أثناء بحث الكاتبة عن سيلفيا بلاث، يحضر صوت الشاعرة والسكون، يتردد ويكون الدافع للكتابة عنها. والقول بأنها ناضلت في سبيل حريتها، وكانت تسعى إلى الكمال في كل ما تقوم به. مرارًا أُدخِلَت المصحّات العقلية، وتابعت كتابة الشعر كسهام تصيب الروح، كروح تكتب وهي تقامر بالمصير، وهي هكذا تعبّر عن مأساة بحجمٍ كونيّ، ومكبوتة في الأعماق.

سيلفيا بلاث: الفتاة التي أرادت أن تصبح إلهًا

هبة خميس

 

«أنا فضيّة ودقيقة.

وليس لديّ أية أفكار مُسبقة.

كل ما أراهُ أبتلعه على الفور، تمامًا كما هو،

لا يغشاني ضباب الحب أو الكراهية.

لستُ قاسية، إنني فقط صادقة،

مثل عين إلهٍ صغير، تكمن في الأركان الأربعة.

أتأمَّل معظم الوقت في الجدار المُقابل.

المرقط ورديّ اللون.

لقد تأملته طويلاً وأعتقد أنه صار جزءًا من قلبي.

لكنه مضطرب.

تفصلنا الوجوه والظلام مرارًا وتكرارًا.

أنا الآن بُحيرةٌ، تنحني فوقي امرأة

تبحث في امتدادي عن حقيقتها.

ثم تتحول بعدها إلى هؤلاء الكذابين،

الشموع أو القمر.

أراها وأعكسها بأمانة، فتكافئني بالدموع وثورة اليدين.

مهمة أنا بالنسبة إليها، حين تجيء وحين تذهب.

وكل صباح يكون وجهها هو ما يستبدل الظلام.

لقد أغرقت في داخلي فتاة صغيرة،

والآن ثمة امرأة مسنة في داخلي

ترتفع نحو حتفها يومًا بعد يوم،

مثل سمكة مرعبة.»

لم أكن أعرف سيلفيا بلاث، لكنّي اصطدمت -بالصدفة- ببعض الاقتباسات من كتاب يومياتها، فبحثت عنها بعد أن تملّكني الفضول بعد قراءة كلماتها التي لم تلبث أن عَلِقَت في ذهني وأخذ صداها يتردد بداخلي. بحثتُ لأجد فتاة كاملة، قوية وجريئة، فتاة ناضلت في سبيل حريتها، وكانت تسعى إلى الكمال في كل ما تقوم به. مرارًا أُدخِلَت المصحّات العقلية، حتّى أنها عولِجَت بالصدمات الكهربائية. كانت تكتب سهامًا تصيب الروح كمن يتقن فن الرماية، كمن يَقتُل، كمن يُقتَل، وكمن يكتب ليقامر بمصيره. تعبّر قصائدها عن مأساة ذات حجمٍ كونيّ لكنها مكبوتة بعناية في الأعماق. شِعرها ذو صوتٍ، ولغة، ونبرة مزدوجة، مُستسلم لغنائية الصور والمشاعر، وطورًا مضبوطًا بصرامة التقشّف واللغة الذهنية والأفكار المحتشدة.

وبعد أيامٍ استغرقتني في قراءة يومياتها، رأيت الاضطراب، والحب، والألم، والحزن فيما يقارب ستمائة صفحة. يوميات مليئة بالدراما والعاطفة الصاخبة والهوس، توضح الحالة النفسية غير المستقرة لسيلفيا، ومعاناتها مع اضطراب ثنائي القطب.

في يومياتها صورت صراعها مع الحياة، ومع نوبات الكآبة، مع حبها وكراهيتها لأمها في آنٍ، وفقدها لوالدها، ومع الوقت، ومحاولة كتابة القصائد، ومع الصحف ودور النشر التي ترفض أعمالها.. ومع العالم.

«الحياة هي وِحدة. برغم كل المرح المبهرج الصاخب، الحفلات التى بلا جدوى، برغم الوجوه المبتسمة الزائفة التى نرتديها جميعًا.. وعندما تجد فى النهاية أحدًا تشعر معه أنك تستطيع أن تثبت لواعج نفسك، تتوقّف فى الحال مذعورًا من كلماتك، هي صدئة جدًا، قبيحة جدًا، تافهة جدًا، وواهنة.. لأنها بقيت زمنًا طويلًا حبيسة فى الظلام الخانق لداخلك. أجل، يوجد فرح، ارتياح، عِشرة. لكن وِحدة الرُوح في وعيها الفظيع بذاتها هى رهيبة.. وطاغية!»

ربما انتهيت من هذه اليوميات، لكنها أبدًا لن تنتهِ منِّي!

* * *

سيلفيا بلاث (1932-1963):

«لم أرَ سببًا يدعو الناس إلى التحديق بي هكذا،

كان هنالك عدة أشخاص يبدون أكثر غرابة منّي!»

شاعرة أمريكية وروائية وكاتبة قصص قصيرة. وُلِدت في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية. ودرست في جامعة سميث وجامعة نيونهام في كامبريدج قبل أن تشتهر كشاعرة وكاتبة محترفة. واحدة من أكثر شاعرات القرن العشرين شهرة، أثارت بعد رحيلها -وبسبب طريقة رحيلها- اهتمامًا شعبيًا، ونقديًا حتى، أكبر من الذي أثارته في حياتها، خصوصًا قصتها مع زوجها الشاعر البريطاني «تيد هيوز Ted Huges»، الذي أصبحت علاقتها المتوترة به، والتي انتهت نهاية مأسوية عنوان دائم للكلام عن بلاث الشاعرة والكاتبة، مما طمس لفترة طويلة منجزها الشعري، وجعل أقلام كُتَّاب السيرة والمقالات والباحثين عن الفضائح ونابشي الأسرار أكثر انشغالًا بكثير من أقلام نقاد الشعر والأدب.

«ربما سيظهر ذات يوم الوحي أمامي.. وسأرى الجانب الآخر من النكتة البشعة الهائلة. وعندئذ سأضحك.. وعندئذ سأعرف ما هي الحياة»

* * *

أنا أئن

توفي والدها، أوتو بلاث في الخامس من نوفمبر 1940، بعد أسبوع ونصف من عيد ميلادها الثامن، إزاء مضاعفات خطيرة بعد بتر رجله بسبب مرض السكري غير المعالج. ورُغم أن بلاث قد رُبيت بأُسس مَيسحية صارمة، لكنّها بعد وفاة والدها فقدت إيمانها وظلّت متناقضة حول الدين طوال حياتها. كما أن زياراتها لقبر والدها قد دفعتها لكتابة القصائد المتعددة، والتي لم تكن تخلو من الألم.

«كانَ عليّ أن أقتُلكَ، يا أبي.

مِتَّ قبلَما يتَوفَّرُ لي الوقتُ...

كَيِّسٌ، ثقيلٌ رخاميٌّ، مِلؤهُ الله،

تِمثالٌ شَبَحيٌّ بإصبَعِ قَدَمٍ رماديةٍ.

اعتدتُ أن أُصلِّي، لأستعيدكَ،

وأنا أَئِنُّ.. ..»

* * *

الصوت الذي لا يكفّ..

تقول «بلاث» في عمر السابعة عشر:

«أشعر أن من الواجب عليّ أن أحافظ على كوني في سن السابعة عشر، كل يوم منه نفيس جدًا. أشعر بالحزن بمجرد تصوّر أن تفلت هذه اللحظات مني بعيدًا بينما أكبر في العمر. الآن! الآن هو الوقت المثالي في حياتي.

بالعودة إلى الستة عشر عامًا الماضية.. أرى المآسي والسعادة بشكلٍ عشوائي، كلها لا تهم الآن، تصلح فقط أبتسم لذلك الغموض.

أظل أجهل نفسي، ربما لن أعرفها مطلقًا. لكنني أشعر بالحرية، الغير مرتبطة بأي مسؤولية.». بدأت بلاث الكتابة من سن الثامنة حيث نُشِرَت قصيدتها في مجلة «بوسطن ترافلر». وبمرور السنوات وبعد أن حان الوقت للتسجيل في الجامعة، سجّلت في جامعة سميث، وكادت أن تكتب أكثر من خمسين قصة قصيرة، ونُشِرَت معظمها في مجموعة من المجلات.

«سيأتي وقت ما عليّ فيه أن أواجه نفسي في نهاية الأمر. حتى في الوقت الحالي أخشى من اتخاذ القرارات العظمى التي تهدد حياتي. أي كلية؟ أي وظيفة؟ أنا خائفة أشعر بالحيرة. مالأفضل؟ ماذا أريد؟ لا أعلم. أحب الحرية. أستنكر القيود والتضييق. أنا لست حكيمة كما كنت أعتقد. أستطيع الآن رؤية الطرق المتاحة لأجلي -كما لو كنتُ في وادٍ- ، لكن لا أستطيع رؤية العواقب.

آهٍ.. كم أحب الوقت الحالي بكل مخاوفي وشكوكي؛ لأني الآن لا أزال كما أنا، غير متشكلة كليًّا. للتو تبدأ حياتي. أنا قوية. أتوق لأن يصبح لدي سبب لأكرس كل طاقاتي لأجله..»

ذلك السبب تشكَّل لسيلفيا في الكتابة. حسٌّ بالغرض جاء لها بشكلٍ عفويّ. يتجلى هذا الغرض في واحدة من قصائدها المبكّرة كتبتها في ذات الوقت:

«أنت تسألني لماذا أكتب طيلة عمري؟

هل أجد متعة في ذلك؟

هل الكتابة تستحق كل هذا العناء؟

والأهم، هل هي مُربِحة؟

إذا كان الجواب لا. هل هنالك سبب آخر؟

نعم؛ فأنا أكتب فقط لأن هنالك صوتًا ما بداخلي لا يكفّ أبدًا»

في جامعة سميث تخصصت بلاث في اللغة الإنجليزية، وفازت بجميع الجوائز الكبرى في الكتابة والبحوث العلمية. وقامت بتحرير مجلة الجامعة «مادموزيل Madmoizelle»، وعند تخرجها فازت بجائزة جلاسكوك لكتاباتها: «المحبوبان» و«المتجول على البحر». وفي وقت لاحق، كتبت لمجلة «إسكواش» ونشرت مجموعتها الأولى «العملاق وقصائد أخرى» في بريطانيا في أواخر الستينيات.

«أنا أحب الناس. جميعًا. أحبهم، كما أعتقد. مثلما يحب جامع الطوابع مجموعته. كل قصة، كل حادثة، كل نتفة من حديث هي بالنسبة لي مادة خام. حبي ليس موضوعيًا بعد ولا هو ذاتي بالكامل. أود جدًا أن أكون الجميع، شخص أشلَّ، محتضرًا، داعرًا، ثم أعود إلى الكتابة عن أفكاري، عواطفي، مثلما يفعل ذاك الشخص. لكني لست كائن كُليّ العلم. علّي أن أعيش حياتي فهي كل ما سأملك. ولا يمكنك أن تنظر إلى حياتك بفضول مجرد طول الوقت.

كانت بلاث على قائمة أصغر منافسة لكتاب الشعراء في جامعة ييل، وطُبعت أعمالها في مجلة هاربر، ومجلة «ذي سبيكتيتر The spectator» وفي الملحق الأدبي لمجلة تايمز. وكانت لها عقد مع مجلة نيويوكر.. ومن هنا انطلقت سمعتها.

وفي رسالة أخرى لوالدتها عام 1955 تعبّر فيها عن أهمية الكتابة في حياتها:

«الكتابة هي الحب الأول في حياتي، عليّ أن أحيا بشكل جيّد، بترفٍ، وفي مكان بعيد لكي أكتب. لن أصبح أبدًا كاتبة انطوائية كأغلب الأشخاص. لأن كتاباتي تعتمد كثيرًا على حياتي»

كما نُشر لها في العام 1975 كتاب منزل الرسائل، وهو مجموعة من رسائل سيلفيا التي وجهتها إلى أفراد عائلتها في مراهقتها، أجرت عليها والدتها بعض ونشرتها.

* * *

إرث سيلفيا بلاث

الناقوس الزجاجي

تهتم هذه الرواية بعرض قضية العفّة والتي كانت توصي بها والدة بلاث ابنتها. أن تحتفظ بعفتها لزوجها، بل إنها كانت ترسل لها مقالات تذكيرية عن الموضوع لذلك عندما أحبَّت «أستير بودي» كانت تعتقد أن موضوع العفة سيكون بالمقابل متوفرًا عند رجلها المختار -حينذاك- لذلك أصيبت بالصدمة عندما اعترف لها بودي بكل بساطة إن حياته لم تخلو من علاقات. ثم تحولت صورة الوسيم طالب الطب المثالي إلى شخص منافق؛ لذلك اقترن اسمه طوال صفحات الرواية بالمنافق، وهنا ظهرت بلاث المراهقة بقمة براءتها وعفويتها حين تصورت أن الأمر سيكون متبادلًا بين حبيبين.

«الحاضر بالنسبة إليّ يعني الأبد، والأبد يجري ويذوي بلا انقطاع. كل لحظة هي حياة، وكل لحظة تمضي هي موت. أشعر بأنّي مسحوقة تحت ثقل الأزمنة، فأنا الحاضر، وأعرف أني زائلة بدوري. هكذا يرحل الإنسان. أما الكتابة، اللحظة الأسمى، فتبقى وتمضي وحيدة على دروب هذا العالم.»

أكثر من طريقة لائقة للغرق

«الموت فن ككل شيٍء آخر، وهو فن أتقنه بشكل استثنائي»

وهُنا نجد مُختارات من قصائد بلاث المترجمة، قصائد كثيرة لم أفهما كلها، لكن ما فهمته كفاني. ما فهمته هو الموت. إنها تتألق كروح هاربة من جثة، وهي تكتبه. قصائد لم تكتبها سوى امرأة ميتة، أو امرأة قد خبرت الموت، وصحبته.

ربما حب؟

«أخشى التقدم في السنّ، أخشى الزواج، أعفني من طبخ ثلاثة وجبات في اليوم، أعفني من سجن الروتين والتكرار القاسي. أحاول أن أضع نفسي مكان شخصٍ آخر في بعض الأحيان، وينتابني الرعب عند نجاحي في ذلك. كم هو فظيع أن أكون أي شخص غير نفسي!»

تزوجت من الشاعر «تيد هيوز Ted Huges» في 1956 وعاشا أولًا في الولايات المتحدة قبل أن ينتقلا إلى بريطانيا. وفي شهر يوليو من عام 1956، تكتب «بلاث» لوالدتها في عمر الثالثة والعشرين خلال رحلتها إلى باريس مع زوجها:

«كلانا ننسلخ برويّة من إرهاقنا العظيم، من الأحداث المدويّة خلال الشهر الفائت. وبعد حومنا في باريس نجلس، نكتب، نقرأ في تويليريس. كتب كلّ منا قصيدة جيدة، الأمر الضروري لرفع معنوياتنا الشخصية. ليست بتلك القصيدة أو الحكاية الرائعة ولكن على الأقل ساعات معدودة من الكتابة الصارمة في اليوم. شيء ما بداخل كلانا يحتاج إلى الكتابة لمدة طويلة يوميًا. وإلا لشعرنا بالبرودة تجاه الورق... نحن سعيدان حقًا حين نختلي بأنفسنا ونكتب نكتب نكتب. لم أعتقد يومًا أنني قد أنضج بهذه السرعة في حياتي حتى الآن. أظن أن السّر في ذلك هو أننا واقعين بشكل كُلي في حب بعضنا البعض؛ مما يجعل كتاباتنا خالية من كونها مجرد انعكاس للذات، وإنما لوحة مؤثرة تعبر عن حياة الآخرين ومضيهم»

* * *

الخيانة والاكتئاب يكتبان النهاية

أثناء زواجه من الشاعرة سيلفيا بلاث، تورط تيد هيوز في علاقات عاطفية، أشهرها مع امرأة متزوجة تُدعى: «آسيا فيفل»، وقد ساعدت في تربية طفلا بلاث بعد موتها، لكن، فعلها هيوز مجددًا، تركها لأجل علاقة أخرى!

في العام التالي، قتلت فيفل طفلتها ذات الأربع سنوات وانتحرت بالغاز على طريقة بلاث.

في مذكراتها، كتبت فيفيل أن شبح سيلفيا هو من دفعها للانتحار.

إلى آسيا فيفل:

أكانت هناك ليالٍ

كنت أكيدة فيها بأنه قد يسحق عظامك؟

أنك لم تضعي على السرير ما يكفي من المشمع العازل

بحيث قد تضطرين لغسل الملاءات في اليوم التالي؟

بعضنا ولد مطاردًا كارثة

يصرخ منذ اللحظة الأولى له في هذا العالم

نبحث عن صاعقة

عن طزاجة أجسادنا

نفتش دائمًا عن اليد الماهرة.

حفظت عن ظهر قلب كل قصيدة حب

كتبها لأخرى،

نمت على الوسادة التي حملت نعاسها.

بعضنا ولد مطاردًا القصائد.

عندما كنت تبحثين عن الكلمات،

أكان صوتها من ينطقها؟

- صاعقة، سارا كاي.

اكتئابٌ حاد أخذ يأكل في روح سيلفيا بلا رحمة، زوجٌ خائن وحياةٌ -في نظرها- لا تستحق العيش، وفي فجرِ يومٍ ما، وجدوا جثّتها، حيثُ ماتت إثر التسمُّم بأول أكسيد الكربون بعد أن حشرت رأسها في الفرن الذي كان قيد التشغيل. واضعةً مناشف مُبللة تحت الأبواب لتكون حاجزًا بين المطبخ وبين غرف أطفالها. ورحلت مُخلّفة وراءها ثلاثين عامًا، قلائل.. لكن ملؤهم الألم!

«أريد أن أصبح حرة. حرة لأن أعرف الأشخاص وخلفياتهم. أن أتنقّل إلى أجزاء مختلفة في العالم لأتعلم أن هنالك معايير وأخلاقيات غير تلك التي أنتمي إليها. أريد أن أصبح واسعة المعرفة، أعتقد أن بودّي تسمية نفسي: «الفتاة التي أرادت أن تُصبح إلهًا». لكن، إن لم أكن في هذا الجسد أين يمكن أن أكون؟ ربّما من المقدّر لي أن أعيش مصنّفة ومؤهلة، لكني أحتج ضدّ ذلك! أنا قوية.. لكن.. إلى أي مدى؟»

والآن، لا شيء..

«في اللحظة الراهنة، أشعر بالسعادة الشديدة، مُستندة إلى طاولتي، مُمعنة النظر إلى الأشجار العارية حول المنزل في الشارع المقابل. أريد دائمًا أن أكون مراقِبة، أريد أن تؤثر فيّ الحياة عميقًا لكن بدون أن تعميني عن رؤية وجودي في ضوء هزلي ساخر، وأن أسخر من نفسي كما أسخر من الآخرين.

أحمل غرورًا رهيبًا. أحب جسدي، ووجهي، وأطرافي بتفانٍ غامر. أنا ملمّة بكوني «طويلة جدًا» و لدي أنف كبير، لكن رغم ذلك أظل أقف وأتزين أمام المرآة وأرى أكثر كم أنا جميلة. أقمت في دماغي صورة عن ذاتي -صورة جميلة ومثالية- أليست صورة خالية من العيوب – النفس الحقيقية؟ الكمال الحقيقي؟ أأنا أتوهم عندما تدس هذه الصورة نفسها بيني وبين المرآة التي لاترحم. -وحتى الآن أقوم بنظرة خاطفة على ماكتبته- يالحماقة ذلك، ياللمبالغة الدرامية.

لن يحدث أبدًا، أبدًا لن أصل إلى الكمال الذي أطمح إليه بروحي.

لوحاتي، قصائدي، حكاياتي.. كلها كانت انعكاسات ضعيفة.»