غيب الموت الشهر الماضي أحد رموز ثقافتنا العربية، شاعر وكاتب ودبلوماسي ساهم بشكل لافت في ترسيخ الوجود العربي المشرق في الثقافة الإنسانية. أحد كبار الشعراء والكتاب الذين تفوقوا بكتابتهم بلغة موليير، والمدهش أن الكثير منها لم يترجم الى اللغة العربية، وفي ذلك استعادة لصوت عربي أقام في الثقافة الإنسانية مفضلا أن يظل منارة أدبية مشعة في سماء الإبداع العالمي، هنا تقرير قدمته فرونس 24 حول الراحل ننشره هنا لتقريب القراء من تجربته الخصبة.

رحيل صلاح ستيتيه

عندما يغيب الموت «منارة أدبية» و«رسول سلام»

بوعلام غبشي

 

فقدت الساحة الأدبية الفرنسية والعربية في 20 مايو/ أيار أحد أعلامها بوفاة الأديب اللبناني صلاح ستيتيه عن 90 عاما. ليغيب الموت "منارة أدبية ودبلوماسية"، خلفت من ورائها 250 عملا. ونعت الأوساط العربية والفرنسية الفقيد، الذي ستغيب معه "صفحة ساطعة من الأدب اللبناني في العالم"، حسب تعبير الشاعر هنري زغيب. كما أشاد جاك لانغ مدير المعهد العربي في باريس بستيتيه، معتبرا إياه "شغوف بالعالم ورسول سلام وشعر وثقافة فعلي...".

"انطفأت منارة أدبية ودبلوماسية في باريس ليل 20 مايو/أيار"، بهذه العبارة نعت سفارة لبنان في باريس رحيل الكاتب والشاعر والدبلوماسي صلاح ستيتة، معلنة انتهاء رحلة أديب عربي كبير في عالم الكتابة والإبداع، توجت بـ250 عملا، ومخطوطة ورسما ولوحة وصورة ومنحوتة معروضة في متحف بول فاليري في سيت" في فرنسا.

وبهذا الرحيل، "تغيب صفحة ساطعة من الأدب اللبناني في العالم"حسب تعبير الشاعر اللبناني هنري زغيب، الذي يعتبر صلاح ستيتيّه "من كوكبة شعراء يفاجِئُون، يباغِتُون، يُدهِشُون بِـخيمياءِ الكلمات، بِـــ”حَجَر الصبر”، فيُطْلِعون لغاتٍ في اللغة غيرَ مأْلوفةٍ بين الكلام المأْلوف". ووفاة ستيتيه اهتزت لها الأقلام العربية في المشرق والمغرب كما كان شأن الشاعر المغربي حسن نجمي، الذي يرى في الأديب اللبناني "شاعر عربي ومثقف كبير، عميق وحقيقي بخلفية فكرية ومعرفية قوية، خصوصا في كل ما يتعلق بجذور الثقافة الشرقية وضمنها الحضارة العربية الإسلامية، شعرا وآدابا وتاريخا وثقافة وتصوفا".

وفي قراءة لـ"أفقه الشعري والجمالي"، يشير نجمي إلى أنه كان "كونيا"، متأسفا على عدم ترجمة أعماله الشعرية والفكرية كاملة إلى العربية. "كما أن شعره ترجم في مختارات ثلاث لعل أهمها ما أنجزه الأخ الصديق كاظم جهاد أساسا. ولعل رحيل صلاح ستيتيه يفتح الشهية من جديد لاستعادة تجربته وإعادة النص إلى أهله ومائه وحاضنته العربية"، حسب قول الشاعر المغربي.

صلاح ستيتة: ما مر علي في حياتي كان عبارة عن حفلة جنون

أديب نهل من العربية ليعطي للفرنسية

اختياره الكتابة باللغة الفرنسية، لم يبعده يوما عن هويته بما فيها عصبها اللغة العربية. وحاول تفسيره تلك العلاقة الكيميائية التي تربطه بلغة موليير في حوار له مع فرانس24 بالقول إن "الكاتب يأخذ باللغة التي تأخذه"، إلا أن اللغة الأم ظلت المنهل في عطائه الإبداعي، فهو "يأخذ باللغة العربية ليعطي للغة الفرنسية"، وهي من العوامل التي جعلته "جسرا بين ضفتي المتوسط".

وحمل القلم بالنسبة له مسؤولية. "فمن له قلم يجب أن يكتب ما شاهده وما رآه من أشياء طيبة وخلاقة، وللأسف أشياء معدومة بإمكانها أن تعدم المستقبل" أيضا. فالكاتب والشاعر لا يمكن، في رأي الراحل، أن يتراجع عن جانب من جوانب مسؤوليته في أن يكون شاهدا على عصره.

وفي هذا السياق، جاءت كتابة مذكراته "حياة مجنونة" كما يترجمها بلسانه إلى العربية قبل سنوات من رحليه. "اخترت كتابة مذكراتي لأني كبرت ورأيت كثيرا...". ومن هذا المنطلق رأى أنه كان من الضروري تدوين مذكراته للأجيال المقبلة.

ظل الأديب صلاح ستيتيه مرتبطا بالهم اللبناني ومعه العربي حتى آخر أيامه. ولم يتنازل عن أي شيء من هويته كما قال في مقابلة مع فرانس24 "بقي بي من الهوية اللبنانية كل شيء، عربي، وأتألم كثيرا للهوية الممزقة، لبنان ممزق والعالم العربي ممزق..". عالم تنخره الصراعات الداخلية مع إفراز تيارات دينية متشددة زادت المشهد قتامة، فيما يرى ستيتيه أن "الإسلام يظل عقيدة في قلب المسلم، ولا يخرج للميدان السياسي".

 

من البورجوازية إلى ثراء الشعر

ولد ستيتية في عائلة بورجوازية سنية في 28 ديسمبر/كانون الأول 1929 في بيروت خلال فترة الانتداب الفرسي في لبنان، واختار أن يكتب بالفرنسية فيما كان والده شاعرا باللغة العربية.

كان الأديب مقيما في فرنسا. وتحمل قاعة في متحف الشاعر الفرنسي بول فاليري اسمه منذ 2017. وكان يحلو له القول "نحن شاعران من المتوسط إحدى أهم المناطق في رهانات الحرب والسلم في العالم".

ونال الجائزة الكبرى للفرانكوفونية التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية عام 1995 عن مجمل أعماله الأدبية.

وبقي صلاح ستيتية على ارتباط بلبنان الذي كان الملهم الرئيسي لأشعاره. وهو صاحب محاولات أدبية وترجمات لشعراء عرب ونصوص حول الفن.

وشكل عمله "حملة النار" (1972) دراسة معمقة في الجذور الروحية للعالم العربي فضلا عن مستقبله المحتمل. وكان على علاقة بعدد كبير من أدباء القرن العشرين من بينهم جان-بيار جوف وهنري ميشو ورينيه شار وإيف بونفوا.

وكانت له مسيرة في السلك الدبلوماسي فكان سفيرا للبنان في هولندا والمغرب خصوصا، ومندوبا لبلاده في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) ومديرا للشؤون السياسية وأمينا عاما لوزارة الخارجية اللبنانية.

وغردت أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو عبر تويتر "نفقد صديقا عزيزا عمل من أجل السلام والحوار بين الثقافات انطلاقا من ثقافته العربية". كما أشاد جاك لانغ مدير المعهد العربي في باريس بستيتيه معتبرا أنه "شغوف بالعالم ورسول سلام وشعر وثقافة فعلي وسفير الكلمة الذي كان يفتح آفاقا فنية ودبلوماسية جديدة".

 

"عن فرونس 24"