تقرير من السعودية

السينما في السعودية إلى أين؟

صالح السهيمي

لا يزال الجدل قائما حول السينما وصناعتها في السعودية، ولعل المطالبة بدور صالات العرض السينمائية يذكي هذا الجدل، ويثير الانقسام بين مؤيدٍ ومعارض، المؤيدون يطالبون بالسينما باعتبارها رافدا ثقافيا، ومتنفساً لهم، ويتوقون إلى فتح دور تهتم بعرض الأفلام السينمائية، ويجدون في ذلك تخفيفاً على السعوديين الذين يتجهون إلى دول مجاورة وشقيقة من أجل مشاهدة السينما هناك، بينما المعارضون يتشبثون بقناعاتهم، ويخشون على أجيالهم الناشئة من فساد الأخلاق، والابتعاد عن قيمهم، إذ يرون بعدم حاجة الشعب إليها، ويعدّونها ترفاً لا طائل منه. إلا أن الشارع السعودي يسعى منذ أعوام في إيجاد متنفس له عبر صالات عرض سينمائية مصغرة، ومن خلال بعض المقاهي الخاصة التي تقدم أفلاما سينمائية، أو من خلال مواقع الانترنت التي تعنى بالأفلام، أو عبر بعض الأندية الأدبية التي توجهت إلى الاهتمام بشأن السينما في السعودية.

السينما إلى أين؟

الشارع السعودي قديما كان أكثر انفتاحا مما هو عليه الآن، إذ إنه قبل ثلاثين عاما انفتح على دور السينما من خلال ما كان يقدمه بعض الأفراد في حرية، وانفتاح، لاسيما في مدينتي: جدة (غرب السعودية)، والدمام (شرق السعودية)، ومن المعلوم أن تأريخ صناعة الأفلام السينمائية ـ رغم حداثة العهد ـ يمتد بين عامي: 1975 ـ 2009م.

هل بات المجتمع السعودي متقبلاً للسينما؟

تؤكد دراسة سعودية حديثة إمكانية تقبل المجتمع السعودي لإقامة صناعة سينمائية، من خلال الدراسة التي أعدها المخرج السعودي عبدالله المحيسن في (المؤتمر الدولي الأول لتقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي) المقام مؤخراً بجامعة الملك سعود في الرياض، الدراسة التي حملت عنوان:) السينما ودورها في تعزيز الهوية الوطنية وواقعها في المملكة) أوصت بإنشاء معهد عالٍ للفنون السينمائية، وجمعية وطنية للسينمائيين السعوديين. كما أنها شملت (65) فيلماً سعودياً تم إنتاجها في الفترة من عام: 1975 إلى نهاية عام 2008.

(الكلمة) سألت بعض المهتمين بالشأن السينمائي في السعودية:

فكان في البدء الدكتور حسن النعمي (نائب رئيس نادي جدة الثقافي) الذي طلب من الرافضين لوجود السينما في السعودية بأن يقدموا حججاً مقنعة لهذا الرفض. ومؤكداً في الوقت ذاته بأن هؤلاء يحاكمون السينما، والمسرح، وبقية الفنون بناء على ظنون واهية، وتوقعات لا تستند إلى حقائق ملموسة.

وأضاف: إن السماح بعروض سينمائية في بعض مناطق المملكة، ومنعها في مناطق أخرى يؤكد حالة الازدواجية التي يعيشها المجتمع، وبأنه لا يوجد معايير ثابتة نتحاكم إليها، حيث تتحكم الاجتهادات الشخصية في منع أو السماح بأنشطة حضارية تعتبر من الأساسيات في زمننا المعاصر. مؤكداً أن "لاءات" الممانعين قد ساهمت في وأد تجربة العرض السينمائي في جدة.

وحول دور وزارة الثقافة والأعلام يختتم النعمي بقوله: على وزارة الثقافة والإعلام دور كبير في الرقابة وفرض الأنشطة الثقافية، فهي من تفسح وتمنع فقط، وعليها أن لا تسمح بتدخل جهات أخرى في اختصاصاتها.

ومن جانبه يقول الأستاذ شتيوي الغيثي (كاتب وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بحائل): إن السينما من الفنون ذات الطابع الجماهيري، إذ إنها تتكئ على الصورة بشكل عام، فتمثل أحد أهم المنجزات الحضارية في فعل التواصل الإنساني اليوم، حتى أصبحت الأداة الأكثر تعبيراً عن المجتمع إلى درجة استخدامها الأيديولوجي في الكثير من الأحيان، فهي محايدة تقنياً لكنها ليست محايدة أيديولوجياً، وهنا تأتي أهمية ما وراء الصورة أو ما وراء صناعة الصورة.

وأضاف: الصورة السينمائية أكثر تعبيراً من لغة الصورة الساكنة، وتفعل فعلها من خلال تحكمها في الواقع ومدى اتساع دائرتها ومجال اشتغالها لاشتراك عناصر كثيرة جدا: الصورة، الصوت، التأثير اللوني، الأداء التمثيلي، الموسيقى التصويرية، مساحة اتساع التقاط الصورة، الحبكة.

وحول المعارضة لوجود السينما يقول الغيثي: أعتقد أن المعارضين للوجود السينمائي في المجتمع السعودي يدخل جانب من جوانب معارضتهم كون الفن السينمائي يسحب بساط الجماهيرية من تحت هيمنتهم الفكرية خاصة أنه فن اختراقي بمعنى أن الصورة لا تستأذن في الدخول بقدر ما تقتحم العين والوجدان اقتحاماً؛ لتعيد تشكيل الفكر من جديد، وتطرح التساؤلات الثقافية والسيسيولجية في أي مجتمع من خلال طرح التساؤل التصويري الذي يطرح الواقع أو يسلط الضوء حول مناطق يتم تجاهلها أو تغييبها في المجتمع التقليدي.

وينتهي الغيثي إلى: أنَّ السينما جزء من العمل الثقافي كونها مرتبطة بالفن السردي: الرواية والقصة ومن لا يعي هذا الجانب فإن لديه خللا ثقافيا كبيراً، وفي رأيي أنه يحتاج إلى إعادة تأهيل ثقافي.

أما الناقد السينمائي خالد ربيع السيد (صاحب كتاب الفانوس السحري ـ قراءات في السينما) فيؤكد على أهمية وجود صالات عرض للأفلام السينمائية ذات الطابع الإنساني والثقافي، ويدعو إلى مساعدة الشباب (المهتمين بالإخراج والإنتاج السينمائي) في التوجه إلى صناعة سينمائية قوية في زمن الاحتراف العالمي، وأن على وزارة الثقافة والأعلام دعم الأفلام الجادة، والمهرجانات التي تسهم في رفد الحراك الثقافي، وتبرز أهمية صناعة الفيلم السينمائي.

ويطالب السيد بإتاحة الفرصة أمام الشباب السعودي، وزرع الثقة في نفوس الجادين من قبل المجتمع، من حيث تبني الأفلام التي تسهم في بناء وعي إنساني يرتقي بفكر الإنسان، وتبني القصص والروايات المحلية الرافدة لصناعة السينما ذات الخصوصية المحلية.

وأخيراً سيتساءل بعضنا حول قَدَر السينما في السعودية. وسَتُطرح الأسئلة حول حضورها وغيابها، ولكن سيبقى تعليق الجرس بيد وزارة الثقافة والأعلام حيال اتخاذ القرار بشأنها. ودعمها من خلال الأندية الأدبية، والجمعيات الثقافية. 

السعودية.