في ظل الحراك الشعبي الذي تشهده لبنان الاشهر الأخيرة، تتوقف الاعلامية الفلسطينية هنا، عند تداعيات الوضع السياسي الراهن على قضية إنسانية تتمثل في اللاجئين الفلسطنيين، وتقربنا من التداعيات والآثار التي أحدثتها الأزمة اللبنانية الأخيرة، والخسائر المادية والاجتماعية البالغة الأثر على العديد من الأسر والأطفال الفلسطنيين.

أزمة لبنان تخنق اللاجئين الفلسطينيين وتحاصرهم

وفـاء بهـاني

 

اكتوى اللبنانيون بنار الأزمة التي عصفت بهم وألحقت بهم خسائر كبيرة وأضرار شديدة، وقضت على مدخراتهم وطالت بعمقها عصبهم، وعلى الرغم من وجودهم الطويل تم استبعاد اللاجئين الفلسطينيين من الجوانب الرئيسة للحياة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفقاً للمبدأ القانوني العام القاضي بالمعاملة بالمثل، لذا تم تعريفهم بموجب هذا القانون "أجانب"، رغم أنهم حسب القانون الدولي لاجئون، إلا أن القانون اللبناني منعهم من مزاولة أكثر من 30 مهنة، منها جميع المهن الحرة، ولم تضف تعديلات أجريت على أنظمة العمل اللبنانية سنة 2010، شيئاً يذكر لتغيير وضع الفلسطينيين الاجتماعي.

في ظل القوانين المطبقة في لبنان، خاصة تلك التي تحول دون دخول الفلسطينيين سوق العمل اللبناني، وتراجع خدمات وموازنات الأونروا، إذ أن آخر إحصائية لها سنة 2015 أظهرت أن معدل البطالة 56% من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولكن التقديرات الحالية تشير إلى أن نسبة البطالة تجاوزت نسبة ألــ 80%، فضلاً عن منع الفلسطينيين من تملك عقارات، وكذلك تراجع المؤسسات الخدمية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، التي تتحمل جزءً من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن تردي أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

يبدو المستقبل قاتم بالنسبة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وثمة تقارير تؤكد وجود تهجير صامت لفلسطينيين لبنان، في وقت تتسارع فيه الخطوات بعد الإعلان عن بنود صفقة ترامب لجهة العمل على توطينهم، رغم رفضهم المطلق لمشاريع التوطين، وتأكيدهم المستمر على حق العودة إلى وطنهم الوحيد فلسطين.

تفاقمت الأزمة الاقتصادية بعد الحراك الشعبي اللبناني، التي ضاعفت بثقلها على الفلسطينيين الذين يرزحون أصلاً تحت سندان الركود الاقتصادي الحالي، منذ مدة طويلة سبقت التطورات الراهنة في لبنان بسنواتٍ طويلةٍ، أشدها بؤساً كانت قرارات وزير العمل اللبناني الذي ضيق الحصار الإنساني الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني منذ قدومه إلى لبنان، بالرغم من مساهمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكلٍ كبيرٍ وهام في الاقتصاد والحياة الثقافية، حيث تشير تقديرات إلى أن مساهمتهم تمثل ما يقارب 10% من استهلاك القطاع اللبناني الخاص، وأن حجم التحويلات المالية المرسلة من الفلسطينيين في الخارج تناهز ما قيمته 62 مليون دولار سنوياً.

كما وفَّرَ الفلسطينيون المهارات العملية في سوق البناء والزراعة والصناعة والتجارة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والصحة، بالإضافة إلى إنشاء الأثرياء منهم العديد من الشركات، بما في ذلك المصارف الرئيسة الكبرى، وشركات المقاولات والبناء، التي خلقت فرصاً للعمل وعملت على رواج الاقتصاد اللبناني، كما ساهم الفلسطينيون أيضاً في الحياة الفكرية للعاصمة اللبنانية بيروت، من خلال تأسيس مراكز البحوث ودور النشر.

وفي ظل ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتلاعب الأسعار في السوق السوداء، التي لا تقل نسبتها عن 30%، والارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية، ازدادت معاناة وأعباء اللاجئ الفلسطيني في المخيمات وخارجها، بعد أن تخلت الأمم المتحدة ومؤسساتها وفي المقدمة منها الأونروا التي هي الشاهد الحي على مأساة اللجوء والتشريد ونكبة فلسطين، وهي التي تتحمل المسؤولية الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم، حسب ديباجة القرار الذي أنشأ الأونروا، والذي أشار إلى القرار 194.

ومن معاناة اللاجئ الفلسطيني الجديدة التي أفرزنها الأزمة اللبنانية، أنه لم يعد قادراً على سحب ودائعه من البنوك ولا مدخراته منها، علماً أن أغلبها من تحويلاته وأبنائه في بلاد الغربة، كما لا يسمح له شأن بقية اللبنانيين تماماً باستلام تحويلاتهم من الخارج بالعملة الصعبة وبنفس النقد الذي حول به، بل يجبرون على استلام أموالهم بالعملة اللبنانية، لكن بسعر الدولة الذي يقل عن سعر السوق السوداء بما لا يقل عن 30%، بينما تجبرهم على دفع مستحقاتهم والدفوعات المترتبة عليهم بالدولار.

يحزنني حال شعبنا الفلسطيني في لبنان، المناضل المقاتل، الجلد الصبور، المعطاء الجواد، فقد حلت به المصائب والنكبات في كل الساحات والبلدان، وكأن اللعنة قد انصبت عليه واختصت به، ولكنه صابر يحتسب، وثابتٌ لا يضطرب، ويسوءني جداً ما أراه بين شبانهم من بطالةٍ كبيرة، وميل يزداد نحو الهجرة واللجوء، ومحاولاتٍ محمومةٍ للخروج من أزمة اللجوء في لبنان التي استعصت أكثر مع الأزمة المعيشية اللبنانية.

يتمنى اللاجئون الفلسطينيون للبنان وشعبه عاماً جديداً سعيداً مباركاً، وسنةً رغيدةً رشيدة، فيها يخرجون من أزمتهم، ويتجاوزون محنتهم، وينتصرون على من يتآمر علهم، وخلالها تتحقق أهدافهم في الرفاهية ورغد العيش، والحرية والنزاهة، والمصداقية والأمانة، وإذ في نجاة لبنان نجاتنا، وفي رخائه رخاؤنا، وفي استقراره استقرارنا، وفي أمنه أمننا، فنحن نحب لبنان وأهله، ونتمنى له الخير والسلامة والأمان.

 

بيروت في 2/1/2020