أقام المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية مؤتمره الدولي الأول في موضوع "الإسهامات العربية في تجديد البلاغة وتحليل الخطاب: قراءة في أعمال الدكتور عماد عبد اللطيف"، وذلك بقاعة المؤتمرات التابعة للمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بمدينة فاس المغربية يومَ السبت السابع من مارس 2020. ويأتي تنظيم هذا المؤتمر في سياق إلقاء الضوء على الجهود العربية التي تختط مسارا علميا يتجاوز حدود الإفادة من المنجز الغربيK في إثراء المعرفة العربية، وتطمح إلى تثوير المنجزات العلمية العربية الخالصة في المجالات الأدبية والبلاغية واللسانية. وكما أعلن رئيس المركز الدكتور مصطفى شميعة خلال افتتاح المؤتمر، أن المؤسسة كانت تهدف أساسا إلى التعريف بإسهامات عربية أصيلة تنطلق من إدراك معرفي وموضوعي ودقيق لواقع المعرفة العربية، وتستند إلى وعي عميق بالمساقات المعاصرة والمسايرة لمستجدات تطور العلوم لدى الغرب.
وقد راهن المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية على أن يخصص دورته الأولى لتكريم أحد أعمدة البحث البلاغي في العالم العربي، فارتأت اللجنة المنظمة أن تكرم الدكتور عماد عبد اللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة قطر. وعللت اللجنة المنظمة -ومعها اللجنة العلمية- للمؤتمر هذا الاختيار بكون مجمل الأبحاث والمؤلفات والرؤى العلمية والمقترحات البحثية للمحتفى به، إسهاماتٍ عربيةً ودولية ترقى إلى مستوى المدارسة والمعاينة النقدية، مضيفةً أن الدكتور عماد عبد اللطيف قد استطاع أن يرسخ اسمه في العديد من المحافل العلمية، وأنه دائم الحضور في كثير من التظاهرات العلمية بالمغرب العربي والشرق الأوسط وأوروبا. وقد أعلن المركز كذلك في كلمته الافتتاحية أنه يسعى من خلال هذا التكريم إلى تقريب التجارب العلمية العربية الرائدة من الباحثين والطلبة المغاربة خصوصا والعرب عموما، في أفق خلق جسور للاحتكاك الجاد بتطور النظريات العلمية الأدبية واللغوية.
وانطلاقا من مبدأِ الإنصات الفعلي لمشاريع الأبحاث الجادة في الثقافة العربية المعاصرة، ومرافقتها ودعمها، أطلق المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية دعوة معممة للمشاركة في المؤتمر قبل انعقاده بحوالي اثني عشر شهرا، تلقت خلالها اللجنة العلمية عشرات الأوراق المرشحة للمشاركة من دول عديدة: المغرب، مصر، قطر، الجزائر، اليمن، سورية، وليبيا. وتكفلت اللجنة العلمية طيلة عشرة أشهر بمهام فرزها وتحكيمها وفق معايير تتوخى الجدة والجودة والارتباط الوثيق بمشروع المحتفى به، كانت قد وضعتها سلفا بمعية اللجنة المنظمة والمكتب التنفيذي للمركز.
وقد استُهلت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر والتي ترأسها الدكتور محمد زوهري بآيات من الذكر الحكيم، أعقبتها كلمة رئيس المؤتمر الدكتور مصطفى شميعة الذي رحب بالحضور وعبر عن الشكر والامتنان لكافة الباحثين المشاركين على تفاعلهم مع التظاهرة. كما رحب بمجموع الحضور من الدكاترة والطلبة والمثقفين الذين حضروا من جل المدن المغربية.
لم يفت رئيس المؤتمر أن يذكر بأن المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية عازم على تكريم أسماء مغربية وعربية ما فتئت تبلور مشاريعها العلمية الجادة والمعاصرة كل سنة، في إطار علمي ينشُد التعاون والتضامن وخدمة الثقافة العربية. كما تأسف الرئيس عن عدم حضور المحتفى به والكثير من الباحثين من مختلف الأقطار العربية لفعاليات المؤتمر بسبب قيود الحجر الصحي المفروضة في أعقاب التفشي السريع لجائحة كورونا خلال شهر مارس.
بعد كلمة الرئيس، توالت كلمات رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور محمد الفتحي، وكلمة السيد ممثل بلدية فاس، ثم كلمة رئيسة اللجنة المنظمة الدكتورة حنان المراكشي. وقد عبر المتدخلون عموما عن تفانيهم التام في خدمة العلم والمعرفة، واستعدادهم للتضحية من أجل تيسير سبل التلاقح العلمي والثقافي بين الباحثين العرب في جل التخصصات. وقبل انطلاق جلسات المؤتمر العلمية، ألقى الدكتور محمد يطاوي كلمةَ المحتفى به الدكتور عماد عبد اللطيف نيابة عنه، نظرا لعدم تمكنه من الحضور بسبب قيود الحجر الصحي الذي فرضته دولة قطر مبكرا. وفي هذا السياق عبر المحتفى به عن شكره لرئيس المركز وكل أعضائه، وجميع اللجان ورؤسائها، كما توجه إلى عموم الحضور من الباحثين المشاركين أو الآخرين المتابعين على تفاعلهم مع تكريمه ومواكبتهم لمشروعه. كما عبَّر الدكتور عماد عبد اللطيف عبر رسالته عن تواضع كبير ومشاعر صادقة، منوها بالأبحاث المقدمة خلال المؤتمر، ومما جاء في هذا الصدد:
«إنني أشعر بشرف غامر بأن أكون ضيف مدينة فاس العريقة، وأن تُلقى هذه الكلمات على مسامع نخبة من الباحثين المرموقين من أرجاء المملكة المغربية، جمعتهم محبة العلم، وألَّف بينهم عشق العربية، وجعلوا غايتهم تجديد علومها، لا سيما البلاغة وتحليل الخطاب. وليست أعمالي التي تخضع لدرسهم ومراجعتهم اليوم إلا إسهامًا متواضعًا، أرجو أن يكون خالصًا لوجه الله والعلم، وأن تكون مدارسته خطوة في سبيل تجديد علوم العربية الغراء.
لقد كنت آمل أن تتاح لي فرصة التعبير شخصيًا عن امتناني الشديد لكل الزميلات والزملاء الذين بذلوا جهودًا ضخمة في سبيل الإعداد لهذا المؤتمر، وددتُ أن أشدَّ على يد كلٍّ واحد منهم، وأن أشكره على وقته، وجهده، ومودته المخلصة التي أكاد ألمسها رغم بُعد المسافات. وأرجو أن تعبّر كلماتي عن بعض ما يعتمل في وجداني من مشاعر الامتنان.»
ونظرا لظروف الحجر الصحي العالمية وعدم تمكن عدد مهم من الباحثين العرب من الحضور، اضطرت اللجنة المنظمة إلى إعادة تكييف الجلسات العلمية حسب الإمكانات المتاحة. وتجدر الإشارة إلى أن مهمة رئاسة الجلسات الأربعة قد وُزِّعت تواليا على كل من: الدكتور محمد زوهري، والدكتور المهدي العرج، والدكتور أحمد العبدلاوي العلوي، والدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي. وقد لاقت الأوراق المشاركة تفاعلا كبيرا من لدن الحضور، واستغرقت مناقشاتها ساعات طوالٍ ترجمت شغف الحضور بمشروع عماد عبد اللطيف وآرائه في البلاغة، وخاصة مقترحه الذي يُوسم باسمه: (بلاغة الجمهور).
وبعد التوصيات والمقترحات التي انتهى إليها المؤتمر، لاسيما تخصيص الدورة المقبلة للمقاربات المعاصرة في تحليل الخطاب، اختُتِمَ المؤتمر بالإعلان عن مفاجأة طبع كتاب جماعي يضم جميع الأوراق المشاركة، وُضع له عنوان: "البلاغة العربية وآفاق تحليل الخطاب"؛ وهو الكتاب الذي سهر على تحريره وتنسيقه كل من الدكتور المهدي الأعرج والدكتور المصطفى شميعة والدكتورة حنان المراكشي والدكتور محمد الفتحي.
وقد ضمَّ الكتاب الجماعي سبعة وعشرين بحثا انتظمت خلال أربعة محاور أساسية:
- البلاغة العربية وامتداداتها:
- البلاغة والمجتمع، قراءة في بعض إسهامات د عماد عبد اللطيف/ د. عادل عبد اللطيف
- كتاب تحليل الخطاب البلاغي: دراسة في تشكل المفاهيم والوظائف/ د. علي المصلاوي وأد: كريمة نوماس محمد النمري
- من الوظائف البلاغية إلى البلاغة الوظيفية/ د. محمد غازيوي
- أطر النقد البلاغي العربي المعاصر في مشروع عماد عبد اللطيف/ د. محمد يطاوي
- قراءة تحليلية وصفية لكتاب "البلاغة والتواصل عبر الثقافات" للدكتور عماد عبد اللطيف/ د. مسعود غريب
- أهمية التواصل بين الثقافات والحضارات ودور البلاغة، دراسة ذرائعية مستقطعة في كتاب "البلاغة والتواصل عبر الثقافات" للدكتور عماد عبد اللطيف/ د. عبير خالد يحيى
- تحرر البلاغة أو نقض أسس الخطاب الرسمي/ ذ محمد الوظيفي
- رؤية الدكتور عماد عبد اللطيف للتواصل بين الثقافات من خلال كتابه " البلاغة والتواصل عبر الثقافات"/ د خالد التوزاني
- مفهوم بلاغة الجمهور وتطبيقاته:
- البلاغة والخطابة السياسية المعاصرة، قراءة في كتاب "الخطابة العربية السياسية في العصر الحديث" لعماد عبد اللطيف/ ذ عبد الوهاب صديقي
- ملامح تجديدية في البلاغة وتحليل الخطاب، قراءة في مشروع بلاغة الجمهور لعماد عبد اللطيف/ د. نزهة خلفاوي
- بين بلاغة الجمهور ونظرية التلقي، تكامل أم تمايز؟
ذ. حسين البعطاوي
• فاعلية استجابة جمهور مواقع التواصل الاجتماعي في تغيير الخطاب، قراءة في مشروع الدكتور عماد عبد اللطيف
د. ماجد صلاح
• بلاغة الجمهور: نحو بناء فرضية ذهنية جديدة/ د. عبد الكبير الحسني
• فلسفة الحوار، تأسيس لبلاغة الجمهور في كتاب "البلاغة والتواصل" لعماد عبد اللطيف/ د. نعيمة سعدية
• نظرية بلاغة الجمهور عند عماد عبد اللطيف وعلاقتها بالسيميائيات/ د. ماجد قائد قاسم
• بلاغة الجمهور بين الرؤية والمنجز والطموح/ ذ. عادل المجداوي
- تحليل الخطاب السياسي:
• مقاربة الخطاب السياسي، قراءة في أعمال د عماد عبد اللطيف/ ذ. فضيل ناصري
• وظائف الاستعارة في الخطاب السياسي من منظور د عماد عبد اللطيف/ د. بلخير شنين
• تحليل الخطاب السياسي، قراءة في أعمال الدكتور عماد عبد اللطيف/ د فؤاد أعلوان
- إشكالية تدريس البلاغة العربية:
- الرؤية الحداثية في تدريس البلاغة العربية – عماد عبد اللطيف نموذجا/ د نصيرة شيادي
- تدريسية البلاغة العربية، قراءة وتعقيب على مقال "تدريس البلاغة العربية التاريخ، الحاضر، المستقبل"/ ذ. أيوب الظهراوي
• تدريسية البلاغة العربية: المفاهيم وأساليب الأجرأة. قراءة في مشروع د عماد عبد اللطيف/ د. نور الدين ناس الفقيه
• بعض صور أجرأة بلاغة السكاكي في الدرس التعليمي – آلية التعريف أنموذجا استضاءة بتجربة الدكتور عماد عبد الطيف/ دة. دنيا لشهب
جدير بالذكر أن اللجنة العلمية للمؤتمر قد ضمت عددا مهما من الأساتذة الأعضاء، في مقدمتهم الدكتور مصطفى شميعة رئيسا للمؤتمر، الدكتور أحمد مفدي رئيسا شرفيا، الدكتور محمد الفتحي رئيسا للجنة العلمية، والدكتورة سعاد الأمين مقررةً. أما اللجنة التنظيمية، فقد ترأستها الدكتورة حنان المراكشي، وضمت الأعضاء: د. حسبية الطايفي البرنوصي، د. محمد الزوهري، د. خالد البورقادي الإدريسي، أ. سعاد عبيد الله، د. نعيمة عبد الخالق، د. رشيد اظريفي، أ. محمد بوعياد، د. محمد غازيوي، د. دنيا لشهب، أ. عماد الأزرق، أ. أسامة حمدوش، د. نعيمة عبد الخالق، وأ. لحسن حاجي.
وعند اختتام المؤتمر، تقدم الرئيس الدكتور مصطفى شميعة وتلا ملخص التوصيات والمقترحات المقدمة، كما استعرض تقويما لحصيلة المؤتمر العلمية قبل أن يكشف عن الدرع التكريمية المخصصة للمحتفى به الدكتور عماد عبد اللطيف. وفي الأخير، أعلن عن اختتام فعاليات هذا المحفل العلمي العربي، معبرا عن شكره وامتنانه للباحثين والحاضرين.