كتاب جديد للجزيرة للدراسات يسلِّط الضوء على تطور الصحافة الإلكترونية العربية والتحديات التي تواجهها
صدر، نهاية السنة الماضية، عن مركز الجزيرة للدراسات، كتاب رقمي جديد بعنوان "بيئة الصحافة الإلكترونية العربية: سياقات التطور وتحدياته"، تأليف مجموعة من الباحثين، ويقدِّم تأصيلًا معرفيًّا لسياقات نشأة الصحافة الإلكترونية العربية وتطورها، ومقاربةً لتحديات البنية الهيكلية والتشريعية والمهنية والتكنولوجية والوضع المستقبلي لهذا القطاع الصحفي من خلال منهج دراسة البيئات الإعلامية المختلفة (إيكولوجيا الإعلام).
كتاب رقمي جديد تأليف مجموعة من الباحثين، وتحرير د. محمد الراجي، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، المشرف على برنامج الدراسات الإعلامية. ويقدِّم الكتاب تأصيلًا معرفيًّا لسياقات نشأة الصحافة الإلكترونية العربية وتطورها، ومقاربةً لتحديات البنية الهيكلية والتشريعية والمهنية والتكنولوجية والوضع المستقبلي لهذا القطاع الصحفي من خلال منهج دراسة البيئات الإعلامية المختلفة.
وتنبع أهمية الكتاب من طبيعة التحولات المهنية التي يشهدها الإعلام في العالم العربي، وهي -كما وصفها المحرر- تحولات سريعة وهيكلية، أبرزها محاولة الإعلام التقليدي البحث عن مساحة للاستمرار في العالم الرقمي كما حدث لعدد من الصحف اليومية، وكذلك الحال في محاولات بناء نموذج اقتصادي جديد ينعتق من مرحلة التجريب والهواية، علاوة على الأدوار المتنامية للصحافة الإلكترونية في تنمية المجال العام والمشاركة الديمقراطية الوليدة في بعض المجتمعات العربية، والتحديات المختلفة التي تهدد هذا القطاع في ظل انتشار شبكات الإعلام الاجتماعي.
وقد خلص الكتاب إلى أن الصحافة الإلكترونية العربية مرَّت في رحلة تطورها بعدة مراحل: المرحلة الأولى، حيث النشأة المبكرة (1995- 1999) وكان طابعها يشبه النسخ الورقية؛ إذ لم يكن لدى القائمين عليها رؤية واضحة لماهية هذا النمط من الصحافة وطبيعة التحول التاريخي الذي يشهده العالم. أما المرحلة الثانية (2000- 2010) فتميزت ببدايات ظهور مواقع إخبارية إلكترونية مستقلة عن الصحافة الورقية، وبوابات إلكترونية عامة قدَّمت خدمات إخبارية وتوثيقية عَكَسَت شكلًا من أشكال الصحافة الإلكترونية، وازدهار التدوين الصحفي الذي مارسه بالدرجة الأولى صحفيون محترفون بشكل مستقل. أما المرحلة الثالثة، والتي بدأت منذ ثورات الربيع العربي قبل نحو عشرة أعوام ولا تزال مستمرة حتى الآن، فتميزت بانبثاق دور أكبر وحضور أوسع للصحافة الإلكترونية في الحياة العامة، والتوسع الكمي في الصحف الإلكترونية، وظهور صحف جديدة أكثر مهنية وقُرْبًا للمعايير الجديدة للاحتراف الصحفي الرقمي، والازدياد النسبي لحصة الصحافة الإلكترونية من سوق الإعلانات الإعلامية، مع استمرار تدني هذه الحصة بالمقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية، من جهة، ومع منصات الإعلام الرقمي الأخرى وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، من جهة ثانية.
وعن العلاقة بين تطور الصحافة الإلكترونية العربية والبيئة القانونية والتشريعية التي تعمل في ظلها، خلص الكتاب إلى بطء مواكبة التشريعات والقوانين العربية لإيقاع التطور السريع للصحافة الإلكترونية، وأرجع السبب إلى تعقُّد المراحل التي تمر بها القوانين والتشريعات أثناء صياغتها، وكثرة القنوات التي تعْبُرُها. وتحدث الكتاب عن ضرورة وضع مدونة إقليمية عربية خاصة بالإعلام الإلكتروني تهتدي بها الدول عند وضعها لقوانين إعلامها الإلكتروني الداخلي، وهو ما يستلزم فصل الإعلام الإلكتروني عن الإعلام والنشر الورقي قانونيًّا وتشريعيًّا.
وفيما يتصل بالتحدي الاقتصادي الذي تواجهه الصحافة الإلكترونية العربية، خلص الكتاب إلى أن تلك الصحافة بحاجة إلى نموذج اقتصادي يتواءم مع الخصائص التواصلية لشبكة الويب والتواصل الإنساني عبر الإنترنت، ويستجيب للمستجدات التي تظهر مع تَغَيُّر حاجيات المتلقين للمحتوى الإعلامي وتَغَيُّر عاداتهم في التلقي.
أما عن دور الصحافة الإلكترونية العربية في تشكيل وتوجيه الرأي العام، فقد خلص الكتاب إلى أنها تسهم في هذا التشكيل وذلك التوجيه لكن ليس عن طريق الحجاج والتحليل وإنما من خلال إصدار الأحكام بشأن القضايا والمشكلات والأحداث الجارية، وهو أمر لا يزال يمثل أحد تحديات الصحافة الإلكترونية العربية.
وبدراسة بعض الحالات، خلص الكتاب إلى أن الصحافة الإلكترونية في الأردن، على سبيل المثال، بحاجة إلى إيجاد "بيئة صديقة للحريات" تتمثَّل في بروز عقلية جديدة تمتلك الخبرة في إدارة ملف الإعلام؛ بدلًا من تلك الذهنية التي لا تزال محافظة في تدوير القيادات التقليدية، والاتجاه صوب سَنِّ قوانين وتشريعات تنزع فلسفتها وروحها للتقييد والتجريم والعقاب كما يبدو في قانون الجرائم الإلكترونية المعمول به حاليًّا.
وفيما يتعلق بميكانيزمات التعايش والتنافس بين الصحافة الإلكترونية العربية ومنصات الإعلام الاجتماعي، خلص الكتاب إلى أن حالة التنافسية تظل قائمة بين نمطي الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي مع ميزات تفضيلية متزايدة لصالح الأخيرة نتيجة لتطور تكنولوجيا الهواتف المحمولة مع وجود بعض الفرص التي إذا أحسنت الصحف الإلكترونية استخدامها فقد يساعد ذلك في استعادة بريقها، مثل القدرة على إحداث توازن بين التَّحقُّق من صحة ودقة الأخبار وسرعة نشرها، وكذلك استخدام شبكات العلاقات المحلية من خلال اندماج المحررين في مجموعات الاتصال ذات الاهتمامات العامة المشتركة واستخدام الحوارات الدائرة فيها لتوليد أفكار جديدة لمحتوى صحفي إبداعي. بالإضافة إلى بذل الجهد في استقطاب المتميزين من منتجي المحتوى المكتوب أو متعدد الوسائط عبر شبكات التواصل الاجتماعي ودمج إنتاجهم بشكل تكاملي مع مضمون الموقع الإلكتروني للصحيفة.
وأخيرًا، فيما يتعلق بتداعيات جائحة كورونا على الصحافة الإلكترونية العربية، والتي تمثل واحدة من أهم التحديات الراهنة، خلص الكتاب إلى أن تلك الجائحة كشفت خطورة البطء في حل الأزمات البنيوية والهيكلية السابقة عليها، وهو ما أسهم -مع اشتداد وطأة الجائحة- في انهيار جزئي لبيئة الأخبار؛ حيث انتشرت الأخبار الكاذبة، وانهيار بعض المؤسسات التي كان عليها مسؤولية نشر الأخبار، واستحواذ المنصات الاجتماعية على مسالك توزيع المعلومات وعلى الإعلان الرقمي. وأوضح الكتاب أن الحلول المبتكرة التي انتهجتها الصحافة الإلكترونية في العالم المتقدم لم تتوافر شروطها في العالم العربي بعد، لأسباب، منها: أن استراتيجية المضمون بمقابل، كما فعلت الصحافة الإلكترونية العالمية، تقتضي أن تكون هناك بيئة رقمية تصبح فيها تكنولوجيات الدفع الإلكتروني متوافرة، ونظرًا لمحدودية قدرات المواطنين على شراء المضامين الصحفية، فضلًا عن ضعف قدرات المؤسسات الصحفية العربية على إنتاج المضامين الجيدة التي تستحق أن تُحَوَّل إلى مضامين يدفع من أجلها الناس مقابلًا، جعل التحول نحو هذا النمط من أساليب التطور للصحافة الإلكترونية العربية صعبًا، وهو ما يتطلب سياسة عمومية من الدول العربية تقدم من خلالها الدعم للصحافة الإلكترونية المستقلة، على غرار ما هو متبع في السياقات الأوروبية. وخلص الكتاب إلى أنه لا يمكن للصحافة الإلكترونية العربية أن تستمر وتطور دون تلك المساعدات.