تأتي هذه الندوة في إطار سلسلة الحلقات التي دأب مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء على تنظيمها، إسهاما منه في الدور الوظيفي للمختبر؛ والمتمثل في مواكبة الطلبة الباحثين في مشاريع أطروحاتهم توجيها وتقويما. وقد أطر الندوة كل من الباحثين: د. شهلا العجيلي (سوريا) و د.محمدالشحات (مصر) ود. صالح هويدي (العراق)، وذلك يومه الخميس 4 يونيو 2020 بدءًا من الساعة السابعة مساءً، وقد نُقل البث المباشر على الفيسبوك وشاركتهُ صفحات عدة؛ منها صفحة مختبر السرديات ونادي القلم المغربي وصفحة مجلة سرود ومجلة آرت بريس، وتابعهُ أزيد من 6241 من المتابعين من طلبةٍ للدكتوراه والماستر في جامعات وطنية وعربية.
سير أشغال هذا الحلقة الخامسة د/ناصر ليديم، الذي قدم الأساتذة المؤطرين ورحب بهم، مؤكدا أن هذه الندوة تتأطر في سياق سلسلة ندوات تسعى إلى تدليل الصعوبات التي تواجه الطلبة الباحثين على مستويات: المنهج والموضوع والإشكالية، ولغة الكتابة والتحليل، وغيرها من القضايا المتعلقة بآليات إعداد مشروع أطروحة الدكتوراه. كما رحب أيضا بالطالبات الباحثات المعنيات بمناقشة تقارير سير البحث في الدكتوراه التي تقدمنَ بها للفحص والدراسة؛ وهن: سارة الأحمر ونهاد القزوي وابتسام الهاشمي ؛ وقد تمحورت مشاريع بحوثهن، على التوالي، حول: تطور مفهوم الأدب في الثقافة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، سردية الثقافة المغربية ما بين 1840 و1956، محكي الرسل في السرد العربي.
واستهلت الأستاذة الدكتورة شهلا العجيلي(أستاذة الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية في الجامعة الأميركية في مادبا في الأردن) مداخلتها بالإشارة إلى انتقال اهتمام النقد المغاربي مؤخرا من الدراسات النصية والسردية إلى الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، ثم انتقلت إلى مناقشة تقرير الباحثة نهاد القزوي، فبعد جرد أهم مضامينه، لفتت الأستاذة عنايتها إلى ضرورة تحديد وضبط المفاهيم، لاسيما مفهومي الأدب والثقافة، مع تتبع تغيرات المفهوم وتطوراته. كما أشارت الدكتورة شهلا إلى أن التعامل مع النهضة كمسلمة حال دون انفتاح الباحثة على مراحل أخرى من قبيل الحداثة والتنوير مفسرة ذلك باقتصار الباحثة على النهضة المصرية دون تجاوز هذه الجغرافيا إلى ما سواها. إلى جانب هذا دعت الأستاذة إلى تجنب الخلط بين الأدوات (الوصف، التحليل...) باعتبارها مقاربات إجرائية والمنهج باعتباره طريقة في التفكير .
ثم انتقلت د/ شهلا إلى مناقشة تقرير الباحثة ابتسام الهاشمي، مشيرة إلى أن الباحثة لم تحدد بشكل دقيق الخطابات التي تنوي الاشتغال عليها، مثلما أنها لم تقدم تعريفا واضحا للثقافة، كما أخذت عليها اقتصارها على النصوص النخبوية الأمر الذي يتنافى وروح النقد الثقافي الذي يذهب إلى الخطابات المضادة والمقاومة كالسير الشعبية والحكايات والأغاني الشعبية...داعيةإلى ضرورة الانتباه إلى العوامل التي أنتجت هذه النصوص كالحروب والصحافة والمنتديات والحركات الأدبية وغيرها، مع ضرورة التركيز على الجانب الأنثروبولوجي والطقوسي، كما دعت الباحثة إلى الاستفادة من جهود فرانز فانون وإدوارد سعيد وليفي سترواس في هذا المجال.
واختتمت د/ شهلا مداخلتها بمناقشة تقرير الباحثة سارة الأحمر، فدعتها في البدء إلى تحديد المفاهيم وتوحيدها، وتحديد النصوص القرآنية التي ستكون موضوعا لدراستها، كما أشارت إلى ضرورة تجاوز محدودية المدونة التي اختارتها الباحثة (ابن كثير) والاستعانة بغيرها من التفاسير، بل والاستعانة بالعهد القديم والعهد الجديد والإسرائيليات والحكايات الشعبية وتفاسير السنة والمشيعة والمعتزلة وغيرها. كما دعتها إلى مراجعة القراءات المفسرة وكيف ينتقل الكلام بالوقف من راو إلى آخر.
من جهته، أعرب الأستاذ الدكتور محمد الشحات (أستاذ الأدب والنقد والنظرية بمعهد الواصل لتعليم اللغات بسلطنة عمان) في مستهل مداخلته عن تثمينه للجهود التي يبذلها مختبر السرديات والأشكال الثقافية، وحثَّ على ضرورة التواصل الإنساني والمعرفي في مثل هذه الظروف. وقد قسم الأستاذ محمد الشحات ملاحظاته إلى قسمين، ملاحظات منهجية عامة حول البحوث، وملاحظات مفصلة تخص كل بحث على حدة. ففي القسم الأول أكد الأستاذ أنه يجدر بكل بحث أن ينطلق من سؤال بحثي يدفع الباحث نحو افتراض فرضية تتولد حولها إشكالات ينبغي أن يتجاوزها الباحث انطلاقا من تبني منظور منهجي، داعيا في هذا السياق إلى الإخلاص للمنهجوتجنب المزاوجة بين المناهج أو القفز من منهج إلى آخر، معتبرا التكامل في الميدان المنهجي تلفيقا. كما أكد الدكتور محمد الشحات على ضرورة أن تتضمن العناوين المقترحة قيودا مكانية وزمانية وأدبية ومنهجية، وأن تتجاوز هذه البحوث الشرح والتفسير إلى التأويل. وشدد في مختتم ملاحظاته العامة على أهمية اللغة، إذ يجدر بلغة الباحث أن تخلو من الإنشائية والتعميم، وأن تنم عن ضبط محكم للمصطلح النقدي واللغة النقدية.
أما في القسم الثاني فقد أخذ الأستاذ محمد الشحات على الباحثة سارة الأحمر استسلامها لمدونة ابن كثير وأحالها على مدونات أخرى يمكن أن تفتح مشروعها الأكاديمي على آفاق أرحب، كما دعا الباحثة نهاد القزوي إلى تحديد المدونة النصية التي ستشتغل عليها، والانفتاح على المدونة بدل الانطلاق من الفراغ، واختيار عينة من أجل مراقبة تطور المفهوم من خلال الشعر والرواية. كما أشاد الأستاذ بدقة عنوان الباحثة ابتسام الهاشمي، متسائلا عن الحمولة البنيوية في السردية والحمولة الثقافية، وقد دعا الباحثة إلى التمييز بين المسارين، والدمج بين المصطلحات وتمييز مفهوم الخطاب وعلاقته بالسلطة.
وفي مستهل المداخلة الأخيرة أعرب الأستاذ الدكتور صالح هويدي (أستاذ النقد الأدبي بالجامعة العراقية وبعدد من الجامعات العربية) عن سعادته بالمشاركة في هذه الندوة الافتراضية وأثنى على هذه المبادرة، مثلما أشاد بمستوى هذه البحوث، متحدثا عن القلق الذي عبرت عنه الباحثات في بعض المواضيع الجزئية، خاصة تلك التي تتعلق بإشكاليات البحث وفروضه، مؤكدا على أن هذه الأمور ينبغي أن تسبق اختيارنا للبحث، كما نبه إلى ضرورة تقييد هذه العناوين، لا سيما على المستوى الزمني. وفي معرض فحصه لتقرير الباحثة ابتسام الهاشمي أكد أن العنوان الذي اقترحته "سردية الثقافة المغربية ما بين 1840 و 1956" مبهمٌ واقترح عليها إدراج عنوان فرعي.وقد أشار الدكتور صالح إلى أن حصر التيارات المدروسة في ثلاثة تيارات لا يلغي وجود تيارات أخرى محتملة، كما أن الباحثة -يشير الدكتور- استقصت عددا كبيرا من الدراسات، ويجدر بها أن تختصر هذه الدراسات أو تقتصر على بعضها فقط، وأن تتجنب ما أمكن النظرة المعيارية وأحكام القيمة.
وانتقل الأستاذ صالح هويدي إلى مناقشة تقرير الباحثة سارة الأحمر، إذ حثّ الباحثة في هذا الصدد على ضبط مصطلح "محكي الرسل" والاستقرار عليه لأنه يتواتر في التقرير بصيغ مختلفة ومتباينة، كما أن العنوان يحتاج قيودا تحديدية، ونبه إلى أن الاكتفاءبمدونة قصص الأنبياء لابن كثير هو تقييد للموضوع ضمن أفق محدود، مما سيؤثر سلبا على نتائج البحث.
واختتم الأستاذ الدكتور صالح هويدي مداخلته بمناقشة تقرير الباحثة نهاد القزوي وفقد أثنى على وعي الطالبة بالإشكالية، لكنه لاحظ أن الحقبة الزمنية التي يشملها البحث طويلة ويجدر تقييدها أكثر، كما ينبغي استحضار مصطلحي الإحياء والإصلاح في هذا السياق، مع مراعاة النتائج قبل اقتراح المصطلح. كما سجل الأستاذ أن الباحثة تخلط بين تطور الأدب وتطور مفهوم الأدب وهما أمران مختلفان تماما، وأنها، على نحو غير مقصود، تولي أهمية أكبر للرواية دون باقي الأنواع الأدبية وقد دعاها إلى توسيع رقعة الاستقصاء والعناية بالنصوص إلى جانب المدونات والدراسات مع ضرورة تجنب التوصيفات العامة والمطلقة.
وقد اختتمت الندوة بتقديم الكلمة إلى الطالبات الباحثات لمناقشة تقاريرهن، حيث قدمت الباحثة ابتسام هاشمي توضيحات تخص فهمها لمفهوم السردية كما عبرت هي وزميلتاها عن شكرهن لما أبداه الأساتذة من ملاحظات وتوجيهات واقتراحات، مؤكدات أنهن حريصات على الاستفادة منها، وأنها ستسهم بدون شك في تجاوز صعوبات البحث التي تعترضهن. هذا وقد أتاح المسير للأساتذة المؤطرين في مختتم الندوة فرصة للتعقيب وهكذا أشار الأساتذة إلى بعض الملاحظات التي فاتهم الإشارة إليها في مداخلاتهم، مع تقديم بعض التوجيهات المنهجية التي تخص المصطلح والمنهج وإدارة الاقتباسات.