ـ علشان محدش يعرفني.. أنت عارف كلام الناس.
أصمت وأكتفي بسماعها. وكنت قد حفظت حكايتها من كثرة ترديدها.
لم تقطع عادتها تلك عني. يوم أو ثلاثة وتعاود الاتصال.
أنا الذي أوهم نفسي بالصدق. كنت أخشى أن تنفر منى فلا تعود وقد تعودت عليها.
الكلمة حين قالها أفزعتني. كأنها جرس مزعج نبهني فجأة لسنوات العمر التي تتسرب مني.
أنا الرجل الذي أخشى الزواج سأجرب ولو لمرة واحدة رعاية الأطفال.
ثلاثة أطفال تجربة كفيلة بالمعرفة.
ـ ليست أمي. أمي ماتت. هي ربتني. فقط ربتني.
ـ الأولاد نايمين.. ماينفعش تنام معايا النهاردة.؟
لم أرد. واكتفيت بإشعال سيجارة رحت أنفث دخانها في غيظ.
ـ أبوهم أتصل. قال هايغيب كام سنة تاني قبل ما يرجع. كذاب. كلكم زي بعض.
هززت رأسي وأنا لازلت أنفث دخان السيجارة في غيظ دون أن أنتبه.
وحين لسعتني السيجارة قبل أن تنطفئ شعرت بها وهي تسحب نفسها لتنام بين الأطفال.
بعد الفجر بقليل شعرت بها تتسحب في هدوء لتنام إلى جواري. وكنت قد افترشت مكاناً بالصالة ونمت.
الصرخة المكتومة التي أخرجتها حين شعرت بالولد يتحرك فوقنا هي التي أيقظتني.
قالت أنها أخبرته أنني مثل "بابا".
نظر إليها ورد قبل أن يتركها في ذهول أنني لست أبوه. وأن أبوه الغائب سيعود.
يومها أخبرتني أنها ستنقطع عني لفترة حتى يكون الولد قد نسي الحكاية ونسيني.
وتغلق الهاتف بينما أكون أنا في صمتي المعتاد.
هذه المرة غابت عن الاتصال أكثر من المعتاد. وللمرة الأولي أشعر بلهفة نحوها.
وقبل أن تسكت أخبرتني أنها حين تدبر المبلغ وتجد مسكناً جديداً ستتصل.
يصلني صوت ليخبرني وكأنه يسخر مني:
ـ الرقم الذي طلبته غير موجود بالخدمة. تأكد من الرقم الصحيح ثم عاود المحاولة.
وأقول أنها غيرته وأنها لا محالة ستتصل.