يقيم منبرا حواريا حول "حرية التعبير"
ضربت جمعية أحباء المكتبة والكتاب والمكتبة المغاربية ببن عروس موعدا سنويا مع حقوق الإنسان ضمن النشاط الثقافي "بيت الفكر والإبداع"، فهو من المحطات القارة في البرمجة.
وتناول "بيت الفكر والإبداع" سابقا "الحق الثقافي"، وقانون الحريات الفردية بما فيه وما عليه، وناقش هذه المرة "حرية التعبير" انطلاقا من دعوة الروائي محمد الجابلي كاتب عام "رابطة الكتاب الأحرار" مرفوقا بالدكتور جلول عزونة مؤسس الرابطة، كما وجهت الدعوة لرئيسة لجنة الحريات بنقابة الصحفيين ممثلة لنقابة الصحفيين الصحفية أمينة الزياني، ودعيت الجامعية الفنانة المختصة في فن الفلامنكو شيراز الجزيري. وأدارت هذا اللقاء المشرفة على "بيت الفكر والإبداع" الكاتبة هيام الفرشيشي.
وبعد الكلمة الترحيبية التي حيت من خلالها مديرة المكتبة المغاربية فتحية شعبان الضيوف والتركيز على دعم حريات التعبير، أحالت الكلمة للمشرفة على "بيت الفكر والإبداع" هيام الفرشيشي التي تحدثت عن ارتباط "حق التعبير وإبداء الرأي" دون تدخل أو إكراه بالحقوق الأساسية في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وما تنص عليه هذه المادة من "استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". ثم بينت ارتباط الدستور التونسي لسنة 2014 بهذا الحق من خلال ما نصت عليه الفصول 32/31/30. إذ نص الفصل 30 على "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات". ونص الفصل 31: "تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة". ونص الفصل 32 على" الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة. توفر الدولة الإمكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي".
كما تحدثت هيام الفرشيشي عن مرونة القوانين والمراسيم بعد الثورة مع الحريات، خاصة وأنها كانت نتاج نضالات خاضتها الهياكل النقابية وجمعيات المجتمع المدني قبل الثورة وبعدها، نتج عنها إلغاء قانون الصحافة 75 وصدور المنشور 115 لسنة 2011 حيث أصبح القضاء هو المنوط بالنظر في التجاوزات إن وجدت وإلغاء التراخيص على المطبوعات. كما تحدثت عن المرسوم 116 لسنة 2011 "بإنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتمتعها بصلاحيات تقريرية رقابية واستشارية"، إلا أنها تساءلت عن غياب الهيئة السمعية البصرية رغم أنها هيئة دستورية نص عليها دستور 2014 على الرغم من إلغاء المرسوم 116 وتساءلت من يعطل هذه الهيئة.
كما تساءلت عن حدود حريات الإعلام: أين تبدأ وأين تقف خاصة وأن هناك قوانين دستورية وقوانين أساسية تمنع الصحفيين من تسريب الأخبار التي تمس الأمن العام للدولة والمعطيات الشخصية. وفيما يخص القانون الأساسي حق النفاذ للمعلومة لسنة 2016 الذي يلغي مرسوم 2011 تساءلت إن كان هناك تجاوب من مؤسسات الدولة وتحديث بياناتها.
في ميدان الأدب والنقد والشعر تحدثت هيام الفرشيشي عن نشاط "رابطة الكتاب" السري قبل الثورة نظرا لعدم منح هذه الجمعية الثقافية التأشيرة على الرغم من التعددية الحزبية والنقابية في ذلك الوقت. وبينت أنه من الأهداف التي ساهمت في تأسيس هذه الرابطة التصدي لللاءات التي كانت تمارس ضد حرية التعبير، ومنع بعض الكتب من النشر والتداول في تونس وعدم إعطائها حيزا من الاهتمام النقدي، إضافة للأسس الفكرية التي قامت عليها الرابطة في نشرها للوعي، والإقرار بدور المثقف في إنارة المجتمع والدفع من أجل مشروع فكري حداثي، والسعي للدفاع عن حقوق الكاتب المادية والمعنوية، وختمت بقولها بأن الرابطة لم تتحول لبديل لاتحاد الكتاب التونسيين، وإنما مثلت حركة لها روادها في المجال الأدبي، وصار لها دور في الإعلام الثقافي من خلال الملحق الثقافي منارات لجريدة "الشعب".
الشعوب النائمة لا تفكر ولا تبحث عن هامش الحريات
وبينت أن اختيارها لفن الفلامنكو في هذا المنبر الحواري مرتبط بمدى ارتباطه بالتعبير عن الحريات وحمله لشحنة الأحلام من خلال إيقاع الضرب بالأقدام وحركة الذراع ولباس الكعوب العالية لإحداث تعبيرة قوية. وتحدثت عن تأثير الموسيقى العربية لهذا الفن وارتباطه بمعاناة العرب الذين انتزعت أراضيهم واندماجه مع فنون الغجر وعن اللغة الكونية التي يحملها هذا الفن.
بعد ذلك أفصح المجال للضيوف لمزيد التوضيح والتعقيب فربط الروائي محمد الجابلي بين الفكر والسلطة، وبين أن السلطة ظلت على مر التاريخ تحتكر المعرفة وتهمش الفكر والإبداع الخارج عن سلطتها المعرفية، مبرزا العديد من الأسماء والرموز التي همشت وأقصيت على مر التاريخ والحضارات بل حكم عليها بالموت، والاغتيال على غرار سقراط الذي تجرع السم، وارتباط الفكر بالحراك الثوري، فالشعوب النائمة لا تفكر ولا تبحث عن هامش الحريات.
ثم انتقل للحديث عن ظروف نشأة "رابطة الكتاب الأحرار" في العشرية التي سبقت الثورة وما عانته من مضايقات وملاحقات وعدم منحها التأشيرة القانونية، ومنع العديد من الإصدارات الأدبية على غرار أعمال لزهر الصحراوي المتوجة في ذلك الوقت خارج تونس وما عانته حرية التعبير من مضايقات بعد الثورة من ظهور التيار المتطرف، إلا أنه بين تمسك "رابطة الكتاب الأحرار" بحريات الإبداع وتكريس الفعل الثقافي التنويري.
وتحدثت أمينة الزياني رئيسة لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عن ارتباط السياسي بالاقتصادي، مما يجعل قطاع الإعلام في وضع حرج، وتعرضت لوضعية الصحفيين الهشة ماديا ومعنويا، خاصة وأنهم ينضوون في القطاع الخاص مع لوبيات مالية تهضم حقوق الصحفيين الذين يعانون من غياب التغطية الاجتماعية، وبينت أن الاستمرار في تكريس صورة الصحفي بهذه الوضعية المهينة يجعله محل استقطاب من هذا وذاك مما يهدد مسار الحريات ويضرب مصداقية الصحفي في التعامل مع الأحداث، أما عن مجال الأخطاء التي يقترفها الصحفي فهي خاضعة لسلم عقوبات وبينت أنه لا يجب طرده بل يجب معالجة الأمر في حدود الحلول القانونية المطروحة وعدم التعسف في استعمال أعلى درجات الزجر والعقاب. وبينت أنه الوقت قد حان فعلا لإنشاء الهيئة السمعية البصرية المنصوص عليها في الدستور مع ضمان عدم تسييسها.
وعبرت الفنانة شيراز الجزيري عن عشقها لأرقى فنون العالم تم تصنيفه تراثا عالميا من قبل اليونسكو منذ سنة 2010: فن الفلامنكو، وبذلها كل ما في وسعها للتعريف به ليس فقط على خشبة المسارح كفنانة بل أيضا في كل الأماكن التي تليق بها المكتبات وتحاول التعريف به وبجذوره التي تحمل إرثا عربيا واضحا وجليا إلى جانب جذوره الأخرى المتعددة الثقافات. وغنت مقطوعة من الفلامنكو مزجتها مع الموسيقى التونسية.
وقد شارك في منبر الحوار نخبة من الجامعيين والإعلاميين والشعراء نذكر منهم الدكتور جلول عزونة، الدكتور أحمد الحمروني، الدكتور العزعوزي، الإذاعي صالح بيزيد، الشاعر صالح الطرابلسي ورواد المكتبة المغاربية من الاساتذة والشباب وقد دار الحوار في مناخ من الحرية والرقي ودقة التحليل.