احتفى نشطاء كويتيون بفوز رواية "طعم الذئب" للشاعر والروائي الكويتي عبد الله البصيص بجائزة دولة الكويت التشجيعية للرواية، عقب منعها 4 سنوات. واعتبر مغردون أن الرواية -الصادرة عن "المركز الثقافي العربي" عام 2016 في 222 صفحة، تعد "من أهم الأعمال السردية في الأدب الكويتي، وتستحق هذا الاحتفاء وأكثر".
وتدور أحداث الرواية -حسب ما بيّنه الكاتب البصيص في لقاء سابق مع موقع "الجريدة" الكويتي- حول الحياة، والإنسان، وتأثير مجتمعه عليه، موضحا أن المجتمع شارك في تشكيل الشخصية، و"هناك قيود نحن لم نخترها ولكن المجتمع فرضها علينا قسرًا، فالإنسان هو الذي يضع قيودا على نفسه".
وعقب منع الرواية الاجتماعية والفلسفية، وصف البصيص هذا القرار "بالتعسفي"، متسائلا: "لماذا تُمنع إصدارات متنوعة من التداول في الكويت بينما تباع في معظم دول الخليج؟" وعبّر مغردون عن سعادتهم لما وصلت إليه هذه الرواية عقب منعها، وقال الكاتب عبد الرحمن حمد "كل منزلة عالية وكل قيمة رفيعة ملازمة لك يـ عبدالله… شاعر وكاتب وتكتب بـ نفس خاص ومميز. تستحق ماهو أكثر يـ صديقي".
رحلة ذيبان
تقص الرواية رحلة شاعر بدوي هارب يفر من قومه ليحاول إيجاد معنى لحياته في مجتمع يتحقق فيه قول فيلسوف القرن 17 الإنجليزي توماس هوبز "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، قبل أن يضيع في مجاهل الصحراء، ليفاجأ بذئب جائع في الصحراء القاسية التي تطبع الإنسان والحيوان بطابعها على حد سواء.
وأشاد النقاد بالأسلوب السردي المميز وما تتخلله من مفردات بدوية وأبيات شعرية تروي قصة "أنسنة الذئب"، الذي يصبح صديقًا للإنسان في رواية تقارن بين حنان الحيوان وعدوانية الإنسان؛ إذ يظهر الذئب وفيّا يبر قسمه على خلاف الإنسان الذي ينكث عهده. وفي أحد مقاطع الرواية يقول "ليست شراسة الجوارح شراسة يا ذيبان، بل شراسة الشعور هي الشراسة".
وفي مقطع آخر يقول "فيك خصلة من الكلاب؛ وهي أنها تلوم نفسها إذا أخطأت، وتظل تلوم نفسها حتى ترضى على نفسها الذل.. نحن الذئاب لكي نكون ذئابا علينا أولا ألا نأسف على أي خطأ اقترفناه، وألا نندم على زلة بدرت منا. لهذا الذئب لا يخنع".
ويستخدم الكاتب رمزية الحيوان والإنسان على طول الرواية التي يضمنها روحا فلسفية تبدأ مع الجزء الأول ذي الوتيرة السريعة، وتتدافع في الثاني، قبل أن تمضي على نحو غرائبي في الجزء الأخير، حيث "كسرت الحدود التي تسمى المعقول.. الآن علينا إيجاد معقولات أخرى ترتب الفوضى المنبثة في عقله".
فانتازيا الصحراء
ترسم الرواية صورة مجتمع الصحراء، وتتناول قضايا العار والاغتراب والجنون وعذابات الذات والخوف من المجهول وتجنب المواجهة في عالم بلا أبطال تعيش شخصياته حياة التيه والقسوة والقلق المضني، حيث الذئاب بشرية لا حيوانية بأنياب تغرز في حياة الضعفاء والمنبوذين والهاربين من الدم والثأر والمتلحفين بالمجهول في مواجهة قسوة البشر والطبيعة على حد سواء.
وفي الفصل الأول تتناول الرواية صراع البطل مع مجتمعه، في حين تتناول صراعه مع الطبيعة والذات في الفصل الثاني، وفي الفصل الثالث يدور الصراع مع خيال وعقل البطل في نمط من التشويق المتدرج والإثارة غير المبتذلة التي تتساءل: ما الذي جعل الثقافة الشعبية تشوه صورة الذئب بينما تتلبس بصفات "الذئاب" السلبية، ويقول الراوي في الرواية "في العزلة عن البشر راحة تامة وأبدية من كل ما من شأنه تكدير الحياة، البشر وحدهم من يجب أن يلزم منهم الحذر أشد من حذره بواغت الصحراء".
ويختلط الواقعي بالفانتازيا في الرواية التي تجري فيها العديد من الأحداث المؤلمة التي تدفع البطل لترك حمى قومه والالتجاء للصحراء المليئة بمفاجآتها أيضًا.
وفي الصحراء، حيث العناصر المكانية فسيحة، يملأ الكاتب قصته برمزيات الحياة القبلية ومجتمعاتها، ويحكي عما يسميها شراسة الجوارح في مقابل شراسة الشعور وإنسانية الذئاب في مقابل "ذئبية" الإنسان، وذلك كله في بقعة جغرافية بسيطة تعج بالكثبان الرملية والنباتات الجافة والأراضي القاحلة، إلا من الأساطير الشعبية والتأملات العريضة بعبارات جزلة واقتباسات شعرية وخيال جامح.
عن طعم الذئب يقول الكاتب فهد محمد فهد:
"مواجهة الإنسان للخوف وثمنها في رواية البصيص: تبدو الكتابة عن الصحراء مغامرة، وخاصة لكاتب من الجيل الجديد، الجيل الذي انعتق من الصحراء وصار لا يعود إليها إلا مدججاً بسيارات الدفع الرباعي ووسائل التقنية التي تقيه من مخاطر الضياع والموت التي هدَّدت أجداده لآلاف السنين، كانت الصحراء أسلوب حياة قاسياً، مخاطر يومية وحالة مستمرة من إثبات الرجولة والتمسك بالتقاليد التي صيغت لتمنح الإنسان فرصة أفضل في مواجهة كل ما ينتظره بين الكثبان اللامتناهية وضواريها. وقد اختار الروائي الكويتي الشاب عبدالله البصيص هذه البيئة مسرحاً لروايته الجديدة “طعم الذئب". جاءت هذه الرواية الصادرة حديثاً عن”المركز الثقافي العربي” في 222 صفحة مقسمة على ثلاثة فصول، وهي العمل الثاني للبصيص بعد روايته الأولى “ذكريات ضالة” ( 2014 م). واستطاع البصيص بلغته الشاعرية، ومعرفته الجيدة بمفردات الصحراء وجغرافيتها وتقاليدها، إعادة بعث تلك الأزمنة الضائعة، مقدماً لقارئه قصة صحراوية ممتزجة بصوت الربابة، وأبيات التشبيب، وصيحات الفرسان، وعواء الذئاب، وألوان الكثبان والنفود ونباتات الثندة والعرفج والرمث، مع رائحة الخزامى والهيل ومذاق الشيح والجثجاث والذئب...".