انتظمت الدورة السادسة عشرة من التظاهرة الدولية طنجة للفنون المشهدية، والتي شهدت العديد من المداخلات والفقرات المتعددة في محور اختار له منظموه "فرجات الشاعر والأمكنة الأخرى" كمحور للنقاش، هذه الدورة التي نظمت الكثير من فقراتها عن بعد ضمن التدابير الاحترازية التي شهدتها العديد من التظاهرات الثقافية والفنية في المغرب والعالم، هنا تقرير أولي عن بعض فقراتها الافتتاحية.

فرجات الشارع والأمكنة الأخرى: الندوة الدولية طنجة للفنون المشهدية

 

أُنهى المركز الدولي لدراسات الفرجة، أن فعاليات الدورة السادسة عشر من مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية قد انطلقت خلال الفترة الممتدة ما بين 27 و30 نونبر 2020. وقد اختارت إدارة المهرجان في دورة هذه السنة، التي تنظمها بشراكة مع كلية الأداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وجامعة نيو إنجلند بطنجة، والمعهد الدولي لتناسج الثقافات ببرلين، أن تناقش موضوع "فرجات الشارع والأمكنة الأخرى"، تكملة للنقاشات التي تناولتها في دورات سابقة، من قبيل الفرجة والمجال العمومي، الفرجة الخاصة بالموقع، عبر الحدود: مسرح ما بعد الهجرة..، من جهة، ومن جهة أخرى مواصلة في اجتراح بعض الأسئلة المتعلقة بفنون الفرجة.

دورة هذه السنة المهداة لروح فقيد النقد المسرحي المغربي والعربي، وفقيد المركز الدولي لدراسات الفرجة الدكتور حسن المنيعي، طرحت – إذن – موضوع “فرجات الشارع والأمكنة الأخرى” للدرس والمساءلة؛ خاصة أن المسرح المغربي قد تفاعل مند نشأته مع فضاءات خارج الترتيب المسرحي الأرسطي. فقد عُرضت أولى مسرحيات الفرق الهاوية بمدينة فاس في أوائل العشرينيات من القرن الماضي بساحة السراجين. كما أن المواقع الأثرية المغربية: وليلي، والوداية، وباب منصور… شهدت مجموعة من الفرجات على شاكلة ملاحم كبرى تفاعلت مع ذاكرة المكان، دون أن تسمى بالفرجات المتفاعلة مع الموقع أو الخاصة به. كما يظهر أن دراسات المجال الحضري تعرف بالموازاة هيمنة إيديولوجية الطبقة الحاكمة على خرائطية المدينة. وتبقى بعض أشكال “التسكع الأدائي” المستفز للمجال الحضري وسيلة ناجعة لإعادة تملك المدينة من لدن بعض فناني الأداء الثوريين. وتعد، في هذا السياق، شخصية المؤدي الجوال وسيلة لإعادة تملك المدينة وتحرير الحياة اليومية من سطوة الثقافة الاستهلاكية كما نظر لها Charles Baudelaire في القرن 19 وولتر بنيامين في ثلاثينيات القرن الماضي.

في السياق نفسه، انبعث فن الهابنينغ من رحم المدينة في ستينيات القرن الماضي مربكا التقاليد القائمة، ومحتفيا بخاصية الزوال، ورافضا تشيء الفن الذي أضحى خاضعا لإواليات اقتصاد السوق… لهذا كانت تحتل فرجات الهابنينغ الشوارع بهدف تملكها من جديد، وتعمل على إزاحة القطيعة بين الفن والحياة، من خلال إرباك الإدراك الآلي للمحيط من لدن المارة الذين يتحولون فجأة إلى جمهور فرجة ما. والأهم من هذا هو تجسيد فرجة الهابنينغ لفكرة “أدائية الفرجة اليومية” -الأدائية هنا بالمعنى الذي ساقته جُديث باتلر؛ أي تكرار مؤسلب للأفعال-. فحين تؤدى الفرجات بطريقة استثنائية من الممكن خلخلة المعاني والسلوكات التي أضحت طبيعية في الفضاء العمومي وعادية في الحياة اليومية. وهنا تكون فرجة الاحتجاج ‘أدائية’ بقوة ما تنجزه من أفعال ومواقف، وأيضا ‘فرجوية’ بقوة ما تقدمه من عرض ساحر وخارج عن نطاق المألوف.

وفي سبيل تفادي الوقوع في التيه المفاهيمي أثناء التأمل في ماهية فرجة الأمكنة الأخرى، تقترح الندوة الدولية “طنجة المشهدية” في دورتها هذه، تسليط الضوء على المحاور الآتية:

فرجات الشارع بوصفها فضاءات مكانية وزمنية أخرى.

فرجات الشارع باعتبارها امتدادًا ضروريًا للممارسات “المسرحية”.

فرجات الشارع وغيرها من العروض في الأماكن غير التقليدية: مناطق الاتصال والاحتكاك.

فرجات الشارع في سياق تحول جديد في ثقافات الفرجة العربية المعاصرة.

الأبعاد السياسية لفرجات الشارع والأمكنة الأخرى (على سبيل المثال: فرجات الاحتجاج في سياق ما سُمى “الربيع العربي”، وفرجات الملاعب).

تناسج ثقافات فرجات (الشارع/ والأمكنة الأخرى): اختلاف وجهات النظر عبر الثقافات.

انطلاق فعاليات الندوة الدولية “فرجات الشارع والأمكنة الأخرىالدورة السادسة عشر من مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية

‏وانطلقت أولى الفعاليات الدورة السادسة عشر من مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية بالجامعة الأمريكية نيو إنجلند، مقتصرا في هذه السنة على شقه العلمي/ الأكاديمي المتمثل في ندوته الدولية التي اختارت أن تناقش هذا العام موضوع “فرجات الشارع والأمكنة الأخرى”.

في كلمته الافتتاحية، رحب الدكتور خالد أمين بضيوف الندوة، سواء الحاضرين في عين المكان، أو المشاركين عبر تطبيق زوم، وبكل المتابعين الذين يواكبون فعاليات افتتاح الدورة عن بعد، معبرا عن التزام المركز الدولي لدراسات الفرجة بالاحتياطات الاحترازية التي فرضتها حالة الطوارئ حرصا على سلامة صديقات وأصدقاء طنجة المشهدية.

وفي معرض حديثه، عرج الدكتور خالد أمين على موضوع نقاش دورة هذه السنة المهداة إلى روح أستاذ الأجيال وفقيد النقد المسرحي المغربي والعربي الدكتور حسن المنيعي، حيث أشار إلى أن اختيار موضوع “فرجات الشارع والأمكنة الأخرى” للدرس والمساءلة؛ نظرا تكملة للنقاشات السابقة التي تناولتها الندوة، من قبيل “الفرجة والمجال العام” و”الفرجة الخاصة بالموقع”.. فالمسرح المغربي –يضيف خالد مين- قد تفاعل مند نشأته مع فضاءات خارج الترتيب المسرحي الأرسطي. حيث عُرضت أولى مسرحيات الفرق الهاوية بمدينة فاس في أوائل العشرينيات من القرن الماضي بساحة السراجين. كما أن المواقع الأثرية المغربية: وليلي، والوداية، وباب منصور… شهدت مجموعة من الفرجات على شاكلة ملاحم كبرى تفاعلت مع ذاكرة المكان، دون أن تسمى بالفرجات المتفاعلة مع الموقع أو الخاصة به. كما يظهر أن دراسات المجال الحضري تعرف بالموازاة هيمنة إيديولوجية الطبقة الحاكمة على خرائطية المدينة. وتبقى بعض أشكال “التسكع الأدائي” المستفز للمجال الحضري وسيلة ناجعة لإعادة تملك المدينة من لدن بعض فناني الأداء الثوريين. وتعد، في هذا السياق، شخصية المؤدي الجوال وسيلة لإعادة تملك المدينة وتحرير الحياة اليومية من سطوة الثقافة الاستهلاكية كما نظر لها Charles Baudelaire في القرن 19 وولتر بنيامين في ثلاثينيات القرن الماضي.

في السياق نفسه، انبعث فن الهابنينغ من رحم المدينة في ستينيات القرن الماضي مربكا التقاليد القائمة، ومحتفيا بخاصية الزوال، ورافضا تشيء الفن الذي أضحى خاضعا لإواليات اقتصاد السوق… لهذا كانت تحتل فرجات الهابنينغ الشوارع بهدف تملكها من جديد، وتعمل على إزاحة القطيعة بين الفن والحياة، من خلال إرباك الإدراك الآلي للمحيط من لدن المارة الذين يتحولون فجأة إلى جمهور فرجة ما. والأهم من هذا هو تجسيد فرجة الهابنينغ لفكرة “أدائية الفرجة اليومية” -الأدائية هنا بالمعنى الذي ساقته جُديث باتلر؛ أي تكرار مؤسلب للأفعال-. فحين تؤدى الفرجات بطريقة استثنائية من الممكن خلخلة المعاني والسلوكات التي أضحت طبيعية في الفضاء العمومي وعادية في الحياة اليومية. وهنا تكون فرجة الاحتجاج ‘أدائية’ بقوة ما تنجزه من أفعال ومواقف، وأيضا ‘فرجوية’ بقوة ما تقدمه من عرض ساحر وخارج عن نطاق المألوف.

فعاليات افتتاح الدورة، عرفت مشاركة كل من نائب رئيس جامعة عبد الملك السعدي، و الدكتور مصطفى الغاشي عميد كلية الآداب بتطوان، والبروفيسور أنور مجيد الرئيس المؤسس لجامعة نيو إنجلند بطنجة (عبر تطبيق زوم من أمريكا)، والبروفيسورة إيريكا فيشر ليشته رئيسة المعهد الدولي لتناسج الثقافات ببرلين (عبر تطبيق زوم من برلين)، حيث رحبوا في كلماتهم بضيوف المشهدية ومتابعيها عبر تطبيق زوم، مشيدين بمجهودات المركز الدولي لدراسات الفرجة في حرصه على تقديم الأفضل دائما، ومنوهين باختياره لموضع نقاش الدورة لما يكتسيه من أهمية فهم الحدود الفاصلة بين الفرجة والأداء، وفنون الأداء.

المفكرة الألمانية إيريكا فيشر تتحدث عن فرجات الشارع بوصفها فضاء زمانيا عصيا

وقدمت المفكرة الألمانية إيريكا فيشر ليتشه المحاضرة الافتتاحية الأولى لفعاليات الندوة الدولية طنجة المشهدية في دورتها السادسة عشر، مساء أمس الجمعة، مباشرة من مكتبها ببرلين عبر تطبيق زوم.

هذه المحاضرة التي حظيت بمتابعة وتفاعل المشاركين في دورة هذه السنة، تناولت فيها إريكا فيشر موضوع فرجات الشارع بوصفها فضاء زمنيا عصيا، مستهلة مداخلتها بتوضيح أساس، مفاهده بناء مداخلتها انطلاقا من ثلاث عروض مسرحية؛ الأول معنون بآلام المسح، المقدم في القرنين الخامس والسادس عشر، والثاني المعنون بـ”اقتحام قصر الشتاء” المقدم بـسان بطرسبرغ سنة 1920، والثالث المعنون بـ”أرجوك أحب النمسا” لـ” كريستوف شلينجينسيف Christoph Schlingensief” المقدم في القرن الحالي.

أشارت إيركا فيشر إلى أنه في عديد من المدن، طالما اتُّخذت الشوارع والفضاءات العامة الأخرى مواقع فرجة بارزة، وبخاصة خلال أوقات معينة من العام تَسِمُ المناسبات الخاصة. كان هذا صحيحا بغض النظر عما إذا كانت المباني قد انتصبت لاحتضان عروض أخرى موازية، مثل مباني المسرح والمسارح في الهواء الطلق والساحات وغيرها. ويؤدي هذا إلى التساؤل عن سبب اختيار مكان معين فضاءً للفرجة وعن نوع التحول الذي طاله. وعلى سبيل التقديم لموضوع محاضرتنا هذه، تقول إيريكا فيشر: سأناقش ثلاثة أمثلة مختلفة للغاية من تاريخ المسرح الأوروبي – أولها مسرحيات الأسرار mystery plays في العصور الوسطى؛ ثانياً، العروض الجماهيرية التي قُدِّمت بعد الثورة الروسية في أوائل القرن العشرين، وأخيرًا، عرض معاصر واحد.

وبعد تقديمها لتفصيل دقيق حول الطريقة التي قدمت بها العروض الثلاثة، ووقفها عند أشكال تفاعل المؤدين مع الجهور، كيف يتحول الفضاء الفرجوي إلى فضاء سياسي.. خلصت في الختام إلى أنه في كل فرجة من فرجات الشارع التي تمت مناقشتها حتى الآن، كانت المصلحة العامة على المحك:

خلاص لسكان المدينة townspeople، إن لم يكن للبشر ككل؛

انتصار المظلومين على مستغليهم ومضطهديهم؛

طريقة إنسانية للتعامل مع المحتاجين، واللاجئين، في دولة رفاهية مثل النمسا.

ونظرًا لأن جميع العروض كانت تتعامل مع مصلحة عامة، تقول فيشر أنه يبدو من المنطقي تمامًا ألا تنظم الفرجة في أماكن منعزلة يتطلب الدخول إليها التذاكرَ مثل مباني المسارح أو قاعات المدينة أو الأماكن الأخرى التي عادة ما تكون مفتوحة فقط لشريحة معينة من السكان، إنما كانت الفرجة لاستعادة المجال العمومي – ساحة السوق ، بوصفها مساحة مشتركة للاهتمام اليومي؛ حيث الساحة توجد قبالة قصر الشتاء، مقرِّ الظالم السابق الذي كان بعيدًا عن متناول الجمهور؛ وأخيرًا، حيث الساحة تقع أمام الأوبرا ، التي هي مؤسسة فنية لما يسمى بالنخبة – ، أي الطبقة الوسطى المتعلمة.

وتضيف قائلة: ترك العمل في هذه المواقع المعينة بصمة عليها. طوال مدة الفرجة ، حُوِّلت كل منها بطريقة خاصة. لقد تحولت إلى مكان آخر، أي فضاء عصيٍّ (هيروتوبيا). كشفت المشاركة في تلك العروض عن إمكانات الساحات المعنية باعتبارها فضاء عصيا (هيروتوبيا) عبر تغيير الأشخاص الذين شاركوا فيها – “الممثلين” وكذلك “المتفرجين”. يمكننا استخلاص هذا الاستنتاج ليس فقط من الأقوال المبرمجة للمنظِّين، ولكن أيضًا أو أكثر من ذلك، من شهادات المتفرجين. لقد استُغِلت الإمكانات التحويلية الكامنة في مثل هذه الأماكن العامة عند استخدامها مواقعَ للعروض في السنوات الماضية في أجزاء كثيرة من العالم بطرق مختلفة ولأغراض سياسية متباينة. مشيرة في ختام مداخلتها إلى أنها تتطلع إلى العروض التقديمية التالية التي ستبرز وتحدد الاحتمالات العديدة لكيفية عمل عروض الشوارع بوصفها فضاءات عصية heterotopias (هيروتوبيا).

ونظرا للظرف الاستثنائي الذي فرضه الفيروس التاجي (كوفيد 19)، اكتفت إدارة المهرجان بالندوة الدولية فقط من فعاليات طنجة المشهدية، والتي ستبث فقرات كل جلساتها، ومحاضراتها الافتتاحية عبر تطبيق زوم، لاغية -للاعتبار ذاته- باقي الفقرات الفنية من توقيعات وعروض مسرحية فرجوية..
وعليه، فعلى الراغبين في متابعة أشغال الندوة، دخول رابط التطبيق الأتي:

www.furja.ma
https://bit.ly/3fBDAl8

عن المركز الدولي لدارسات الفرجة

لجنة الإعلام

farajroumani@live.fr
GSM: (+212) 06 79 05 05 10