يتواصل حتى نهاية شهر ديسمبر الجاري بقاعة "نهضة مصر" بمركز محمود مختار الثقافي بالقاهرة المعرض الشخصي "إيماءات الروح" للفنان البحريني خالد الطهمازي.
معرض أتى متسقا مع عنوانه "إيماءات الروح" مشكلا بالبورتريهات والتشخيص أجسادا تنطق انفعالاتها وانتظاراتها بما يختلج في الأرواح البشرية من توجّس وحيطة أحيانا، وانطلاق وسموّ في أحيان كثيرة.
وعن انشغالاته الفنية يقول الطهمازي "كفنان تشكيلي، أستكشف من خلال اللوحة جمال الطبيعة والإنسان بعواطفه وإيماءات جسده، طوال فترة طفولتي تأثرت بالتنوّع الثقافي الذي مررت به بين البحرين ومصر وبريطانيا، وخلق هذا التنوّع ذوقي الخاص في الفن والجمال وساعد في بناء مخيلتي الفنية".
فنان بحريني يعرض في القاهرة لوحات لـ"إيماءات الروح" البشرية
خالد الطهمازي رسام البورتريه العاطفي
يعترف الفنان البحريني أنه حينما يرسم، يستحضر الطفل الساكن في غياهب ذاته، وذاك الحلم البعيد، ويضيف “إنها مجموعة ألوان وبعض الملامح لا أعرف تفاصيلها، ولكني أفتّش عنها في كل لوحة أرسمها، أحيانا أتأمل الأشخاص من بعيد، تثيرني فيهم التعابير العفوية أو الملامح البسيطة أو الإيماءات الجسدية، فتجعلني أتفكّر في جوهر هذا الإنسان وما يختزنه من هموم وأحلام وأفكار”.
وتتجسّد هذه التعابير العفوية والإيماءات الجسدية في شخوص لوحات الطهمازي بوضوح عبر تفاصيل الوجوه التي يرسمها من وحي خيالاته الطفولية والبعض من سفاراته أو رحلاته الفنية، فيرسم المرأة المصرية بلباسها التقليدي الشعبي وهي تنظّف أواني الطبخ على حافة واد، أو أخرى بملامح شرق أوسطية مستلقية في كبرياء على أريكة بكامل أناقتها وغنجها، وكأنها تتأهب في تحفّز للقاء حبيب قد يأتي وقد لا يأتي.
ويرسم المرأة بملامحها الأوروبية المتحرّرة في لوحات أخرى، وهي تفيض دلالا وأنوثة، فتراها نائمة على سريرها، كما تراها جالسة على كرسي في مكان قصي من مقهى خاو من زبائنه، وفي الحالتين تبرز ملامح الوجه بتفاصيل لونية وحركية انسيابية تؤكّد جدارة الفنان البحريني وتميّزه في رسم البورتريهات، وإن كانت خيالية، أو من وحي ما علق في ذاكرته من شخصيات التقاهم صدفة أو بتدبير مسبق، كي يسترجع انفعالاتهم، أو بالأحرى انفعالاتهنّ في أبهى مظاهر تأهّبهنّ لحلم مشتهى، وهو الذي أتت جل لوحاته في معرضه الجديد محتفية بالمرأة وجمالها وخيالها الجامح أيضا.
نساء ينظرن دائما وأبدا إلى الأمام، أمام اللوحة، إلى المُشاهد الرقيب أو المتفحّص جليا في عوالم الشخصيات المرسومة وحيواتها وما يعتمل في دواخلها من شهوة حينا، وحيرة في حين آخر وانتظار في غالبية الأحيان.
انتظار مُربك ومُرتبك يستفزّ في الناظر إليهنّ مشاطرتهنّ هواجسهنّ وأحلامهنّ وتطلعاتهنّ، فيكون المتلقي جزءا من اللوحة، بل هو أساسها وفق ما ينعكس فيه من إحساس بضرورة مشاطرة مشاعر من ينظرن إليه وينظر إليهنّ، علّه يكون الحل والملاذ لحيرتهنّ اللاذعة.
يقول الفنان البحريني “طموحي في اللوحة هو الوصول إلى خط ومساحة ولون تعبر جميعا عن شغف الروح، أنا أمتن بعلاقتي مع اللوحة التي تشاركني كل المعاني الجميلة في الحياة”.
جمال الحياة، وسرمدية تحقّقها تبدو أكثر إشراقا في لوحة عازفة التشيلو، وإن بدت الخلفية سوداء داكنة بلا روح ولا حركة، فإن المرأة التي تُداعب آلتها الوترية بقوسها أفضت على القماشة أصواتا يمكن إدراكها بعين تسمع قبل الأذن أحيانا، ليأتي العزف شكلا من أشكال الصولو في رحاب الفراغ الممتلئ بأنوثة العازفة الملتحمة جسدا وروحا ونوتا مع آلتها رديفة فرادتها.
ويقول الطهمازي “الإنسان والطبيعة يمثلان المصدر الأول للإلهام في أعمالي التي لا أجد فاصلا فيها بين التشخيص والتجريد، حيث التجريد في اللوحة ليس مجرد أسطح لكيمياء اللون، بل هي فضاءات رومنطيقية فيها يتنفّس اللون”.
عزف منفرد في رحاب الفراغ الممتلئ بالأنوثة
وإن لم تحضر الطبيعة بشكل لافت في معرض الفنان البحريني بالقاهرة، إلاّ أن الرومنطيقية المتحدّث عنها أتت عميقة في الألوان وحركات فتياته، كلوحة راقصة الباليه التي تحضر فيها الباليرينة بشعرها البرتقالي الممدود في فضاء وردي، وهي ترتدي فستانا هو أيضا وردي شفاف يشي بالتحام اللون الزهري، بتدرّجه بين الفاتر والحار بأحلامها الوردية الراقصة على عتبات الخيال والجمال.
وعن تفاصيل اللوحات يقول الفنان البحريني “لا تعنيني كثيرا تفاصيل الشكل أثناء بناء العمل بقدر ما يعنيني انسجام مكونات العمل مع مشاعري، وخلال بناء العمل تظهر مكونات العمل الانطباعية والغير محسوبة تدريجيا، ومن هناك يكون التشخيص هو الحاضر في العمل حتى لو كان التجريد هو الغالب”.
وخالد الطهمازي فنان تشكيلي بحريني من مواليد مدينة المحرق في العام 1970، عضو جمعية البحرين للفنون التشكيلية، وهو فنان متفرّغ، عرضت أعماله في متحف البحرين الوطني، ومتحف الفنون الجميلة بالأردن، ودار الأوبرا المصرية ومتحف معهد العالم العربي بباريس. كما أقام العديد من المعارض الشخصية وله مشاركات تشكيلية في معارض وورش عمل وملتقيات محلية ودولية في مصر، وسلوفاكيا، والمغرب، واليونان، وفرنسا، وإسبانيا، وتايوان، والإمارات، والأردن، والكويت ولبنان، وله مقتنيات فنية في متاحف ومؤسسات عامة والعديد من المقتنيات الخاصة في دول مختلفة.
وهو من بين الفنانين البحرينيين الذين برعوا في رسم البورتريه لدى بدء اشتغالهم الفني، ثم اتجه بعد ذلك إلى السريالية حيث قدّم أعمالا تتّصف بالجدية والدقة، بعدها انتقل إلى التجريد مازجا خبرته في المدرستين السابقتين مع رغبته في البحث الجمالي والفني، ليصل إلى لوحته المتفرّدة والخاصة.