مقدمة: البقاء الإيجابي وتفكير ما بعد الوباء
تغير جائحة كورونا الحالية وبصورة متسارعة، الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها. هل تشير هذه التغيرات إلى تأثيرات طويلة الأمد على تخطيط وعمارة مدننا؟ نعم، ففي وقت من التغير اللا مسبوق وعدم اليقين، نحن نواجه تحديا لإعادة تشكيل رؤيتنا للدور المتكشف تدريجيا للمدينة وللمخططين العمرانيين والمعماريين في عصر أزمة عالمية نتجت عن وباء غير مسبوق. يعتقد البعض ومنهم مجموعة من الاقتصاديين والأكاديميين وصناع السياسات في العالم، أن وباء كوفيد-19 هو فرصة لإصلاح الاقتصاد والبيئة وأسلوب الحياة على المدى الطويل، أنه يخلق فرصاً لدفعٍ ديناميكي في الوضع الراهن وطرح تساؤلات عميقة عن المستقبل وفي كل قطاعات الحياة.
كيف سنعيش حقبة ما بعد كورونا؟ ليس فقط تساؤلا وجوديا بل هو بالأحرى مصدر قلق عالمي. إن المرونة والمقاومة الحضرية هي قدرة المدينة على البقاء والازدهار في مواجهة الكوارث. الآن وقت مثالي لإعادة التفكير في كيفية تخطيطنا للمدن وتعمير واستغلال الأحياز المكانية والأراضي المتاحة في المستقبل وقبل فوات الأوان. عندنا مسؤولية كبيرة في دعوة المخططين في جميع أنحاء العالم للنظر في مستقبل ما بعد كورونا لمناطقنا ومدننا وبلداتنا. وينبغي إثارة نقاش جديد بشأن الخطاب المكاني، ومفهوم المحلية والعالمية والحدود. ومن ثم، قمنا في هذا المقال بصياغة عدد من الأفكار التحفيزية والأسئلة لتنشيط النقاش بشأن مستقبل مدننا وعمراننا وعمارتنا.
البداية المنطقية هي محاولة التفكير في ما تعلمناه من الدراما التي لا تزال تتكشف بسبب فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من ثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم وتسبب في أكثر من مئتي ألف حالة وفاة موزعة في أكثر من 200 بلد. ولمناقشة عقلانية، نبدأ بصياغة السؤال الحاسم التالي: كيف يمكن للمدن أن تنجو من الوباء العالمي؟ إنه من الضروري في هذه الفترة من الأزمة أن نقف معا. هذه لحظة يجب أن نعمل فيها معاً ونمضي قدماً معاً. نحن كمجتمع المعماريين والمصممين والمخططين يجب أن نكون الأكثر تفانيًا، وحرصا على تجميع طاقاتنا ومواهبنا وأفكارنا معا لطرح تصورات مستقبلنا. يجب حصر وبلورة الفرص التي يمكن للمدن اغتنامها للعودة أقوى بعد انقضاء حقبة من الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي غير المسبوق الذي سببه الوباء. ولذلك نطرح الأسئلة المحورية التالية:
كيف ستتحول المدن إلى نموذج إنمائي جديد؟
كيف ستبني المدن البنية التحتية لتكون مرنة ومقاومة وعادلة؟
كيف سيواجه الابتكار التحدي وينتح أحياء سكنية جديدة؟
كيف ستقدم العمارة فهما جديدا للفضاءات العامة والخاصة؟
كيف سيتحرك الإنسان في المدينة وكيف سيتواصل في فضاءاتها؟
عن المدينة
إذا كانت المدينة هي العالم الذي خلقه الإنسان، فإنها أيضا العالم الذي أصبح محكوما على هذا الإنسان أن يعيش فيه ويواكب تطوراته. المدينة حسب المنظور الإيكولوجي هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر، ففي المدينة تطورت الفلسفة والعلم اللذان يجعلان الإنسان ليس حيوانا عاقلا فحسب، بل حيوانا معقدا مفكرا رفيعا، وبالتالي فالفرد المديني تميز عن الحيوانات الدنيا وعن البدائيين. «إن المدينة هي أكثر محاولات الإنسان اتساقًا وبشكل أعمّ أكثرها نجاحًا لإعادة تشكيل العالم الذي يعيش فيه بما يتفق بدرجات أكبر مع رغبات قلبه، لكن إذا كانت المدينة هي العالم الذي خلقه الإنسان، فهي بالتالي العالم الذي يتعين عليه العيش فيه. فالإنسان بشكل غير مباشر، ودون إدراك واضح لطبيعة مهمته، قد أعاد أثناء خلقه للمدينة تشكيل نفسه». مقال المدينة، روبرت بارك - عالم الاجتماع العمراني الأمريكي، جامعة شيكاجو
لقد ناقش العديد من الباحثين الفجوات الاجتماعية وانعدام العدالة المكانية في المدن المعاصرة. على سبيل المثال، استعمل بارك في مقاله "المدينة" مفهومين وهما: المجال الأخلاقي والمجال الطبيعي. وأوضح أن هذه المجالات تشكلت بطريقة اعتباطية وتلقائية بمعنى أنها تنمو بمعزل عن أي استراتيجية أو سياسية للدولة. وهي تخص الأحياء الهامشية والعشوائية؛ هذه المجالات تنتج عن سببين وهما: الضغط الذي يمارسه المركز على الأفراد والإقصاء والتهميش الذي تتعرض له فئات عريضة داخل المجال الحضري. وهذا يعني أن المركز له خصوصياته وله قالبه الخاص، وهو الذي تتوفر فيه الأنشطة الاقتصادية والتجارية. وهذا ما يجعله نقطة جذب بالنسبة للأحياء الأخرى. بالإضافة إلى أن الانتماء إلى المركز يتطلب مكانة اقتصادية مريحة. وبالنسبة إلى بارك هذا المجال الهامشي يصبح مع مضي الوقت مجالا خاصا له تقاليده وعاداته وقيمه الخاصة. ومن هنا، فهذه الفئات تشكل تاريخها المشترك الذي يقوم على ذاكرة جماعية ومشاعر خاصة بها (أكنيك، 2019). إن المجال الطبيعي يتكون من أفراد غير متشابهين ثقافيا ما يجعلهم يعيشون بشكل مشترك هو وضعيتهم الاقتصادية وهذه الوضعية هي وضعية إجبارية وليست اختيارية. ولذا واحد من أهم ما يجب التركيز عليه بصدق في المستقبل هو دراسة تقييم أثر المخططات العمرانية التي تعد وتنفذ، ليس فقط اقتصاديا وبيئيا ولكن والأهم اجتماعيا، منعا للتهميش وخلق الحواجز، وتفعيل سياسات الفرز والانتقاء المجتمعي البغيضة.
مغالطة أم إفلاس العولمة
كشف فيروس كورونا عن هشاشة صرح "العولمة" وخاصة في تفسيرها المباشر من حيث حتمية التجانس وانحسار الفوارق. ومن الواضح جليا أن الأزمة الحالية تدفع العالم إلى موجة متسارعة من العودة إلى نظام الدول الوطنية المنغلقة على الذات. وهي موجة يصاحبها التركيز على مراقبة الحدود والإفراط في تقييم القومية. نفس الموجة التي اجتاحت أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأدت إلى اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. هنا يتبين أهمية فحص واستجواب التجربة الصينية في التعامل مع فيروس كورونا، بغرض التمكن من الحصول على المعلومات الحقيقية. وسيتعين التحقيق في كيفية تعامل الحكومة الصينية مع الوباء واقتراح الحلول. لقد أظهرت لنا التجربة الصينية مع الوباء، أهمية الطاعة التامة لتعليمات السلطة المحلية، مما أدى إلى إخلاء تام للأماكن العامة فى مدينة ووهان وجميع المرافق المجتمعية. وقد تعرض نموذج الصين في التعامل مع الوباء للانتقاد ثم تمت الإشادة به. فهل تدعو الأزمة الحالية إلى التركيز أكثر على الهويات والكيانات المحلية، بدلا من الاعتبارات والهموم العالمية؟ أم سنظل نفكر على الصعيد العالمي ونتصرف محلياً وعالميا بتوازن مدروس؟
مفهوم الخوف
يواجه العالم سلسلة غير مسبوقة من الأزمات؛ الفيروس، والانهيار الاقتصادي المتزايد، والملايين من العمال سوف يعانون ويفقدون وظائفهم، وأزمة سياسية وأزمة وجودية أيضا. ماذا يحدث للأشخاص الذين يفقدون وظائفهم؟ ماذا يحدث للأشخاص الذين يشعرون بالقلق أن لديهم الفيروس، ولكن ليس لديهم الموارد اللازمة للحصول على الاختبار الذي يحتاجونه، أو العلاج الذي يحتاجونه؟ لقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً أن الخوف وتسييسه هو التأثير الأكبر على سلوك المجتمع البشري. إن ما يشهده العالم الآن هو شيء لم نختبره في التاريخ الحديث: وباء وأزمة اقتصادية، تهدد حياة ودخل الملايين بل البلايين من الناس. إذا عملنا معا، ولم ننتقل إلى الخوف والذعر، وتفهمنا أن طريقة مجابهة التحديات الحالية هي المضي قدما كجماعة إنسانية متماسكة، ونسقط الفوارق العرقية والأثنية والدينية، وكل ما يفرق، ونكثف كل ما يوحد ويجمع. من الجوهري، إذن الانتباه إلى إجهاض التنامي المطرد لثقافة الخوف، ومنها الخوف من الإنسان والمكان. وهي أقصى درجات الخوف تحطيما للمدينة والعمران والعمارة.
وكما يطرح جاكوب رميس، المؤرخ العمراني في جامعة نيويورك والباحث في مجال الكوارث الحضرية "الشبكات الاجتماعية الكثيفة في المجتمعات المحلية تنقذ الناس." والواقع هذا ما يجعل المجتمعات قادرة على الصمود، وهذا ما يساعد المجتمعات على التعافي. وقد رأينا في سياق الأزمة الحالية، مجتمعات صغيرة متماسكة، بينما تتشظى مجتمعات أخرى وتتوسل من أجل حلول فردية أنانية.
من تخطيط المدن إلى بناء المجتمعات المحلية
واحدة من الحقائق المهمة التي ظهرت في الأزمة الحالية أن التخطيط لا يتعلق فقط بمادية المدينة ومكوناتها، ولكن حول مشاركة شعبها في إنتاج المدينة، وتحديد ملامحها وأولوياتها. يقينا سيتطلب المستقبل نزول المعماريين والمصممين العمرانيين والمخططين من أبراجهم العاجية التي تحصنوا فيها لعقود؛ وان يتعاملوا مع تحديات كيفية بناء المجتمع مع المجتمع، وليس في عزلة عنه أو رفض لمساهمته. كيف يمكن إشراك المجتمعات وتلبية احتياجاتها الحقيقية في صياغة المكان والفضاء والمدينة؟ يجب أن يكون هو السؤال الأهم للمهتمين بالبيئة المبنية في مرحلة ما بعد كورونا. يجب الإدراك الكامل بأهمية المسؤولية المجتمعية للمعماري والمصمم العمراني والمخطط وضرورة أن فلسفتهم التصميمية تعتمد على إشراك حقيقي للمجتمع والتواضع أمامه ليساهم أفراده بلا تحفظ في عملية تصميم وتخطيط فضاءاته ومبانيه ومساكنه.
لقد أوضحت تداعيات الوباء أن كل مدن العالم ترتكب جرائم في حق الفقراء ومحدودي الدخل والعاملين بالأجرة اليومية أو الأسبوعية. هؤلاء لا يمثلون بالقطع أولوية أمام مخططي المدن والمطورين، بل أحيانا وأمام الحكومات. يبدو أن من الواجب الانتقال إلى حقبة تخطيط مجتمع محلي صغير متماسك، وليس التنافس من أجل تحويل مدن العالم إلى مدن متعولمة متضخمة لا مكان فيها إلا لأصحاب قدرات مالية فائقة. إن التوسع الحضري، وبخاصة في المدن الكبيرة له عيوبه الجمة كازدحام شبكات النقل، وزيادة التلوث، وتراكم النفايات، وثقافة الاستهلاك. كما أن الفوارق الاجتماعية والمكانية تجعل الوصول إلى الخدمات الحضرية أمرا بالغ الصعوبة، وحكرا على القلة من الناس المحظوظين.
حجم وقياس المدينة
أنتجت العولمة فصيلة من المدن تسيطر على الاقتصاد العالمي والشؤون السياسية، وتتحكم في شبكة تدفقات الأموال والسلع والناس والمعرفة. هذه المدن هي ركائز بالنسبة للرأسمالية العالمية، فهي توفر أنظمة الخدمات المتقدمة وتشكل محاور النقل والتواصل وتأوي المقرات الرئيسة للشركات العابرة للقوميات. كما تلعب دورا رئيسا في نشر الرموز الثقافية ولاسيما تلك المرتبطة بالرأسمالية والغرب، وباختصار هي سبب العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية وأثرها (موراي، 2013). هذا المناخ خلق أجواء تنافسية شرسة جعل كل مدينة تستهلك في خلق شخصيتها العمرانية وصورتها الأيقونية، ومهما كانت التكلفة. هذه المدن، تقوم بتنفيذ المشاريع العمرانية الضخمة ومجمعات التكنولوجيا الفائقة والمطارات الدولية وغيرها، وهي تسعى من خلالها إلى توفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحويل المدن إلى مواقع جديدة للاستهلاك والمرح والترفيه والسياحة والتسوق. فهل ستكون حقبة عمران ما بعد كورونا محفزة لكي نعود إلى مفهوم القرى الحضرية المدمجة؟ أم أننا ينبغي أن نستمر في الاحتفاء بمفهوم المدن الضخمة المتروبوليتانية؟
لقد أوضحت لنا الأزمة أن «الأقل هو الأكثر» فيما يتعلق بأحجام المدينة وأنساق التنمية العمرانية. لقد تبين أنه يمكن عزل القرى الحضرية الصغيرة وحمايتها بطريقة أكثر قابلية للحياة من المدن الضخمة. بل أن سكان المدن الكبرى في إيطاليا وأسبانيا وفرنسا اندفعوا ناحية الريف والقرى الصغيرة، هربا من سيطرة جائحة كورونا على المدن الكبرى مثل باريس ومدريد. يمكن أن تكون نوعية الحياة، والاستدامة الحياتية، والعدالة الاجتماعية، محل اهتمام في معايير تصنيف المدن. إلا أن مقياس عالمية المدينة يبقى في الإنتاج والحجم السكاني اللذين يمكن قياسهما كميا، من الناتج الداخلي القائم والعدد السكاني العام. ففي كثير من الحالات تساهم مدينة واحدة بالقسط الأوفر من الدخل القومي، وفي غنى بلد ما، كما تعمل غيرها في استقطاب عدد كبير من السكان، قد يصل إلى أكثر من نصف المقيمين في بلد ما. فالأهمية النسبية لهذه المدن تطمس بقوة مواقع المدن الأخرى، ولذا قد يكون من المناسب أن يطرح المخططون العمرانيون تصورات مستقبلية للتحضر العالمي على أساس الكيانات العمرانية الصغيرة والمتوسطة، والمتصلة بكفاءة عبر وسائل النقل العام. وكل من هذه الكيانات الحضرية، تتوافر بها على نحو عادل، جميع المرافق المجتمعية، ولا سيما السكن والتعليم والرعاية الصحية.
بيئتنا: العالم الذي نبني أم نُدمّر؟
في تفسير الهجمة الشرسة لفيروس كورونا، استمعنا إلى أطروحات تفيد أن سلوكنا التنموي والعمراني في العقود الأخيرة دمر البيئة، ويبدو أنه حان الوقت لها للانتقام. نعم فسرت جائحة كورونا على أنها عقاب الطبيعة التي صبرت كثيرا أمام تصرفات البشر اللا مبالية. نعود لتجربة الصين مرة أخرى ونندهش من النتائج الإيجابية لحالة الجمود الإجباري التي مرت بها البلاد لتواجه الوباء. لقد انخفضت معدلات انبعاث الكربون، والتلوث الناجم عن الصناعة الصينية، منذ أن ضرب الفيروس البلاد لأول مرة . فقط شهران دون إنتاج، نقى السماء والأجواء وسمح للناس بالتنفس الصحي مرة أخرى. ولكن لا يزال التحدي البيئي الرئيسي الذي نواجهه، هو التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من آثاره، وتفعيل الإجراءات التي مازالت تعاني من نقص الالتزام بها في الكثير من دول العالم، وعلى رأسها الدول الصناعية الشرهة للإنتاج الرأسمالي.
أوساكا (2020) يسأل لماذا لا نتعامل مع تغير المناخ كمرض معد؟ ويبدو أن درساً عظيماً قد يظهر بوضوح من الأزمة الحالية، فالشعوب والحكومات والأنظمة السياسية يمكن أن يكون لها موقف جماعي، عندما تشعر بالتهديد الحقيقي. فيروس كورونا هو تهديد قاتل لإنسانيتنا، ولكن تغير المناخ ونتائجه، لا يقل خطورة عن الأول.
حتمية الحقبة الجديدة: "صفحة خالية لبداية جديدة"
سيكون أثر فيروس كورونا حاسما لبناء عالم بديل ومختلف اختلافا عميقا. وخلال القرن الماضي، كانت معظم التحولات الجذرية في العالم مرتبطة بأسباب اقتصادية. كما يتضح من دراما فيروس كورونا، هناك حاجة إلى حقبة جديدة لتصور كيف نعيش. كما هو موثق، كان وباء الكوليرا في لندن في عام 1854 هو الذي حول نظام إدارة المدن بأكمله في الثقافة الأنجلوسكسونية، فقد ولد التخطيط الحضري الحديث. وبالمثل وأكثر فعالية، فإن وباء فيروس كورونا الذي يؤثر حرفيا على العالم بأسره بحالات مسجلة في أكثر من 200 بلد، ينبغي أن يشجعنا على تصور حقبة التخطيط الجديدة أو بالأحرى يجبرنا على ذلك. وسيتعين على الناس أن يعتادوا على العيش بممتلكات أقل، والسفر أقل، لأن الفيروس يعطل سلاسل الإمداد وشبكات النقل العالمية.
وستكتسب الصناعات والأنشطة المحلية زخماً، وستزدهر المبادرات القائمة على الجماعة الإنسانية المحلية. سيكون هناك قيمة للأحداث حميمية المقياس مثل أسواق المزارعين المحليين واحتفاليات الشوارع ومسابقات الرقص والغناء وتبادلات الحرفيين والموهوبين. وكما تطرح لي ايلكوت (2020) يبدو أن جماليات أن تصنع بنفسك، ستصبح المهيمنة، وهو ما يؤكد ما سبق لها توقعه من أن المستقبل سيكون عصر الهواة أو بالأحرى عصر يساهم فيه الإنسان البسيط، المقبل على الحياة، والمنتمي للمجتمع وليس بالضرورة المهني المحترف.
تخطيط المدن الصحية: حل أزمة الرعاية الصحية
"نقطع الأشجار، نقتل الحيوانات أو نحبسها ونرسلها إلى الأسواق. نحن نعطل النظم الإيكولوجية، ونهز الفيروسات لتتحرر من مضيفيها الطبيعيين. عندما يحدث ذلك، تحتاج إلى مضيف جديد. في كثير من الأحيان، نكون نحن البشر المضيف". ديفيد كوامن، مؤلف كتاب (الآثار غير المباشرة: العدوى الحيوانية والجائحة التالية). في وتيرة التحضر، نغزو المجالات الطبيعية البرية والنظم الإيكولوجية لتمهيد الطرق لمراكز عمرانية جديدة؛ طرق ومطارات بل ومدن بأكملها. تبين الأزمة الحالية أن المدينة الصحية ليست فقط ناتجة عن نمط الحياة الصحية، وتوفير المسارات للعدائين، ودراجات الركوب، وأماكن لممارسة الرياضة. ولكن في حال وجود موجة من المرضى القادمين إلى المستشفيات ،ولا تكون المعدات والتجهيزات والرعاية التي يحتاجها المجتمع متاحة، لا يمكن وصف مدينة كهذه بأنها صحية.
تجيب كار (2020) عن الكيفية التي تم من خلالها تخطيط السياقات العمرانية الحضرية استجابة للأوبئة، من الكوليرا إلى السمنة. نحن بحاجة للتأكد من أن الجميع في مدينتنا/ مجتمعنا، الذين يحتاجون إلى الذهاب إلى الطبيب يمكن لهم الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها. وينبغي أن تنظر المدينة في توافر ليس فقط المستشفيات ولكن تلك المجهزة، على أنها أولوية رئيسية. وينبغي أن تتعاون الحكومة والقطاع الخاص تعاوناً وثيقاً، للسماح بمجموعة جديدة من التدخلات والإجراءات التي يمكن أن تيسر معايير الرعاية الصحية المقدمة لجميع أفراد المجتمع المحلي، بغض النظر عن دخلهم.
تخطيط المدن في عصر الأزمة الاقتصادية العالمية
يجري تسريح الملايين من العمال في جميع أنحاء العالم. وتحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ولا سيما تلك التي تنتمي للمجالات المتأثرة بشدة مثل المطاعم وصناعة النقل وتجارة التجزئة المحلية، إلى الإغاثة الفورية. ومن ثم، كيف يمكن للمدينة رعاية الأسر العاملة في هذا البلد؟ ويحتاج العمال إلى الشعور بالأزمة وحمايتها وتعويضهم فيها. ويمكن النظر إلى الأمن الغذائي على أنه استراتيجية لا بد منها لكل مدينة. وقد تكون هناك حاجة إلى النظر في الزراعة الحضرية في الوقت المناسب كضمان لعدم جوع أحد. وينبغي أن تكون المدينة الجيدة قادرة، ولا سيما في وقت الأزمات، على توفير الغذاء المغذي لمجتمعها المحلي، وخاصة لكبار السن والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال.
في عمران ما بعد كورونا سيتولد جدل كبير مرتبط بقيمة الكثافة البشرية في الفضاءات العمرانية والأحياز التخطيطية. في وقت الأزمة الحالي، نخفض الكثافة في كل مكان نستطيع، ويمنع الناس من التواجد المكثف في مراكز مدنهم. من جهة أخرى وكما يشير ريتشارد سينيت، أستاذ الدراسات الحضرية في معهد ماساشوسيتس للتقنية، المدن الأكثر كثافة هي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. لذلك نعتقد أنه على المدى الطويل، سيكون هناك صراع بين المطالب المتنافسة للصحة العامة، من خلال تشجيع الامتدادات العمرانية، وبين مقتضيات مكافحة الاحتباس الحراري واستهلاك الطاقة. في المستقبل سيكون هناك تركيز متجدد على إيجاد حلول تصميم للمباني الفردية والأحياء التي تمكن الناس من الاختلاط والتفاعل المجتمعي، دون أن تكون معبأة في المطاعم والحانات والنوادي المضغوطة.
على الرغم من أنه نظراً لارتفاع تكلفة الأراضي بشكل لا يصدق في المدن الكبرى مثل نيويورك وهونغ كونغ، فإن النجاح في إنتاج أنساق معمارية وعمرانية جديدة في حقبة ما بعد كورونا يعتمد على الإصلاحات الاقتصادية والمناهج التنموية المبدعة المغايرة للأطر الحالية.
المدن المعاصرة ومعضلة الإسكان
كشف لنا وباء كورونا هشاشة ما ننتجه من مساكن أو بالأحرى أماكن لإيواء البشر. لقد اضطر الملايين حول العالم إلى الاستجابة للنداءات الصارمة بضرورة الوجود في منازلهم. ومن رصد حالات المساكن في معظم دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وحتى بعض مقاطعات أوربا وولايات أمريكا، يتبين أن الغالبية العظمى منها صممت ليس لتكون سكنا وملتقى عائلياً وأحيازاً مفعمة بالمعنى والقيمة والدفء، وإنما هي في معظمها مخازن بشرية طاردة. مخازن يمكن فقط تقبلها عندما يكون منطق الحياة مرتكزاً على الخروج والمغادرة، وخلق حياة أخرى في الشارع أو العمل أو المقهى؛ ثم الارتداد للمخزن البشري لانهيار الجسد واستسلامه لنوم يؤهل الإنسان للاندماج صبيحة اليوم التالي في نفس السيناريو البغيض.
كورونا الذي عرى فساد الحكومات وضعف القادة وجهل المجتمعات وجشع التجار ودجل من يسترزقون بالخرافات. هو أيضاً كاشف لجرائم تصميم البيوت والعمارات التي يحشر فيها الناس لأسابيع، وهي بالكاد تصلح للنوم. مناهج التخطيط والتصميم المعماري سيعاد صياغتها فيما بعد الفيروس.
لقد نبهنا فيروس كورونا إلى أن معظم ما صمم من مساكن، هو أحياز نفعية لا تحتمل دفقات الحياة ولكنها مخازن للبشر (عبد الرءوف، 2018). إنها مساكن لتخزين الإنسان بلا إنسانية، لأنها مساكن في معظمها لم تصمم من أجل الإنسان. إن فكرة أنسنة المدينة، وتحويل فضاءاتها إلى أماكن صديقة للإنسان، نوقشت بعمق إقليميا وعالميا، إلا أنه يبدو أننا لا يجب أن نتوقف عند أنسنة المدينة، ونمتد بالجدلية إلى أنسنة المساكن. يناقش عبد الرءوف (2018)، ما حدث في مدينة سانت لويس وفي الخامس عشر من يوليو 1972 حيث تم استخدام الديناميت لتفجير المشروع الإسكاني في بروت إيغو المرفوض من المجتمع. حيث أطلقت عليه طلقة الرحمة بتعبير شارلز جينكز الناقد المعماري الشهير.
إن ما حدث في سانت لويس ميزوري لم يكن فقط سببا لإنهاء حركة الحداثة في العمارة والعمران، ولكنه كان صرخة فارقة ضد فكرة القولبة، والنموذج المتكرر للمبنى السكني، بميكانيكية باردة لأماكن مطلوب منها أن تحتوي داخلها عائلات وذكريات وعواطف ونضال حياة؛ ونسميها مساكن ولكنها أوعية لتعليب البشر. إن هذه المكعبات الباردة المرتفعة الخالية من الحياة المظلمة المتلاصقة الفاقدة للتعبير عن ذاتية الإنسان لا تستحق أبدا أن يتكرر بناؤها. عمارات متشابهة متتالية تتحول فيها العائلات إلى أرقام، وتتحول الشقق إلى مخازن حقيقية للبشر، وتكون في أحيانا كثيرة مخازن عديمة الضوء الطبيعي، ضعيفة التهوية حيث تنعدم الحياة الاجتماعية، وتتضاءل علاقات الجيرة، وتتدهور ملامح الانتماء.
مطلوب في مساكن ما بعد كورونا تقديم طرح مغاير يتجاوز القولبة الميكانيكية؛ ويفرز أفكارا ومداخل مبدعة لتحويل المساكن إلى ملتقيات إنسانية عائلية، تلهم من دروس الماضي، ولا تتنازل عن معطيات العصر. وتتجنب تعليب العائلات في غرف ضيقة مظلمة، ثم نتساءل من أين تأتي الكراهية والجريمة والعنف والتطرف. لقد أوضحت العزلة الإجبارية للملايين وخاصة في سياق المدن الشرق أوسطية حتى الغنية منها مثل مدن الخليج، أن المساكن تفتقد فضاءات تكثيف الحياة، تفتقد الحدائق ولو شجرة نخيل واحدة، تفتقد السطح الحي، وتفتقد النافذة البديعة، وتفتقد الشرفة الجميلة. فقد كشفت أزمة كورونا أن الشقق في العالم العربي هي فضاءات طاردة، ولذلك يعاني الكثيرون من أزمة الاحتباس الشققي.
فيروس كورونا والعدالة الاجتماعية والمدن العادلة
يتطلب تشخيص الفيروس مجموعة اختبارات متطورة لا تتاح حتى في أكثر البلدان تقدما. ويُنصح الناس بغسل أيديهم لمدة 20-40 ثانية، دون التفكير في أن مليار شخص يعيشون في أحياء فقيرة، أو مستوطنات غير رسمية، حيث المياه لتلبية الاحتياجات الأساسية قليلة. وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى الابتعاد الاجتماعي في حين يتقاسم الملايين غرفا ومرافق إقامة صغيرة، وتعتمد حياتهم على سعيهم اليومي للعمل. ان الأزمة الحالية تدعو المخططين الحضريين إلى النظر في السبل الخلاقة التي يمكن بها تزويد الأحياء الفقيرة، أو المستوطنات غير الرسمية، بالبنية الأساسية المناسبة للحيلولة دون أن يكون أضعف السكان في العالم هم الضحايا الرئيسيون للفيروس.
وقد يتطلب هذا الاتجاه تغييرا كبيرا في أولويات التخطيط الحضري والتنمية. تنفيذ سياسات لتحسين الصحة العامة في جميع أنحاء المدينة؛ الرسمية وغير الرسمية أمر ضروري. تقول نعومي كلاين (2020) إننا قد نعتقد أننا سنكون آمنين إذا كانت لدينا رعاية صحية جيدة، ولكن إذا كان الشخص الذي يصنع طعامنا، أو يقدم طعامنا، أو يحزم صناديقنا، لا يحصل على رعاية صحية، ولا يستطيع تحمل تكاليف الاختبار - ناهيك عن البقاء في المنزل من العمل، لأنه ليس لديه إجازة مرضية مدفوعة الأجر – لن نكون آمنين. يجب أن نعتني ببعضنا البعض لأننا متشابكون. هذا هو مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يجب تبنيه.
في خضم تداعيات فيروس كورونا تتعاظم تساؤلات أخلاقية متشابكة حول المدينة ومنها؛ كيفية تخطيطها، وتكيفها مع متغيرات فارقة، والعيش فيها الآن وفي المستقبل. إن القيام بذلك بشكل جيد، سواء كمخطط للمدينة أو مقيم بالمدينة، يعني الاحتفال بالتعقيد وقبول التنوع. ولا يعني إطلاقا تعظيم الفصل والطبقية والتهميش. من بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد من مطلع السبعينات في القرن الماضي، اعتمدت الكثير من دول العالم المتقدمة والنامية على السواء على استراتيجية أساسية واحدة للتعامل مع الفقر والتلوث ومختلف المشاكل والتحديات الاجتماعية الأخرى: الحجر والعزل والفصل والتهميش. لقد خططت المدن والمجتمعات المحلية بحواجز مكانية، وبنينا جيوبا محصنة للأثرياء، وسعينا إلى إيجاد حلول تعتمد على فصل من يملكون عن مشاكل من لا يملكون.
وبدلا من الاهتمام بالديناميكية المجتمعية الجماعية، والاستثمار العام، حاولنا أن ننحت الفضاءات ونحجر على المشاكل الاجتماعية، والسماح للقطاعات المجتمعية الأكثر حظا من إجمالي السكان بعزل نفسها عن تلك المشاكل، وتقييد وحصر من يمكنه الوصول إلى مناطق الفرصة. وللتعامل مع أكثر التحديات إلحاحا التي نواجهها، أنشأنا نظاما مطورا ومعقدا من متاريس وفواصل وحواجز في الفضاءات. لقد هدم الفيروس كل المتاريس المكانية. الآن يواجه العالم بأسره أزمة الفيروس، وهي الأزمة التي ترفض أن يتم احتواؤها من خلال الحواجز التي بنيناها. في دولة تعلمت حل المشاكل بمحاولة عزلها في الفضاء، كيف يمكننا أن نجتمع معا لهزيمة هذا الفيروس؟
الحياة العامة والابتعاد الاجتماعي: هل يمكن لحياة المدينة النجاة من فيروس كورونا؟
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي لا يمكن فيها التخفيف من حدة مثل هذه الأزمة الوطنية أو العالمية من خلال الخروج والحفاظ على الحياة العامة. مكافحة الفيروس تتطلب العزلة. الأكاديمي علي أبو غنيمة (2020) يسأل في مدوناته المعنونة المدينة ما بعد الكورونا: هل تصبح الساحات العامة افتراضية؟ ويستطرد موضحا أن الساحات العامة هي أكثر الأماكن تعبيرا عن فكرة التلاحم والتواصل المجتمعي، وأن ما يحدث حاليا يثير التساؤل عن الدور الذي ستلعبه حاليا مع تفشي الفيروس وانتشاره، وهي التي نشأت منذ قرون بعيدة كوسيلة للتواصل واللقاء ما بين أفراد المجتمع. كما يعلن تخوفه من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من واتس اب وفيسبوك وتويتر وانستجرام وغيرها مما جعل إمكانيات التواصل والتعارف واللقاء ممكنة دون الذهاب للساحة أو للجامع أو للمقهى أو للحديقة. ويراهن على الأبعاد الإنسانية التي ستعيد الإنسان إلى مقاومة المكوث في الساحات الافتراضية والتمسك بالتلاحم الاجتماعي في الساحات والفضاءات العامة الحقيقية.
يحتاج المخططون الحضريون والمدن إلى إيجاد نهج مختلف، بشكل جماعي، يمكن أن يجلب حياة المدينة أو يوفر منصات رقمية بديلة تحل محل المنصات الحقيقية ويتناوبون على التساوي مع ذلك بمجرد أن تنتهي الحرب. المدن هي مراكز رأس المال والإبداع، مصممة لتكون مشغولة بشكل جماعي. إن الأوبئة معادية للتحضر، تفترس رغبتنا البشرية في الاتصال (كيميلمان، 2020). إن الأوبئة تستغل دافعنا للتجمع. واستجابتنا حتى الآن في تفعيل التباعد الاجتماعي، لا تتعارض مع رغباتنا الأساسية في التفاعل فحسب، بل أيضا ضد الطريقة التي بنيت بها المدن والساحات العامة ومترو الأنفاق، وناطحات السحاب. كلها مصممة لتكون مشغولة ومتحركة بشكل جماعي ومفعمة بالحياة. بالنسبة للعديد من الأنظمة الحضرية للعمل بشكل صحيح ، فإن الكثافة هي الهدف ، وليس العدو.
استشراف بدايات جديدة وتحولات حتمية
في مرحلة ما بعد الأزمة ستكون شواغلنا وهمومنا أكثر بساطة وأساسية في تساؤلاتها، أي أين يمكنني أن أعيش بتكلفة معقولة؟ وكيف يمكنني الحصول على فرصة العمل والخدمات بأمان؟ من جهة أخرى لعبت المنصات الرقمية دورا بارزا كأداة تواصل كاسحة في فترة الوباء؛ ويبدو أن هذا الدور سيستمر لأنه يحقق الأمان. تسمح التكنولوجيا الرقمية للكثيرين بمواصلة إدارة أنواع معينة من الشركات والعمل على الصعيد العالمي، بطرق لم نكن نتخيلها قبل جيل أو جيلين. خلقت الأزمة الحالية دفعة لجميع أنواع المنصات الرقمية، من التعلم عن بعد إلى التسوق عبر الإنترنت. وينبغي أن يكون المعماريون والمخططون الحضريون على علم بمثل هذه القوى الجديدة التي تؤثر على سلوك الناس في جميع أنحاء العالم، وخاصة الحقبة الجديدة من العمل في المنزل، واحتياجاته الفراغية والتصميمية، ومعدلاته الإنتاجية ومكاسبه الاقتصادية والبيئية والإنسانية.
حالة العزلة الممتعة التي كانت تعيشها المدن العالمية وتكثيف مشاعر التميز والأمان بها لأنها بعيدة عن مشاكل المدن الفقيرة والمجتمعات البائسة، أصبحت وهما كبيرا. الوباء لا يعرف الحدود ولا يفرق بين المحلي والعالمي والفقير والثري. قد ينسحب الأغنياء أكثر وراء حماية الأبواب المحصنة والمجتمعات المسورة. ولكنهم سيدركون أن هذا ليس حلا مستداما. بينما سوف يكون الجميع أكثر خوفاً من أي اتصال عام، على الأقل لعدد من السنوات، ولذا فإن العودة المقننة لتفعيل الحياة الاجتماعية والترابط الإنساني اللا طبقي سيكون حتميا في مدينة ما بعد كورونا. في الحقبة الجديدة قد يكون تصميم الخدمات العامة والمجتمعية وخاصة الفضاءات الثقافية المعرفية، مثل المكتبات والمتاحف شديد الأهمية. هذه أماكن اجتماعية إنسانية، قل الوجود بها بسبب ما تقدمه شبكة الإنترنت، وممكن أن تضعف أكثر إلا إذا أبدع المعماريون في صياغة فراغية جديدة تجذب الناس، وتحافظ على سلامتهم وتخلق مساحات تسمح بالتباعد المنطقي، والاقتراب المحمود.
لا يمكن ادعاء الانكشاف الكامل عن الصورة شديدة الضبابية لمستقبلنا وحال مدننا في حقبة ما بعد كورونا، ولكن اليقين أننا بالفعل بدأنا الخطوات الأولى في تشكيل حقبة جديدة، تتطلب طاقة إبداعية فريدة، ومواجهة صادقة، وإنتاج منطق جديد لمعنى الحياة، وقيمة الاقتصاد العادل، ومستقبل المجتمعات الإنسانية، ودور المعماري والعمراني المقاوم المناضل المحمل بهموم وطنه وكل البشر.
عن (جدلية)
مراجع وقراءات ذات صلة
أبو غنيمة، علي. 2020. المدينة ما بعد الكورونا: المسكن والساحات العامة. مدونات ابريل 2020.
أكنيك ، فاطمة الزهرة. 2019. المقاربة الإيكولوجية عند روبرت بارك. صحيفة المثقف صحيفة الكترونية تصدر عن مؤسسة المثقف العربي. العدد: 4685 المصادف. 2019-07-04
مواري، ورويك. 2013 جغرافيات العولمة: قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ترجمة سعيد منتاق، سلسلة عالم المعرفة، العدد 397، فبراير 2013، الكويت، ص.139.
عبد الرءوف، علي. 2018. مدونات معمارية وعمرانية وإنسانية.
Carr, Sara Jensen. 2020. The Topography of Wellness: Health and the American Urban Landscape. University of Virginia Press.
Sennett, Michal. 2018. Building and Dwelling: Ethics for the City. NY: Farrar, Straus and Giroux.
Quammen, David. Spillover: Animal Infections and the Next Pandemic.
Ximena De La Barra (2000) Fear of Epidemics: The Engine of Urban Planning, Planning Practice & Research, 15:1-2, 7-16.
Kimmelman, M. 2020. Can City Life Survive Coronavirus?
Osaka, S. 2020. https://grist.org/climate/why-dont-we-treat-climate-change-like-an-infectious-disease/
https://ny.curbed.com/2020/3/19/21186665/coronavirus-new-york-public-housing-outbreak-history
https://www.resilience.org/stories/2020-03-13/coronavirus-economic-networks-and-social-fabric/