمه، وتمتاز زخارف (الواسطي) إلى جانب وظيفتها الإيضاحية، بكونها صوراً توضيحية للنص نفسه، الذي يخلو من وصف تفصيلي للأشخاص وملابسهم وألوانها وأدوات عملهم وبيوتهم ومدنهم وأسلوب سفرهم وغير ذلك، وعبرت منمنمات (الواسطي) عن ملامح فنية هي:
1- قوة الحركة وتشعبها وانتقالها بواساطة اللون والخط من ضمن حدود المنمنمة.
2- المبالغة والتحوير في رسم الجسم الإنساني بحسب أهميته في العمل الفني.
3- الإيقاع المتمثل بانتقالات ومكان اللون وتوزيع الأشخاص والأشكال فوق مساحة الورقة المرسومة.
4- النزعة الزخرفية وتنظيمها الهندسي في الملابس وهذا ما يعطي الجو العام للمنمنمة صفة تصميمية.
3- النزعة التسطيحية، إذْ نرى أن الفراغ قد تمت معالجته بشكل يتناسب مع المفهوم العام لطبيعة الفراغ وماهيته في الفكر الإسلامي.
4- التكرار والتماثل بوصفها قيماً جمالية وخصائص فنية تميزت بها مدرسة بغداد عبرت من خلالهما عن الروح العربية في الحضارة الإسلامية(33).
الفن الأوربي الحديث
الفنان الحديث أدرك أن الشكل الجمالي هو ثمرة العلاقات التي يتم فيها بين أجزاء العمل الفني إذْ لم يعد الموضوع هو الغاية الأولى، ومع الفن الحديث انتقلت اللوحة إلى بنية شكلية جمالية مستقلة وهي كما يقول (كانت): "ان لكل عمل فني بنيته الذاتية وجماله الخالص الذي فيه تنحصر غايته ومضمونه"(34).
ونظراً لما يتميز به العصر الحديث من تحولات وتسارع مطرد في مجالات واسعة شملت العلوم والآداب والفنون، ولكن هذا التحول أو التنوع الذي تميز به الفن الحديث بصوره عامة والرسم منه بصورة خاصة، إذ نلاحظ ان الفن الحديث بشكل عام قائم على بنية الشكل وهو منظومة العلاقات التي توحد بين العناصر الفنية (خط، لون، فضاء... الخ) وفن الحداثة يقوم على الكيفيات التصويرية والاهتمام بالنتائج الشكلية والبحث الفكري في الشكل الذي لا يخضع لأسس وقواعد معينة، إذْ خضع النظام البنائي الشكلي لفلسفة الفنان الذاتية وأخذ يبتعد عن قوانين البنية الكلاسيكية وموضوعاتها الإخبارية والوصفية من خلال هدم أشكال الواقع واعتماد الاختزال في الأنساق البنائية على وفق طروحات الذات والتجريب.
الانطباعية (Impressionism): قادت المعالجات البنائية للشكل الفني، التي أظهرتها المدرسة الانطباعية في الرسم الحديث التي يمكن عدّها بداية لخطوة مهمة على صعيد التحولات البنائية، قادت الشكل نحو التجريد الخالص. فقد شكلت الانطباعية ذلك التحول في الشكل الفني عندما حررت طبيعة اللون نحو ما هو خالص ونقي، وجاء هذا نتيجة جعل اللون نسقاً بنائياً متصدراً ينهض عليه البناء التكويني الشكلي من خلال المعالجات اللونية والبحث المستمر في تحليل اللون وإيجاد سُلَّم جديد من الألوان يساعد على تصوير انعكاسات أشعة الشمس على الأشياء. وفي أثناء سعي الانطباعيين للوصول إلى ديناميكية الحركة وبهجة المشاهد المثيرة لعواطفهم، تمكنوا من الكشف عما يمكن أن يصبح أساساً في صناعة الصورة للتعبير عن مظهر جديد للشكل، بوضع الألوان مقسمة على هيأة درجات (تونات) من بقع الألوان الخالصة، وكان هذا الكشف بمثابة إعلان عن مولد رؤية جديدة للطبيعة(35).
فنانو ما بعد الانطباعية أمثال (سيزان، كوكان، فان كوخ) لم يقفوا عند الشكل الانطباعي المرئي بفضل توجههم الفني الجديد الذي يستهدف الجوهر بدل المظهر، وهذا هو سر الخلاف بينهم وبين الانطباعية، والتوجهات الجديدة ما بعد الانطباعية استلزمت مغادرة الحسية النسبية وأعتماد الطاقات الفكرية(36).
الوحشية fauvism(*): ازدهرت النزعة الوحشية في باريس في الفترة من 1905-1908، إذْ ظهرت الوحشية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ولم تعرف بصفتها الوحشية الأبعد عام 1905 عند إقامة معرض الخريف في باريس، وهي مدرسة لون ذات أسلوب بسيط لا تتقيد بقاعدة محددة أو مزج لألوان، واهتم الوحشيون بالضوء المتجانس والبناء المسطح فكانت سطوح ألوانهم تتألف دون استخدام الظل والنور، فقد اعتمدوا على الشدة اللونية بطبقة واحدة من اللون، ثم اعتمدت هذه المدرسة أسلوب التبسيط في الأشكال، فكانت أشبه بالرسم البدائي إلى حد ما، فقد عدّت المدرسة الوحشية ان ما يزيد من تفاصيل عند رسم الأشكال إنما هو ضار للعمل الفني، أما بقية أجزاء اللوحة فتبدو مشوهة بلا معنى، كما حقق التطور في كيمياء الألوان وصناعتها في تلك المرحلة وفرة الألوان وتعددها مكنت الفنانين من حرية انتخاب التناغم اللوني اذ بدأ الفنان الوحشي يرسم بعقله بتدرجات لونية محاولاً فيها ان يبرز الانسجام بين الألوان المتضادة والمستمد من مصادر متعددة ومنها الرسم الفارسي والهندي والصيني والعربي الإسلامي، فكانت لصورهم صلة وثيقة من حيث التجريد أو التبسيط في الفن الإسلامي.
التعبيرية Expressionism(*): نشأت التعبيرية بوصفها سياقاً فني في ألمانيا عام (1910)، وكان ظهور التعبيرية موازيا في ألمانيا للنزعتين الوحشية والتكعيبية في فرنسا، فكانت التعبيرية مرآة تعكس القلق الذي ساد أوربا نتيجة للأحداث السياسية فبرزت انفعالات الفنانين دفعتهم إلى عدم الاقتناع بالنظم والقواعد الكلاسيكية في الرسم، كما أدى التطور التكنولوجي والصناعي لآلات الأسلحة الحربية إلى زيادة انفعال الفنانين التي ترجمت إلى تأملات جمالية معبر عنها بالخطوط الانفعالية القوية والألوان الصريحة كما في لوحة (ليلة نجومية) لـ(فان كوخ) شكل، فالتعبيرية تعتمد على إظهار الانفعالات الباطنية للفنان إلى العالم الخارجي فالصورة المعبرة في الرسم تنجم عن تمثيل صفة تتصل بالعاطفة لتثير ردود فعل عاطفية أو نفسية لدى المشاهد ولا تمثل بالضرورة شيئاً مادياً معيناً او محاكاة لشيء ما أي ان الفن المعبر ليرتبط بالفن التشبيهي(37).
التكعيبية Cubism(**): فالتكعيبية اتجاه فني أدّى دوراً كبيراً في حركة الرسم الأوربي الحديث، والتكعيبية في أصلها موضوعة فكرية طرحها اثنان من الرسامين الشباب هم (بيكاسو وبراك) لممارسات معينة لاحظاها في رسم (سيزان)، غير ان التكعيبي جعل من هذا الشيء نقطة انطلاق يستخلص منه، إذ ان كلاً من (بيكاسو وبراك) ظلا يؤكدان على أهمية إن يبقى الشكل مجرداً من دون أن يفقد قدرته التعبيرية بامتزاجه في الأشياء الملصقة التي حرصا على ان تبقى تشير إلى أصلها الطبيعي(38).
فالتكعيبيون قاموا ضد مبالغات الوحشيين التاركين عملهم حُرّاً من كل رقيب إلا الغريزة، فالتكعيبيون أحدثوا ثورة في طريقة الرؤية والاستيعاب،فهم يرون بأفكارهم لا بأعينهم ما أدى بهم القطيعة مع رؤية العالم الموروثة مع عصر النهضة، فالتكعيبية تستخدم الأشكال والألوان لا لغاية التقليد بل لقيمتها الشكلية(39). وابتكروا طريقة جديدة لإدراك الفراغ وهي تصويره من عدة زوايا في وقت واحد، فأصبح العمل الفني يحتوي في لقطة واحدة مقاطع من زوايا مختلفة للموضوع المصور الواحد. من أجل الجمع بين تصورين تصور ميتافيزيقي وفيزيقي،أي الجمع بين التصور الواقعي في رسم الأشكال (جوانب الشكل)،كما هي في الذاكرة والميتافيزيقي يعني الوصول الى الشكل المثالي بالتجريد وبتوحيد الزمان والمكان وصولا إلى المطلق(40). فبيكاسو 1881-1973 هو من بين الرسامين الذين تعاملوا مع مصطلح "فوق الواقع" ولذلك فقد تعامل مع البيئة على أساس استيعاب الأشكال. والعزم الواعي على إعادة تأسيس المعرفة بالكتلة والحجم والوزن بالرسم على وفق مرجعية مادية كالبناء الهندسي الرياضي لتحقيق السيادة(41).
السريالية Surrealism(*): تعد السريالية من أهم الحركات الأدبية التي ظهرت في القرن العشرين، فبعد صدور بيان السريالية الأول عام (1924)، أراد مؤسسو الحركة الجديدة(*) أن يتبنوا تياراً فكرياً يتجلى بأشكال شتى في مجال الأدب والفن(42) فقد دفعت الانتكاسات الروحية التي عاشتها أوربا عقب الحرب العالمية الأولى إلى تبني رؤية جديدة بديلة لتلك التي سببت كل تلك الانهيارات، فبحث السرياليون عن حقيقة عليا مختلفة كلياً عن التجربة الممكنة لعالم الحواس، والهدف هو تحقيق الإنسان الكلي في وحدة متكاملة بين الوعي واللاوعي، والمنهج الذي سلكوه هو الاستكشاف للاوعي عبر تجارب متنوعة مثل الحلم والجنون والخيال، وحالات الهلوسة والوهم"(43) وقد اطاحت السريالية بالعقل وعدّته عدو الروح على حد تعبير(اندريه بريتون)(1896-1966) (العقل أسوأ عدو للروح)(44).
وقد استوعب السرياليون أفكار فرويد (1856-1939) ووجدوا ضالتهم في مقولاته التي تقوم بكشف أسرار الإنسان الغامض، ودواخل النفس البشرية، إذ اعتقد السرياليون أنّ الأنا العميقة من شأنها ان تبلغ الكلي بالانفتاح على عوالم لا يمكن تصويرها إلاّ من خلال الخيال والغرائبية والتوغل في الأعماق الخفية للذات الإنسانية، ما منح أعمالهم قابلية التعدد الزماني والمكاني بفعل هذا الانفتاح المطلق للرؤية الخلاقة؛ فالسرياليون يخلطون بين الأشكال والمواضيع ويهملون القواعد والأصول،وتحديد المعنى. يقول (بريتون) عن الصورة السريالية "إن أقوى صورة سريالية، إنما هي تلك التي تكون على أعلى مستوى من الفكرة الإيحائية غير محددة المعنى"(45).
التجريدية (Abstractism): جاء تيار الرسم التجريدي الحديث لينهض على نزعة شكلية، وهي نزعة ترى أن العمل الفني قوامه الشكل وليس المضمون، وتبعاً لذلك فإن هذه النزعة تقف بالضد من نزعة المحاكاة في الفن، فالشكل في محاكاته لعالم الأشياء بواقعها المادي يحمل معه مضموناً إخبارياً محدداً للشيء المحاكى، وبهذا فإن "النزعة الشكلية تعارض هذا الموقف تماماً، فهي ترى أن الفن الصحيح منفصل عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة. فالفن عالم قائم بذاته، وهو ليس مكلفاً بترديد الحياة أو الاقتباس منها.وقيم الفن لا يمكن أن توجد في أي مجال آخر من مجالات التجربة البشرية. فالفن، إذا شاء أن يكون فناً، ينبغي أن يكون مستقلاً مكتفياً بذاته(46). والفنانان اللذان أرسيا القواعد والأسس الجمالية والفكرية لهذا الاتجاه وجعلاها موضع التطبيق الفني هما: الفنان الروسي الأصل فاسيلي كاندنسكي (1866-1944)، والفنان الهولندي بيت موندريان (1872-1944)، ومنذ البداية عمل كل منهما مستقلاً عن الآخر، ولم يكن لرسمهما صفة أسلوبية مشتركة(47).
المبحث الثاني/ البعد الحضاري في الرسم العراقي المعاصر
إن بلاد الرافدين هي منبع الحضارات العريقة، أغنت تاريخ البشرية بما خلفته من تراث ثقافي ومعماري تأثرت به الحضارات والثقافات في بقية مناطق العالم. ومنذ أن وعى الفنان التشكيلي العراقي المعاصر أهمية أبعاد حضارته وأصالتها، لم تخل نتاجاته من مفردات ورموز موروثه الحضاري التي استقاها من التاريخ العراقي القديم، فلا يخفى على أحد ما لبلاد وادي الرافدين من عمق حضاري مترجم بأبهى وأفخم العطاءات الفنية عبر التاريخ.وعلى الرغم من ترابط العصور والأجيال فثمة ميزات يتسم بها كل عصر، وثمة طابع يحدد معالم كل جيل، ولم يخلد لنا التاريخ إلا العصور التي سمت بحضاراتها والأجيال التي تعالت بعبقريتها(48) وقد إستلهم الفنّان العراقي منجزه الفني والجمالي من مصادر عديدة مهمة، منها:
الفن العراقي القديم: يشمل المنجز الحضاري لفنون سومر والانبعاث السومري الأكدي وأكد وآشور وبابل.
الفن الإسلامي: الإفادة من فنون الزخرفة الإسلامية وأنواع الخطوط وكذلك من رسوم الواسطي ومظاهر الطرز المعمارية الدينية وغير الدينية.
التأثر بالفن الأوربي: نتيجة سفر الفنّانين العراقيين إلى أوروبا(*) واختلاطهم بالفنّانين الأوربيين واطلاعهم على الأساليب الفنية (الجماعية والشخصية) وعلى حركات الرسم الأوربي الحديث وما أقيم من معارض متنوعة، وكذلك الاطلاع على توظيف التقنيات والخامات في بناء العمل الفني، فضلاً عن مكوث الفنّانين البولونيين(**) في العراق.
ففي بداية النصف الثاني من القرن العشرين اتضح ان مصير العمل الفني في العراق بدأ بالتحول الحاسم نحو مرحلة جديدة تتسم بالاعتماد على النفس والبحث عن ملامح الشخصية الحضارية أكثر من مجرد خطوات ترسم خطى الغير فلقد تمخضت سنوات الحرب العالمية الثانية عن أحداث اجتماعية وسياسية جديدة لم تعد لتحتمل التخطيط المسبق لها قبل الحرب، اي استقرار البلاد على حكم تقليدي هو المحصلة ما بين النظام البورجوازي بصياغته الكلاسيكية أي الملكية والنظام الوراثي الذي أصبح تقليداً راسخ الجذور، منذ خلافة الأمويين في الشام فالعباسيين في العراق(49).
كان الرسم العراقي موصول الترافد بينابيع حضاراته الرافدينية العريقة، وحينما بدأت بوادره الأولى تواجه مشاكل التأسيس، حيث كانت اليقظة القومية قد أخذت مداها الأوسع في الأفق الوطني، وشكلت ردود أفعال متباينة إزاء تدفق الثقافة الغربية في المحيطين الفكري والأدبي على حد سواء، وهكذا احدث الوضع الجديد مستويين فكريين متضادين، استقبل الأول منهما موجات الثقافة الجديدة بترحاب فتح لها مديات الاستيعاب حتى آخرها، ومنحها حرية الانتشار بسرعة توازي سرعة تدفقها، أما الآخر فقد كان يؤكد أرجحيات النظر العقلي المتوازن السليم في التلقي والانتقاء، أملاً في الحفاظ على الخصوصية الوطنية في الفن.أما فنان تلك المرحة الضبابية، فقد عمد، تحت إغراءات هذه الثقافة الجديدة، إلى تناول اقرب ثمارها إلى يده، حينما لم يجد من منابع للإلهام فيما خلفه الماضي من تقاليد فنية، سوى (الخط والزخرفة)(50).
وكانت مرحلة النهوض الحي للتشكيل العراقي في الربع الأول من القرن العشرين بدايات التدوين التشكيلي لبعض الإشارات الفنية البسيطة قبل عام (1931) م التي اقتصرت على الصور المصغرة والمخطوطات المزوقة والرسوم الجدارية أو رسوم ما تحت الزجاج ذات الأسلوب المحلي الشعبي(51). الذي انتشر في بغداد والمدن الكبرى والعتبات المقدسة، ويعد الرسم ما تحت الزجاج مرحلة متطورة لتماثله وفن الرسم الأوربي الذي اقتنته رجالات الدولة العثمانية، ويقف في طليعة الفنانين العراقيين آنذاك (نيازي مولوي بغدادي) المتعدد المواهب في الرسم والزخرفة والخط العربي ليتوصل منها إلى تقنية ما بين رسوم المنمنمات الشرقية والأسلوب الغربي في الفن التشكيلي الذي عاصره ومن تقنياته العالية في الزخرفة والخط التي يرسمها مسبقة لرسومه الملونة وبالحبر الصيني المعد للخط، انبثقت قابليته التخطيطية وجرأته التشكيلية في تطويع الخطوط الخارجية (out line) ليؤول من تشكيل لوحته في الخط والزخرفة تقنيته ورؤيته الصوفية للخط حتى عد من الأوائل الذين وظفوا الحرف العربي في اللوحة التشكيلية، فنضج هذا الاتجاه في ستينيات القرن العشرين وما بعدها حينما أطلق على المجموعة من الفنانين لقبُ (الحرفيون) (جماعة البعد الواحد)(52). إن فن (عبد القادر الرسام) هو حصيلة وظيفتهُ ضابطاً رساماً في الجيش العثماني (فالرسم بالزيت وقواعده التكنيكية ومنظوره والإضاءة والتظليل كلها ابتكارات أوربية والفنان ايٌ كان بجنسيته لن ينجو من تأثيرات الفن الأوربي وتطوراته)(53)، وما جاء به عبد القادر الرسام ومن تبعه، كان هو التحول نحو العالم المرئي بوصفه المصدر الرئيس للرسم(54) فكل من سار في الطريق الذي سار به (عبد القادر الرسام) هؤلاء هم الرعيل الأول الذي ساهم في إرساء دعامات الفن المعاصر في العراق. بالإضافة الى (عبد الكريم محمود ومحمد خضر ورشاد حاتم) ممن ساهموا في تدريس فن الرسم في المدارس ببغداد، حيث كان (عبد الكريم محمود) من رسامي العشرينات واشترك بأول معرض فني في العراق عام 1922، ومن طلابه (حافظ الدروبي وجواد سليم وعيسى حنا وزيد صالح)(55).
افتقرت الحركة التشكيلية العراقية في بداياتها من مراقبة الموروث الحضاري الرافديني لأنها اتكأت إلى القيم الفنية الغربية دونما وعي لقيم الجمال المحلية المتجذرة، وتبين ذلك في أعمال فناني تلك المرحلة أمثال (حسن سامي والحاج محمد سليم وعاصم حافظ ومحمد صالح زكي وفي مقدمتهم عبد القادر الرسام)، ورسومهم لا تعدو إلا ان تكون رسومَ هواةٍ وقد اتسمت بواقعية كلاسيكية أساسها المحاكاة واستنساخ الطبيعة، هذا من جانب وأما الآخر فإن بنية المجتمع العراقي الثقافية كانت في أزمة حيال الأعمال الحرفية الشعبية المقتناة من قبل الطبقات البسيطة دون غيرها من طبقة المثقفين التي أهملت مصدراً إبداعيا ذا قيمة حضارية وجمالية بسبب الانقياد الفطري لطبيعة الدراسة الغربية للفنون، لذا أصبح وعيهم لفن الرسم منصباً على تشجيعه ومساعدة الموهوبين في تلقي العلوم الأكاديمية في أوروبا(56). وهكذا بدأت أُولى العلاقات المضيئة في ارتباط البدايات الفنية بالفكر العالمي تدريجياً عن طريق اهتمام الفنان العراقي بالاتجاهات والأساليب الفنية في أوربا والشعور العميق بأهمية التقنية الشكلية التي تنضج من الأسلوب باتجاه وضوح المضمون تبلورت المفاهيم القومية والإنسانية المتقدمة في أوساط الفنانين التشكيليين وبلغت نضجها في العقد الخامس من القرن العشرين وبات من المؤكد القول أنه عقد التنوير أو العقد العظيم في تاريخ النهضة الثقافية الحديثة في العراق..وقد شكلت خلالها الجماعات الفنية وبدأت ترتبط عن طريق اهتمام الفنانين أنفسهم بالأساليب الفنية في أوروبا(57).
فالتكتلات الفنية والجماعات وأجواء التفكير الفني وتطوره كانت أولى ملامح هذه الانبثاق تشكلت مع ولادة أول جماعة فنية رسمية عام 1941 وهي جماعة أصدقاء الفن (فكانت الأربعينيات فترة الاكتشاف والدهشة والتوقع فقد بدأت بهجرة بعض الفنانين البولنيين(*) الى بغداد بسبب الحرب فتعرَّف إليهم جواد سليم وفائق حسن وعطا صبري وغيرهم.. اذ كان بعضهم قد تتلمذ على يد رسامين درسوا عند "بييربونار" بباريس)(58).
فالمرحلة بين عامي (1931-1941) شهدت عودة المبعوثين من اوربا، وهي مرحلة نشاط الفنانين أنفسهم فدأبوا في تشكيل جمعية رسمية تضمهم تحت لواء الفن، بيد ان الخلاف كان فيما بينهم حول تزعم الجمعية بوصفه نوعاً من المنافسة واكتشاف الذات (منافسة دعمت التشكيل العراقي) أفضت إلى أن يتجه فائق حسن العائد من باريس عام (1938) للتدريس في معهد الفنون الجميلة عام (1940)، فاستقطب الفنانين الشباب وطلبة الفن حوله بعد تشكيل فرعي الرسم والنحت في المعهد، وسعى حافظ ألدروبي لإنشاء مدرسة أهلية لتدريس الفن سميت حينها (المرسم الحر) في حين كان دور أكرم شكري العائد من لندن (1932) تزعم جمعية أصدقاء الفن التي تأسست عام (1941) وتعد أول بعثة لدراسة الفن خارج القطر منعطف في تاريخ الحركة التشكيلية العراقية تزعمها أول تجمع لمجموعة الفنانين عام (1941) لما لها من أسس راسخة للنهوض الأمثل بمكانة الفن العراقي الذي استمد كينونته من أبعاده الحضارية العميقة في القدم حتى ارتكزت في العراق بوصفها نهراً يغذي كل روافد الحياة الإنسانية بما تحتاج، والفن احد هذه الرافد، في حين اتسمت المرحلة اللاحقة بالنضوج الفكري واكتشاف التجارب العديدة الفردية والجماعية بفعل تماس بعض الفنانين العراقيين مع الفنانين البولونيين في بغداد أبان الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ما دفع أكثر الفنانين العراقيين إلى معرفة تقنيات الفن الحديث وذلك بالخروج إلى الطبيعة ودراسة الألوان وتأثرها بالضوء فكان (جواد سليم) الذي استخلص فلسفته في الفن من بين إمكانياته المستقاة من الواسطي وبيكاسوا والفن العراقي القديم، وفائق حسن الذي حفز كل طاقاته اللونية في اللوحة واستغلها بالاتجاه الأمثل، وغيرهم ممن كان لهم بصمة ظاهرة في صرح الفن التشكيلي العراقي المعاصر، بمعنى ان الفنان العراقي استخلص مقدرته من تربته المتجمعة اثر تراكم الحضارات المتعاقبة والحياة المعاصرة مستنيراً بالحركات التشكيلية الغربية، ذلك ان الفنان البولوني مهد الطريق للفنان التشكيلي العراقي على تجاوز الأسلوب الأكاديمي الواقعي والاتجاه الى الحداثة في الفن(59).
كان لافتتاح معهد الفنون الجميلة وتأسيس الجمعيات الفنية أثره الكبير في نمو القابليات الشابة ومسيرة حركة الفنون التشكيلية المعاصرة في العراق (وجعلت سمات الحركة الفنية الجديدة تتبين عندما افتتح معهد الفنون الجميلة قسماً للرسم، والنحت في عام 1941. وأسست جمعية أصدقاء الفن عام 1941، وجماعة الرواد ملتفة حول فائق حسن عام 1950، وظهرت جماعة بغداد للفن الحديث ملتفة حول جواد سليم عام 1951، وجماعة الانطباعيين ملتفة حول حافظ ألدروبي عام 1952، وظهرت جمعية الفنانين العراقيين عام 1956)(60). وأدى انعزال (فائق حسن) عن جمعية أصدقاء الفن إلى تشكيل جماعة البدائيين (sp) عام (1940) مع زيد صالح واسماعيل الشيخلي ومحمود صبري، وقد استأثروا بفلسفة جمالية تؤكد على بدائية الرؤية على أساس تهشيم اللون والتعامل مع الخط بتقنية عالية تقارب تقنية المدرسة الوحشية التي ظهرت في أوروبا عام (1905)(61).
وظهرت بعض الجماعات التي ذكرناها سابقاً، جماعة (الرواد) عام 1950 "لتلزم أعضاءها بالبحث عن المناخ الفني خارج إطار المرسم الشخصي مثلما تلزمهم بتذوق الموسيقى أو حمل أدوات الرسم والسفر إلى ضواحي بغداد لرسم المنظر الطبيعي" كما أصبحت النزعة الاجتماعية واضحة في كيان"جماعة بغداد للفن الحديث" التي تشكلت عام (1951) تعبيراً عن معنى الالتزام الحضاري المحلي والإنساني معاً. كذلك تشكلت (جماعة الفنانين الانطباعيين) عام (1953) وهى في الحقيقة ما كانت تعني بالبحث عن (طرح الانطباعيين الفرنسيين) ذاته، إنما هي مجرد تسمية أدبية في إطارها العام، وكانت التزاماً تقنياً في أحيان قليلة جداً دون التوصل إلى رؤية جديدة في الفن شأنها في ذلك وبشكل أوضح شأن الجماعات الفنية التي ظهرت في الستينات التي اعتمدت التقنية، والشكل كجماعة (المعاصرين) عام 1965، و(جماعة المجددين) 1965، و(جماعة الجنوب للفنون التشكيلية، و(جماعة 14 تموز)، و( جماعة حواء وأدم )، و(جماعة المدرسة العراقية الحديثة ) عام 1966، ثم ظهرت جماعة الزاوية، و(جماعة الحدث القائم)، و(جماعة تموز) في عام 1967، كما ظهرت (جماعة البصرة)، و(جماعة البداية) عام 1968، وكذلك (جماعة الفنانين الشباب)، و(الفن المعاصر)، و(الرؤية الجديدة) عام 1969. وفي مطلع عام 1970 ظهرت جماعات كثيرة منها جماعة "نينوي للفن الحديث"، وجماعة "السبعين"، وجماعة المثلث، و"الدائرة"، و"الظل"، وجماعة فناني السليمانية.
فالبحث عن الأصول قادهم إلى استلهام الحضارات المتراكمة على أرضه، كما قادته المعاصرة إلى العالم الغريب الزاخر من حوله، وبالأخص إلى التيارات العالمية التي يمثلها العالم الصناعي الغربي، أستطاع الفنّان أن يتمثل بعض ما جاءت به تلك التيارات، فلم يخضع لتأثيراتها بشكل كامل، كما لم تحمله على تقليد الأساليب فيسقط في هاوية المماثلة الرديئة(62).
فنتيجة لذلك حصل صراع في الأساليب، وبدأ منذ بدايات الحركة التشكيلية في العراق. يعلق (عاصم عبد الأمير) على ذلك فيقول: (الصراع في الأساليب بدأ منذ فجر الحركة التشكيلية العراقية، فالخمسينيون ذهبوا إلى فن سومر وأكد وإلى المروي التراثي والمدون كي لا يدعو الفرصة تنفرط بين أيديهم، وليوجهوا الفن وجهة صحيحة هذا ما حدث في أعقاب ما عرف بـ(النزعة الحضارية) التي روج لها زعماء جماعة بغداد للفن الحديث، وظلت هذه النزعة تشتغل بفاعلية حتى عقد الستينات وما بعده(63).
ترى الباحثة أن الفنّانين العراقيين لم يحاولوا أن يكونوا نسخة من الحداثة الأوروبية، بل قصدوا من ذلك مجاراة أساليب واتجاهات فنية مغايرة للاتجاه التقليدي السائد. لغرض تجاوز الواقع الفني والاجتماعي ومن ثم خلق أُسلوب فني جديد يحمل الهوية العراقية من خلال عقد الصلات مع المرجعيات الأُخر والفن الأوربي جزء منها، ومن ثم فإن بلورة الأساليب أو بالحقيقة محاولات بناء الأُسلوب لدى الرسام العراقي، كانت تقترح صيغاً أوربية ومحلية وذلك عبر الإفادة من آليات التوظيف الفكري والبنائي للأشكال والمضامين وما يرتبط بهما من تفاصيل، في بنية اللوحة التشكيلية العراقية المعاصرة.ولا شك في تأثر الفنّانين بالتراث المحلي إذ يعد رافداً مهماً من روافد المعرفة، ومرآة حقيقية لثقافة الشعوب، فيعكس جانباً من جوانب حياة المجتمعات، ويعبر عن العادات والتقاليد التي تتوارثها الأجيال يمثل التراث جزءاً من الموروث الحضاري، فهو لا يلغي التاريخ القديم ويرتبط بأواصر وثيقة مع الحياة المعاصرة. لهذا فهو بمثابة حلقة وصل بين الماضي والحاضر، وهو يبدأ ولا ينتهي، (إنه مرادف مصاحب للزمن، لا بتعاقب الفصول والقرون ولكن بما يقدمه ذلك الزمن من نتاج الجهد البشري في ميادين المعرفة التي لا حصر لها، ولا يصلح في التراث وضع تقسيم يصنع حواجز بين الماضي والحاضر والمستقبل)(64). غير أنَّ النظرة للموروث أخذت بالتجذر باكتشاف كنوز ومكتشفات الآثار أصلاً. ومثل هذا الوعي التشكيلي في بادئ الأمر، الأمر الذي عمق إلى حد ما الهوة بين الفنون المحلية، والفنون الأوربية وعبر توسع الجدل ومحاولات فهم الأصالة الاجتماعية الفن ومعناه، صار التراث العراقي القديم والعربي، والعربي الإسلامي الوسيط، قضية ساخنة منذ بداية الخمسينيات(65).
تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث: تأسست (جماعة بغداد للفن الحديث)(*) يوم الخميس 19 من نيسان سنة 1951 استعاد (شاكر حسن) بذاكرته ظروف نشأة تلك الجماعة، وقال إن ذلك يرجع إلى أيام تلمذته في فرع العلوم الاجتماعية بدار المعلمين العالية ببغداد (كلية التربية ـ جامعة بغداد) سنة 1948 وتعرفه على الفنان جواد سليم (1920-1961) وبعد تخرجه انتسب إلى الدراسة المسائية في قسم الرسم بمعهد الفنون الجميلة وهناك صادف العديد من الطلبة والأساتذة الذين أصبح لهم فيما بعد شأن في حركة النهضة الفنية العراقية المعاصرة، ومنهم "محمد غني حكمت، وإحسان الملائكة، وهنري زفوفدا، ومحمد الحسني، ورسول علوان، وعطا صبري، وفائق حسن". وقد تكررت لقاءاته بهؤلاء وغيــرهم، ولم يقتصر اللقاء على الفنانين فحسب، بل كان هناك أدباء وصحفيون عديدون اعتادوا الجلوس في المقهى ذاته ومنهم الشاعر (حسين مردان) والشاعر (كاظم جواد) والشاعر (بلند الحيدري) والصحفي (عبد المجيد الونداوي) ومعظمهم من الذين يحملون فكرا سياسيا يساريا تقدميا. كما يجمع الكثيرون منهم بين الرسم والنحت والأدب، ويشتركون في مسألة أخرى وهي نزوعهم لإكمال دراساتهم في خارج العراق ورغبتهم في تجديد الفن العراقي وتحديثه(66). وكان من بواكير انجازات هذه الجماعة إقامة المعرض الأول ببغداد سنة (1951) ويتحدث المرحوم (شاكر حسن آل سعيد) عن لحظات ولادة الجماعة والمعرض فيقول "أتذكر اليوم والساعة، اظنه مساء يوم الخميس من منتصف نيسان من ربيع 1951 كانت حفلة افتتاح المعرض، فقد اكتظت القاعة بالمدعوين من مختلف الطبقات والعناصر. ألقى جواد سليم محاضرة وتلا شاكر حسن آل سعيد (البيان الأول للجماعة) ورافق افتتاح المعرض حفلة موسيقية أحياها بعض أساتذة وطلبة معهد الفنون الجميلة"(67).
في سنة 1953 أقامت الجماعة معرضها الثاني وسرعان ما توالى تنظيم المعارض والتأثير في بنية الحركة الفنية العراقية وتعميق توجهاتها الإنسانية، ويربط آل سعيد بين ظهور الجماعة من جهة واندلاع ثورة الشعر الحر في العراق من جهة أخرى.. فكلاهما برأيه، كان يمثل انعكاسات (لازدهار الوعي الاجتماعي والثقافي لجيل الخمسينات من القرن الماضي. وكانت تجربة عراقية جديدة في ميداني الأدب والفن تستند إلى أمرين مهمين أولهما الاعتزاز بالموروث في الحضارة العربية والإسلامية العريقة وثانيهما الانفتاح على طبيعة العصر.
ترسخت أقدام الجماعة واتسعت قاعدتها عند الإعداد للمعرض الفني الأول وافتتاحه وقد اشترك في المعرض التشكيلي كل من (جواد سليم ولورنا سليم ومحمد الحسني وقحطان عبد الله عوني ونزار على جودت وريشار كنادا ومحمود صبري (مواليد 1927) وشاكر حسن آل سعيد).وقد نجح المعرض نجاحا باهرا.و بعد سنة من افتتاح المعرض انضم إلى الجماعة (نزيهة سليم، ورسول علوان، وحافظ الدروبي، ومحمد غني حكمت، وهنري لويس)، وفي سنة (1954) انضم (بوغوص بابلو نيان وطارق مظلوم وفرج عبو (1921-1984) وخالد الرحال (1926-1986) وخليل الورد وعلي الشعلان).وهكذا تنامى عدد الجماعة حتى وصل سنة (1957) إلى ما يقارب الـ(16) رساماً ونحاتاً، ومن الفنانين والنحاتين الآخرين الذين انضموا إلى الجماعة جبرا إبراهيم جبرا (1920-1994) وكانثي وود، وإبراهيم العبد لي، وسلمان عباس، وخضير الشكرجي، وثريا النواب، وفؤاد جهاد، وإسماعيل فتاح الترك(توفي 2004)(68).
مؤشرات الإطار النظري: تشير أكثر الرسوم للفن العراقي الحديث إلى غزارة في تناول الدلالات والرموز الحضارية القديمة والتراثية ولا يفتأ الفن العراقي من تأكيد انتمائه لتلك الحضارة.
تعد الحضارات العراقية القديمة مصدراً وجذرً إثرائياً للفنان العراقي لما تمتعت به تلك الحضارات من غنى ثقافي وفني كان مصدر إشعاع للإنسانية عموماً.
على الرغم من التفاعل او اندماج الفنان العراقي المعاصر مع الحضارة الغربية الحديثة المميزة بالتنوع الثقافي والفني، إلى أنه استطاع ان يؤكد حداثيته المستلهمة للتجارب الغربية من دون أن يقوض مرجعيته الحضارية الشاملة.
ان تأثر الفنان العراقي المعاصر بالأبعاد الحضارية، كان تأثراً شمولياً بوصفه تميزاً تاريخياً لتلك الحضارة، أي لم يتعامل مع جزئيات الصراع السياسي بين المدن والأقاليم، وما شابه.
يتسم العمل الفني بسمة سردية تسجيلية، من خلالها عمق مدلولات العمل الفني.
إن شمولية المعنى انفتاح افق التوقع جاء نتيجة انطلاق الرسام العراقي الحداثي من معطيات الحس وتمثيل واقع الظواهر، وهذا مادعى بالمقابل الى الميل الى تجريد الأشكال وبمديات مختلفة بين التجريد البسيط والتجريد الخالص.
اتسمت صور الأشكال في اللوحة التشكيلية المعاصرة بوحدة اندماجية بين الرموز الحضارية والرؤية المحيطية عبر استعارية الأشكال المرمزة ولأساليب حديثة.
دعت المخيلة الخصبة للرسام العراقي المعاصر الى استيعاب الصور الميثولوجية ببعديها الفكري والفني واستيعاب شخصياتها ومفاهيمها، مثل كلكامش، وغير ذلك، بوصفها عناصر استعارية فاعلة.
استلهام الموروث الفني الشعبي العراقي ومعالجته بواقعية، فظهور الفكر الجماعي بحد ذاته يعد موقفاً حضارياً (اجتماعياً، وثقافياً) أسس لوعي اجتماعي مسؤول في عملية استلاب الذات بشكل معاصر.
ان تنامي الوعي السياسي والديمقراطي في العراق أسهم في تركيبة الفنانين الثقافية وصياغة الاتجاهات المعاصرة في الفن، إذْ شق طريقه بشكل تيارين متوازيين في ظاهرهما ومتلاقيان في جوهرهما بدرجة تأثر بالنزعة الشكلية في أوربا، فاتجه التيار الأول نحو التقاليد الفنية المتوارثة وتميز بتأثره بأشكال فنون سومر وآشور والفنون الإسلامية والموروث الشعبي وبمضامين الأساطير والحكايات الشعبية وقد مثل هذا التيار جماعة بغداد للفن الحديث، أما التيار الثاني فتمثل في أعمال فناني (جماعة الرواد).
الفصل الثالث/ إجراءات البحث
1- مجتمع البحث: اقتصر البحث على دراسة أعمال رسَّامي (جماعة بغداد للفن الحديث) الزيتية للمدّة(1950-1959) ما منشور وما متوفر من مصورات للوحات المتعلقة بمجتمع البحث البالغ (35) لوحة، وما معروض في قاعات العرض التشكيلية والمقتنيات الخاصة في العراق والمصادر الفنية.
2- عينة البحث: حاولت الباحثة تصنيف مجتمع البحث بأسلوب قصدي انتقائي من اللوحات الزيتية لجماعة بغداد للفن الحديث، ونظرا لعدم وجود التواريخ على أعداد كثيرة من اللوحات، وعدم إمكانية التحقق منها، لأن الأعداد ليست قليلة ترجع إلى فنانين فارقوا الحياة، لذا عملت الباحثة على اعتماد مبدأ تواصلية الفنان وتأثيره في المحيط التشكيلي العراقي عبر مرحلة حدود البحث، وتبلغ عينة البحث أعدادها (5) لوحاتٍ.
3- أسلوب البحث: اعتمدت الباحثة الأسلوب الوصفي التحليلي (على وفق جماليات الشكل في الرسم العراقي لجماعة بغداد للفن الحديث) و اعتمادها المؤشرات التي تم استخراجها من الإطار النظري.
* * *
عينة (1)
اسم العمل: أطفال يلعبون.
اسم الفنان: جواد سليم .
سنة الإنتاج: 1953.
القياس: 50´ 70
المادة والخامة: زيت على قماش
تمثل لوحة (أطفال يلعبون) بوصف عام تفصيلات من المشاهد المألوفة للحياة الشعبية في ضمن سلسلة بغداديات الفنان، هذه الّلوحة اتسمت بالطابع الهندسي، قسّمها (جواد سليم) على أشكال هندسية مستطيلات ومربعات، أما المساحة المستطيلة في الأعلى فقد شطرت إلى مربعين متساويين، وفي الوقت ذاته عمل الفنان على تجزئة تلك المساحات الهندسية بالشكل الذي يخدم حركة الشخوص والوظائف التي تؤديها ضمن إطار المرجع التراثي الذي يمثل أطفالاً بأزيائهم الشعبية وهم يمارسون بعض الألعاب التي كانت شائعة في أزقة بغداد.
نجد ان المربع ذا الخلفية الترابية الهادئة من اليمين قد وزعت عليه أشكال لثلاثة أطفال اثنان منهم منشغلان بلعبة الحبل، أما الثالث في أقصى اليمين فانه يلعب بالكرة فيما يعلوه قوس إسلامي (وهو إشارة لمداخل البيوت والأزقة الشعبية)، وفي الجهة المقابلة ثمة صبيتان ترقصان داخل مساحة مستطيلة يعلوها قوس هي الأخرى وبنفس التشكيل البنائي تبدو لنا في أعلى الطفلتين مساحة مربعة تنفرد فيها طفلة تلعب (لعبة الحبل) وهي تمسك بالحبل بكلتا يديها، وقد رفعته للأعلى، ونلاحظ أن ضفيرتيها السوداويتين شكلتا قوساً للأسفل، معاكساً لحركة اليدين اللتين شكلتا قوسا للأعلى وبلون اسود، وبالروحية نفسها عمل على إشغال الشريط المستطيل البني الغامق نسبياً الذي يكاد ان يتوسط العمل بطفلين إذ وضعا كلتا يديهما ورجليهما إلى الأرض. حملت تلك الصور الطفولية التي أعطت للتكوين العام ،عمقا واضحا بأبعاد تراثية كونه يشكل جزءاً من البنية الحضارية والفكرية، اذ استهوى الفنان تلك الرموز بين صور الواقع وتجريد تلك الصور.
والمشهد أظهر جميع الوجوه بصورة تشبه صورة (العين) وهي استعارة شكلية للأثر السومري، الذي ظهر في الوركاء ليمثل تحفة فنية نادرة وعلامة بارزة في فن النحت الرافديني، الوجه والعناصر المنقادة له (العينين اللوزيتين الواسعتين، الأنف الطويل، الحاجبين المقوسيين اللذين يميلان إلى الالتحام)، ورسم اليدين بشكل يشبه (القوس) ورسم كذلك بنية الجسد بشكل (مثلث)، ولم يرسم الصورة الكلية لأي طفل بملامح واقعية، إذ اعتمد الطابع التجريدي (الاختزالي) وركّز على الحركة: حركة الجسم، حركة اليدين، حركة الأرجل، حركات اللعب (الطائرة الورقية، لعبة الحبل، لعبة السيف، لعبة الكرة).
* * *
اسم العمل: موسيقيون في الشارع.
اسم الفنان: جواد سليم.
سنة الإنتاج: 1956.
القياس: 23×73سم
المادة والخامة: زيت على قماش.
إن الفنان (جواد سليم) خطا خطوات متقدمة في بناء لغته التشكيلية التي انمازت بقدرة عالية في نقل تجربته اعتماداً على جملة من الخصائص تأتي في مقدمتها، بعدها عن النمطية فالفنان يتحاور مع أشكاله ويتجذر بها بعيداً في الماضي قبل ان يسقيها ألوانا. إذ اعتمد الفنان في لوحته (موسيقيون في الشارع) على الكثير من الأشياء الشعبية التي تدل على البيئة العراقية بكل تفاصيلها فخلفية اللوحة جسدت الطراز المعماري البغدادي المتكون من الأعمدة والأقواس التي امتازت بها البيوت البغدادية القديمة، فقد استلهم رموز الموروث الشعبي في بناء اللوحة، إذْ نجد فيها سبعة أشخاص، يتمثلون بثلاث موسيقيين شعبيين يعزفون بآلاتهم ، وثمة ثلاثة صبيان أمام التكوين وهم فتاة صغيرة على يمين التكوين وولدان صغيران في الوسط يرتدون ملابسهم الشعبية تبدو عليهم مظاهر البهجة يمارسون فرحهم الطفولي وعند أقصى اليمين امرأة تلبس العباءة السوداء وهي تصفق.
فعمل على توظيف الزخارف النباتية والهندسية ذات المرجعية الإسلامية في بنية التكوين، وتحديداً عند (الواسطي) في سلسلة منمنماته الذائعة (مقامات الحريري المصورة) التي أفاد منها في تدبر الأشكال وهي تجد طريقها إلى السطح التصويري.على الرغم من أن المساحة اللونية لا تبتعد كثيراً عن مساحات توسيمها بوصفها دلالة مطابقة إلا أن (جواد) يرتقي بهذه الدلالة من خلال ابتعاده عن تماثلية أو محلية بمغامرة تجريدية ليجعل الدلالات المطابقة إلى دلالة إيحاء من خلال اقتران المعاني (دلالات اللون) هنا اقتراناً حراً برمزها الأول أو بعدها الحضاري أو حاضنتها التاريخية، قال جواد: "إن الفنان يتابع ما يجري حوله ويعبرعنه بإخلاص ولكن عليه أن يعرف كيف يحقق هذا التعبير".
* * *
عينة (3)
اسم العمل: حفلة رقص.
اسم الفنان: شاكر حسن ال سعيد.
سنة الإنتاج: 1951.
القياس: 100´50
المادة والخامة: زيت على قماش
يتكون العمل من أربع فتيات يقمن بحركات راقصة تتوسطهن فتاة تحمل عوداً وتعزف عليه والى جانبها فتاة أخرى تحمل بيدها دفاً وتجاورها فتاة أيضا وعلى جانبها الأيسر فتاة حملت بيدها غصناً، تُعبرّان عن فرح الطفولة وهن يلبسن ملابسهن الشعبية الملونة، وتحيط هذه بمجموعة من الموتيفات الشعبية البغدادية، زخارف جدارية بغدادية الأمر الذي حققه من خلال العودة إلى الموروث الشعبي والحضاري والعربي الإسلامي مع الأساليب الفنية الحديثة.
إذْ استعان (شاكر) في هذا المشهد بارتباطه بالوسط الشعبي، وبالتبسيط الذي يصل إلى حد التأليفات العضوية في الفن الفطري. إذ اتخذت رسوماته جمالية الحس الشعبي (المحلي) وبوحدات تشكيلية مفعمة بالتخيل العفوي، لاستحضار الإرث الحضاري الإنساني ودلالته، فلجوء (شاكر حسن) إلى قوى ذهنية أشبه بتفكير الطفل و البدائي كون أصالة تفكيرهم ونقاوته تقيم بدائل وخيارات شكلية فخيالهم البريء يتيح لهم الإمكانات لتبديل معالم الواقع ليكونوا على اتصال مباشر برغباتهم السرية والمعلنة. التي استعان من خلالها بمرجعيات ذات أبعاد حضارية تنطلق من واقع فرض حضوره في فضاء اللوحة.
ففي هذه اللوحة تتجه الأشكال نحو التجريد في محاولة للكشف عن التنوع بطريقة الأداء من خلال التعامل مع الأشكال البدائية التي تنتشر على المساحة التصويرية كأنها تسبح في الفضاء على وفق طرز شكلية تستند في قوامها على توظيف المفاهيم والبنى الفنية الذي عرفها الفن الأوربي الحديث لتيار من التكعيبية، وإبراز القيم التكعيبية وفعل التدارج في المستويات، إضافة إلى الشفافية، وأقصى الفنان البعد الثالث من اللوحة لتبدو رسومه أكثر قرباُ من رسوم الأطفال والرسوم الجدارية الأولى في الكهوف. فتبين لنا النزعة التصميمية (أي الطابع التسطيحي للمشهد التصويري) التي تعطي كذلك دلالة رمزية (إسلامية) ولعل الفنان قد أفاد من الأشكال والزخارف الجدارية التي عرف بها طراز السقوف التي تمتد في أصولها الحضارية إلى الجماليات التي كشفت عنها الزخرفة العربية الإسلامية.
* * *
عينة (4)
اسم الفنان: نزيهة سليم.
اسم العمل: بائع اللحف.
القياس: 75 × 80سم
المادة والخامة: زيت على قماش.
المشهد يصور رجلاً وامرأة في دكان لبيع الفرش والأغطية القطنية الشعبية. يبدو الرجل بوجهه الترابي الغامق وعيونه النجلاء وحواجبه الهلالية وزيه الشعبي التقليدي المعروف في محلات بغداد الشعبية إذْ يتكون من غطاء الرأس والصاية، وهو منهمك بأداء عمله، فيما بدت المرأة بزيها المحتشم وجلستها الحائرة وهي تضع يدها على خدها الأيسر وعيونها شاردة. الفنانة اتخذت من المنهج الواقعي وسيلة للتعبير عما تريده ولكنها استخدمت هذه الواقعية بشكل محور، فربطت بين معطيات العصر في الرسم وقد مثلت اللوحة رجلاً وامرأة، أما الأزياء التي ارتدتها الشخصيتان في اللوحة فقد كانت بغدادية شعبية.
فالأشكال تؤدي غرضين الأول هو تسليط الضوء على ما تخفيه من مغزى إنساني رامز، والآخر يتحدد ضمن نطاق الطبيعة الجمالية لها، فالشكل الإنساني يبدو مدخلاً رئيساً لرؤيتها الفنية، وعن طريقه يمكننا الاستدلال على النوازع النفسية والاجتماعية فلا تظهر الفنانة تعالياً على خصائص المحيط.
وللخط في هذا المشهد مهمتان، الأولى تهدف إلى إبراز جمالية الشكل في حدوده الظاهرة، فيما تتحدد مهمته الثانية في تعميق المحتوى الإنساني الذي يضمره الشكل ذاته. إن اللوحة بمفرداتها القليلة، لم تترك لنا مجالاً للشك في امتلاء السطح بالقيم الجمالية جراء التنظيم المستقر، فطبيعة المعالجة البصرية للأشكال تدل على ميل الفنانة إلى تكييف الموضوعات الشعبية، مع صياغات أسلوبية حديثة ولو بحدود المعالجة الشكلية.
* * *
عينة (5)
اسم الفنان: فاضل عباس.
سنة الإنتاج: 1957 .
اسم العمل: اعرابية .
القياس: 43 × 70سم
المادة والخامة: زيت على قماش
تظهر في اللوحة امرأة منحنية بوضع شبه أمامي في مقدمة المشهد، يدها اليسرى تقترب من وجهها مرسلة نظراتها بدهشة إلى الجانب الأسفل، وفي أقصى اليمين شخص يتطلع إلى الجانب الآخر، فالخلفية بتجريداتها ساندة للشكل الرئيس.
لعل الضرورة الجمالية هي التي دفعت الفنان لمضاعفة جمالية الخطوط جراء استثمار ما أمكن من مهارات باللعب على التضادات اللونية القوية، فاستخدام الخط بهذه الطريقة يكشف عن تأثر الفنان بـ(الفن الوحوشي) الذي كان للخط فيه دور رئيس في إظهار حدود الأشكال. فالخط على وفق هذا المعنى يسير على جسد الشخصين الأمامي والخلفي بطراوة واضحة متشحاً بالسواد، ليبدو بمثابة وسيط بصري تتحدد مسالكه تبعاً لأبعاد الشخصين، والحالات الشعورية المعبر عنها، مسهماً في تعميق التباين في المجال البصري، وتكريس التناسق والإيقاع بقصد تجاوز الرتابة المحتملة في تشكيل السطوح ذات النسق التجريدي، فأشكاله المجردة من الفن الرافديني (السومري) ذات الدلالات والرموز الحضارية القديمة تحديداً تلك العيون الواسعة والسحنة العراقية السمراء جعلت من مكوناته تنقاد بفعل المخيلة والواقع على السواء وتؤكد انتماءه لتلك الحضارة.
* * *
النتائج والاستنتاجات
أولاً - نتائج البحث: توصّلت الباحثة إلى عددٍ من النتائج استناداً إلى ما جاء به الإطار النظري للبحث توجزها بالآتي:
ان رسومات (جماعة بغداد للفن الحديث) قائمة على مرجعيات حضارية، سواء كانت ذات وجهة (رافدينية وإسلامية وأوربية) تسير عناصرها البصرية بما يتلاءم والموضوع الذي كان قاسماً مشتركاً له وتباين مقارباته المفاهيمية والبنائية، مع وجود اختلافات في الصياغات الأسلوبية للشكل من فنان لآخر.
ان تجربة الواسطي أصبحت من أهم المراجع الحضارية التراثية التي غذت الفن الحديث في العراق إذ كانت بداية مزج التراث بالحداثة. وحتى انتقال تأثيره الى الغرب نفسه.وهو ما يظهر جلياً في (عينة1-2).
استثمرت العينة(3) التجريد باعتماد العناصر البصرية (الخط، اللون) تحديداً ليظهر الحركة الدائبة المستمرة التي جاءت نتيجة الإيقاع المتوالي الذي خلفته الأشكال بخطوطها وألوانها.
أما النمط الواقعي المجرد فنجده كذلك في (عينة3) عبر رصد حيثيات المشهد كما يبدو في الواقع والعمل على تجزئة عناصره البصرية إلى وحدات هندسية مكسرة في بنائها الخطي واللوني العام. فصور الحياة البدائية على وفق طرز شكلية تستند في قوامها إلى توظيف المفاهيم والبنى الفنية التي عرفها الفن الأوربي.
اعتماد التسطيح في معالجة الأشكال وعلاقتها في ضمن أبعاد الفضاء المستثمر، أكد مدى الانسجام في صياغتها كما في (عينة3-4).
من المضامين التي تعالج موضوعة العلاقة بين الرجل والمرأة (العينة-7) مُحصلةً لقيم القوة والكفاح والعائلة وارتباطاتها بالعناصر الحياتية بوصفها قيماً مقدسةً استخدمها الفنان لتمثل رموزاً ذات مرجعيات حضارية.
تعكس (العينة7-8) المضامين التي تصور وقائع الحياة للمجتمع العراقي ليصورها الفن بعلاقة حميمية ترتكز على المضمون الفكري للموروث بروحية متناقلة بين الواقعية والتعبيرية.
الاستنتاجات:
ان الرسام العراقي في (جماعة بغداد للفن الحديث) انصب وعيه على قراءة الموروث الحضاري ومعايشته على وفق النتائج المستحصلة من التجارب العالمية التشكيلية بقراءتها الموروث الحضاري الرافديني وتعقبها المراحل التطورية في تقنيات الفن، فالفنان تدارس بنية موروثه الحضاري بحميمية توصله إلى العالمية بركائز محلية، سواء كانت المعالجة اجتماعية او تزينية وسياسية.
محاولة رسام جماعة بغداد للفن الحديث تكييف الاتجاهات الأسلوبية الأوربية الحديثة، التي استوعبها نتيجة للتلاقح الثقافي والحضاري مع معطيات الرسم الأوربي، وفقاً للمرجعيات الفكرية والاجتماعية والحضارية لمجتمعنا، وانطلاقاً من مبدأ التجريب والتحرر من التماثلية التي هيمنت على الرسم العراقي المعاصر. إذ تأثر الرسم العراقي بالفن الغربي في الجانب التقني لكنه يختلف من حيث الجوهر.
تهدف رسومات جماعة بغداد للفن الحديث إلى التوفيق بين الأساليب الأوربية الحديثة والأساليب المحلية من اجل استلهام الأبعاد الحضارية.
تفاعلت جماعة بغداد للفن الحديث مع الموروث الحضاري فكانت تجربة تستند إلى أمرين، أولهما: الاعتزاز بالموروث في الحضارة العربية الإسلامية العريقة، وثانيهما: الانفتاح على طبيعة العصر مع الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية.
* * *
التوصيات:
ضرورة اطلاع الرسام على مرجعيات الجماعات الفنية بشتى اتجاهاتها، لتهيئة المناخ المناسب لصياغة الأشكال الفنية المستمدة من الإرث الحضاري.
ضرورة عناية المؤسسات الفنية والإعلامية بتعميق الوعي الفكري بالحضارة، من خلال عقد الحلقات الدراسية، وعقد الحوارات النقدية، فضلاً عن تطوير البرامج التعليمية وصولاً الى إيجاد أرضية رصينة تعمق من استلهام الموروث الحضاري بروح العصر.
المقترحات: تقترح الباحثة إجراء دراسات تتناول الآتي:
الأبعاد الحضارية ومرجعياتها الجمالية بين جواد سليم وشاكر حسن ال سعيد.
التحولات الحضارية في أعمال جماعة البعد الواحد.
الأبعاد الحضارية في الرسم الأوربي الحديث.
* * *
الهوامش
(1) مايرز، برنارد: الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها، ت: سعد المنصوري ومسعد القاضي، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة – نيويورك: 1966، ص 16.
(2) زكريا، إبراهيم: مشكلة الفن، مصر، القاهرة: 1976، ص 33.
(1) المنجد في اللغة والأعلام، بيروت، دار المشرق، ط22، 1986، ص139.
(4) العلايلي، عبد الله: الصحاح في اللغة والعلوم، المجلد الأول، بيروت، دار الحضارة العربية، ط1، 1974، ص274.
(5) ابن خلدون: ( المقدمة ) تاريخ العلامة ابن خلدون، المجلد الأول، بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، ط2، 1961، ص656.
(6) ديورانت، ول: قصة الحضارة، ت د. زكي نجيب محمود، المجلد الأول، ج1، بيروت، دار الجيل، ص3.
(7) مرسي، احمد: مقدمة في الفلكلور، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1975، ص35.
(8) مؤنس، حسين: الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتدهورها، سلسلة عالم المعرفة 1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، 1987، ص13.
(9) صاحب، زهير، ونجم عبد حيدر، وبلاسم محمد: دراسات في بنية الفن، دار ايكال للطباعة، بغداد، ط1، 2003، ص12.
(10) حكيم، راضي: فلسفة الفن عند سوزان لانجر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986، ص108-111.
(*) ان أول من استعمل لفظة الثقافة (kulture) الألمان ودعوها الحضارة، وقد وصفها (جون ديوي) ثمرة التفاعل (interaction) بين الانسان وما يحيطه وهذا هو معنى الحضارة عند (ارنولد توينبي) (ينظر: مؤنس، حسين: الحضارة دراسة في اصول وعوامل قيامها وتدهورها، سلسلة عالم المعرفة 1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، 978 1، ص368-370)
(11) عثمان، فتحي: الفكر الاسلامي والتطور، القاهرة، دار القلم للنشر، د.ت، ص14.
(12) ار، اج، ويلنسكي: دراسة الفن، ت: يوسف داود، دائرة الفنون التشكيلية، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1982، ص204.
(13) حكيم، راضي: فلسفة الفن عند سوزان لانجر، المصدر السابق، ص109.
(14) الجابري، علي حسين: فلسفة التاريخ في الفكر العربي المعاصر – جدلية الأصالة والمعاصرة – القسم الأول، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993، ص29.
(15) البياتي، عبد الحميد فاضل: محاضرة في الفكر الأسطوري في الفن القديم، جامعة سانت كلمنتس العالمية، مكتبة حفوض الفرات، كربلاء، 2005، مح2، ص1.
(16) صاحب، زهير: فن الفخار والنحت الفخاري في العراق (عصور ما قبل التاريخ)، بغداد، 2004، ص37.
(17) صاحب، زهير وآخران: دراسات في بنية الفن، المصدر السابق، ص7.
(18) لويد، سيتن: فن الشرق الأدنى القديم، ت: محمد درويش، دار المأمون للنشر، بغداد، 1988، ص90.
(19) موتكارت، انطوان: الفن في العراق القديم، المصدر السابق، ص81.
(20) مورتكات، أنطون: الفن في العراق القديم، المصدر السابق، ص206—210.
(21) الجبوري، محمد: حضارة وادي الرافدين الفن والتأثير في ميلاد العالم، مجلة الثقافة الأجنبية، ج2، ع2، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2000، ص71.
(22) فوزي، حسين: محيط الفنون، ج1، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1970، ص46.
(23) هنتنغتون، صموئيل: صدام الحضارات، مصدر سابق، ص114.
(24) بيير، هنري سيمون: الفكر والتاريخ، بيروت، المجلس الاعلى لرعاية الاداب والعلوم 1974، ص47.
(25) الكروي، ابراهيم سلمان و شرف الدين، عبد التواب: المرجع في الحضارة العربية الاسلامية، ط2، الكويت، ذات السلاسل للطباعة والنشر، 1987، ص15.
(26) ال سعيد، شاكر حسن: الأصول الحضارية والجمالية للخط العربي، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988، ص19.
(27) حيدر كاظم: التخطيط والألوان، بغداد، جامعة بغداد، 1984، ص71.
(28) ال سعيد، شاكر حسن: الأصول الحضارية والجمالية للخط العربي، المصدر السابق، ص17.
(29) بريتون، رولان: جغرافيا الحضارات، المصدر السابق، ص101.
(30) الصدر، محمد باقر: فلسفتنا، ط15، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1989، ص39.
(31) ديماند، م، س: الفنون الإسلامية، ت: عيسى سلمان، احمد محمد عيسى، دار المعارف بمصر، 1970، ص12.
(32) الألفي، أبو صالح: الفن الإسلامي ( اصوله، فلسفته، مدارسه )، دار المعارف، القاهرة، ( د. ت ). ص107-111.
(33) حسن، زكي محمد: مدرسة بغداد في التصوير الإسلامي، مجلة سومر، عدد (1)، سنة 1955، ص32-36، مجلة الرواق، عدد (51)، سنة 1984 ص14-16.
(34) البقاعي، شفيق: الثورة على الذات والتأثير الايديولوجي لعقلنة النقد، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، 1981.
(35) الجبخانجي، محمد صدقي: فنون التصوير المعاصرة، دار القلم، القاهرة، 1961، ص 36.
(36) فراي، أدوارد: التكعيبية، ت: هادي الطائي، دار المأمون، بغداد، 1990، ص116.
(*) الوحشية: سبب تسمية هذه المدرسة بالوحشية يعود الى عام 1906، عندما قامت مجموعة من الشبان الذين يؤمنون باتجاه التبسيط في الفن، والاعتماد على البديهة في رسم الاشكال، قامت هذه المجموعة بعرض اعمالها الفنية في صالون الفنانين المستقلين، فلما شاهدها الناقد (لويس فوكسويل) وشاهد تمثالاَ للنحات (دوناتللو) بين اعمال هذه الجماعة التي امتازت بالوانها الصارخة، قال فوكسويل "دوناتللو بين الوحوش"فسميت بعد ذلك بالوحشية، لانها طغت على الاساليب القديمة، مثل التمثال الذي كان معروضاً حيث انتج باسلوب تقليدي قديم، ويعد (هنري ماتيس) رائداً وعلما من اعلام هذه المدرسة ثم الفنان (جورج رووه) (ينظر: حسن، حسن محمد: مذاهب الفن المعاصر، مركز الابداع الفكري، دائرة الثقافة والاعلام بحكومة الشارقة، د ت، ص128)
(*) التعبيرية (expressionism) ظهرت في شمال اوربا حركة فنية، تنحى منحى التامل الذاتي للفنان، فهي لا تحاول شرح أوتفصيل الحقائق الواقعية، وانما تحاول التعبير عنما مايجول في خاطر الفنان من انفعالات، وه مدرسة تشترك مع التكعيبية والتجريدية في تجريد الاشكال وتشويهها، ولكنها تمتاز بتشويه الاشكال والكائنات حد يبعث بعض الاحيان على السخرية، بل ان الكاريكتير هو تطور للتعبيرية.(ينظر: حسن، حسن محمد: مذاهب الفن المعاصر، المصدر السابق، ص90).
(37) نوبلر، ناثان: حوار الرؤية، ت: فخري خليل، مر: جبرا ابراهيم جبرا، دار المامون، بغداد، 1987، ص203.
(**) التكعيبية: حركة فنية واتجاه فني محدد، تدين بنشأتها بحسب الراي السائد لفنانين هما: (بيكاسو 1881-1973) و(براك 1882-1963) ومن المسلم به أن (بيكاسو) كان له الدور الرئيس إذ تميزت أعماله التصويرية منذ بدايتها وعكست سمات الرسم التكعيبي، وينسب استخدام تسمية التكعيبية إلى الناقد (لويس فوكسيل) الذي صاغ مصطلح الوحوشية، والرسم التكعيبي يدين إلى فوكسيل بهذه التسمية، ففي مقالة له تكلم فيها عن المكعب والتكعيب بمناسبة معرض (براك) عام 1908 إذ ظهرت فيه الأشكال بسمات تكعيبية.
(38) ايغلر، فرانك وجي اي، مولر: مئة عام من الرسم الحديث، ت: فخري خليل، م: جبرابراهيم جبرا، دار المأمون، بغداد، 1988، ص79.
(39) سيرولا، موريس: الفن التكعيبي، ترجمة: هنري زغيب، بيروت- باريس: منشورات عويدات،ط1، 1983، ص8-12
(40) فراي، ادورد: التكعيبية ، المصدر السابق ، ص175.
(41) فراي، ادوارد، التكعيبيـــة، ت: هادي الطائي، دار المامون، بغداد، 1990، ص112.
(*) السريالية: من الحركات الفنية التي قامت على نظريات علمية بصورة مباشرة، ففي عام 1924 كانت هناك اتجاهات علمية تسود العالم وتتصل بما استحدثه ( فرويد ) في علم النفس والحياة اللاشعورية، وأصبح من المعروف أن سلوك الإنسان وتصرّفاته ليست مسؤولية الجانب الشعوري وحده، بل هو مسؤولية الجانب اللاشعوري أيضاً... للمزيد ينظر: خميس، حمدي: التذوق الفني ودور الفنان والمُستمع، المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت، لبنان، ب ت، ص 64 – 65.
(**) من مؤسسي هذه الحركة: بريتون، وارغون، وسوبر، واريلوار، معلنين سقوط العقل البشري والأخذ بفكرة اللاشعور.
(42) بريتون، اندريه: بيانات السريالية، ت: صلاح برمدا، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1978، ص 79.
(43) أدونيس: الصوفية والسريالية، ط2، ت: محمد سالم عبدالله ، منشورات دار الساقي، بيروت، باريس، 1995، ص 30.
(44) أدونيس: الصوفية والسريالية، المصدر السابق ، ص55.
(45) حسن ، حسن محمد: مذاهب الفن المعاصر ، المصدر السابق ، ص219.
(46) ستولينتز، جيروم: النقد الفني، دراسة جمالية وفلسفية، ت: فؤاد زكريا، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة، 1974، ص195.
(47) باونيس، الآن: الفن الأوربي الحديث، ت: فخري خليل، دار المأمون، بغداد، 1990، ص197.
(48) الصراف، عباس: جواد سليم. السلسلة الفنية (12)، وزارة الاعلام، مديرية الثقافة العامة، بغداد، 1972، ص26.
(*) كان (عاصم حافظ) قد سافر إلى باريس عام (1928) ودرس على يد الأستاذ أنطوان رينولد لمدة أربع سنوات. وكان (أكرم شكري) من أوائل المبعوثين إلى انجلترا عام 1931، و(فائق حسن) عام 1934، و(جواد سليم) عام 1938، ومحمد صالح زكي عام (1938) ثم الآخرون بعدهم. (الربيعي، شوكت: الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي 1885-1985، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986، ص53)و(آل سعيد، شاكر حسن: البيانات الفنية في العراق، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1973، ص 7. و (مطبوع خاص بمتحف الفنّانين الرواد، طبع الدار العربية، بغداد، 1982 ).
(**) وهم (مسز مايكا، جوزيف ياريما، ماثوشاك، كابتن جايسكي).
(49) موسوعة الفن التشكيلي العراقي2005: بزوغ الشخصية الحضارية في الفن (جماعة بغداد للفن الحديث)، موقع انترنيت، www.iraqfineart.com/qroupbaghdad.htm
(50) الراوي، نوري: تاملات في الفن العراقي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1999، ص42.
(51) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، ج1، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1983، ص18.
(52) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، المصدر السابق، ص18.
(53) جبرا ابراهيم جبرا، الفن المعاصر في العراق، السلسلة الفنية، وزارة الثقافة والاعلام، بغداد، ص6.
(54) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، المصدر السابق، ص 64.
(55) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، المصدر السابق، ص 82-93.
(56) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، المصدر السابق، ص59-61.
(57) موسوعة الفن التشكيلي العراقي2005: بزوغ الشخصية الحضارية في الفن (جماعة بغداد للفن الحديث)، المصدر السابق.
(*) لاجؤن هربوا من الحرب العالمية الثانية الى العراق- ياريما – ماتوشا- جابسكي حيث كانوا ضباطاً بالجيش البولوني والتقوا صدفة بالفنانين العراقيين بالمقهى البرازيلي وبدأو يرسمون سوية مقاهي بغداد وازقتها.
(58) خالص عزمي: نزار سليم رساما، وزارة الثقافة والإعلام، دائرة الفنون، دار الحرية للطباعة، 1988، بغداد، ص 14.
(59) شاكر حسن ال سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، المصدر السابق، ص 95-100.
(60) جبرا، ابراهيم جبرا: الفن العراقي المعاصر، المصدر السابق، ص2.
(61) موسوعة الفن التشكيلي العراقي2005: بزوغ الشخصية الحضارية في الفن (جماعة بغداد للفن الحديث)، المصدر السابق.
(62) الراوي، نوري: لمحات من حضارات ووعود، الخزف العراقي في حضارة الآلهة، مجلة آفاق عربية، العدد (6)، السنة الثالثة، شباط 1978، ص98.
(63) عبد الأمير، عاصم: جريدة الأديب في لقاء مع الرسام والناقد، السنة الخامسة، العدد (161)، 13 شباط، 2008، ص10.
(64) الخياط، جلال: الشاعر المعاصر والتراث، مجلة الأقلام، دار الشؤون الثقافية العامة، العدد(11)، السنةالرابعة والعشرون، 1989، ص22.
(65) كامل، عادل: التشكيل العراقي، التأسيس والتنوع، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2000، ص46.
(*) وضمت العديد من الفنانين منهم"شاكر حسن، محمد الحسني، جبرا إبراهيم جبرا، قحطان عبد الله، محمد صبري، فاضل عباس، نزار علي جودت، نزيهة سليم، لورنا سليم، كانثي رود، محمد غني حكمت، علي شعلان، خليل الورد، عبد الرحمن الكيلاني، حافظ ألدروبي، خالد الرحال، بوغوص بابلونيان، إسماعيل فتاح الترك، إبراهيم العبدلي، سلمان عباس، محمد عارف، ميران السعدي، إحسان الملائكة، خضير الشكرجي، ثريا النواب، رسول علوان، طارق مظلوم، فؤاد جهاد" ( آل سعيد، شاكر حسن: جماعة بغداد للفن الحديث، مجلة آفاق عربية، ع2، السنة (14)، بغداد، 1978، ص98).
(66) ال سعيد، شاكر حسن: مجلة آفاق عربية، ع2، السنة (4)، تشرين الأول، 1978، ص98.
(67) العلاف، إبراهيم خليل: جماعة بغداد للفن الحديث: فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر، 2009، منتدى التاريخ، موقع الكتروني.
(68) العلاف، إبراهيم خليل: جماعة بغداد للفن الحديث: فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر، المصدر السابق.
* * *
- المصادر والمراجع:
(*) القرآن الكريم.
- ابن خلدون: (المقدمة) تاريخ العلامة ابن خلدون، المجلد الأول، بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، لبنان، ط2، 1961.
- أدونيس: الصوفية والسريالية، ت: محمد سالم عبد الله ، منشورات دار الساقي، بيروت، باريس، ط2، 1995.
- ال سعيد، شاكر حسن: الأصول الحضارية والجمالية للخط العربي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1988.
- الألفي، أبو صالح: الفن الإسلامي (أصوله، فلسفته، مدارسه)، دار المعارف، القاهرة، (د. ت).
- البقاعي، شفيق: الثورة على الذات والتأثير الايديولوجي لعقلنة النقد، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، 1981.
- البياتي، عبد الحميد فاضل: محاضرة في الفكر الأسطوري في الفن القديم، جامعة سانت كلمنتس العالمية، مكتبة حفوض الفرات، كربلاء، 2005.
- اج، ويلنسكي: دراسة الفن، ت: يوسف داود، دائرة الفنون التشكيلية، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1982.
- الجابري، علي حسين: فلسفة التاريخ في الفكر العربي المعاصر–جدلية الأصالة والمعاصرة– القسم الأول، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993.
- الجبخانجي، محمد صدقي: فنون التصوير المعاصرة، دار القلم، القاهرة، 1961.
- الجبوري، محمد: حضارة وادي الرافدين الفن والتأثير في ميلاد العالم، مجلة الثقافة الأجنبية، ج2، ع2، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2000.
- الصدر، محمد باقر فلسفتنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ط15، 1989.
- العلايلي، عبد الله: الصحاح في اللغة والعلوم، المجلد الأول، بيروت، دار الحضارة العربية، ط1، 1974.
- الكروي، إبراهيم سلمان و شرف الدين، عبد التواب: المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، الكويت، ذات السلاسل للطباعة والنشر، ط2، 1987.
- المنجد في اللغة والأعلام، بيروت، دار المشرق، ط22، 1986.
- ايغلر، فرانك وجي اي، مولر: مئة عام من الرسم الحديث، ت: فخري خليل، م: جبر ابراهيم جبرا، دار المأمون، بغداد، 1988.
- باونيس، الآن: الفن الأوربي الحديث، ت: فخري خليل، دار المأمون، بغداد، 1990.
- بريتون، اندريه: بيانات السريالية، ت: صلاح برمدا، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1978.
- بيير، هنري سيمون: الفكر والتاريخ، بيروت، المجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم 1974.
- حسن، حسن محمد: مذاهب الفن المعاصر، مركز الإبداع الفكري، دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، د ت.
- حسن، زكي محمد: مدرسة بغداد في التصوير الإسلامي، مجلة سومر، عدد (1)، 1955.
- حكيم، راضي: فلسفة الفن عند سوزان لانجر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986.
- حيدر كاظم: التخطيط والألوان، بغداد، جامعة بغداد، 1984.
- خميس، حمدي: التذوق الفني ودور الفنان والمُستمع، المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت، لبنان، ب ت.
- ديماند، م، س: الفنون الإسلامية، ت: عيسى سلمان، احمد محمد عيسى، دار المعارف بمصر، 1970.
- ديورانت، ول: قصة الحضارة، ت د. زكي نجيب محمود، المجلد الأول، ج1، بيروت، دار الجيل، د.ت.
- زكريا، إبراهيم: مشكلة الفن، مصر، القاهرة: 1976.
- ستولينتز، جيروم: النقد الفني، دراسة جمالية وفلسفية، ت: فؤاد زكريا، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة، 1974.
- سيرولا، موريس: الفن التكعيبي،ترجمة: هنري زغيب، بيروت- باريس: منشورات عويدات،ط1، 1983.
- صاحب، زهير: فن الفخار والنحت الفخاري في العراق (عصور ما قبل التاريخ)، بغداد، 2004.
- صاحب، زهير، ونجم عبد حيدر، وبلاسم محمد: دراسات في بنية الفن، دار إيكال للطباعة، بغداد، ط1، 2003.
- عثمان، فتحي: الفكر الإسلامي والتطور، القاهرة، دار القلم للنشر، د.ت.
- فراي، ادوارد، التكعيبية، ت: هادي الطائي، دار المأمون، بغداد، 1990.
- فوزي، حسين: محيط الفنون، ج1، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1970.
- لويد، سيتن: فن الشرق الأدنى القديم، ت: محمد درويش، دار المأمون للنشر، بغداد، 1988.
- مايرز، برنارد: الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها، ت: سعد المنصوري ومسعد القاضي، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة – نيويورك: 1966.
- مرسي، احمد: مقدمة في الفلكلور، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1975.
- مؤنس، حسين: الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتدهورها، سلسلة عالم المعرفة 1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1987.
(جامعة بابل/كلية الفنون الجميلة)
(المصدر مجلة جامعة بابل، العلوم الإنسانية، مج 23، ع1)