رأَيتُكِ تَدفنينَ الرِّيحَ
تحت عرائشِ العَتمه
وتلتحفين صمتكِ
خلف أعمدةِ الشبابيكِ
تصبّين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الأحقابْ
ويظمأ كلُّ ما عتّقتِ
من سُحبٍ ومن أكوابْ
ظمئنا
والردى فيكِ
فأين نموت يا عمّهْ ؟.
****
تحزّ خناجرُ الثعبانِ
ضوءَ عيونكِ
الأشيبْ
وتشمخ في شقوق التيهِ
تشمخ لسعةُ العقربْ
وأكبرُ من سمائي
من صفاء الحقدِ في عينيَّ
أكبرُ
وجهُكِ الأجدبْ
أيا باباً إلى اللهِ
ارتمى
من أينَ آتيكِ
وأنتِ الموتُ، أنتِ الموتُ
أنتِ المبتغى
الأصعبْ.
****
مددتُ إليكِ فجراً من حنيني
للردى وغمستُ محراثي
ببطن الحوتْ
فأيّةُ عشوةٍ نبضتْ بقلبي
في دم الصحراءْ
وأيُّ رجاءْ
تَفسَّخ في نقاء الموتِ
أشعل ظلمةَ التابوتِ
في عيني
فجئتُ إليكِ مدفوناً
أنوء بضحكة القرصانْ
وبؤسِ الفجرِ
في وهرانْ
وصمتُ الربّ أبحرَ في جوانب مكّةٍ
أو طورِ سينينا.
****
وتلتفتين لا يبقى مع الدمِ
غيرُ فجرٍ في نواصيكِ
وغيرُ نعامةٍ ربداءْ
وليلٌ من صريف الموتِ
قصَّ جوانحَ الخيمه
تصبّين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الصحراءْ
ظَمِئنا
والردى فيكِ
فأين نموتُ
يا عمّهْ ؟
هامش:
ولد أحمد المجاطي سنة 1936م بالدار البيضاء، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية بين الدار البيضاء والرباط،. وحصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق، كما نال دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م تحت إشراف الدكتور أمجد الطرابلسي، وكان موضوع الرسالة هو "حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة" (1947-1967م)، كما حضّر دكتوراه الدولة حول أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث، ونوقشت الأطروحة كذلك بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.
هذا، وقد مارس أحمد المعداوي الملقب بأحمد المجاطي كتابة الشعر والنقد، كما امتهن التدريس بجامعة محمد بن عبد الله بفاس منذ 1964م ، و بعد ذلك انتقل للتدريس بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط،، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة الحداثة في الشعر بالمغرب، وقد فاز بجائزة ابن زيدون للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني/ العربي للثقافة بمدريد لأحسن ديوان بالعربية والإسبانية لعام 1985م على ديوانه الشعري” الفروسية” . كما فاز بجائزة المغرب الكبرى للشعر سنة 1987م، وانتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب بالرباط منذ 1991م، وكان عضوا بارزا في تحرير مجلة "أقلام" المغربية التي كان يترأسها كل من عبد الرحمن بن عمرو وأحمد السطاتي ومحمد إبراهيم بوعلو، ومثل المغرب في مهرجانات عربية عدة. وقد كتب المجاطي عدة مقالات وقصائد شعرية كانت تنشر بعدة صحف وملاحق ثقافية كجريدة “العلم”، وجريدة “المحرر”، وجريدة “الأهداف” المغربية، ومجلة “آفاق”، ومجلة” المعرفة” و”الثورة العراقية ” و”أنفاس” و”دعوة الحق”، ومجلة ” شروق”، ومجلة ” الآداب” اللبنانية…
وبدأ أحمد المعداوي كتابة الشعر منذ الخمسينيات من القرن العشرين عندما كان طالبا بالثانوي، فكتب قصائد شعرية عمودية وقصائد رومانسية تأثر فيها بشعراء الديوان وأپولو وشعراء المهجر لينتقل بعد ذلك إلى كتابة الشعر المعاصر مع مجموعة من الشعراء المغاربة الذين سيصبحون في فترة الستينيات هم المؤسسون الحقيقيون لشعر التفعيلة في المغرب وهم: محمد السرغيني وعبد الكريم الطبال ومحمد الميموني وعبد الرفيع الجواهري وأحمد الجوماري وبنسالم الدمناتي وأحمد صبري وعبد الإله كنون ومحمد الخمار الكنوني ومحمد .ع.الهواري. وقد سماهم محمد بنيس في كتابه” ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب” بشعراء السقوط والانتظار”، بينما سيسمي تابعه عبد الله راجع شعراء السبعينيات بشعراء المواجهة والتأسيس أو شعراء الشهادة والاستشهاد. وتوفي أحمد المجاطي سنة 1995م بعد سنوات زاهرة بالعطاء التربوي والبيداغوجي، ومزدانة بالعمل والاجتهاد والإبداع والكتابة والنقد.