ترسم الكاتبة الأردنية بريشة مرهفة ودقيقة حياة أسرة فلاحية في قرية بمشهد يومي عن نساء يقومن بأعداد الخبز للعائلة الكبيرة ثم يركز السرد على حسنية الجميلة القانعة في الحياة فتتزوج بشكل تقليدي لتقلب عليها العادات والتقاليد حياتها لتنتهي نهاية تراجيدية تكون النساء البريئات قرابين تلك القيم المتخلفة الصارمة في مجتمعات الكذب والنفاق والأسرار.

حسنية

خولة كامل الكردي

 

في قرية صغيرة بعيدا في أحد الأرياف، تعيش حسنية وسط أسرة كبيرة مكونة من إخوتها الخمسة وأخواتها الأربعة، تصحو أم حسين وبناتها كل صباح لإشعال الطابون (الفرن) والبدء في عجن العجين للتحضير للخبز، تتجمع الأخوات حول الطابون، كل واحدة تستلم دورها في إدخال العجين، وأخرى تمد العجين على الصاج وثانية تدحرج العجين وتقطعه إلى دوائر ممرغة بالطحين، تأخذ حسنية دورها في إدخال العجين في الطابون، الجو شتاء وهذا يؤنسهن من برد الشتاء والمطر المنهمر بغزارة في الخارج. يخرج أبو حسين وأولاده (حسين، محمد، علي، عوض، ابراهيم)، لفلاحة الأرض وتأمينها من اندفاع المياه والأمطار

يدق الباب وأم حسين تعد الخبز وترتبه في سلة وتغطيه بمنديل أبيض، تفتح الباب إنه عزيز ذاك الشاب الدرويش الذي يأتي كل يوم ويأخذ رغيفا من بيت أبو حسين، تنظر إليه أم حسين قائلة: تريد خبزا ها...ويقول: أريد خبزا من يد حسنية، تضحك أم حسين وتقول: تعالي يا حسنية عزيز يريد خبزا من يديك!! تقف حسنية وتنفض يديها من الطحين على ثوبها، تعطي عزيز الخبز وتضحك له: هاك خذ هذا الرغيف يبتسم ويأخذ الرغيف ويرحل، في هذه الأثناء يقرر أبو مسعود وهو جار أبو حسين أن يخطب لابنه مسعود، يتحدث لأم مسعود ويقع اختيارها على حسنية ابنة جارهم، حسنية شابة جميلة لم تتعدى السادسة عشر، في الحارة لا يوجد أجمل منها، تذهب أم مسعود لجارتها أم حسين وتطلب منها يد حسنية لابنها مسعود.

تسر أم حسين وتخبر أبو حسين بموضوع الخطبة ويوافق أبو حسين فمسعود شاب عصامي ويعرف كيف يأتي بالقرش، يخبر أبو حسين أم حسين أن تتفق مع أم مسعود على موعد لمجيئهم، فلا مانع لديه كي يحضر أهل العريس ويطلبوا يد حسنية منه.

حسنية تجلس في غرفتها مع أخواتها تسرح شعرها الأسود الطويل بمشط صغير خشبي، تتناول المكحلة وتكتحل، تدخل أم حسين وتجلس على الوسادة بجانب حسنية وأخواتها رسمية وزكية وحلمية، تنظر أم حسين لحسنية وتضحك، وتقول: هل تعلمين من أتى اليوم؟ تحدق حسنية بأمها باستغراب قائلة: لا أدري يا أمي؟ تحضن أم حسين حسنية وتقول: جاءت أم مسعود لخطبتك، تخفض حسنية رأسها ويحمر وجهها، تضحك أخوات حسنية وقد وددن لو كن مكانها.

في المساء يتفق أبو حسين مع أبو مسعود على موعد الزفاف، يبارك إخوة حسنية للعريس مسعود. تمر الأيام ويأتي يوم الزفاف، تجلس حسنية بجانب مسعود وتزف إليه

تدخل حسنية غرفتها وقد بدت جديدة من سرير وفرش وبطانية وخزانة ملابس وستائر بيضاء وسجادة ومرآة

....في الصباح يدق الباب يفتح مسعود الباب، أم مسعود تحضر إفطار العريسين، صينية تحوي بيض وزبدة ومربى وجبن وزيتون وخبز وكوبين من الشاي، يأخذ مسعود الصينية وتصحو حسنية ويضع مسعود الإفطار، ينظر لحسنية ويبتسم ويقول: هيا يا حسنية أحضرت أمي الإفطار، تنزل حسنية من على السرير وقد ازدانت بعقد ذهبي وحلق وخاتم وإسورة، تجلس بجانب مسعود ويبدآن في تناول الطعام، ينظر مسعود إليها ويبتسم ويضع حبة زيتون في فمها، تبتسم حسنية وتخفض رأسها حياء، يخرج مسعود لمساعدة والده على فلاحة الأرض، بعد سنة تنجب حسنية طفلا، اسمته عمر، يكبر عمر ويصبح في الخامسة من عمره.

.. وفي يوم كعادتها تصحو حسنية مبكرا، لتجهيز العجين وإشعال الفرن (الطابون ) لإعداد الخبز، تجلس وتمد العجين وتدخله إلى الفرن، يجلس عمر بجانبها ويلعب ببعض فتات الخبز، يدق الباب فجأة، يفتح عمر الباب فإذا هو عزيز يطلب رغيف خبز، تحضر حسنية وتعطيه رغيف خبز، يلمح سلفها عبد القادر عزيز وهو يأخذ رغيف الخبز من حسنية ويسمعه يقول: أحب حسنية، حسنية حبيبتي، اشتعل الغضب في صدر عبد القادر فيسرع الخطى إلى والده وشقيقه مسعود ويخبرهما بما رأى وسمع.

لقد سار في القرية نبأ علاقة آثمة بين عزيز وحسنية، يسير عزيز في الحارة وينادي ويقول: أحب حسنية..... حبيبتي حسنية، يغضب أبو مسعود ويبلغ ولده ضرورة الخلاص من زوجته التي جلبت العار للعائلة، وصارت قصة مسعود ورجولته على كل لسان، يدخل مسعود على حسنية وهي تطعم عمر ويقول:

-رتبي أغراضك واذهبي لأهلك،

تسأله حسنية:

- ماذا حدث؟ لم أفعل شيئا!

يحاول مسعود الهروب من نظراتها ويخرج، تبقى حسنية تطعم طفلها ولا تعبأ بكلام مسعود، فلربما غاضب من شيء ما، لم يتبادر إلى ذهن حسنية أن مسعود عازم على الخلاص منها، يدخل مسعود مرة أخرى ويمسك بيدها ويقول:

- ألم أقل لك أن تغربي عن وجهي!

الصدمة أكلت قلب حسنية، تجهز حسنية أغراضها وتمسك بيد ابنها عمر وأثناء همها بالخروج يلمحها مسعود ويدفعها ويأخذ عمر، تتوسل حسنية إليه أن تأخذه، يرفض مسعود ويقول:

- لا أريد أن تربيه أم مثلك!

تصاب حسنية بالدهشة وتقول:

- ماذا فعلت لك؟

يشيح مسعود بوجهه وتنظر إليه لعل نظراتها تعيد له وعيه وتخبره بأنها حسنية زوجته وحبيبته وأم ولده، تفتح الباب وتنظر لعمر وكأنها تودعه الوداع الأخير

تتوجه إلى بيت أهلها تدق الباب وتفتح أمها الباب، تندهش من مجيئها، الشك يأخذ مأخذه منها، تقول:

- ما بالك يا حسنية هل تشاجرت مع مسعود؟

ترتمي حسنية في حضن أمها وتبكي، لقد وصل إلى مسامع إخوتها حسين وعوض خبر ما حدث بين حسنية ومسعود، لقد تلوثت سمعتهما، وانتشر خبر علاقة حب قوية بين حسنية وعزيز في كل مكان في القرية، من لحسنية؟ لقد توفي أبيها منذ سنتين وسافر إخوتها محمد وعلي وابراهيم للخارج لتحسين وضعهم المعيشي

جلس حسين وعوض يتبادلان الحديث في كيفية تطهير سمعة العائلة التي أصبحت في الأرض، وإخراس كل لسان يلوك سمعتهما، فالفضيحة سارت كالنار في الهشيم. قرر حسين وعوض قتل حسنية، في منتصف الليل وأثناء نوم أم حسين يدخل حسين غرفة حسنية ويضع يده على فمها، تصحو حسنية وتحاول إبعاد يده، يحضر عوض ويمسك يديها، تصرخ حسنية والدموع تملأ عينيها وتقول:

- يا رب انتقم من حسين وعياله يا رب.

تصحو أم حسين على صرخات استنجاد من حسنية، تدخل أم حسين غرفة حسنية وتصرخ قائلة:

- يا ويلك قتلت أختك....يا ويلك قتلت أختك.

ينظر إليها ويقول:

- غسلت عارنا!

تمر السنوات ويسافر عوض للخارج، استطاع أن يحصل على عمل ممتاز، فقد ابتسمت له الدنيا، وأخذ يوفر أموالا استعدادا للزواج، وفي يوم وأثناء رجوعه من العمل وعندما أراد أن يقطع الطريق، تدهسه شاحنة ويموت ويدفن عوض غريبا في بلاد بعيدة

أما حسين فقد أصابه الهم ولم يعرف للراحة طعم، فزوجته لم تستطع إنجاب ولد له، جميع أبنائه الذين ولدوا لم يعمروا سوى أشهر ويموتون فجأة من غير سبب، ظل على هذا الحال حتى استحوذ عليه الحزن والألم فوضع رأسه على وسادته ولم يرفعه مرة أخرى، لقد كان آخر يوم له في الحياة

بعد تلك الحادثة أخذ أهل القرية يتحدثون عن المأساة التي حدثت للعائلة ويقولون: إنها روح حسنية البريئة انتقمت لنفسها.