ينسج القاص المصري قصصه القصيرة جدا بجمل سردية مكثفة تعتمد على الرمز والإيحاء المثقل بالآفكار والخلاصات عن العلاقة بين الرجل والمرأة والزمن والمكان والحالة في الأولى وعن الفلاح المتكسب بالبيع في النيل للسواح عن طريق قذف البضاعة حتى سطخ المركب في عملية شاقة وعن علاقة الرجل والمرأة أيضا في الثالثة.

ثلاث قصص

ضـياء طـمان

 

  • ظنون

يقف أمامها بالساعة و الساعات و هي جميلة ، و تبتسم و تبتسم كلما رأته يبتسم . الابتسامات من أولها إلى آخرها شقراء . عندما يضطر إلى التحرك بعيداً عنها ؛ يختفي هو فيها ، بينما تقتفيه هي أيضا .مؤكد أنها ما زالت مثبَّتة في مكانها بطريقة او بأكثر . الفكاك من المكان مستحيل ، إلا إذا تماثلت الأزمنة ، و الزمان متغير بطبيعة المكان . أظنه لم يعد ينظر إليها .. أظنه لم يعد يراها جميلة .. فالعملية أظنها قد نجحت .. غريب أمر ذلك - أظنه – الكفيف الفائت .. طبيعي أمر تلك المرأة المرآة ؛ الكفيفة أبداً أظنها .

 

  • المَفْرَش

سائحٌ ، و بائعٌ سريح . فلَّاح و صعيدي . رجُلٌ و رَجُلْ .الفلاح على سطح النايل كروز يسترخي بالشازلونج . و البائع بأكياس بضاعته الراقدة ، رابض على رصيف هويس راكد ، بعد أن ضاق به البَر . البيع النيلي تحايُل مائي على رزق هوائي يوماً بيوم . المصريون القدماء منقوشون على البضاعة كَمُبَرِّر للرزق السياحي ، مع أن الفراعنة المذكورين تم صكُّهم و سكُّهم في الصين . النيل حقٌ عذْبٌ للجُمَلاء ، و الحق نيلٌ مالح يبحث عن رجلين بينهما خمسة عشر متراً و يزيد . البضاعة مقذوفات يدوية مشروعة ، تنطلق داخل كيس لَدِن مُحْكَم الغَلْق ، يصل دائماً سالماً إلى سطح المركب ، برمية واحدة فوق العادة . لكن أحد السائحين يرُدُّهُ ، ليعودَ غَيْرُهُ من غَيْرِهِ ، لِيُرَدَّ مرة أخرى من أخرى ، إلى أن يصل مفرش عارٍ - بعد عرضه الشيق على شاشة الهويس - مبتَلَّاً بماء بيسين سطح المركب . فيركض الرجل بظهره للأمام ، و في شماله المفرش المعصور ، و في اليمنى ثمنه اللا بَخْس ، الذي يُدْخِلُهُ في كيس مفرش جاف آخر ، تم إرساله - فقط - للتحصيل . لكنْ تجاوُزُ المركب لرصيف الهويس ، يُرغِمُ الرجلَ لقذفه في النيل ؛ فيضطر البائع السريح إلى القفز تجاهه فوراً بلا بديل ؛ كرامةً للكيس الذي يسبَح بجوفه ، مع التيار ضد التيار ؛ بينما - مذهولاً – يُحَوْقِلُ الفلاح الفصيح ويصرخ في صمت ، و هو يقب و يغطس بلا تردد .

 

  • صُدَف

قابَلْتها هناك صدفةً ، و قابَلْتني صدفةً هنا ، و بين الصدفتين اختلفنا ؛ في المكان صدفة ، و في الزمان صدفة . اختلاف المكان يؤثِّر على الشكل ، و اختلاف الزمان يؤثِّر في المضمون . و بين الشكل و المضمون تقاسمنا الأحزان ؛ بالتجاهل تارة و تارة بالرضوخ .

قابَلتها صدفة هنا ، و قابلتني هناك صدفة ، و بين الصدفتين ائتلفنا ، في المكان و في الزمان ، و في الشكل و في المضمون . و بين الشكل و المضمون ، تقاسمنا الأحزان ؛ بالتحدي تارة و تارة بالمواجهة .

قابلتها و قابلتني ، و قَبِلْتَها و قَبِلَتْني ، و قَبَّلْتَها و قَبَّلَتْني ؛ هنا صدفةً و هناك .