يوجه الشاعر المصري، محمود فرغلي، رسالته الشعرية الى الضمائر الحية في وقت تشهد فيه أنبل القضايا العادلة تواطؤا مكشوفا وإجحافا وتكريسا لواقع مر، هي صرخة شاعر لا تهادن وتفكيك لهذا المشهد الكاريكاتوري الساذج والذي لا يرى في مصالحه إلا جسرا دفن فيه أروح الشهداء، وأعلى من كيان مستبد ومحتل غاشم.

الحرام

محمود فرغلي

 

                                 إلى ظبية خميس

قفي نبكِ يا أختُ

هذي الدموعُ حلالٌ،

وكم ذرفَ المترفون الدموعَ الحراما

قفي  نبكِ 

لهذي الدموع جلالُ الندى فوق عشبِ القفارِ،

لها صفحةُ الرمل سجادةٌ للصلاة

لها الريحُ مئذنةٌ

والحنينُ حداء

يمجُ زمانا تبيض لياليه قهرا وتسخو ظلاما.

قفى فالمسافاتُ مسكونةٌ بالكمائن،

ما من سبيل بغير عِثارٍ

وليس  سوى وحشةٍ في الحياةِ تنيمَ الضحايا

قفي فالبلاد رزايا

 ولا تستطيبُ لمن يعشقون الترابَ مقاما

قفي فالبلادُ 

دثارٌ من الوجع المستريب

تغطَّي به من هوى واستنامَ.

قفي نبك  

هذى بلادٌ تهادن فجارَها

وتربتُ ظهرَ اللصوص

تربي الطغاةَ

وتسخر ممن قضى نحبَه كي يصدَّ  اللئامَ،

وممن أحب  ولم يُمط  الموتُ عن نافذِ الحب بين الضلوعِ اللثامَ،

ومن مد كفيه يحضنُ زيتونَه

ويموتُ إذا ما رأى النارَ تطهو بأغصانه للبغاةِ إداما

ومن نحن ؟

نحن بتلك البلاد يتامى

ونحن الأُلى يعرفون السلام الذي في الصلاة:

ربيعَ التحايا

عروسَ اللقاءات بين الأحبة

لأصداءه شجرٌ ناعس في القلوب

 وطلٌ  ينير الوجوه وئاما

ونحن الألى لا يرون السلامَ بغير مكاتيبَ ممهورةٍ بالدماء

 بها تستقيمُ العهودُ،

ويُضبط قابُ الكلام لكيما يكونَ كلاما

سلامٌ بلا دانة وبلا شظيةٍ وبلا طائرات تدك الحصونَ،

ودبابة تهرس الخوفَ كيف يسمى سلاما!

سلام يلوك الخياباتِ معجونةً بالخيانات منقوعةً في المرارات

كيف يكون سلاما!

سلام  يولي الوجوه لتل أبيبٍ، 

ويرقص في كامب ديفيد،

يسجد بين يدي

الدعاة

الرعاة

السعاة

الوشاة

الجناة

الطغاة

فكيف يكون سلاما!

سلام يخونُ  المكان بحسبانه أن بين حشود الصقورِ حماما

ويعصى الزمانَ بحسبانه أن من في الوراء سيغدوا إماما

 سلام توضأ من دمنا ثم قاما

سلام يسبح خوفا يدبج خطبا

وليَ  نصوصٍ

وتأويلَ آي

ودس أحاديثَ كيما يصير العدو حببيا

فنرضي جوارَ الدهاقين

نألف وجهَ المرابين

نراهم يقيمون ما بين صيدٍ وفخ غراما

سلام يؤذنُ له في المعابد،

نصلى له خاشعينَ،

وقد قام شارونُ فينا إماما

سلام النعامِ

سلام البغامِ

سلام  كأشلاء طفل  تسأل في حيرةٍ

كيف ذاك

لماذا

علاما؟

ومن نحن؟

نحن الذين يموتون من كمد إذ يرون الأيادي تشدُّ الأيادي،

 غثاءَ النشيد يصم الأذان ويخرس صوت المآذنِ

 على جثة الحق حين تطرقعُ نشوى كؤوس الندامى

ويرضىى الفخامات

أهل السمو

الجلالات

رب الجنود

الرؤوس

الرئاسة

أهل المعالي

وأهل الحراسة

يرضى الطوال

ليحيَوا طوالا

ويبقى السلامُ طريا

قفي نبك يا ظبية الصدق جيلا شقيا

يبيع  ببخسٍ

وينسى خطاياه عاما فعاما

وكل الأماكن في عينه قصرُه

وكل الليالي ما طاله الكفُ

بالهصر والعصر واللمس والحكِّ والدلكِ والدكِ

كل الليالي فراشٌ تهيا

فهل سنموت  يا أختُ  ولا قدسَ في القلب،

وفي ظهرنا خنجرُ يبرقُ من حمية في الدماء

ويا كم يحب الخؤؤون الظلاما

ومن نحن؟

نحن بهذي البلاد يتامى

فمرِّي على القوم

في فيكِ ما يلقى في الماء حجرًا

ويوقظ هدأةَ زيفٍ  بقلب العواصم

وفي فِيك  حلمٌ قديم

وطفل يقاومْ

ضياء كلامكِ،

نور مقامكِ،

باقية أنت طودا ترَين كزرقاء يوما تطاير فيه العروش وتهوى العمائم

فكوني الفنارَ لمن لا يرون لهم شمعة في عباب الظلام

و كوني الحجارةَ في كف طفلٍ غدٍ

حينما مسه الشوقُ قاما

ويوم كبتْ بالكبار الظهورُ استقاما

ويوم تناومت الطائراتُ عن الحق زامَ

ومن حين بالتْ جيوشٌ على نفسها فاضَ طهرا

ولم ينتظرْ نجمة أو وساما

فلا تبك يا ظبي 

فما زال في القلب أصداءُ لحن بهي وحالم

ومن كلما قيل مات بجبِ القلوب تنامى،

سلامُ الملوك الأشاوس ما كان إلا سلاما حَراما

سلام الملوك الأشاوس ما كان إلا سلاما حراما.