في هذه المقالة الوداعية يرصد الكاتب المغربي تفاصيل مسيرة حياة الراحل الكبير وإنجازاته، ويعدد لنا أعماله الأدبية والفكرية المهمة، مع التنويه ببعض ردود الأفعال التي أثارتها تلك الأعمال في المغرب وخارجه.

وداعا، عبد الكبير الخطيبي

سعيد بوخليط

عن عمر يناهز 71 سنة، توفي صبيحة يوم الاثنين 16 مارس الكاتب وعالم الاجتماع المغربي عبد الكبير الخطيبي، بمستشفى الشيخ زايد في الرباط، بعد معاناة مع مرض القلب ألزمه الفراش منذ بداية شهر فبراير. ينتمي الخطيبي إلى جيل مثقفي الستينات ورواد الجامعة المغربية الأوائل الذين سعوا بجهد علمي رصين، إلى وضع لبنات مشروع مجتمعي ومعرفي حقيقي، يقطع كليا مع المنظومات التقليدية. وبالتالي، التعبير ثقافيا بشكل من الأشكال عن تجليات الصراع التي كانت تدور رحاها داخل الأجهزة والمؤسسات السياسية بين القائم والممكن.

ولد الخطيبي بمدينة الجديدة سنة 1938، تابع دراسته الثانوية بمدينة مراكش، وبالسوربون دافع عن أطروحته لنيل الدكتوراه في العلوم الاجتماعية سنة 1966، بموضوع تناول: الرواية المغاربية. شغل، الخطيبي منصب أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس. وقد، أصدرت أخيرا الدوائر الرسمية بالبلاد، قرارا كي يحتفظ بصفة أستاذ جامعي، مع تمتعه بكافة الامتيازات ذات الصلة. كان أيضا مديرا لمعهد السوسيولوجيا بالرباط حتى إقفاله سنة 1970، والمعهد الجامعي العلمي بالمدينة نفسها. أشرف، على هيئة تحرير "المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع"، وكذا مجلة: علامات الحاضر.

انضم الخطيبي إلى اتحاد كتاب المغرب شهر ماي 1976، تميزت اشتغالاته الفكرية بالتعدد والتنوع والغزارة أيضا، فمن الكتابة الإبداعية إلى الدراسة الفلسفية مرورا بالرواية والشعر والمسرح والتنظير الأدبي. هكذا فكر في اللغة، الصورة والعلامة. اهتم، بالخط والتشكيل العربيين في نفس أفق دراسات أكاديمية ومفهومية تناولت بعمق نظري رصين بعض إشكالات الثقافة العربية.

كان الخطيبي، روائيا، شاعرا وعالم اجتماع ومفكرا أنيقا. اختص كذلك في الأدب المغاربي. تُرجمت مؤلفاته، التي بلغت 25 عملا وكُتبت جلها باللغة الفرنسية، إلى أهم اللغات العالمية: العربية، الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية، الألمانية واليابانية... فهو مثقف عالمي، بكل ما تحمله الكلمة من دلالة. وقد حظيت، أعماله باحترام كبار النقاد سواء في فرنسا أو بقية العالم. في هذا الإطار، خصصت له جامعة (ليون II) صفحة تحت عنوان: عبد الكبير الخطيبي. تتضمن قائمة كتبه ومقالات مقتضبة له، وكذا لائحة تكشف عن الأطروحات والدراسات التي تناولت فكره.

حصل الخطيبي مؤخرا، على جائزة "الربيع الكبرى" التي تمنحها جمعية "أهل الأدب"، وهي هيئة ثقافية فرنسية عريقة، يعود تأسيسها إلى عام 1938 من طرف أدباء فرنسا الكبار، أمثال: فيكتور هيغو، بلزاك، ألكسندر دوما...، تثمينا لأعماله الشعرية الصادرة في ثلاثة مجلدات عن دار "الاختلاف" الباريسية. كما فاز، بجائزة الآداب في الدورة الثانية لمهرجان "لازيو بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط"، تقديرا لمجمل مشروعه الفكري الذي انطلق أواخر الستينات من القرن الماضي، حيث نقف على أبرز تجلياته، عبر مجموعة من الإنتاجات أهمها:

الذاكرة الموشومة (1971)، فن الخط العربي (1976)، الرواية المغاربية (1979)، المغرب أفقا للتفكير (1993)، صيف في ستوكهولم (1990)، صور الأجنبي في الأدب الفرنسي (1987)، كتاب الدم (1979)، المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية (1976)، الليلة الثالثة والألف (1980)، إهداء للسنة الآتية (1986)، الاسم العربي الجريح (1974)، كُتّاب مغاربة من الحماية إلى 1945 (1974)، وفاة الفنانين (1964)، المغرب بصيغة الجمع (1981)، النبي المقنع (1979)، الفن المعاصر بالمغرب (1989)، الكتاب نفسه (1985)، إلخ...

اعتُبر الخطيبي دائما، إحدى المنارات الكبرى، داخل النسيج الثقافي المغربي إلى جانب أسماء أخرى استثنائية. سعت بكل صدق وضع سكة مجتمعنا داخل سياقات الحداثة والعلم كي يتمكن المغرب حقا من دخول نادي الأمم الراقية والمتقدمة.

فلن نقول لك إذن وداعا، أيها الرجل الكبير، وكيف لنا أن نستشف الحياة دون إشراقاتك الأبدية؟.