تقرير من المغرب: الملتقى الأول للشعر الإيبيرو ـ عربي
شعرية العبور والبحث عن الأفق الكوني
احتضن فضاء مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، الملتقى الأول للشعر الإيبيرو ـ عربي، المنظم من طرف جمعية ملتقى الشعر الإيبيرو ـ مغربي بطنجة، ومنتدى أصيلة.وذلك أيام (7 ـ 8 ـ 9 ماى 2009). وقد تميزت الجلسة الأولى التي أدارها باقتدار الشاعر المغربي والمترجم خالد الريسوني بكلمة أمين عام منتدى أصيلة السيد محمد بنعيسى الذي أكد على أهمية هذا الملتقى لخلق حوار ثقافي إبداعي بين الضفتين، وأصيلة بحكم إرثها التاريخي فضاء لمثل هذه المبادرات الثقافية التي وصفها بالجادة.كلمة الدكتور مزوار الإدريس رئيس جمعية الإيبيرو عربي ركزت على تصويب أساسي لبيت شعري للشاعر الألماني يوهان كريستيان فردريش هولدرلين (20 مارس 1770 ـ 1843م) "مايستمر يؤسسه الشعراء" انطلاقاً من الرغبة في الاستمرارية والإخلاص للشعر أولا وأخيراً فهذا الملتقى الشعري ينعقد ليمد جسور التواصل بين الضفتين، وينفتح على مختلف التجارب الشعرية، البرتغالية والإسبانية والمغربية، والطموح كبير لكي يصل السنة القادمة ـ يضيف مزوار الإدريسي ـ إلى مختلف الدول المكونة للقارات الثلاث. وفي كلمته اعتبر الأستاذ المهدي زواق أن الملتقى يشكل طموحاً متميزاً لخلق حوار حقيقي بين الشمال والجنوب، وبالتالي فآفاقه ستكون أكثر اشراقاً لأنها ترتبط بالشعر أساساً كوسيلة مثلى للتواصل بين الشعوب والحضارات. أما مدير معهد ثربانتيس بطنجة: خوصي مانويل طوليضو فقد ركز في كلمته على التنسيق في ما يخص الدورة السنوية "ذهاب ـ إياب"، مذكراً بالأدوار التي يقوم بها المعهد فيما يخص التثاقف بين المغرب وإسبانيا. وأنه سعيد بالعمل مع الجمعية ودعم الملتقى، معتذرا باسم الشاعر سالبادور لوبيث بيثيرا بسبب المرض. واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة ممثل كوديناف التعاون والتنمية مع شمال إفريقيا السيد إدريس الجبروني الذي اعترف أن كوديناف تخوض هذه التجربة بحماس، معتبرة أن المدخل الحقيقي للتنمية يكون عبر المدخل الثقافي، وأنها لأول ترفع شعار الثقافة كرهان للتنمية متمنيا للملتقى مزيدا من التألق والاستمرارية. وبعد تسلم الأكاديمي الدكتور عبد اللطيف شهبون تسيير الجلسة وفق البرنامج المحدد في كتاب أنيق يجمع بين متعة الشعر وجماليات الألوان والصور أعده الفنان التشكيلي يونس الخراز. بدأت بوادر النقاش والتواصل والإشكالات المرتبطة بالشعر والزمن، والتخييل واللغة، والفهم والتأويل، والتذوق الجمالي. وهو الأمر الذي مهد له الشاعر عبد اللطيف شهبون بفرش تاريخي دقيق حول المتصل والمنفصل في العلاقة بين الضفتين. وقد كانت الإجابة عن هذه الاشكاليات شعرية بصوت الشعراء البرتغاليين البرتغالين فرناندو بينطو ذو أمارال، وماريا أندريسن، وغاسطاو كروث، والشعراء المغاربة، عبد الكريم الطبال، وأحمد هاشم الريسوني، والشعراء الإسبان كونشا غارثيا، ولويس مونيوث، وجوردي فيرايونغا. "شعرية الحدود" كان عنوان الندوة النقدية الأولى التي أطرها بتميز الكاتب مصطفى الورياغلي الذي وصف إشكال الحدود بالمشكلة الإنسانية، فالإنسان مند بداته الأولى تمرد على كل أشكال الحدود، موضحا الفرق بين الحدود الصغرى والحدود الكبرى، فالطموح يبقى دوما هو الوصول إلى الآخر القريب، وكلما ابتعدنا جغرافياً وتاريخياً كبرت الحدود. وانطلق الشاعر محمد الأشعري ـ وزير الثقافة سابقاً ـ من سؤال: هل هناك عبور حقيقي للقصائد نحونا؟ فالشعر بتعبيره مثل الماء مفضلا تسمية شعرية العبور بدل الحدود، ومذكراً بأبيات للشاعر بشار بن برد ليخلص إلى شعر يستخدم الحواس ويتجاوز المسافات. وحواجز اللغة والجنس،فالشعر يتجاوز كل الحدود بحكم طبيعته العابرة والتي لاتقبل أن تعيش فقط في التربة التي نبتت فيها. وانطلاقاً من هذا الأفق الكوني ـ يضيف محمد الأشعري يمكن أن نبدع شعراً، ونحن نتمثل شعرية الآخر، وأفترض أن المسألة تتعلق بالترجمة لأنها تسعف في فتح الآفاق الممكنة، وأنا أتطلع إلى أن نستبطن كل الحدود الممكنة، الحدود بين اللغات وبين الحساسيات، الحدود التي تبعث عددا من إمكانات المغامرة المشاركَة. أما الشاعرة كونشا غارثيا فقد انطلقت في مداخلتها المعنونة بـ "فوق حدود اللغة" من الأصل اللغوي اللاتيني لكلمة حدود، والذي يعني: "طريق أو سبيل بين حقلين". فالإنسان يحب العيش في هذا الفضاء لأنه فضاء حر لا يمتلكه أحد، ولكنه يعرف أيضا أنه لن يستطيع ذلك، لأن الإقامة الدائمة في الحدود غير ممكنة. والأمر ذاته ينطبق على كلمة لغة الشعر. فهي تسير في سبيل محصور بين حقلين. في جانب يتحكم النظام والتقاليد الموروثة والنموذج. وفي الجانب المقابل يسود خليط من اللغات القديمة والألفاظ الجديدة المخترغة، عالم لا يحكمه نظام، وفي الحدود بين هذين الحقلين يقف الشاعر ينظر إلى هذا الجانب وإلى ذاك. فالشاعر يتعلم من وجوده في الحدود كيف ينظر إلى الجانب الآخر. وكيف تسافر الكلمات من حقل إلى آخر. وأن هذا الانتقال الدائم من شأنه أن يليّن هذه الحدود ذاتها ويجعلها أكثر مرونة. كما أشارت الشاعرة إلى أنها حاولت دائما في تجربتها الشعرية وفيما تزاوله من أنشطة ثقافية الانفتاح على تجارب شعرية مختلفة اللغات والثقافات، فاستضافت في لقاءات شعرية شعراء من البرتغال والمكسيك والأرجنتين، كما استضافت من المغرب الشاعرتين وفاء العمراني وإيمان الخطابي. وفي الأخير أكدت الشاعرة أن الحدود يجب أن لا توجد في الشعر، وأن الترجمة المتبادلة ضرورية لتجاوز تلك الحدود. كما أشادت بالدور الأساس الذي يمكن أن يضطلع به هذا الملتقى في هذا المجال. في حين انصبت مداخلة غاسطاو كروث التي وسمها بـ "الشعرية بحث وسؤال" على مجموعة من الأسئلة التي تترتبط بانفتاح الشعر على التصوف والمقدس، مؤكدا على اعتفاد مفاده أن الشعر مرادف للحرية، وأن صعوبة الشعر تكمن أساسا في استحالة فك لغز تعقيداته. ولعل صور مداخلة الشاعر عبد الكريم الطبال "عن شعرية الحدود، سفر في الغيب"، والتي استحالت معها الترجمة الفورية التي شكلت نقطة مضيئة في هذا الملتقى أكد من خلالها راهب الشعر المغربي على أن الشعر سفر في الغياب، أما الشاعر فيبقى دوما بؤرة شوق وطلاقة، حلم وضراوة، ربما مهمته الأدنى والقصوى كعلاقة الشاعر ـ أن يصنع من كلمة قاربا ثم أن يشق البحر اللامتناهي.. فالسفر قدره لا يألف مكانا ولا يستطيب زمانا، دائما في سفر منذ أبيه هو السائل والمسؤول، وهو النابض والكامل، مستشهدا بابن عربي الذي يقول:" إن العالم بأسره إنسان كبير وروحه فهو الإنسان الكامل" ومن أجل هذه البديهة كان السفر في الذات التي حلي غيب سفرا في الحياة. في الكون. فالفطرة بحر والحرف ملكوت والدائرة كون. ومع أهوال السفر ومع غرائبه لا يبلغ الشاعر درجة الشفوف للذات الطاهرة الباطنة مهما كابد وتشوف..ولربما كان الشعر في هذه المسيرة الغامضة أهم مشكاة للإنسان للبحث عن الإنسان، وبين شاعر وآخر، فلا يبين من يضيء بشمعته، وبين من ينير بفانوس وأحيانا من يستنير بشمس فالشعر كشوفات على قدر بين من التنوع والرتب. مختتما مداخلته بتبيان مفاده أن الشاعر والصوفي في أروقة واحدة كلاهما عمل المشكاة، وكلاهما في الشعر. وهما معا طبقات ومقامات. أما الشاعر لويس مونيوث فقد بدأ مداخلته باعتقاد يذهب إلى اعتبار أن خير مسكن للشعر هو فضاء الحدود، حدود الذوات، وحدود الأساليب، وحدود الثقافات. فتلك الحدود تجعل الشعر يعيش في بحث وسؤال مستمرين ودائمين، فالحدود تجعل الشاعر يخرج من حدود ذاته منطلقا نحو الآخر، وفي توجهه نحو الآخر يعمق معرفته بذاته. أما الشاعر فرناندو بينطو ذو أمارال اعترف فقد سعى في مداخلته إلى تبادل أفكار اعتقادا منه أن هناك دوما حدودا وجدت في الواقع، فالشعر وعبر كلماته يسعى للقبض على هذه الحدود، بالرغم من أنه يحس بنقصان في هذه الممارسة مضيفا أن للشعر حركة تسمح بالتوجه إلى الآخر انطلاقا من كون أن للشعر قدرات كونية هائلة، لأنه يتجاوز الحدود بين الأشخاص ويسمح بشيء آخر هو النزول إلى حدودنا الداخلية، ولقاء ذواتنا عن طريق القراءة التي تيسر هذا النزول. فالحدود بالنسبة للشاعر في مجال الثقافة واللغة والموسيقى لها قدرة كبيرة على هدم الحدود بين الشعوب. ليتوقف بعد ذلك عند الترجمة بوصفها شرا لابد منه، لأنها ضرورية كي يقع التجاوب بينها، بالرغم من ضياع أشياء حقيقية أثناء عملية الانتقال من لغة إلى أخرى، وهنا أكد على مسألة أن تتعلق بضرورة أن يكون الشاعر مترجما،وهو ماأثار نقاً حاداً حول هذه الصفة الملازمة للمترجم. وحملت المداخلة الموسومة بـ: "شعرية الحدود، على أهبة القصيدة" "للشاعرة ثريا ماجدولين"، أشكالات مضاعفة بحكم رفضها لمصطلح الكتابة النسائية لانها تسييج للكتابة القائمة على الحرية مشيرة إلى فعل الكتابة بوصفها فرصة لمجالسة الذات ونسج العزلة الرفيعة التي بفضلها تمكنت من الإصغاء إلى دواخلها الباطنية وفتح دواليب الغياب في عالمها. وقد تلت هذه المداخلات التي أطرها الدكتور محمد المسعودي بخبرته النقدية المعهودة سجالات نقدية مرتبطة بالمفاهيم التي أثيرت في المداخلات السالفة الذكر. لكن جمال القصيد أعاد الحضور ليستحم في نهر الشعر مرتين، فقرأت وماريا أندريسن، وعبد الكريم الطبال، وأحمد هاشم الريسوني، وثريا مجدولين، وجوردي فيرايونغا. الجلسة الأخيرة لهذا الملتقى أطرها الشاعر عزالدين الشنتوف، الذي فضل الحديث باللغات الثلاث من أجل خلق تواصل فعال وسريع، فكانت البداية مع الشاعرة وماريا أندريسن التي عنونت مداخلتها "قلب بدون حدود"، معتبرة في هذا السياق أن هناك حدود نفسية وجغرافية تبحث المسافات، بخاصة حينما يتعلق الأمر بالأحاسيس الشعرية، فضرورة التواصل مع الحساسيات الشعرية الأخرى تقتضي أن نكتب بضمائر متعددة، وان ننفتح على العيش بين الحدود وفي الحدود ثقافيا، بهدف خلق جسر بين الكلمات، مؤكدة على استحالة ترجمة الإيقاع في النصوص الشعرية، مشيرة إلى إمكانية وجود الكاتب/ الشاعر/ الأنا/ الأنت/ فهذا أمر مختلف عما يمكن أن يكتب الآخر. وركزت مداخلة الدكتور أحمد هاشم الريسوني على إشكالية النظر إلى الحدود على المستوى الجغرافي انطلاقا من الجسد الذي له حدود مع الأجساد والمكونات الأخرى، في هذا السياق تكون الذات هي المحور التي تفصل بين هذه المكونات. وقبل أن يتحدث عن الحدود بين العلاقات، تطرق إلى الحدود المحلية لكل ذات بوصفها تملك قابلية التنوع، لأن الحدود قائمة في الذات قبل أن تكون حدود خارجية،، فكل قصيدة منفتحة على قصيدة أخرى ومن ثمة تتلاشى الحدود.ولعل هاته التأويلات نابعة من الخبرة الأكاديمية التي راكمها أحمد هاشم الريسوني بوصفه أكثر الباحثين تتبعا للمشهد الشعري المغربي والعربي مند تمانينات القرن الماضي. وهناك حدود قائمة بين الشاعر المغربي والشاعر المصري ـ بتعبير الريسوني ـ ووحدها القصيدة من تحاول أن تخترق هذه الحدود عن طريق إيقاعها وصورها، في حين لا يمكن للذات المنغلقة أن تتقدم بدون انفتاح على ذوات أخرى. فالبوح والمكاشفة لا تحضر دائما، وتلك حدود أخرى، وهذه المكاشفة تحضر في لحظة معينة عبر اختراق هذه الحدود التي تكون حدودا وهمية لأنها قائمة في الذات. مشيرا في ذات الوقت إلى بعض المستويات التي لا حدود لها مثل مستوى الإيقاع الذي لايمكن أن نربطه بالوزن، لكونه يتجاوزه، فالإيقاع تَشكُّل الذات في حركيتها المتوالية في وجودها، واللغة نفسها تصبح جدارا إذا لم تنفتح على ذوات أخرى ولغات أخرى. لينتهي إلى أن الترجمة عملية حضارية، بدءا من دورها في تكسير الحدود بين الثقافات والحضارات، وأن شعرية الحدود قائمة على الممكن وضد الكائن. أما المداخلة الأخيرة للشاعر وجوردي فيرايونغا فقد حاول من خلالها أن ينبه إلى مسألة الترجمة وما قد يعترضها مشاكل تترتبط بضياع خصوصية الشعر، حيث يضيع الصمت، والإيقاع، معترفا باستحالة الترجمة في كثير من النصوص، ومن ثمة يدعوا إلى ضرورة التفكير في مترجمين شعراء، والعمل على تكوينهم. فالترجمة بالنسبة للشاعر فعل متعة فيه سرور، ومعايشة للنص وابتهاج به، متطرقا إلى أهمية الشعر الذي يوغل نفسه في الواقع، واعتبره الأقرب إلى تجربته، يقول "أحترم الشاعر الذي يتحدث عن وقائع الحياة"، ولا أعترف بالشاعر الذي يعتقد نفسه استثنائيا، وإنما أعترف بالقصيدة الاستثنائية. الشاعر عليه كيف يتحكم في القصيدة وأن يسوقها إلى منتهاها، مختتما مداخلته بأمله في تكرار هذا الملتقى في الناحية الأخرى من ضفة البوغاز. الأمسية الشعرية الختامية أدارها الشاعر والمترجم مزوار الإدريسي ليتجدد التواصل الإبداعي مع الشعراء محمد الأشعري، فرناندو بينطو ذو أمارال، كونشا غارثيا، ولويس مونيوث، وغاسطاو كروث. أما الكلمة الختامية فقد قدمها صاحب ترجمة الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا الشاعر المهدي أخريف الذي شكر الشعراء والمشاركين وكل المساهمين في هذا الملتقى الشعري الإيبيري العربي والذي بانعقاده بأصيلة التاريخ والامتداد يكون وفيا لطموج الجمعية التي تراهن على خدمة الشعر المغربي عبر الأفق الإنساني الأكثر رحابة وشساعة.
احتضن فضاء مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، الملتقى الأول للشعر الإيبيرو ـ عربي، المنظم من طرف جمعية ملتقى الشعر الإيبيرو ـ مغربي بطنجة، ومنتدى أصيلة.وذلك أيام (7 ـ 8 ـ 9 ماى 2009). وقد تميزت الجلسة الأولى التي أدارها باقتدار الشاعر المغربي والمترجم خالد الريسوني بكلمة أمين عام منتدى أصيلة السيد محمد بنعيسى الذي أكد على أهمية هذا الملتقى لخلق حوار ثقافي إبداعي بين الضفتين، وأصيلة بحكم إرثها التاريخي فضاء لمثل هذه المبادرات الثقافية التي وصفها بالجادة.كلمة الدكتور مزوار الإدريس رئيس جمعية الإيبيرو عربي ركزت على تصويب أساسي لبيت شعري للشاعر الألماني يوهان كريستيان فردريش هولدرلين (20 مارس 1770 ـ 1843م) "مايستمر يؤسسه الشعراء" انطلاقاً من الرغبة في الاستمرارية والإخلاص للشعر أولا وأخيراً فهذا الملتقى الشعري ينعقد ليمد جسور التواصل بين الضفتين، وينفتح على مختلف التجارب الشعرية، البرتغالية والإسبانية والمغربية، والطموح كبير لكي يصل السنة القادمة ـ يضيف مزوار الإدريسي ـ إلى مختلف الدول المكونة للقارات الثلاث. وفي كلمته اعتبر الأستاذ المهدي زواق أن الملتقى يشكل طموحاً متميزاً لخلق حوار حقيقي بين الشمال والجنوب، وبالتالي فآفاقه ستكون أكثر اشراقاً لأنها ترتبط بالشعر أساساً كوسيلة مثلى للتواصل بين الشعوب والحضارات. أما مدير معهد ثربانتيس بطنجة: خوصي مانويل طوليضو فقد ركز في كلمته على التنسيق في ما يخص الدورة السنوية "ذهاب ـ إياب"، مذكراً بالأدوار التي يقوم بها المعهد فيما يخص التثاقف بين المغرب وإسبانيا. وأنه سعيد بالعمل مع الجمعية ودعم الملتقى، معتذرا باسم الشاعر سالبادور لوبيث بيثيرا بسبب المرض. واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة ممثل كوديناف التعاون والتنمية مع شمال إفريقيا السيد إدريس الجبروني الذي اعترف أن كوديناف تخوض هذه التجربة بحماس، معتبرة أن المدخل الحقيقي للتنمية يكون عبر المدخل الثقافي، وأنها لأول ترفع شعار الثقافة كرهان للتنمية متمنيا للملتقى مزيدا من التألق والاستمرارية. وبعد تسلم الأكاديمي الدكتور عبد اللطيف شهبون تسيير الجلسة وفق البرنامج المحدد في كتاب أنيق يجمع بين متعة الشعر وجماليات الألوان والصور أعده الفنان التشكيلي يونس الخراز. بدأت بوادر النقاش والتواصل والإشكالات المرتبطة بالشعر والزمن، والتخييل واللغة، والفهم والتأويل، والتذوق الجمالي. وهو الأمر الذي مهد له الشاعر عبد اللطيف شهبون بفرش تاريخي دقيق حول المتصل والمنفصل في العلاقة بين الضفتين. وقد كانت الإجابة عن هذه الاشكاليات شعرية بصوت الشعراء البرتغاليين البرتغالين فرناندو بينطو ذو أمارال، وماريا أندريسن، وغاسطاو كروث، والشعراء المغاربة، عبد الكريم الطبال، وأحمد هاشم الريسوني، والشعراء الإسبان كونشا غارثيا، ولويس مونيوث، وجوردي فيرايونغا.
"شعرية الحدود" كان عنوان الندوة النقدية الأولى التي أطرها بتميز الكاتب مصطفى الورياغلي الذي وصف إشكال الحدود بالمشكلة الإنسانية، فالإنسان مند بداته الأولى تمرد على كل أشكال الحدود، موضحا الفرق بين الحدود الصغرى والحدود الكبرى، فالطموح يبقى دوما هو الوصول إلى الآخر القريب، وكلما ابتعدنا جغرافياً وتاريخياً كبرت الحدود. وانطلق الشاعر محمد الأشعري ـ وزير الثقافة سابقاً ـ من سؤال: هل هناك عبور حقيقي للقصائد نحونا؟ فالشعر بتعبيره مثل الماء مفضلا تسمية شعرية العبور بدل الحدود، ومذكراً بأبيات للشاعر بشار بن برد ليخلص إلى شعر يستخدم الحواس ويتجاوز المسافات. وحواجز اللغة والجنس،فالشعر يتجاوز كل الحدود بحكم طبيعته العابرة والتي لاتقبل أن تعيش فقط في التربة التي نبتت فيها. وانطلاقاً من هذا الأفق الكوني ـ يضيف محمد الأشعري يمكن أن نبدع شعراً، ونحن نتمثل شعرية الآخر، وأفترض أن المسألة تتعلق بالترجمة لأنها تسعف في فتح الآفاق الممكنة، وأنا أتطلع إلى أن نستبطن كل الحدود الممكنة، الحدود بين اللغات وبين الحساسيات، الحدود التي تبعث عددا من إمكانات المغامرة المشاركَة. أما الشاعرة كونشا غارثيا فقد انطلقت في مداخلتها المعنونة بـ "فوق حدود اللغة" من الأصل اللغوي اللاتيني لكلمة حدود، والذي يعني: "طريق أو سبيل بين حقلين". فالإنسان يحب العيش في هذا الفضاء لأنه فضاء حر لا يمتلكه أحد، ولكنه يعرف أيضا أنه لن يستطيع ذلك، لأن الإقامة الدائمة في الحدود غير ممكنة. والأمر ذاته ينطبق على كلمة لغة الشعر. فهي تسير في سبيل محصور بين حقلين. في جانب يتحكم النظام والتقاليد الموروثة والنموذج.
وفي الجانب المقابل يسود خليط من اللغات القديمة والألفاظ الجديدة المخترغة، عالم لا يحكمه نظام، وفي الحدود بين هذين الحقلين يقف الشاعر ينظر إلى هذا الجانب وإلى ذاك. فالشاعر يتعلم من وجوده في الحدود كيف ينظر إلى الجانب الآخر. وكيف تسافر الكلمات من حقل إلى آخر. وأن هذا الانتقال الدائم من شأنه أن يليّن هذه الحدود ذاتها ويجعلها أكثر مرونة. كما أشارت الشاعرة إلى أنها حاولت دائما في تجربتها الشعرية وفيما تزاوله من أنشطة ثقافية الانفتاح على تجارب شعرية مختلفة اللغات والثقافات، فاستضافت في لقاءات شعرية شعراء من البرتغال والمكسيك والأرجنتين، كما استضافت من المغرب الشاعرتين وفاء العمراني وإيمان الخطابي. وفي الأخير أكدت الشاعرة أن الحدود يجب أن لا توجد في الشعر، وأن الترجمة المتبادلة ضرورية لتجاوز تلك الحدود. كما أشادت بالدور الأساس الذي يمكن أن يضطلع به هذا الملتقى في هذا المجال. في حين انصبت مداخلة غاسطاو كروث التي وسمها بـ "الشعرية بحث وسؤال" على مجموعة من الأسئلة التي تترتبط بانفتاح الشعر على التصوف والمقدس، مؤكدا على اعتفاد مفاده أن الشعر مرادف للحرية، وأن صعوبة الشعر تكمن أساسا في استحالة فك لغز تعقيداته.
ولعل صور مداخلة الشاعر عبد الكريم الطبال "عن شعرية الحدود، سفر في الغيب"، والتي استحالت معها الترجمة الفورية التي شكلت نقطة مضيئة في هذا الملتقى أكد من خلالها راهب الشعر المغربي على أن الشعر سفر في الغياب، أما الشاعر فيبقى دوما بؤرة شوق وطلاقة، حلم وضراوة، ربما مهمته الأدنى والقصوى كعلاقة الشاعر ـ أن يصنع من كلمة قاربا ثم أن يشق البحر اللامتناهي.. فالسفر قدره لا يألف مكانا ولا يستطيب زمانا، دائما في سفر منذ أبيه هو السائل والمسؤول، وهو النابض والكامل، مستشهدا بابن عربي الذي يقول:" إن العالم بأسره إنسان كبير وروحه فهو الإنسان الكامل" ومن أجل هذه البديهة كان السفر في الذات التي حلي غيب سفرا في الحياة. في الكون. فالفطرة بحر والحرف ملكوت والدائرة كون. ومع أهوال السفر ومع غرائبه لا يبلغ الشاعر درجة الشفوف للذات الطاهرة الباطنة مهما كابد وتشوف..ولربما كان الشعر في هذه المسيرة الغامضة أهم مشكاة للإنسان للبحث عن الإنسان، وبين شاعر وآخر، فلا يبين من يضيء بشمعته، وبين من ينير بفانوس وأحيانا من يستنير بشمس فالشعر كشوفات على قدر بين من التنوع والرتب. مختتما مداخلته بتبيان مفاده أن الشاعر والصوفي في أروقة واحدة كلاهما عمل المشكاة، وكلاهما في الشعر. وهما معا طبقات ومقامات. أما الشاعر لويس مونيوث فقد بدأ مداخلته باعتقاد يذهب إلى اعتبار أن خير مسكن للشعر هو فضاء الحدود، حدود الذوات، وحدود الأساليب، وحدود الثقافات. فتلك الحدود تجعل الشعر يعيش في بحث وسؤال مستمرين ودائمين، فالحدود تجعل الشاعر يخرج من حدود ذاته منطلقا نحو الآخر، وفي توجهه نحو الآخر يعمق معرفته بذاته. أما الشاعر فرناندو بينطو ذو أمارال اعترف فقد سعى في مداخلته إلى تبادل أفكار اعتقادا منه أن هناك دوما حدودا وجدت في الواقع، فالشعر وعبر كلماته يسعى للقبض على هذه الحدود، بالرغم من أنه يحس بنقصان في هذه الممارسة مضيفا أن للشعر حركة تسمح بالتوجه إلى الآخر انطلاقا من كون أن للشعر قدرات كونية هائلة، لأنه يتجاوز الحدود بين الأشخاص ويسمح بشيء آخر هو النزول إلى حدودنا الداخلية، ولقاء ذواتنا عن طريق القراءة التي تيسر هذا النزول. فالحدود بالنسبة للشاعر في مجال الثقافة واللغة والموسيقى لها قدرة كبيرة على هدم الحدود بين الشعوب. ليتوقف بعد ذلك عند الترجمة بوصفها شرا لابد منه، لأنها ضرورية كي يقع التجاوب بينها، بالرغم من ضياع أشياء حقيقية أثناء عملية الانتقال من لغة إلى أخرى، وهنا أكد على مسألة أن تتعلق بضرورة أن يكون الشاعر مترجما،وهو ماأثار نقاً حاداً حول هذه الصفة الملازمة للمترجم.
وحملت المداخلة الموسومة بـ: "شعرية الحدود، على أهبة القصيدة" "للشاعرة ثريا ماجدولين"، أشكالات مضاعفة بحكم رفضها لمصطلح الكتابة النسائية لانها تسييج للكتابة القائمة على الحرية مشيرة إلى فعل الكتابة بوصفها فرصة لمجالسة الذات ونسج العزلة الرفيعة التي بفضلها تمكنت من الإصغاء إلى دواخلها الباطنية وفتح دواليب الغياب في عالمها. وقد تلت هذه المداخلات التي أطرها الدكتور محمد المسعودي بخبرته النقدية المعهودة سجالات نقدية مرتبطة بالمفاهيم التي أثيرت في المداخلات السالفة الذكر. لكن جمال القصيد أعاد الحضور ليستحم في نهر الشعر مرتين، فقرأت وماريا أندريسن، وعبد الكريم الطبال، وأحمد هاشم الريسوني، وثريا مجدولين، وجوردي فيرايونغا.
الجلسة الأخيرة لهذا الملتقى أطرها الشاعر عزالدين الشنتوف، الذي فضل الحديث باللغات الثلاث من أجل خلق تواصل فعال وسريع، فكانت البداية مع الشاعرة وماريا أندريسن التي عنونت مداخلتها "قلب بدون حدود"، معتبرة في هذا السياق أن هناك حدود نفسية وجغرافية تبحث المسافات، بخاصة حينما يتعلق الأمر بالأحاسيس الشعرية، فضرورة التواصل مع الحساسيات الشعرية الأخرى تقتضي أن نكتب بضمائر متعددة، وان ننفتح على العيش بين الحدود وفي الحدود ثقافيا، بهدف خلق جسر بين الكلمات، مؤكدة على استحالة ترجمة الإيقاع في النصوص الشعرية، مشيرة إلى إمكانية وجود الكاتب/ الشاعر/ الأنا/ الأنت/ فهذا أمر مختلف عما يمكن أن يكتب الآخر. وركزت مداخلة الدكتور أحمد هاشم الريسوني على إشكالية النظر إلى الحدود على المستوى الجغرافي انطلاقا من الجسد الذي له حدود مع الأجساد والمكونات الأخرى، في هذا السياق تكون الذات هي المحور التي تفصل بين هذه المكونات. وقبل أن يتحدث عن الحدود بين العلاقات، تطرق إلى الحدود المحلية لكل ذات بوصفها تملك قابلية التنوع، لأن الحدود قائمة في الذات قبل أن تكون حدود خارجية،، فكل قصيدة منفتحة على قصيدة أخرى ومن ثمة تتلاشى الحدود.ولعل هاته التأويلات نابعة من الخبرة الأكاديمية التي راكمها أحمد هاشم الريسوني بوصفه أكثر الباحثين تتبعا للمشهد الشعري المغربي والعربي مند تمانينات القرن الماضي. وهناك حدود قائمة بين الشاعر المغربي والشاعر المصري ـ بتعبير الريسوني ـ ووحدها القصيدة من تحاول أن تخترق هذه الحدود عن طريق إيقاعها وصورها، في حين لا يمكن للذات المنغلقة أن تتقدم بدون انفتاح على ذوات أخرى. فالبوح والمكاشفة لا تحضر دائما، وتلك حدود أخرى، وهذه المكاشفة تحضر في لحظة معينة عبر اختراق هذه الحدود التي تكون حدودا وهمية لأنها قائمة في الذات. مشيرا في ذات الوقت إلى بعض المستويات التي لا حدود لها مثل مستوى الإيقاع الذي لايمكن أن نربطه بالوزن، لكونه يتجاوزه، فالإيقاع تَشكُّل الذات في حركيتها المتوالية في وجودها، واللغة نفسها تصبح جدارا إذا لم تنفتح على ذوات أخرى ولغات أخرى. لينتهي إلى أن الترجمة عملية حضارية، بدءا من دورها في تكسير الحدود بين الثقافات والحضارات، وأن شعرية الحدود قائمة على الممكن وضد الكائن. أما المداخلة الأخيرة للشاعر وجوردي فيرايونغا فقد حاول من خلالها أن ينبه إلى مسألة الترجمة وما قد يعترضها مشاكل تترتبط بضياع خصوصية الشعر، حيث يضيع الصمت، والإيقاع، معترفا باستحالة الترجمة في كثير من النصوص، ومن ثمة يدعوا إلى ضرورة التفكير في مترجمين شعراء، والعمل على تكوينهم. فالترجمة بالنسبة للشاعر فعل متعة فيه سرور، ومعايشة للنص وابتهاج به، متطرقا إلى أهمية الشعر الذي يوغل نفسه في الواقع، واعتبره الأقرب إلى تجربته، يقول "أحترم الشاعر الذي يتحدث عن وقائع الحياة"، ولا أعترف بالشاعر الذي يعتقد نفسه استثنائيا، وإنما أعترف بالقصيدة الاستثنائية. الشاعر عليه كيف يتحكم في القصيدة وأن يسوقها إلى منتهاها، مختتما مداخلته بأمله في تكرار هذا الملتقى في الناحية الأخرى من ضفة البوغاز.
الأمسية الشعرية الختامية أدارها الشاعر والمترجم مزوار الإدريسي ليتجدد التواصل الإبداعي مع الشعراء محمد الأشعري، فرناندو بينطو ذو أمارال، كونشا غارثيا، ولويس مونيوث، وغاسطاو كروث. أما الكلمة الختامية فقد قدمها صاحب ترجمة الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا الشاعر المهدي أخريف الذي شكر الشعراء والمشاركين وكل المساهمين في هذا الملتقى الشعري الإيبيري العربي والذي بانعقاده بأصيلة التاريخ والامتداد يكون وفيا لطموج الجمعية التي تراهن على خدمة الشعر المغربي عبر الأفق الإنساني الأكثر رحابة وشساعة.