هي قصة الحلم في أدقّ تفاصيله تدفعُها رغبةُ وعنادُ امرأة تُجيد مغازلة الحلم بأرجل ثابتة في الأرض. رحلة تراوحت بين الرّغبة والعزم، الصّعود والنّزول والتأرجح أحيانًا في فضاء خارج عن المكان والزمان اللذين كانا مهمّين بقدر الأحداث في توثيق الأحاسيس والانطباعات التي عايشتها البطلة في جدل مَرير مع الموت وفراق بعض الوُجوه التي كانت قد لعبت دورًا في تحويل وجهة حياتها في أكثر من محطّة.
سمسارا، وانطلاقا من الفكر البوذي هي مجموع الولادات الجديدة والمتجدّدة، المشروطة بالألم والجهل.
عالجت الكاتبة سحر إبراهيم النّصراوي المفهوم من مُنطلق فنّي وفلسفيّ لأنّ الحياة في حدّ ذاتها مجموعة ولادات مستمرّة، ورسالة لا تتوقّف بمجّرد أن يُغيّب الموتُ شخصا بل هي تستمرُّ عن طريق الفكرة وحامليها من جيل إلى آخر ومن شخص إلى آخر.
سمسارا هي ثنائية الحياة والموت التي عايشتها البطلة، هيام والتي تقاسم بطولتها، داعما ومثالا للرّجل العربيّ الشّهم، محمد، شابّ حلم هو الآخر وتعثّر في محطات عديدة الى أن التقى هيام، ليصيرا معا روحا بجسدين .
سمسارا رواية عُنيت أيضا بأن توثّق بعض أسباب تقهقر المُجتمعات العربيّة، لتطرح وجهة نظر البطلة والبطل في مقاومتهما للمفاهيم الاستهلاكية السائدة .
هيام، الصحفية والموسيقيّة، لم تنسى أيضا أن تسجّل موقفها من ما يحدث في العالم العربي لتوثق ما رأته ظلما انسانيا يمارس على المستضعفين، في سوريا وفي هذا العالم، تبدأ القصّة مع الموت والفراق وخاصّة موت الأب ِ الذي كان حافزا جديدا لأن تنجح وتبرّ هذا الإرث بمعيّة، محمد، حامي الأحلام، الى أن ينسحب البطلان من المشهد نهائيا، ليظهر ابنهما آدم، الحُلم الذي سيستمرّان من خلاله لتكون الولادةُ فيه وبه .
هيام ومحمد هما بطلان، تصارعا مع تفاصيل الحياة ليُضفيا عليها تفاصيل الحلم ووهجهُ في انتظام قيمي إنساني، ليُعيدا الخلق من خلال الحلم، في تواتر زمنيّ، قد لا يبدو مُتسلسلا منطقيّا بالنّسبة للقارئ، لكنه وبالعودة إلى مبدأ السببيّة الذي حاولت أن تُعالجه في مجموع الكارمات التأمّليّة سيبدو منطقيا، حسيّا وواضحا .
سمسارا : هي عملية توثيق للحظات، تخليد للحلم مع بعض الشهادات على العصر دون نسيان الأبطال الذين لم تخلّدهم الحياة فاختارت هيام أن تكتب لهم ومن أجلهم، مكافحو مرض السرطان، المتألّمون في صمت .
في كلّ من الفصل، شرنقة، دالية وبداية رجل شجاع .
سمسارا : هي الحياة حين تصل الى النضج، على لسان آدم ...
إنّ ما يلفتُ النّظر في هاته الرّواية أيضا هو النّفس التّأمّلي الذي قد يذهبُ مذهب الفلسفة أحيانا والذّي كانت الكاتبة تصدّر به كلّ فصل من فصول الكارما .
اختلفت مُستويات السّرد وتواترت من فصل إلى آخر مع الحفاظ تقريبا على نفس الأسلوب من حيث التّقنية ممّا قد يجعل القارئ يحسّ بتشابه بين الشّخصيّات من حيث الأسلوب السّرديّ.
لكنّنا إذا نظرنا من زاوية أخرى، فكلُّ شخصيّات هذه القصّة هُم أبطال، يسردون واقعا مُشتركا، وكأنّما نحن في ملحمة يقودها أكثر من بطل، شخصيّات مكمّلة لبعضها البعض، حيثُ أتاحت الكاتبة في كلّ مستوى سردي الفرصة لشخصيّة، لتُعرّف بنفسها .
من هنا يمكنُنا القول أنّ كلّ فصل هو " بورتريه " لشخصيّة تسردُ نفس القصّة من زاوية أخرى، حتّى أنّه يمكنك قراءة كلّ فصل على حدة.
طغى الطّابع السّرديّ على الرّواية مع غياب عنصر المفاجأة والتّشويق في بعض الأحيان الشّيء الذي قد يضعف الحبكة الدّراميّة للرّواية أو يجعلها أقرب إلى أن تُحصر في خانة السّيرة الذّاتيّة.
من جانب آخر أرادت الكاتبة فتح المجال لكلّ شخصيّة للتّحرّك بطلاقة وحُرّية تامّة، بعيدًا عن قواعد كتابة الرّواية الكلاسيكيّة .
لم يخلو الأسلوب من شاعريّة ووصف تصويريّ وتكثيف للحظات حسّيّة جعلته في بعض الأحيان أقرب إلى الرّومانسيّة.
هاته الرّواية سمسارا، تناولت أكثر من طرح ...، سياسيّ، اجتماعي وحتّى اقتصادي.
شخصيّات الرّواية هُم ضحايا أمراض وأوضعيّات اجتماعيّة، صنعت منهم أبطالا في رحلة التّغلّب عليها.
هنا تتّضحُ رسالة الكاتبة والمتمثّلة في أنّ البُطولة الحقيقيّة، تكمن ف المقاومة، والانتصار الحقيقيّ، هو في أن يلعب منّا دورهُ وإن يكن بسيطا في سلسلة الحياة " الكارما " وأنّ ختام هاته التّجربة ونضجها أي " السّامسارا " لا يجبُ بالضّرورة أن تتحقّق على يد بطل واحد " لأنّ دأب الحياة أن تستمرّ.