هذه القصص الفاتنة التي وسمها المؤلف ب "قصص عادية" تتناول شخصيات غير عادية بالمرة، صغار المظاليم في الريف المصري، يُحتفى بهم هنا ليس لأنهم فقراء فقط، بل أيضا لخروجهم قهرًا عن مساراتهم، ليلعبوا أدوارًا جديدة عليهم، تبقيهم على هامش الجماعة كمجاذيب أو أصحاب حالات ونوادر.

قصص عادية

ضـياء طـمان

 

(مجردُ شخوصٍ حَيَّةٍ موتًا)

1- عبدُالعزيز مشمش

ـقريتُنا صغيرةٌ ومفرداتُها عديدةٌ. مستشفى.. معهدٌ دينىٌّ.. مدرسةٌ ابتدائيةٌ.. قمينةُ طوبٍ.. هويسٌ وجُمَّيْزَة. جميزةٌ يجلسُ معها عبدُالعزيزِ مشمش؛ بعدَ لهاثِه طوالَ اليومِ في الحواكيرِ والدروبِ باحثًا عن (شَقَّةِ) طعميَّةٍ وكوبِ شايٍ وسيجارة. عبدُالعزيز لا يتغيَّرُ منظرُهُ ـأبدًا ـ كبَقِيةِ أهلِ القريةِ. فهوَ صباحًا مساءً بجلابيّةٍ طالعٌ(سنسفيل أبوها)؛ تَظْهرُ من أسفلِها أقدامٌ؛ تُوحِي بأنَّ الإنسانَ أصلُه ديناصور؛ الشقوقُ بها عميقةٌ؛ يَمْلؤها ويكسوها الطينُ وكلُّ أنواعِ(الجِلّة) التي يَسْتمتِعُ وهو يغوصُ فيها بلا مبرر.

وَجْهُهُ تَراه مَرّةً ولا تنساهُ حتى لو فقدتَ الذاكرة. فعيناهُ ثُقبانِ ضَيقانِ يعلوهُما حاجبانِ مستقيمانِ تقريبا، وعلى مُحِيطَيْهما رموشٌ تظهرُ وتتلاشَى طِبْقًا لحالاتِ الجوِّ. وكثيرًا ما تتمدَّدُ إذا غضِبَ عبدُالعزيزِ منْ أطفالِ القريةِ؛ الذينَ يطاردونَه بزفَّةٍ ظاهرُها كباطنِها لَهْوٌ. وكُلَّما اشتدَّ غضَبُ عبدِالعزيزِ تزدادُ الزَّفَّةُ حيويةً وحصىً، ويزدادُ هو خِفةً ورشاقةً وغمغمةً تَفْرِزُ معها لُعابًا يكفي لرَيِّ فدَّانِ أُرْزٍ.

كراماتُ عبدِالعزيزِ مشمش متباينةٌ ومتعددةٌ. فبعضُهم زعمَ أنّه رآهُ يطوفُ حولَ الكعبةِ؛ وهوَ يؤدي العمرةَ. ويُقسِمُ بربِّ البيتِ أنَّه قدْ سَلَّمَ عليْهِ ودَعَا  لهُ واختفى. وبعضهم أكدَّ أكثرَ منْ مَرّةٍ أنَّهُ ما إنْ تصدَّقَ عليه (ولو بِجُنَيه) وابتسمَ لهُ؛ فإنَّه لا يمرُّ حَوْلٌ على الأكثرِ إلا وساعي البريدِ يطرُقُ بابَه حَامِلًا معَه البشرى بفوزِه أو بفوزِ زوجتِه أوْ أحدِ أولادِه بشهادةِ استثمارٍ رابحةٍ؛ أقلَّها مائة جنيه. وكانَ أغربُ ما حكاهُ البعضُ عن تلك الكراماتِ أنَّ عبدَالعزيز يتكلّمُ الإنجليزيةَ بطلاقةٍ، إذا ما ارتفعتْ درجةُ حرارتِه بسببِ الأنفلونزا أو الحُمَّى. ويُقْسِمُ بالطلاقِ بالثلاثةِ أنّه اسْتَضَافَهُ مَرّةً وأعَدَّ له العَشَاءَ؛ إلا أنَّ عبدَالعزيزِ بدا عليه الإعياءُ؛ ممَّا اضْطَرَّهُ إلى إباتتِه بصَحِنِ دارِه؛ بعدَ أنْ ناولتْهُ زوجَتُهُ الطيبةُ كوبَ شايٍ بالليمونِ وحَبَّةَ ريفو. ويُعَزِّزُ قَسَمَه بأنَّ ابْنَه البِكْرِيَّ طالِبَ الثانويّةِ المتفوقَ؛ سَمَعَهُ وهوَ يَهْذِي ـليْلَتَها ـ بكلماتٍ انجليزيَّةٍ جدًّا؛ منها.. (أنا إنسانٌ بالإنجليزي)، ومنها (الدُّنيا بَرْد يا عمُّ خليل)، وغيرَها مِنَ الجُملِ التي يَصْعُبُ ويستحيلُ على أَهْطلَ مِثْلِه أن ينطِقَ بها ـحتى ـ بالعربية.

المهمُّ أنَّ تلكَ الكراماتِ التي لم يُدركْها إلا حَائِكُوها، جَعَلَتْ مِنْ (عبدِالعزيزِ مشمش)، الذي يظهرُ ويختفي بدونَ مقدماتٍ ولا مؤخراتٍ، جعلَتْهُ عبدَ العزيزِ آخَرَ، يَعملُ لهُ الجميعُ ألفَ حسابٍ. وأصبحَ الكلُّ يتسابقُ لاستضافتِه (إنْ شا الله) على كوبِ ماءٍ بسُكَّر. لكنْ كلُّ أطفالِ القريةِ لمْ يتوقَّفوا لحظةً عنْ قَذْفِهِ بالطوبِ والحجارةِ، بعدَ آخِرِ مَرّةٍ ارتفعتْ فيها درجةُ حرارتِه جِدًّا، وجَعَلَتْهُ يَهذِي بالعبريةِ -تحتَ الجُمْيزةِ – بكلمةِ: شَالُوم.

2-أحمد عطية

ـ جئنا من آخرِ بلادِ المسلمينَ؛ لنُعَزِّيَ أحدَ بلدياتِنا في شَقيقه الأصغرِ، الذي ماتَ في قريَتِنا والتي طبقًا لإحصائياتِ وزارةِ الصحةِ تُعتبرُ الأولى على قُرى الجمهوريةِ ـبلا فخرٍ ـ في عددِ المصابينَ بالبلهارسيا. وبعد يومٍ شاقٍ من التَّحايا والأحضانِ الغزيرةِ (بِسِلْو بلدنا) وقبلَ أنْ يُدركَنا الليلُ، غادَرْنا الدِوَّارَ بقلبِ القريةِ متوجهينَ إلى الزراعيةِ؛ لننطلقَ منْ جديدٍ إلى أولِ بلادِ المسلمينَ.

ونظرًا لاستحالةِ السَّيْرِ بالسّيّارةِ بسرعةٍ مناسبةٍ؛ اضطررنا إلى قَطْعِ المسافةِ من الدوّارِ إلى الزراعيةِ ببطءٍ؛ جعلنا نستكشفُ مزيدًا من الأقاربِ والأهلِ والنزولُ من السيارةِ من حينٍ لآخر واحتضانِهم بنفسِ(السِّلْو)؛ الذي يجعلُك تحقِدُ على الخواجات الذينَ يُعبِّرونَ عنْ شدّةِ شوقِهم لذَوِيهِم منْ بعيدٍ، بكلمةِ (هاي).

أثناءَ نزولِنا وصعودِنا من السّيّارةِ التقَطْتُّ صَوْتًا (أجشًّا) مميزًا مشروخًا لا أنساهُ منذُ طفولتي المبكرةِ، التي غَيرَّ مسارَها عملُ أبي.. مدرسِ اللغةِ العربيةِ، والذي كانَ كغَيْرِه من المدرسينَ، يتنقَّلون منْ مكانٍ إلى مكانٍ لنُدرَتِهم إبَّانَها. التفتُّ إلى الصوتِ فإذا بأحمدَ عطية بائعِ الجرائدِ القديمِ جدًّا يجلسُ على الأرضِ واضعًا ساقًا على ساقٍ ويقول: ازَّيَّك يابيه.. إزّىّ اخواتك.. إزى الدكتور نشأت.

ـالدكتور نشأت؟‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍! هَهْ! ‍‍‍‍‍ معقولة!‍‍‍‍.. هل تتذكَّرُه؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍!

ـنعمْ طبعًا.. يا سلام يا بيه.. أيام يا بيه.. أيام والله.

ـوهل تتذكرُني أنا؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍! كيفَ؟! ‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍لقد تركتُ القريةَ وعمري أربعةُ أعوامٍ.. كيف أسْعَفَتْك الذاكرةُ في هذهِ السِنِّ بطفلٍ زادَ عمرُه أربعينَ عاماً؟! ‍‍‍‍‍‍‍من أنتَ يا عمُّ أحمدُ يا عطية؟! ‍‍‍‍‍‍‍‍‌

أنا أتذكرُك.. جائزٌ.. لكنْ أنتَ! ‍‍‍‍‍‍‍هنا تكْمُنُ العبقريةُ.. وما هي أخبارُ الجرائدِ يا عمُّ أحمد؟

أشاحَ بوجْههِ بعيدًا كأنَّه يركضُ ركضَتَهُ القديمةَ متنقلًا بين الحواري والدروبِ، مُناديًا أهلَها كلٌّ بِاسْمِه، إلا أنَّ أحدَ الفلاحينَ المتابعينَ للحوارِ ـعنْ بعدٍ ـ أفاقَهُ وردَّه إلينا، عندما قاطَعَه بقولِه: الله يخْرِبْ بِيتِ(السَّقافة) يابيه..

(القراية يا بيه وَدِّته ف داهية). ترقرقتْ عيناه بدموعٍ تكفي لمسحِ أرضيّةِ تلكَ السنينَ الطويلةِ التي عبَرَها ـراجلًا ـ وحدَه دُونَ زوجةٍ ولا ولد.

أخْرَجْتُ منْ حافظتي عشرينَ جنيها؛ وضعتُها في يدِهِ؛ ناولَنِى جريدةَ الأهرامِ مِنْ خَلْفِهِ وبقيّةَ العشرينَ جنيها؛ وانتفضَ واقفًا؛ هرولَ بعيدًا وهو يُنَادِي:

 أهرام يا بقر.. أهرام يا حَوَش.. أهرام يا فراعنة.. وكلّما التفتَ خَلفَه؛ وجَدَنا نَرْصُدُه إلى أنْ توارَى. وتذكَّرتُ الدكتورَ نشأت شقيقيَ الأكبَرَ، الذي فَرَّ إلى أمريكا ـمن البلهارسيا ـ والذي لم أرَهُ منذُ خمسةٍ وثلاثينَ عاماً؛ لأسبابٍ أظنُّ أنَّ الوحيدَ الذي يَعِيهَا جَيدًا الآنَ هوَ الرّاحلُ.. أحمد عطية.

3-أُمُّ الرزق

ـ حَلّاقُ القريةِ فتحي سليمان، حَلاّقٌ ودكتورٌ وشيخُ حارةٍ. يتعاملُ معَهُ أهلُ القريةِ بحذرٍ ووقارٍ شديدينِ، إلا أمُّ الرزقِ بلهاءُ القريةِ. فهيَ الوحيدةُ التي ما إنْ تجمعُ ثمنَ حلاقةِ شعرِ رأسِها نقودًا أو غذاءً إلا وذهبتْ إليهِ مُلقيةً ما بجَعْبَتِها آمرةً لهُ بِحلْقِ شَعْرِها بالمُوسى؛ لتكونَ (ظلبَطَّةً) تمامَا.

وما على فتحي إلا التنفيذُ فورًا؛ وإلا جعَلَتْ يومَه أسودَ كجلابِيَتِها البَيْضاءِ.

كنتُ كُلّمَا أرَاها وأنَا طفلٌ، أفكِّرُ في ذلكَ السّرِّ الذي يَجْعَلُها دائمًا قرعاءَ صلعاءَ بِلا طائل. وكنتُ كُلّمَا أسألُ أبي عَنْ ذلكَ أجابني بِعيْنيهِ: للهِ في خلقِه شؤون.

كُلُّ أطفالِ القريةِ يُلاحِقونَها مِنْ لحظةِ دخُولِها دُكَّان فتحي وخُروجِها إلى مَدْخلِ القريةِ؛ إلا أنا وتماضرُ ابنةُ عَمّي؛ التي كانتْ تتعاطفُ معها وتمنعُني منْ مشاركةِ بقيةِ الأطفالِ حتى ولو بِبَسْمةٍ.

كانت تُماضرُ رقيقةً وجميلةً وشعرُها الأسودُ كثيفٌ وطويلٌ؛ تختزِلُه زوجةُ عَمّي ـلها ـ في جديلتين. وكنت أسألُها دائمًا عنْ شَعْرِ أُمِّ الرزقِ، وهلْ سَيَأتِي اليومُ الذي تَتْرُكُه وراءَها في جديلتينِ مثلها؟‍‍!

عَرَفْنا منْ أبي وعَمّي أنَّ زينةَ المرأةِ في شعرِها، وزينةَ الرجالِ الأدبُ؛ فالمرأةُ لابُدَّ وأنْ تكونَ حَيِيَّةً ومؤدبةً دائما.

تَرَدَّدْنا أكثرَ مِنْ مَرّةٍ ونحنُ نَسْعَى لمَعرفةِ أيِّ شىءٍ عنْ أمّ الرزقِ منْ فَتْحِي. وأخيراً قرَّرنا مُفاتحتَه، وحاولْنا إقنَاعَه بالعدولِ عنْ حَلْقِ شَعْرِها لترى رأسَها ـولو مَرّةً ـ مُزْدَانًا بتاجِها الطبيعيِ. لكنَّ فتحي أكّدَ لنا استحالةَ ذلك. فأمُّ الرزقِ معقدةٌ وتَكْرَهُ أنوثتها في عقلِها الباطنِ. وهي ـعلى حَدِّ قولِه ـتَتَحَايَلُ على طبيعتِها كأنثى؛ لتقْتَصَّ مِنْ أبِيها؛ الذي ميّزَ شقيقَها ـقديمًا ـ عنها بتعليمِه في مدرسةِ قَرْيَتِهم؛ وحَرَمَها مِنَ التّعْلِيمِ؛ رَغْمَ ذكائِها الحادِّ ورغبتِها الشديدةِ في التّعَلُّمِ. ومِمّا زَادَ الطّينَ بِلَّةً، أنَّها أصَرَّتْ على مُشَاركةِ أخيها في مُذاكرتِه بالدّارِ، حَتّى تَفوّقَتْ عليه وتعلّمَت القراءَةَ والكتابةَ قَبْلَه. فما كانَ منْ أبيها إلا أنْ قامَ بحَلْقِ شَعْرِ رأسِها تمامًا. ومنْ يومِها وأمُّ الرزقِ تَهيمُ على وجهها من قريةٍ لقريةٍ، حتى استقرَّتْ بقريتِنا بعد أنْ انبَهرتْ بإمكانياتِ فتحي كحلَّاقٍ فذٍّ ـعلى حدّ قولِه أيْضَا ـ وظَلَّتْ أمُّ الرزقِ مرزوقةً بحُبِّ أهل القرية ودعمهم، وعلى حالها، حتّى غادَرَنا القريةَ إلى المدينةِ. وعَلِمْتُ بعدَها بِعدّةِ سَنواتٍ أنَّها ماتت إثرَ نَوْبةٍ قلبيةٍ فاجَأتْها وهي في دكانِ فتحي.

آخرُ مَرّةٍ كنتُ أزورُ فيها ابنةَ عَمّي تُمَاضرَ ـالّتِي ظَلّتْ بِالقَرْيةِ ـ كانتْ على فِرَاشِها ترْقدُ رقدةَ الموتِ؛ حيثُ تَسَاقَطَ شَعْرُ رَأسِها وحواجِبِها ورموشِها منْ تَعَرُّضِها للكوبالتِ، بعدَ أنْ افترشَ السرطانُ عِظامَها. خَرَجْتُ باكيًا.. رأيتُها بجَدِيلتَيْها الجميلتَينِ، تَبْكِي وتَبْتَسِمُ؛ وهيَ تخرجُ منْ دُكانِ فتحي سُلَيْمَان.

4-بُشْكَشْ

رغمَ دمامةِ بُشْكَشْ ـسائسُ الأرصفةِ ـ فإنَّ لهُ قبولًا واسِعًا عندَ كُلِّ مَالكي سياراتِ الحيّ الذي أقطنُه. فهوَ غَبىٌّ إلى الحَدِّ الذي يُضْفِي على دمامته طرافةً وبراءةً تمنَحُكَ مزيدًا من البراءةِ وتمنحُه مزيدًا مِنَ الغباءِ. ناهيكَ عنْ إتقانِه المُبْهرِ لتلكَ المهنةِ؛ لدرجةِ أنَّنَا نَعتبرُ سيّاراتِنا سيَّاراتِه. فهوَ لا يتركُ سنتيمترًا مربعًا مِنْ أي سيّارةٍ تقَعُ تحتَ يديهِ دونَ أنْ يضعَ عليها بصمتَه، ثم يَمْحوها بِلا ترَدُّد.

غباءُ بشكش الأساسيُّ يكمنُ في حِوَارَاتِه. فهوَ لا يتمكنُ منْ مواصلةِ أيِّ حوارٍ يخرجُ عنْ حدودِ السيّارةِ التِي يَغْسِلُها. أحْيانًا أتمنَّى لو أُهشِّمُ رأسَه وأسنانَه وعظامَه، وأنا أحاورُه عنْ ضرورةِ مُشاركتِي لهُ في مشروعِه المستقرِّ؛ الذي أبَانَ على وجْهِهِ أثرَ النّعمةِ بعدَ أسابيعَ قلائلَ؛ خاصّةً وأنَّ السببَ الرئيسيَ في زرعِه بينَ سيّاراتِ الحَيِّ هوَ العبدُ لله. ولايمكنُ أنْ يُنْكرَ بشكش أنَّ عِدّتَه وأدواتِه منْ جردلٍ وفوطةٍ وخلافِه، قدْ اشتريتُها لهُ بنفسِي وعلى نفقتِي. لكنَّ غَبَاءَه يَجْعلُهُ يضحكُ فاغرًا حَنَكَهُ؛ وكَأنَّهُ مِزْرَابُ مطر. وكُلّمَا ضَحِكَ بشكش؛ باعتبارِ أنّ ما أطرَحُه عليه ليس إلا دُعابةً منْ دُعَاباتِي الكثيرةِ المشهورِ بها بينَ أهلِ الحيّ؛ كلَّما تجسَّدَ غباؤه ولَاحَ وقفزَ من عينيه.

آخرُ مَرّةٍ قرَّرتُ فيها أنْ أضَعَ بشكش أمَامَ الأمرِ الواقعِ؛ دفعتُ له نِصفَ قيمةِ غسلِهِ لسيارتِي القديمةِ.

بعدها بثلاثِ سنواتٍ رأيتُه وهوَ يُغنِّي أغنيتَه الشهيرةَ (بشكش زي الفريك) على شاشةِ إحدى محطاتِ التليفزيون الفضائيةِ؛ التي دفعتْنِي مَذْهولًا لإلقاءِ نظرةٍ بائسةٍ إلى دَلْوِنا الصّدِىء. وَحَمَلتُهُ وخرجتُ باحثًا عن ناثرٍ مُحَاصَرٍ أو شاعرِ سَبيل.